كشفت مواقف الفصائل المسلحة في سوريا على اختلاف مشاربها وانتماءاتها، من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، عن مدى ارتباط مختلف هذه الفصائل بالحكومة التركية، وحجم الإحساس باليتم الذي كان سيصيبها لو نجح الانقلاب. وفيما اتفقت جميع الفصائل على تغييب كلمة «الديموقراطية» من بيانات التهنئة التي أصدرتها، فقد انفردت «أحرار الشام» بإعطاء «الالتحام الروحي مع تركيا» بعداً أوسع يتجاوز سوريا ليشمل العالم بأسره.

 

وإذ لم يعد خافياً أن الحدود السورية ـ التركية تقوم بالنسبة للفصائل المسلحة بدور الحبل السرّي الذي تتوقف عليه حياتها، فقد كان من الطبيعي أن تكون ليلة الانقلاب هي ذروة الخطر الذي يتهدد وجود هذه الفصائل، لأن مصيرها مرتبط بمصير الحكومة التركية كارتباط الجنين بأمه، وهو ما جعل بعض البيانات تتّسم بنوع من العاطفة الخاصة التي تدل على نوعية العلاقة الروحية وليس المادية فقط التي تجمع بين «الأم التركية» وأبنائها.

ووصفت حركة «أحرار الشام» ليلة الانقلاب بأنها «ليلة من ليالي التاريخ الفاصلة، وساعات كانت عصيبة». أما «تجمع أهل العلم في الشام»، وهو تجمع لمجموعة من «الشرعيين» الكبار في الساحة السورية، على رأسهم السعوديان عبد الله المحيسني ومصلح العلياني، والعراقي أبو ماريا القحطاني، وهو قيادي في «جبهة النصرة» وموضوع على قائمة الإرهاب الأميركية، فقد وصف ليلة الانقلاب بأنها «ليلة سوداء مظلمة مرت على أمتنا المسلمة، بلغت فيها القلوب الحناجر، وسهر فيها كل محب لدينه وأمّته».

وحصرت غالبية الفصائل سبب إحساسها بالفجيعة ليلة الانقلاب بالدعم الذي تتلقاه من الدولة التركية، كما فعل «جيش الإسلام» ومجموعة «الفصائل الثورية» وهي تضم حوالي خمسين من كبرى الفصائل المسلحة التي يتركز معظمها في محافظة حلب. لكن «أحرار الشام» لم تكتف بالاستناد إلى سبب الدعم، وإن كانت هي الأكثر استفادة منه بسبب علاقتها العالية المستوى مع الجانب التركي، بل ذهبت أبعد من ذلك كثيراً، حيث تحدثت عن علاقة «الالتحام الروحي مع تركيا» واصفة الأخيرة بأوصاف تشير بما لا يدع مجالاً للشك الى أن العلاقة بين الطرفين، أو للدقة بين الجناح السياسي للحركة الذي أصدر البيان وبين تركيا، يفوق جميع التوقعات.

وقد اكتفت الفصائل السابقة بالحديث عن الدور التركي في دعم «الثورة السورية» وأن «انتصار تركيا هو جزء من انتصار الشعب السوري» كما ورد في بيان «جيش الإسلام». أما البيان الصادر عن الجناح السياسي للحركة، فقد تحدث عن تركيا باعتبارها «أمل الأمة المسلمة في جميع أنحاء العالم»، متمنياً أن «تستمر تركيا في ممارسة دورها التاريخي في قيادة المنطقة نحو الأمن والأمان». ويبدو التأثير «الإخواني» جلياً في صياغة عبارات البيان، وهو يتجاهل بكل الأحوال حالة شبه العزلة التي تعيش أنقرة في ظلالها وجعلتها تفقد الكثير من دورها في المنطقة، حتى اضطرت قبل أيام من الانقلاب إلى الشروع في استدارة واسعة لإصلاح بعض ما أفسدته سياساتها السابقة.

والمفارقة أن غالبية هذه الفصائل، وهي ذات انتماءات وايديولوجيات متعددة، منها ما يدّعي أنه ينتمي لمسمى «الجيش الحر»، ومنها فصائل إخوانية وبعضها ينتمي إلى «السلفية العلمية» وأخرى إلى «السلفية الجهادية»، قد اتفقت في ما بينها على شطب كلمة «الديموقراطية» من بياناتها التي هنّأت فيها حليفتها تركيا على فشل الانقلاب، فلم ترد هذه الكلمة في أي من البيانات الصادرة عن هذه الفصائل. وهذا أمر مفهوم بالنسبة إلى «أحرار الشام» و «تجمع أهل العلم» خاصة، لأنهما لا يخفيان تكفيرهما للديموقراطية وكل من يعمل بها، شأنهما في ذلك شأن تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة»، علماً أن هذا الموقف التكفيري لم يشكل فرقاً لدى الإدارة الأميركية التي ما زالت تحمي الحركة من التصنيف على قائمة الإرهاب.

وعلى الرغم من أن «جبهة النصرة» لاذت بالصمت تجاه «ليلة الانقلاب»، إلا أن الشيخ الأردني أبا محمد المقدسي، وهو مرجعية أساسية لتيار كبير داخلها، اعتبر أن «رعاية اللاجئين والمستضعفين غير مقدمة على مصلحة التوحيد»، وبما أن الرئيس التركي رجب أردوغان «لا يطبق الشريعة الإسلامية، ويُظاهر الكفار على المسلمين» فهو «طاغوت علماني» لا تجوز مناصرته، خصوصاً أن مشاركة تركيا في «التحالف الدولي» لن تقتصر على محاربة تنظيم «داعش» بل ستمتد إلى «جبهة النصرة» كما قال.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-07-18
  • 13442
  • من الأرشيف

مسلحو سورية وساعات الانقلاب التركي العصيبة

كشفت مواقف الفصائل المسلحة في سوريا على اختلاف مشاربها وانتماءاتها، من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، عن مدى ارتباط مختلف هذه الفصائل بالحكومة التركية، وحجم الإحساس باليتم الذي كان سيصيبها لو نجح الانقلاب. وفيما اتفقت جميع الفصائل على تغييب كلمة «الديموقراطية» من بيانات التهنئة التي أصدرتها، فقد انفردت «أحرار الشام» بإعطاء «الالتحام الروحي مع تركيا» بعداً أوسع يتجاوز سوريا ليشمل العالم بأسره.   وإذ لم يعد خافياً أن الحدود السورية ـ التركية تقوم بالنسبة للفصائل المسلحة بدور الحبل السرّي الذي تتوقف عليه حياتها، فقد كان من الطبيعي أن تكون ليلة الانقلاب هي ذروة الخطر الذي يتهدد وجود هذه الفصائل، لأن مصيرها مرتبط بمصير الحكومة التركية كارتباط الجنين بأمه، وهو ما جعل بعض البيانات تتّسم بنوع من العاطفة الخاصة التي تدل على نوعية العلاقة الروحية وليس المادية فقط التي تجمع بين «الأم التركية» وأبنائها. ووصفت حركة «أحرار الشام» ليلة الانقلاب بأنها «ليلة من ليالي التاريخ الفاصلة، وساعات كانت عصيبة». أما «تجمع أهل العلم في الشام»، وهو تجمع لمجموعة من «الشرعيين» الكبار في الساحة السورية، على رأسهم السعوديان عبد الله المحيسني ومصلح العلياني، والعراقي أبو ماريا القحطاني، وهو قيادي في «جبهة النصرة» وموضوع على قائمة الإرهاب الأميركية، فقد وصف ليلة الانقلاب بأنها «ليلة سوداء مظلمة مرت على أمتنا المسلمة، بلغت فيها القلوب الحناجر، وسهر فيها كل محب لدينه وأمّته». وحصرت غالبية الفصائل سبب إحساسها بالفجيعة ليلة الانقلاب بالدعم الذي تتلقاه من الدولة التركية، كما فعل «جيش الإسلام» ومجموعة «الفصائل الثورية» وهي تضم حوالي خمسين من كبرى الفصائل المسلحة التي يتركز معظمها في محافظة حلب. لكن «أحرار الشام» لم تكتف بالاستناد إلى سبب الدعم، وإن كانت هي الأكثر استفادة منه بسبب علاقتها العالية المستوى مع الجانب التركي، بل ذهبت أبعد من ذلك كثيراً، حيث تحدثت عن علاقة «الالتحام الروحي مع تركيا» واصفة الأخيرة بأوصاف تشير بما لا يدع مجالاً للشك الى أن العلاقة بين الطرفين، أو للدقة بين الجناح السياسي للحركة الذي أصدر البيان وبين تركيا، يفوق جميع التوقعات. وقد اكتفت الفصائل السابقة بالحديث عن الدور التركي في دعم «الثورة السورية» وأن «انتصار تركيا هو جزء من انتصار الشعب السوري» كما ورد في بيان «جيش الإسلام». أما البيان الصادر عن الجناح السياسي للحركة، فقد تحدث عن تركيا باعتبارها «أمل الأمة المسلمة في جميع أنحاء العالم»، متمنياً أن «تستمر تركيا في ممارسة دورها التاريخي في قيادة المنطقة نحو الأمن والأمان». ويبدو التأثير «الإخواني» جلياً في صياغة عبارات البيان، وهو يتجاهل بكل الأحوال حالة شبه العزلة التي تعيش أنقرة في ظلالها وجعلتها تفقد الكثير من دورها في المنطقة، حتى اضطرت قبل أيام من الانقلاب إلى الشروع في استدارة واسعة لإصلاح بعض ما أفسدته سياساتها السابقة. والمفارقة أن غالبية هذه الفصائل، وهي ذات انتماءات وايديولوجيات متعددة، منها ما يدّعي أنه ينتمي لمسمى «الجيش الحر»، ومنها فصائل إخوانية وبعضها ينتمي إلى «السلفية العلمية» وأخرى إلى «السلفية الجهادية»، قد اتفقت في ما بينها على شطب كلمة «الديموقراطية» من بياناتها التي هنّأت فيها حليفتها تركيا على فشل الانقلاب، فلم ترد هذه الكلمة في أي من البيانات الصادرة عن هذه الفصائل. وهذا أمر مفهوم بالنسبة إلى «أحرار الشام» و «تجمع أهل العلم» خاصة، لأنهما لا يخفيان تكفيرهما للديموقراطية وكل من يعمل بها، شأنهما في ذلك شأن تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة»، علماً أن هذا الموقف التكفيري لم يشكل فرقاً لدى الإدارة الأميركية التي ما زالت تحمي الحركة من التصنيف على قائمة الإرهاب. وعلى الرغم من أن «جبهة النصرة» لاذت بالصمت تجاه «ليلة الانقلاب»، إلا أن الشيخ الأردني أبا محمد المقدسي، وهو مرجعية أساسية لتيار كبير داخلها، اعتبر أن «رعاية اللاجئين والمستضعفين غير مقدمة على مصلحة التوحيد»، وبما أن الرئيس التركي رجب أردوغان «لا يطبق الشريعة الإسلامية، ويُظاهر الكفار على المسلمين» فهو «طاغوت علماني» لا تجوز مناصرته، خصوصاً أن مشاركة تركيا في «التحالف الدولي» لن تقتصر على محاربة تنظيم «داعش» بل ستمتد إلى «جبهة النصرة» كما قال.  

المصدر : عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة