دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في بعض بيوت المسلمين اليوم مشكلة نكاد جميعا نعرفها إلى أن يفرج النقاب عنها كما حصل لذاك العسكري التونسي الذي ذهب إلى تركيا لإعادة ابنه المنخرط مع “داعش” إلى بلده وبيته، فإذا بانتحاريي هذا التنظيم يقتلونه في مطار اسطنبول مع أعداد أخرى لا ذنب لها سوى تواجدها بالصدفة في المكان.
لم يأكل الأهل الحصرم هذه المرة كي يضرس الأبناء، وإنما حصل العكس. اختار هؤلاء الشباب المنحدر كل منهم من أسرة وبيت ومجتمع الاستجابة لعقول مجربة في الإرهاب، لكنها مدربة على اجتذاب الشباب، بل إن تنظيما إرهابيا كـ”داعش”، وفي زمن عربي متراجع الأفكار وفاشل في تجربته الحزبية لا بد أن يؤثر في تلك العقول النضرة البسيطة التفكير القليلة الثقافة حتى انعدامها، فالمرء بطبعه اجتماعي، يحب التجمعات، ويهوى المغامرات في مرحلة شبابه، والسلاح أفضل تعبير عن المغامرة وعن شكلها كونها تشعره بالتفلت من كل قيد..
ونعود إلى بعض بيوت المسلمين في أقطار العرب، لعلها مصابة بالرعب على أبنائها، الجيل الصاعد الذي لم يخض تجربة بعد، تراه يستجيب لفكرة البندقية باليد والعيش في الطبيعة وإطلاق النار غسلا لإحساس عنيف يراد تفريغه .. فقد كان السوفيات سابقا يقضون على إحساس المراهقة وتفلت الشباب بالتدريب القاسي في الجيش ومن ثم بالفنون عموما ثم بالرياضة المتطورة، كانت تلك تغسل أدمغة الشباب وما أن يخرج منها حتى يكون قد استهلك تماما ولا يريد سوى الهدوء مساحة لحياته.
تجربة “داعش” تتمدد أفقيا فتضم شبابا من كل الأماكن العربية والإسلامية .. حتى الآن قتل من “داعش” وحده ما يربو على 49 ألفا من عناصره، ناهيك عن أسراه وجرحاه، وهو رقم كبير، وتدل معارك جنوب سوريا المتوقفة تقريبا أن أسبابها عدم وجود أعداد لكل التنظيمات الإرهابية بعدما تمكن الجيش العربي السوري من القضاء على الجزء الأكبر منها، وكذلك الحال في أماكن أخرى مما دفعها (التنظيمات) إلى الاعتماد على الفتيان الذين هم تحت السن القانونية بعد تدريبهم وتجهيزهم لرميهم في المعارك، وخصوصا في العلميات الانتحارية التي ثبت أن الجزء الأكبر من منفذيها هم في سن صغيرة.
في تلك البيوت إذن معاناة غياب الشباب عن بيوتهم للالتحاق بالإرهابيين وخصوصا بـ”داعش” التي تروق أفكارها لهم بالنظر إلى عنوانها المغري كـ”دولة” إسلامية. ومن الواضح أن خضوعهم لمسح عقولهم وغسلها بالأفكار الجديدة، سيكونون أمام دين جديد تماما، بمفاهيم وطقوس لم يجر أن عرفوها من قبل، هو غير الدين الإسلامي الذي شربوه منذ طفولتهم في بيوتهم، وسمعوه من أهلهم وأبناء مجتمعهم ومدارسهم ..
لا شك أن مجتمعاتنا العربية ـ الإسلامية قد تخربطت واهتزت تحت وقع ما جرى لبعض شبابها الذي إن قتل على الجبهات فقد أوجد مشكلة أبدية لدى عائلته، وان عاد بعد مدة من القتال فهو مغسول الدماغ مضطرب الأعصاب شاب جديد لا علاقة له بأي مجتمع عربي ولا بمجتمعه، فكيف عليه أن يتعايش مرة أخرى مع نظام حياة لا يشبه إطلاقا مرحلة عاشها مع الإرهاب، ومارس من خلالها القتل والذبح والسحل والرجم والمعارك وكل الموبقات التي تخلق وحشا بداخله.
مسكين ذاك التونسي الذي أراد إنقاذ ابنه فإذا بتنظيم ابنه يقتله، وربما لم يكن ابنه أحد المنتحرين الذين نفذوا بالمصادفة أيضا في مطار اسطنبول.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة