دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تلقت تركيا ضربة موجعة في قمة منظمة شنغهاي التي اختتمت أعمالها في 24 الجاري في العاصمة الأوزبكية طشقند بعدم توجيه الدعوة إلى رئيسها رجب طيب أردوغان لحضور فعالياتها، التي شهدت تحولات دولية بارزة، وهو الحريص على حضور جميع قممها بصفة بلده شريكاً في الحوار تقرر تأجيل النظر بطلبه للحصول على عضوية المنظمة مقابل طرح طلب إيران للانضمام كعضو فاعل.
ومرد ذلك، الخلاف المتفاقم بين موسكو وأنقرة على خلفية انحياز الأخيرة ضد الأولى في ملفي أوكرانيا والقرم وسعيها إلى إفشال جهودها لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية وإسقاطها طائرة سوخوي فوق أراضيها إضافة إلى الصراع المتأجج بين تركيا وأرمينيا بسبب تحيز الأولى أيضاً إلى جانب أذربيجان في صراعها مع الأخيرة التي تؤيدها موسكو حول إقليم ناغورني قره باخ.
وتأتي أهمية القمة الأخيرة للمنظمة باتخاذ قرار انضمام العدوين اللدودين باكتسان والهند إلى مظلتها التي تضم كلاً من روسيا والصين وأوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان واعتبار بيلاروسيا شريكاً في الحوار مع سريلانكا، وجمهورية روسيا البيضاء إلى جانب إيران ومنغوليا وأفغانستان كأعضاء مراقبين وإقرار اعتبار سورية ومصر شريكين في الحوار بعد أن تقدمتا بطلب الحصول على صفة دولة مراقب في المنظمة التي باتت تضم نصف عدد سكان العالم وأقوى تكتل اقتصادي عالمي مرتقب مواز لحلف شمال الأطلسي.
إقصاء تركيا عمداً إلى أمد مجهول من الانضمام لمنظمة شنغهاي قد يطول كثيراً ويعني حرمانها من الانخراط في اقتصاد دولي تزيد ميزانيته عن 800 تريليون دولار، وذلك إثر فشل جهودها وعلى مدار ثلاثة عقود من بدء تقديم طلب الانتساب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنها انضمت «كشريك حوار» في المنظمة منذ نيسان 2013 وأعلنت على لسان وزير خارجيتها وقتئذ أحمد داوود أوغلو أن مستقبلها في آسيا لكن لا آسيا قبلت بها ولا أوروبا جراء سياساتها الخارجية العنجهية التي تحولت من «صفر مشاكل» مع دول الجوار إلى «كومة مشاكل».
خيبة أمل تركيا الأردوغانية من سراب الانضمام لـ«شنغهاي» يقابله اتساع رقعة أوهامها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الرغم من إعلانها بدء جولة جديدة من المفاوضات معه في 30 الجاري بالتزامن مع تصعيد أردوغان في وجه قادة الاتحاد الأوروبي وتلويحه بإجراء استفتاء شعبي لمواصلة مفاوضات الانضمام كرد فعل على مماطلتهم في حسم هذا الملف الذي تعكر صفوه قبرص الرافضة بشكل قاطع استمرار النقاش فيه ولاسيما بعد الموقف الملتبس لبلجيكا حوله وإعلان المستشارة الألمانية صراحة أنها لا تؤيد انضمام تركيا للاتحاد خصوصاً بعد الخلاف حول قانون مكافحة الإرهاب التركي الذي يرفض الرئيس التركي تعديله استجابة لمطالب المفوضية الأوروبية بتطبيق المعايير الخاصة بها كنوع من العراقيل التي تضع الحصان في مقدمة عربة الانضمام حيث لم يغلق بعد سوى ملف واحد فقط من 14 ملفاً تم فتحها من أصل 33 فصلاً من فصول التفاوض لاستيفاء معايير الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا التي تأمل راهناً فتح ملفات الاقتصاد والسياسة النقدية والطاقة والعدالة والحرية والأمن والقضاء والحقوق الأساسية والتعليم والثقافة والأمن الخارجي والسياسات الدفاعية وكلها ملفات شائكة قد يستلزم إغلاقها عقوداً.
وزاد من بلة طين انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي خروج بريطانيا أخيراً من الاتحاد وهي أهم عضو مساند لجهودها للحصول على عضويته، كما أن من شأن صعود أسهم اليمين في بعض الدول الأوروبية مستقبلاً، وفق ما ذهبت إليه استبيانات الرأي، الإطاحة بأي أمل لها في مواصلة مساعيها للانضمام التي استغرقت نحو 11 سنة من دون تلبية الاشتراطات الإصلاحية الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية.
يمكن القول إن تركيا خرجت إلى الآن خالية الوفاض من المكاسب التي ستحصل عليها، وخصوصاً اللازمة لإنعاش اقتصادها، من منظمة «شنغهاي» والاتحاد الأوروبي وبقية التكتلات العالمية، وعليها من أجل تحقيق تقدم محتمل في نيل مرادها إعادة النظر بسياساتها الخارجية وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول الجوار والدول التي تعتقد أن لها حصة تاريخية فيها مثل دول آسيا الوسطى التي اندمج معظمها في «شنغهاي» وتركتها وحيدة تغرد خارج سرب التكتلات الدولية، كما أنها بفقدانها لسورية فقدت الممر الوحيد لها نحو البوابة الاقتصادية العربية التي عدتها في وقت ما بديلاً من الدول الأوروبية لكنها أضاعت بوصلتها وكل أهدافها هباء منثوراً.
المصدر :
الوطن/ليون زكي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة