ربما يؤدي عزم تركيا منع قيام منطقة للأكراد ذات حكم ذاتي في شمال سوريا إلى التخفيف من مطالبتها برحيل الرئيس بشار الأسد فوراً، ما تسعى لإصلاح سياستها الخارجية التي زادت من عزلتها بدلاً من أن تعزز نفوذها.

وبعد أيام من توليه منصبه الشهر الماضي، قال رئيس الوزراء الجديد بينالي يلدريم، وهو حليف وثيق للرئيس رجب طيب إردوغان، إن تركيا بحاجة إلى “زيادة أصدقائها وتقليل أعدائها”، في اعتراف ضمني على ما يبدو بأن سياسات سلفه تسبّبت في تهميش بلده، العضو بحلف شمال الأطلسي.

في عهد رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو كانت أنقرة تصرّ على رحيل الأسد، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار لسوريا، وهو ما أثار خلافاً بينها وبين روسيا، حليفة الرئيس السوري، وأبعدها عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويوجّه تركيزه لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

يتمتع إردوغان بسلطة مطلقة في تركيا، ويشمل ذلك السياسة الخارجية، وكان واحداً من أشد منتقدي الأسد، لكن محللين يقولون إن تغيّر الظروف على الأرض يمكن أن يضطره لتخفيف نبرة تصريحاته.

لقد تحقق أسوأ كوابيس تركيا في سوريا، وهو دعم روسي مكّن الأسد من الاستمرار في الحكم، بينما استفاد مقاتلو “وحدات حماية الشعب” الكردية من الدعم الأمريكي، فيما يحاربون “الدولة الإسلامية”، وهو ما عزّز موقفهم في أراض متاخمة للحدود التركية.

وحدّدت حكومة يلدريم أربعة مجالات للسياسة تريد اتخاذ خطوات جديدة فيها، وهي إسرائيل وروسيا والاتحاد الأوروبي وسوريا. ومن أسباب تحرّكها بشأن دمشق إدراكها أن رحيل الأسد يمكن أن يفيد “وحدات حماية الشعب”.

وقال مسؤول كبير من “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، وطلب عدم نشر اسمه، ليتحدث بحرية أكبر لـ “رويترز″، “الأسد في نهاية المطاف قاتل. إنه يعذب شعبه. لن نغيّر موقفنا من ذلك”.

وأضاف “لكنه لا يؤيد حكماً ذاتياً للأكراد. ربما لا نحبّ بعضنا البعض لكن في هذه المسألة نؤيد نفس السياسة”.

وتخشى أنقرة من أن تذكي سيطرة “وحدات حماية الشعب” الكردية على أراض في شمال سوريا تمرّد “حزب العمال الكردستاني”، الذي خاض صراعاً مسلحاً في جنوب شرق تركيا لمدة 30 عاماً.

ولا تنفي الجماعتان الصلات التي تربطهما. أسس “حزب العمال الكردستاني” “وحدات حماية الشعب” باعتبارها تنظيماً سورياً قبل عشر سنوات، ويتبنّى الاثنان فكر عبد الله أوجلان الذي قاد “حزب العمال” منذ تأسيسه، وكان يعيش في سوريا، قبل إلقاء القبض عليه عام 1999 بفترة وجيزة. ولا يزال في السجن.

وتجدد الصراع في جنوب شرق تركيا منذ انهار وقف لإطلاق النار بين الحكومة و”حزب العمال الكردستاني” في يوليو تموز، لأسباب تقول السلطات التركية إن من بينها عبور الأسلحة والمقاتلين الحدود من سوريا.

يقول محمد يجين، المحلل في مؤسسة (يو.إس.إيه.كيه) البحثية، ومقرها أنقرة، إن هذا لا يترك لتركيا سوى خيارات قليلة هي استئناف محادثات السلام مع “حزب العمال الكردستاني”، وهو ما تستبعده الحكومة حتى الآن، أو الاعتماد غير المباشر على الأسد كحائط صدّ.

وأضاف “الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتغير هو أن تركيا قد تكفّ عن الإصرار على رحيل الأسد”.

مبادرات تجاه موسكو

من الناحية النظرية يمكن أن يساعد تبنّي موقف أقل حدة من الأسد في تحسين العلاقات مع روسيا، التي توترت بشدة منذ أسقطت تركيا مقاتلة روسية قرب الحدود السورية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي. وكبّد النزاع تركيا خسائر بمليارات الدولارات بسبب عوائد السياحة التي فقدتها والعقوبات التجارية.

وقالت مصادر بالرئاسة التركية إن إردوغان بعث برسالة إلى الرئيس فلاديمير بوتين يوم الأحد، بمناسبة العيد الوطني لروسيا، وعبّر فيها عن رغبته في تحسين العلاقات.

وقال عمر جيليك، وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي، يوم الثلاثاء إن تركيا لم تكن تعلم أن الطائرة روسية حين أسقطتها بعد دخول المجال الجوي التركي قرب الحدود.

لكن هذه الجهود لن تفلح في تهدئة الغضب الروسي على الأرجح لحين أن يكون بوتين نفسه مستعداً.

وقال سنان أولجن، رئيس مؤسسة إيدام البحثية، ومقرّها اسطنبول، “تصرّ روسيا على الشروط التي حدّدتها في البداية. تتوقع من تركيا الاعتذار ودفع تعويضات. تبدو المصالحة صعبة ما لم تأخذ روسيا خطوة إلى الوراء”.

وبينما يعدل يلدريم وفريقه السياسة الخارجية بعد رحيل داود أوغلو فإن هناك أيضاً علامات قليلة على إحراز تقدّم في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، على الرغم من اعتماد بروكسل على أنقرة لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق مهم بشأن الهجرة.

وتعثرت محادثات تركيا التي بدأت قبل عشر سنوات مع الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى عضويته، وتزايدت مخاوف بعض الزعماء في أوروبا ممّا يعتبرونها عودة تدريجية للحكم السلطوي، فيما يسعى إردوغان لتوسيع صلاحياته.

ونتيجة لاتفاق المهاجرين، الذي انتقدته جماعات حقوقية، انخفضت أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى اليونان بشدة، وهو ما أعطى زعماء الاتحاد بعض الراحة بعد وصول أكثر من مليون العام الماضي. لكن الاتحاد في موقف صعب فهو يواجه اتهامات بالتفريط في قيمه لأنه لا ينتقد سجل تركيا لحقوق الإنسان والحريات بالقدر الكافي.

وفي علامة على التوتر استقال أكبر مبعوث للاتحاد لدى أنقرة اليوم الثلاثاء بعدما أظهر عدم الاحترام للقيم التركية ولإردوغان.

وكان المبعوث قد أدلى بتصريحات لوسائل إعلام تركية انتقد فيها تطبيق أنقرة للاتفاق.

ومن بين الأولويات الأربع للسياسة الخارجية للحكومة الجديدة يصبح إصلاح العلاقات مع إسرائيل، الحليفة السابقة، هو المجال الوحيد الذي يظهر مؤشرات على إحراز تقدّم.

وفي الأسبوع الماضي قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو إن تركيا يفصلها اجتماع أو اثنان عن تطبيع العلاقات، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية والعسكرية عام 2010، حين اعتلت قوات خاصة إسرائيلية سفينة تركية ضمن قافلة مساعدات متجهة إلى غزة وقتلت عشرة أتراك.

 وتريد تركيا أن تنهي إسرائيل الحصار البحري والجوي لقطاع غزة، لكن إسرائيل استبعدت رفع الحصار عن القطاع.

 وقال مسؤول تركي مطلع على الجهود “من الممكن العثور على حلول مبتكرة، وأعتقد أن الجانبين لديهما الإرادة السياسية للتوصل إلى حلّ”، مضيفاً أن الاتفاق ربما يكون في المتناول.

 وأضاف “لا أستطيع أن أحدّد أي جدول زمني لكننا قريبون جداً”.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-14
  • 9193
  • من الأرشيف

تركيا قد تخفّف موقفها من رحيل الأسد تحت ضغط مكاسب الأكراد

ربما يؤدي عزم تركيا منع قيام منطقة للأكراد ذات حكم ذاتي في شمال سوريا إلى التخفيف من مطالبتها برحيل الرئيس بشار الأسد فوراً، ما تسعى لإصلاح سياستها الخارجية التي زادت من عزلتها بدلاً من أن تعزز نفوذها. وبعد أيام من توليه منصبه الشهر الماضي، قال رئيس الوزراء الجديد بينالي يلدريم، وهو حليف وثيق للرئيس رجب طيب إردوغان، إن تركيا بحاجة إلى “زيادة أصدقائها وتقليل أعدائها”، في اعتراف ضمني على ما يبدو بأن سياسات سلفه تسبّبت في تهميش بلده، العضو بحلف شمال الأطلسي. في عهد رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو كانت أنقرة تصرّ على رحيل الأسد، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار لسوريا، وهو ما أثار خلافاً بينها وبين روسيا، حليفة الرئيس السوري، وأبعدها عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويوجّه تركيزه لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. يتمتع إردوغان بسلطة مطلقة في تركيا، ويشمل ذلك السياسة الخارجية، وكان واحداً من أشد منتقدي الأسد، لكن محللين يقولون إن تغيّر الظروف على الأرض يمكن أن يضطره لتخفيف نبرة تصريحاته. لقد تحقق أسوأ كوابيس تركيا في سوريا، وهو دعم روسي مكّن الأسد من الاستمرار في الحكم، بينما استفاد مقاتلو “وحدات حماية الشعب” الكردية من الدعم الأمريكي، فيما يحاربون “الدولة الإسلامية”، وهو ما عزّز موقفهم في أراض متاخمة للحدود التركية. وحدّدت حكومة يلدريم أربعة مجالات للسياسة تريد اتخاذ خطوات جديدة فيها، وهي إسرائيل وروسيا والاتحاد الأوروبي وسوريا. ومن أسباب تحرّكها بشأن دمشق إدراكها أن رحيل الأسد يمكن أن يفيد “وحدات حماية الشعب”. وقال مسؤول كبير من “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، وطلب عدم نشر اسمه، ليتحدث بحرية أكبر لـ “رويترز″، “الأسد في نهاية المطاف قاتل. إنه يعذب شعبه. لن نغيّر موقفنا من ذلك”. وأضاف “لكنه لا يؤيد حكماً ذاتياً للأكراد. ربما لا نحبّ بعضنا البعض لكن في هذه المسألة نؤيد نفس السياسة”. وتخشى أنقرة من أن تذكي سيطرة “وحدات حماية الشعب” الكردية على أراض في شمال سوريا تمرّد “حزب العمال الكردستاني”، الذي خاض صراعاً مسلحاً في جنوب شرق تركيا لمدة 30 عاماً. ولا تنفي الجماعتان الصلات التي تربطهما. أسس “حزب العمال الكردستاني” “وحدات حماية الشعب” باعتبارها تنظيماً سورياً قبل عشر سنوات، ويتبنّى الاثنان فكر عبد الله أوجلان الذي قاد “حزب العمال” منذ تأسيسه، وكان يعيش في سوريا، قبل إلقاء القبض عليه عام 1999 بفترة وجيزة. ولا يزال في السجن. وتجدد الصراع في جنوب شرق تركيا منذ انهار وقف لإطلاق النار بين الحكومة و”حزب العمال الكردستاني” في يوليو تموز، لأسباب تقول السلطات التركية إن من بينها عبور الأسلحة والمقاتلين الحدود من سوريا. يقول محمد يجين، المحلل في مؤسسة (يو.إس.إيه.كيه) البحثية، ومقرها أنقرة، إن هذا لا يترك لتركيا سوى خيارات قليلة هي استئناف محادثات السلام مع “حزب العمال الكردستاني”، وهو ما تستبعده الحكومة حتى الآن، أو الاعتماد غير المباشر على الأسد كحائط صدّ. وأضاف “الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتغير هو أن تركيا قد تكفّ عن الإصرار على رحيل الأسد”. مبادرات تجاه موسكو من الناحية النظرية يمكن أن يساعد تبنّي موقف أقل حدة من الأسد في تحسين العلاقات مع روسيا، التي توترت بشدة منذ أسقطت تركيا مقاتلة روسية قرب الحدود السورية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي. وكبّد النزاع تركيا خسائر بمليارات الدولارات بسبب عوائد السياحة التي فقدتها والعقوبات التجارية. وقالت مصادر بالرئاسة التركية إن إردوغان بعث برسالة إلى الرئيس فلاديمير بوتين يوم الأحد، بمناسبة العيد الوطني لروسيا، وعبّر فيها عن رغبته في تحسين العلاقات. وقال عمر جيليك، وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي، يوم الثلاثاء إن تركيا لم تكن تعلم أن الطائرة روسية حين أسقطتها بعد دخول المجال الجوي التركي قرب الحدود. لكن هذه الجهود لن تفلح في تهدئة الغضب الروسي على الأرجح لحين أن يكون بوتين نفسه مستعداً. وقال سنان أولجن، رئيس مؤسسة إيدام البحثية، ومقرّها اسطنبول، “تصرّ روسيا على الشروط التي حدّدتها في البداية. تتوقع من تركيا الاعتذار ودفع تعويضات. تبدو المصالحة صعبة ما لم تأخذ روسيا خطوة إلى الوراء”. وبينما يعدل يلدريم وفريقه السياسة الخارجية بعد رحيل داود أوغلو فإن هناك أيضاً علامات قليلة على إحراز تقدّم في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، على الرغم من اعتماد بروكسل على أنقرة لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق مهم بشأن الهجرة. وتعثرت محادثات تركيا التي بدأت قبل عشر سنوات مع الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى عضويته، وتزايدت مخاوف بعض الزعماء في أوروبا ممّا يعتبرونها عودة تدريجية للحكم السلطوي، فيما يسعى إردوغان لتوسيع صلاحياته. ونتيجة لاتفاق المهاجرين، الذي انتقدته جماعات حقوقية، انخفضت أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى اليونان بشدة، وهو ما أعطى زعماء الاتحاد بعض الراحة بعد وصول أكثر من مليون العام الماضي. لكن الاتحاد في موقف صعب فهو يواجه اتهامات بالتفريط في قيمه لأنه لا ينتقد سجل تركيا لحقوق الإنسان والحريات بالقدر الكافي. وفي علامة على التوتر استقال أكبر مبعوث للاتحاد لدى أنقرة اليوم الثلاثاء بعدما أظهر عدم الاحترام للقيم التركية ولإردوغان. وكان المبعوث قد أدلى بتصريحات لوسائل إعلام تركية انتقد فيها تطبيق أنقرة للاتفاق. ومن بين الأولويات الأربع للسياسة الخارجية للحكومة الجديدة يصبح إصلاح العلاقات مع إسرائيل، الحليفة السابقة، هو المجال الوحيد الذي يظهر مؤشرات على إحراز تقدّم. وفي الأسبوع الماضي قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو إن تركيا يفصلها اجتماع أو اثنان عن تطبيع العلاقات، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية والعسكرية عام 2010، حين اعتلت قوات خاصة إسرائيلية سفينة تركية ضمن قافلة مساعدات متجهة إلى غزة وقتلت عشرة أتراك.  وتريد تركيا أن تنهي إسرائيل الحصار البحري والجوي لقطاع غزة، لكن إسرائيل استبعدت رفع الحصار عن القطاع.  وقال مسؤول تركي مطلع على الجهود “من الممكن العثور على حلول مبتكرة، وأعتقد أن الجانبين لديهما الإرادة السياسية للتوصل إلى حلّ”، مضيفاً أن الاتفاق ربما يكون في المتناول.  وأضاف “لا أستطيع أن أحدّد أي جدول زمني لكننا قريبون جداً”.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة