تضحك السيدة أمل بعد سماعها سؤالاً يطرحه عليها محدّثها: «كيف تستطيعون الاستمرار في الحياة بالاعتماد على راتب لا يتجاوز الـ 50 دولارا شهريا؟». لا تمتلك السيدة الاربعينية سوى جواب: «الله أعلم».

  لا تفهم أمل بعلم الاحصاء، ولكنها تلخص بكلمات عفوية واقعاً بات يعيشه السوريون بصورة عامة، بعد أكثر من خمس سنوات من اندلاع حرب دمرت، وما زالت تدمر، كل سبل الحياة في سوريا.

 تقول السيدة التي تعيش في مدينة دمشق، وهي ربة اسرة مكونة من ستة أشخاص «كل شيء بات مرتبطا بالدولار، حتى «سندويتشة» الفلافل ارتفع سعرها أكثر من 10 أضعاف لدرجة لا نستطيع أن نعيش حتى على تناول الفلافل وحدها».

كثيرة هي الدراسات التي أجرت مقارنات بين وضع المواطن السوري قبل اندلاع الحرب في العام 2011 وبين الوضع الحالي اليوم.

وبرغم ارتباط بعض الدراسات بأهداف سياسية تتعلق بالجهات الممولة لها، إلا أن الصورة التي رسمتها جميع الدراسات تتفق على أن الأوضاع في سوريا باتت كارثية.

دراسة حديثة أصدرها مركز «فيريل»، الذي ينشط من مدينة برلين الألمانية، أوردت أرقاما يمكن وصفها بأنها مرعبة لنتائج الحرب الكارثية على المجتمع السوري بشكل عام، لتؤكد أن العام 2016 هو العام الأخطر على المواطن السوري من جميع النواحي، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية.

وتفيد الأرقام التي قدمتها الدراسة بأنه «قبل العام 2011 شكلت الطبقة الوسطى أكثر من 60 في المئة من المجتمع السوري، وبرغم أنها لم تكن متجانسة من حيث التشكيل والمنبت الاجتماعي والديني، الا انها كانت تقود المجتمع، خاصة أنها تتكون من الموظفين والأطباء والمهندسين والمثقفين والمعلمين والأدباء والحرفيين وصغار التجار والصناعيين. غير أن الطبقة الوسطى في العام 2016 لم تعد تشكل إلا ما نسبته 9٫4 في المئة فقط من الشعب السوري، فقد خسرت سوريا مئات الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى بسبب الهجرة أو القتل أو البطالة».

وشهدت الأوضاع الاقتصادية في سوريا تدهورا تدريجيا بلغ ذروته خلال العامين الماضيين، حيث قفز سعر صرف الدولار مقارنة بالليرة السورية قفزات كبيرة، ليتجاوز في بعض الأحيان الـ 650 ليرة، بعدما كانت قيمته نحو 50 ليرة قبل اندلاع الحرب، بالإضافة إلى توقف الحياة في معظم القطاعات الاقتصادية، سواء الزراعية أو الصناعية أو حتى التجارية، بسبب فقدان المواد الأولية أو ارتفاع أسعارها، والدمار الكبير في القطاع الصناعي، وانقطاع نسبة كبيرة من طرق النقل.

وفي وقت تقدر فيه الدراسة نسبة السوريين الذين أصبحوا تحت خط الفقر العالمي بنحو 86٫7 في المئة، توضح أن تكاليف المعيشة ارتفعت خلال سنوات الحرب بشكل تدريجي لتقفز في العام الأخير قفزات كبيرة إلى ان وصلت إلى نسبة 1155 في المئة قياساً الى ما كانت عليه قبل العام 2011، بالتوازي مع انخفاض القوة الشرائية للعملة السورية حيث خسرت الليرة ما يفوق الـ 90 في المئة من قيمتها.

ويقدر البنك الدولي خط الفقر العالمي بـ 1.9 دولار، بمعنى أن كل فرد مدخوله الشهري أقل من 60 دولاراً أي اقل من 36000 ليرة سورية (سعر صرف الدولار تجاوز الشهر الماضي الـ 600 ليرة) يكون تحت خط الفقر العالمي.

وبحسبة بسيطة تحتاج عائلة مكونة من خمسة أفراد إلى 180 ألف ليرة سورية شهريا لتكون عند خط الفقر، علماً بأن متوسط رواتب العاملين في سوريا يبلغ نحو 24 ألف ليرة سورية فقط، ما يعني أن هذه العائلة تحتاج إلى 156 ألف ليرة سورية لتصل إلى خط الفقر العالمي.

وبالرغم من أن السيدة امل لا تعرف معنى خط الفقر أو كيفية حسابه، إلا أنها تقول: «نحن الآن معدمون، نعيش على راتب زوجي البالغ 30 ألف ليرة سورية، بالإضافة إلى المساعدات التي نحصل عليها من الهلال الأحمر السوري، وبعض الديون التي نقترضها كل شهر لنستطيع الاستمرار بحياتنا، ولا نعرف كيف أو متى سنردها».

تقارن السيدة، التي تعلمت الحياكة لكي تحوك ملابس اطفالها بأنفسها، بين الأوضاع التي كانت تعيشها أسرتها قبل اندلاع الحرب، وبين ما آلت إليه الأمور من الناحية الاقتصادية، فتقول: «كان راتب زوجي يكفينا لنعيش حياة طبيعية. لم نكن مترفين إلا أننا لم نكن نحتاج أحدا».

وتفيد دراسلة مركز «فيريل» إلى ان راتب العامل يجب أن يكون في الوقت الحالي بحدود 240 الف ليرة سورية شهرياً لكي يتمكن من العيش ضمن الظروف ذاتها التي كان يعيشها قبل اندلاع الحرب، محذرة في الوقت ذاته من أن «سوريا على أبواب مجاعة حقيقية».

الدراسة التي اعدّها المركز، اعتمدت بشكل أساسي على الاسعار الرائجة في مناطق سيطرة الحكومة، في وقت تفيد فيه الارقام الواردة من المدن والبلدات المحاصرة ان الأوضاع في تلك المناطق تجاوزت حدود الفقر هبوطا بشكل كبير، وباتت عند حدود أخرى ربما لا يمكن لمصطلح «جوع» أن يصفها.

وعلى سبيل المثال، تعاني مدينة دير الزور التي تقع عند نهر الفرات، وكانت تمثل أحد أبرز الموارد الزراعية في سوريا، من حصار مطبق يضربه مسلحو تنظيم «داعش» على المدينة منذ أكثر من عام ونصف العام.

يقول أحد أبناء دير الزور لـ «السفير» خلال اتصال هاتفي: «تبلغ تكلفة الطبخة الواحدة فقط أكثر من 25 ألف ليرة سورية (أي أكثر من راتب الموظف خلال شهر كامل)»، وذلك وسط فقدان نسبة كبيرة من المواد الغذائية، وحتى مياه الشرب». ويتابع: «أبناء المدينة أصبحوا يحرقون أثاث منزلهم بحثا عن الحطب لطبخ ما يمكن طبخه»، موضحاً أنه «لم يعد هناك فرق بين الحياة أو الموت في المدينة»، وهو رأي تؤيده السيدة أمل إلى حد كبير، بالرغم من أنها تعيش في مدينة آمنة تتوفر فيها المواد الغذائية بشكل كبير، إلا انها، ومعها نسبة كبيرة من السوريين، لا تعرف كيف ستستطيع الاستمرار بالحياة، أو كيف ستؤمن لأطفالها طعامهم في اليوم التالي.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-12
  • 13851
  • من الأرشيف

سوريا: أرقام مرعبة لنتائج الحرب!

تضحك السيدة أمل بعد سماعها سؤالاً يطرحه عليها محدّثها: «كيف تستطيعون الاستمرار في الحياة بالاعتماد على راتب لا يتجاوز الـ 50 دولارا شهريا؟». لا تمتلك السيدة الاربعينية سوى جواب: «الله أعلم».   لا تفهم أمل بعلم الاحصاء، ولكنها تلخص بكلمات عفوية واقعاً بات يعيشه السوريون بصورة عامة، بعد أكثر من خمس سنوات من اندلاع حرب دمرت، وما زالت تدمر، كل سبل الحياة في سوريا.  تقول السيدة التي تعيش في مدينة دمشق، وهي ربة اسرة مكونة من ستة أشخاص «كل شيء بات مرتبطا بالدولار، حتى «سندويتشة» الفلافل ارتفع سعرها أكثر من 10 أضعاف لدرجة لا نستطيع أن نعيش حتى على تناول الفلافل وحدها». كثيرة هي الدراسات التي أجرت مقارنات بين وضع المواطن السوري قبل اندلاع الحرب في العام 2011 وبين الوضع الحالي اليوم. وبرغم ارتباط بعض الدراسات بأهداف سياسية تتعلق بالجهات الممولة لها، إلا أن الصورة التي رسمتها جميع الدراسات تتفق على أن الأوضاع في سوريا باتت كارثية. دراسة حديثة أصدرها مركز «فيريل»، الذي ينشط من مدينة برلين الألمانية، أوردت أرقاما يمكن وصفها بأنها مرعبة لنتائج الحرب الكارثية على المجتمع السوري بشكل عام، لتؤكد أن العام 2016 هو العام الأخطر على المواطن السوري من جميع النواحي، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية. وتفيد الأرقام التي قدمتها الدراسة بأنه «قبل العام 2011 شكلت الطبقة الوسطى أكثر من 60 في المئة من المجتمع السوري، وبرغم أنها لم تكن متجانسة من حيث التشكيل والمنبت الاجتماعي والديني، الا انها كانت تقود المجتمع، خاصة أنها تتكون من الموظفين والأطباء والمهندسين والمثقفين والمعلمين والأدباء والحرفيين وصغار التجار والصناعيين. غير أن الطبقة الوسطى في العام 2016 لم تعد تشكل إلا ما نسبته 9٫4 في المئة فقط من الشعب السوري، فقد خسرت سوريا مئات الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى بسبب الهجرة أو القتل أو البطالة». وشهدت الأوضاع الاقتصادية في سوريا تدهورا تدريجيا بلغ ذروته خلال العامين الماضيين، حيث قفز سعر صرف الدولار مقارنة بالليرة السورية قفزات كبيرة، ليتجاوز في بعض الأحيان الـ 650 ليرة، بعدما كانت قيمته نحو 50 ليرة قبل اندلاع الحرب، بالإضافة إلى توقف الحياة في معظم القطاعات الاقتصادية، سواء الزراعية أو الصناعية أو حتى التجارية، بسبب فقدان المواد الأولية أو ارتفاع أسعارها، والدمار الكبير في القطاع الصناعي، وانقطاع نسبة كبيرة من طرق النقل. وفي وقت تقدر فيه الدراسة نسبة السوريين الذين أصبحوا تحت خط الفقر العالمي بنحو 86٫7 في المئة، توضح أن تكاليف المعيشة ارتفعت خلال سنوات الحرب بشكل تدريجي لتقفز في العام الأخير قفزات كبيرة إلى ان وصلت إلى نسبة 1155 في المئة قياساً الى ما كانت عليه قبل العام 2011، بالتوازي مع انخفاض القوة الشرائية للعملة السورية حيث خسرت الليرة ما يفوق الـ 90 في المئة من قيمتها. ويقدر البنك الدولي خط الفقر العالمي بـ 1.9 دولار، بمعنى أن كل فرد مدخوله الشهري أقل من 60 دولاراً أي اقل من 36000 ليرة سورية (سعر صرف الدولار تجاوز الشهر الماضي الـ 600 ليرة) يكون تحت خط الفقر العالمي. وبحسبة بسيطة تحتاج عائلة مكونة من خمسة أفراد إلى 180 ألف ليرة سورية شهريا لتكون عند خط الفقر، علماً بأن متوسط رواتب العاملين في سوريا يبلغ نحو 24 ألف ليرة سورية فقط، ما يعني أن هذه العائلة تحتاج إلى 156 ألف ليرة سورية لتصل إلى خط الفقر العالمي. وبالرغم من أن السيدة امل لا تعرف معنى خط الفقر أو كيفية حسابه، إلا أنها تقول: «نحن الآن معدمون، نعيش على راتب زوجي البالغ 30 ألف ليرة سورية، بالإضافة إلى المساعدات التي نحصل عليها من الهلال الأحمر السوري، وبعض الديون التي نقترضها كل شهر لنستطيع الاستمرار بحياتنا، ولا نعرف كيف أو متى سنردها». تقارن السيدة، التي تعلمت الحياكة لكي تحوك ملابس اطفالها بأنفسها، بين الأوضاع التي كانت تعيشها أسرتها قبل اندلاع الحرب، وبين ما آلت إليه الأمور من الناحية الاقتصادية، فتقول: «كان راتب زوجي يكفينا لنعيش حياة طبيعية. لم نكن مترفين إلا أننا لم نكن نحتاج أحدا». وتفيد دراسلة مركز «فيريل» إلى ان راتب العامل يجب أن يكون في الوقت الحالي بحدود 240 الف ليرة سورية شهرياً لكي يتمكن من العيش ضمن الظروف ذاتها التي كان يعيشها قبل اندلاع الحرب، محذرة في الوقت ذاته من أن «سوريا على أبواب مجاعة حقيقية». الدراسة التي اعدّها المركز، اعتمدت بشكل أساسي على الاسعار الرائجة في مناطق سيطرة الحكومة، في وقت تفيد فيه الارقام الواردة من المدن والبلدات المحاصرة ان الأوضاع في تلك المناطق تجاوزت حدود الفقر هبوطا بشكل كبير، وباتت عند حدود أخرى ربما لا يمكن لمصطلح «جوع» أن يصفها. وعلى سبيل المثال، تعاني مدينة دير الزور التي تقع عند نهر الفرات، وكانت تمثل أحد أبرز الموارد الزراعية في سوريا، من حصار مطبق يضربه مسلحو تنظيم «داعش» على المدينة منذ أكثر من عام ونصف العام. يقول أحد أبناء دير الزور لـ «السفير» خلال اتصال هاتفي: «تبلغ تكلفة الطبخة الواحدة فقط أكثر من 25 ألف ليرة سورية (أي أكثر من راتب الموظف خلال شهر كامل)»، وذلك وسط فقدان نسبة كبيرة من المواد الغذائية، وحتى مياه الشرب». ويتابع: «أبناء المدينة أصبحوا يحرقون أثاث منزلهم بحثا عن الحطب لطبخ ما يمكن طبخه»، موضحاً أنه «لم يعد هناك فرق بين الحياة أو الموت في المدينة»، وهو رأي تؤيده السيدة أمل إلى حد كبير، بالرغم من أنها تعيش في مدينة آمنة تتوفر فيها المواد الغذائية بشكل كبير، إلا انها، ومعها نسبة كبيرة من السوريين، لا تعرف كيف ستستطيع الاستمرار بالحياة، أو كيف ستؤمن لأطفالها طعامهم في اليوم التالي.

المصدر : السفير/علاء حلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة