في بداية زمن «الثورات» العربية، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، لاسيما موقعي «تويتر» و «فايسبوك»، إلى مصدر مهمّ للأخبار. وبات يكفي أن يقوم أي شخص مهما كان اسمه أو صفته بنشر معلومة على حسابه الشخصي ليجدها «خبرًا موثوقاً» في معظم وسائل الإعلام العربية، وحتى العالمية.

 آخر «القصص المزيّفة»، ادّعاء ثلاثة بريطانيين أنهم وصلوا من قبرص إلى سوريا عن طريق الخطأ خلال رحلة سياحيّة. وقعت صحف بريطانيّة كـ «ميرور»، و «دايلي مايل»، و «تايم» في فخّ «المزحة» ونشرت القصّة كخبر.

 بدأت حكاية الشبان البريطانيين بنشر مجموعة من الصور والأخبار على حساباتهم الشخصية على «فايسبوك» و «سناب تشات» تتحدّث عن وصولهم إلى سوريا عن طريق الخطأ خلال سعيهم وراء الدلافين على سواحل قبرص. أعادت الصحف البريطانية نشر هذه الحكاية معتمدة على المعلومات التي أوردها الشبان الثلاثة، ومنها أنهم وصلوا إلى مدينة طرطوس واستقبلهم جنود روس. لم تكتف الصحف البريطانية بإعادة نشر المعلومات، بل حاولت خلق سياق للخبر من خلال إضافة معلومات تفيد أن السواحل السورية واقعة تحت السيطرة الروسية. بدورها وقعت صحفٌ ومواقع عربية تعمد إلى ترجمة وإعادة نشر مواد من الصحف البريطانية في الفخّ. الأسوأ أن بعض المواقع العربيّة حاول زيادة عنصر التشويق. حكى عن مفاوضات روسية ـ بريطانية لإعادة الشبان الثلاثة في أحد المواقع، في حين نشر موقع آخر الخبر تحت عنوان: «الخمرة تتسبّب بسفر ثلاثة شبان من قبرص إلى سوريا عن طريق الخطأ»!

وحدها صحيفة» اندبندنت» البريطانية تحقّقت مما نشر على «السوشل ميديا» وتواصلت مع الشبان الثلاثة لتكتشف أن القصة مجرّد «مزحة أطلقها الشبان بداعي التسلية». بدوره نشر أحد الشبان الثلاثة لويس إيليس على «فايسبوك» منشوراً جاء فيه: «حسنا، لقد خدعنا العالم، شكراً لجميع وسائل الإعلام التي وقعت ضحية هذه الخدعة. لقد كشفت هذه الحادثة كيف يتم نشر الأخبار من دون التأكد من صحتها». كما قام بنشر عدد كبير من الروابط لمواقع عالمية قامت بتناقل الخبر.

وبعد اكتشاف الصحف البريطانية أنها «وقعت في الفخ» عدّلت أخبارها، موضحة أن الحكاية عبارة عن خدعة، بدون تقديم أي اعتذار. كما قامت بتقاذف المسؤولية فيما بينها مشيرة إلى إلى أن هذا الخبر «نشره الآخرون أيضاً». لكن يبدو أن الخبر «المصحّح» لم يصل بعد إلى المواقع العربية.

تكشف هذه الحكاية الصغيرة الخلل الكبير في آلية عمل الإعلام بصورة عامة، سواء باعتماده على مصادر غير موثوقة كمواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر تناقل الخبر بدون التأكد من صحته على اعتبار أن «المصدر يتحمل المسؤولية».

لا شك في أن هذه السقطة تسبّبت بحرج كبير في وسائل الإعلام البريطانية، إلا أن أثره لن يدوم طويلاً، وفق التجارب السابقة. وفي المقابل تؤكّد هذه «الخدعة» أن عددًا من وسائل الإعلام العربية يفضّل لعب دور «الصدى» لوسائل الإعلام الأجنبيّة.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-10
  • 10150
  • من الأرشيف

رحلة كاذبة من قبرص إلى سوريا تقرّع الإعلام البريطاني

في بداية زمن «الثورات» العربية، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، لاسيما موقعي «تويتر» و «فايسبوك»، إلى مصدر مهمّ للأخبار. وبات يكفي أن يقوم أي شخص مهما كان اسمه أو صفته بنشر معلومة على حسابه الشخصي ليجدها «خبرًا موثوقاً» في معظم وسائل الإعلام العربية، وحتى العالمية.  آخر «القصص المزيّفة»، ادّعاء ثلاثة بريطانيين أنهم وصلوا من قبرص إلى سوريا عن طريق الخطأ خلال رحلة سياحيّة. وقعت صحف بريطانيّة كـ «ميرور»، و «دايلي مايل»، و «تايم» في فخّ «المزحة» ونشرت القصّة كخبر.  بدأت حكاية الشبان البريطانيين بنشر مجموعة من الصور والأخبار على حساباتهم الشخصية على «فايسبوك» و «سناب تشات» تتحدّث عن وصولهم إلى سوريا عن طريق الخطأ خلال سعيهم وراء الدلافين على سواحل قبرص. أعادت الصحف البريطانية نشر هذه الحكاية معتمدة على المعلومات التي أوردها الشبان الثلاثة، ومنها أنهم وصلوا إلى مدينة طرطوس واستقبلهم جنود روس. لم تكتف الصحف البريطانية بإعادة نشر المعلومات، بل حاولت خلق سياق للخبر من خلال إضافة معلومات تفيد أن السواحل السورية واقعة تحت السيطرة الروسية. بدورها وقعت صحفٌ ومواقع عربية تعمد إلى ترجمة وإعادة نشر مواد من الصحف البريطانية في الفخّ. الأسوأ أن بعض المواقع العربيّة حاول زيادة عنصر التشويق. حكى عن مفاوضات روسية ـ بريطانية لإعادة الشبان الثلاثة في أحد المواقع، في حين نشر موقع آخر الخبر تحت عنوان: «الخمرة تتسبّب بسفر ثلاثة شبان من قبرص إلى سوريا عن طريق الخطأ»! وحدها صحيفة» اندبندنت» البريطانية تحقّقت مما نشر على «السوشل ميديا» وتواصلت مع الشبان الثلاثة لتكتشف أن القصة مجرّد «مزحة أطلقها الشبان بداعي التسلية». بدوره نشر أحد الشبان الثلاثة لويس إيليس على «فايسبوك» منشوراً جاء فيه: «حسنا، لقد خدعنا العالم، شكراً لجميع وسائل الإعلام التي وقعت ضحية هذه الخدعة. لقد كشفت هذه الحادثة كيف يتم نشر الأخبار من دون التأكد من صحتها». كما قام بنشر عدد كبير من الروابط لمواقع عالمية قامت بتناقل الخبر. وبعد اكتشاف الصحف البريطانية أنها «وقعت في الفخ» عدّلت أخبارها، موضحة أن الحكاية عبارة عن خدعة، بدون تقديم أي اعتذار. كما قامت بتقاذف المسؤولية فيما بينها مشيرة إلى إلى أن هذا الخبر «نشره الآخرون أيضاً». لكن يبدو أن الخبر «المصحّح» لم يصل بعد إلى المواقع العربية. تكشف هذه الحكاية الصغيرة الخلل الكبير في آلية عمل الإعلام بصورة عامة، سواء باعتماده على مصادر غير موثوقة كمواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر تناقل الخبر بدون التأكد من صحته على اعتبار أن «المصدر يتحمل المسؤولية». لا شك في أن هذه السقطة تسبّبت بحرج كبير في وسائل الإعلام البريطانية، إلا أن أثره لن يدوم طويلاً، وفق التجارب السابقة. وفي المقابل تؤكّد هذه «الخدعة» أن عددًا من وسائل الإعلام العربية يفضّل لعب دور «الصدى» لوسائل الإعلام الأجنبيّة.

المصدر : السفير/علاء حلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة