في أوائل نيسان/أبريل، ووفقاً لبعض التقارير، وافقت مملكة بني سعود على منح مصر حزمة مساعدات مالية بلغت قيمتها 22 مليار دولار.

 لكنّ هناك حدثاً آخر لربما على نفس القدر من الأهمية إنما لقي ترويجاً إعلامياً أقل، ألا وهو إنشاء "مجلس التنسيق السعودي الأردني" في 27 نيسان/أبريل، وهو آلية "ستفتح الطريق أمام ملايين الدولارات" للمملكة التي تعاني من أزمة مالية وفقاً للمسؤولين الأردنيين.

 ووفقاً لبعض التقارير، كان باسم عوض الله - وهو وزير أردني سابق تولى رئاسة الديوان الملكي ويشغل حالياً منصب المبعوث الخاص للملك الأردني عبد الله إلى المملكة - قد تفاوض على هذا الاتفاق خلال الأشهر الماضية، إلا أن تفاصيله لا تزال غير واضحة. وفي الواقع، إن التصريح الرسمي الوحيد الذي صدر حتى الآن لم يتعدَّ كونه مجرد بلاغ مشترك مهدّئ صدر في حفل التوقيع ولم يأتِ على ذكر أي أرقام للمبالغ المالية. لكنّ عوض الله أعلن أن "المجلس" الذي يرأسه ولي - ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور سيستثمر مليارات الدولارات السعودية في "القطاعات الاقتصادية الرائدة" في الأردن، واضعاً نصب عينيه إيجاد فرص عمل، وزيادة الإنتاج، وفتح أسواق جديدة.

 وهذا الصندوق الذي يُقال إنّه يأتي في إطار مبادرة " رؤية عام 2030 " التي كشفت عنها الرياض مؤخراً والهادفة إلى تقليل درجة اعتماد المملكة على عائدات النفط، سيركّز استثماراته في "منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة". لكنّ الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن عوض الله لفت إلى أن الرياض ستتعاون أيضاً مع عمّان لتطوير قطاع الطاقة النووية الوليد في الأردن.

 وفي الوقت الراهن، تدرس عمّان مشروعاً بقيمة 10 مليارات دولار لبناء مفاعلين نووين روسيين بطاقة تبلغ ألفي ميغاواط وبتمويل جزئي من موسكو. لكنّ الأردن سيضطر إلى اللجوء إلى جهات تمويل أخرى للحفاظ على حصة الرئاسة في المشروع، وثمة احتمال كبير في أن تكون الرياض من ضمن هذه الجهات. هذا وقد صرّح عوض الله أن التمويل السعودي سيكون موجّهاً أيضاً نحو استغلال رواسب الأردن الكبيرة من اليورانيوم الخام - والبالغة 35 ألف طن وفقاً لبعض التقارير - والتي تدّعي عمّان أن لها الحق في تخصيبها.

 وفي الوقت نفسه، ليس من المؤكد بتاتاً أنّ "المليارات المرتقبة التي سيُفرج عنها" ستجد طريقها إلى الأردن. فقد أثبتت الرياض على مرّ التاريخ أنها متقلبة إلى حد ما في تحقيق تعهداتها المالية العديدة إلى الدول العربية. فإنّ أي مساعدة تقدمها الرياض بالفعل ستأتي في وقت حاسم بالنسبة إلى عمّان.

 وبحسب ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد لسياسات الشرق الأدنى فإن واردات الأردن الإستراتيجية إلى الولايات المتحدة والمخاوف بشأن استقرارها، من المقرر أن تقدم واشنطن إلى المملكة الأردنية دعماً اقتصادياً وعسكرياً لا يقل عن 1.275 مليار دولار للسنة المالية 2016/2017. وفي الواقع أن هذا المبلغ غير المسبوق - كونه يتعدى حزمة المساعدات الأمريكية الأكبر السابقة في السنة المالية 2003/2004 حين قدمت واشنطن 1.1 مليار دولار للتخفيف من آثار غزو العراق - يساوي أكثر من 10 في المائة من ميزانية الأردن للسنة المالية 2016/2017.

 لكنّ مخاوف واشنطن بشأن بعض نواحي "مجلس التنسيق" تأتي في مرتبة عالية بالنسبة إلى الرياض. وبالرغم من الترويج للمبادرة الأردنية على أنها جزء من جهود التنويع الاقتصادي التي تبذلها الرياض، يبقى الاتفاق في جوهره مجرد خطوة سعودية أخرى لعزل الدول عن الأنشطة الإيرانية.

  وإذا صحّت التقارير، فإن السياسات المالية الناشطة التي تنتهجها الرياض قد توفّر للأردن راحة اقتصادية كبيرة. مع ذلك، فإن التكاليف السياسية التي تتكبدها عمّان هي أقل وضوحاً. وما علينا هنا سوى النظر إلى مصر. فالهبة السعودية البالغة قيمتها 22 مليار دولار أنقذت على الأرجح مصر من انهيارٍ مالي؛ وفي مقابل هذا السخاء تخلّت القاهرة عن سيادتها على جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر لصالح المملكة.

  • فريق ماسة
  • 2016-05-14
  • 11471
  • من الأرشيف

ما هو ثمن الدعم السعودي للأردن ؟؟

في أوائل نيسان/أبريل، ووفقاً لبعض التقارير، وافقت مملكة بني سعود على منح مصر حزمة مساعدات مالية بلغت قيمتها 22 مليار دولار.  لكنّ هناك حدثاً آخر لربما على نفس القدر من الأهمية إنما لقي ترويجاً إعلامياً أقل، ألا وهو إنشاء "مجلس التنسيق السعودي الأردني" في 27 نيسان/أبريل، وهو آلية "ستفتح الطريق أمام ملايين الدولارات" للمملكة التي تعاني من أزمة مالية وفقاً للمسؤولين الأردنيين.  ووفقاً لبعض التقارير، كان باسم عوض الله - وهو وزير أردني سابق تولى رئاسة الديوان الملكي ويشغل حالياً منصب المبعوث الخاص للملك الأردني عبد الله إلى المملكة - قد تفاوض على هذا الاتفاق خلال الأشهر الماضية، إلا أن تفاصيله لا تزال غير واضحة. وفي الواقع، إن التصريح الرسمي الوحيد الذي صدر حتى الآن لم يتعدَّ كونه مجرد بلاغ مشترك مهدّئ صدر في حفل التوقيع ولم يأتِ على ذكر أي أرقام للمبالغ المالية. لكنّ عوض الله أعلن أن "المجلس" الذي يرأسه ولي - ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور سيستثمر مليارات الدولارات السعودية في "القطاعات الاقتصادية الرائدة" في الأردن، واضعاً نصب عينيه إيجاد فرص عمل، وزيادة الإنتاج، وفتح أسواق جديدة.  وهذا الصندوق الذي يُقال إنّه يأتي في إطار مبادرة " رؤية عام 2030 " التي كشفت عنها الرياض مؤخراً والهادفة إلى تقليل درجة اعتماد المملكة على عائدات النفط، سيركّز استثماراته في "منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة". لكنّ الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن عوض الله لفت إلى أن الرياض ستتعاون أيضاً مع عمّان لتطوير قطاع الطاقة النووية الوليد في الأردن.  وفي الوقت الراهن، تدرس عمّان مشروعاً بقيمة 10 مليارات دولار لبناء مفاعلين نووين روسيين بطاقة تبلغ ألفي ميغاواط وبتمويل جزئي من موسكو. لكنّ الأردن سيضطر إلى اللجوء إلى جهات تمويل أخرى للحفاظ على حصة الرئاسة في المشروع، وثمة احتمال كبير في أن تكون الرياض من ضمن هذه الجهات. هذا وقد صرّح عوض الله أن التمويل السعودي سيكون موجّهاً أيضاً نحو استغلال رواسب الأردن الكبيرة من اليورانيوم الخام - والبالغة 35 ألف طن وفقاً لبعض التقارير - والتي تدّعي عمّان أن لها الحق في تخصيبها.  وفي الوقت نفسه، ليس من المؤكد بتاتاً أنّ "المليارات المرتقبة التي سيُفرج عنها" ستجد طريقها إلى الأردن. فقد أثبتت الرياض على مرّ التاريخ أنها متقلبة إلى حد ما في تحقيق تعهداتها المالية العديدة إلى الدول العربية. فإنّ أي مساعدة تقدمها الرياض بالفعل ستأتي في وقت حاسم بالنسبة إلى عمّان.  وبحسب ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد لسياسات الشرق الأدنى فإن واردات الأردن الإستراتيجية إلى الولايات المتحدة والمخاوف بشأن استقرارها، من المقرر أن تقدم واشنطن إلى المملكة الأردنية دعماً اقتصادياً وعسكرياً لا يقل عن 1.275 مليار دولار للسنة المالية 2016/2017. وفي الواقع أن هذا المبلغ غير المسبوق - كونه يتعدى حزمة المساعدات الأمريكية الأكبر السابقة في السنة المالية 2003/2004 حين قدمت واشنطن 1.1 مليار دولار للتخفيف من آثار غزو العراق - يساوي أكثر من 10 في المائة من ميزانية الأردن للسنة المالية 2016/2017.  لكنّ مخاوف واشنطن بشأن بعض نواحي "مجلس التنسيق" تأتي في مرتبة عالية بالنسبة إلى الرياض. وبالرغم من الترويج للمبادرة الأردنية على أنها جزء من جهود التنويع الاقتصادي التي تبذلها الرياض، يبقى الاتفاق في جوهره مجرد خطوة سعودية أخرى لعزل الدول عن الأنشطة الإيرانية.   وإذا صحّت التقارير، فإن السياسات المالية الناشطة التي تنتهجها الرياض قد توفّر للأردن راحة اقتصادية كبيرة. مع ذلك، فإن التكاليف السياسية التي تتكبدها عمّان هي أقل وضوحاً. وما علينا هنا سوى النظر إلى مصر. فالهبة السعودية البالغة قيمتها 22 مليار دولار أنقذت على الأرجح مصر من انهيارٍ مالي؛ وفي مقابل هذا السخاء تخلّت القاهرة عن سيادتها على جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر لصالح المملكة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة