دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
على الرغم من الإنتكاسات المتعددة التي تعرض لها مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، لا يزال حلم "الزعامة" الإسلامية يراوغ "السلطان"،
في ظل تباعد فرص الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، نتيجة الإتهامات التي توجه له، على صعيد تراجع الإلتزامات بحقوق الإنسان في أنقرة، بالإضافة إلى دعم المجموعات المتطرفة في أكثر من ساحة لا سيما في سوريا.
بالأمس، أصدر البرلمان الأوروبي بياناً، أعرب فيه عن القلق الشديد إزاء تراجع دولة القانون في تركيا، في وقت كان فيه أردوغان يسعى إلى تكريس "زعامته" خلال مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، عبر خطاب يكرسه "خليفة" على المسلمين، أو على الأقل "سلطاناً" عليهم كما كان الحال أيام الأمبراطورية العثمانية، مستفيداً من تعزيز التحالف والتفاهم مع المملكة العربية السعودية.
قبل سنوات قليلة، كانت تركيا "الأردوغانية" تسعى إلى توسيع رقعة نفوذها نحو العالم الإسلامي، عبر الإعتماد على نظرية رئيس حكومتها الحالي أحمد داوود أوغلو السياسية القائمة على "صفر مشاكل"، لكن مع إنطلاق أحداث ما يسمى "الربيع العربي" وجدت نفسها مضطرة إلى الإنخراط في أزمات الدول المجاورة الداخلية، خصوصاً أن حركة "الإخوان المسلمين" كانت جزءاً أساسياً منها، فكان الرهان عليها لتكون "وكيلة" أنقرة الرسمية، إلا أن الصدمة الأولى، التي تعرضت لها، كانت عبر إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي كان يمثل ظاهرة وصول "الإخوان" إلى الحكم في أكبر دولة عربية، ومن ثم خسارة جناح الحركة التونسي السلطة، في وقت عجز الفريق السوري عن تحقيق الأهداف المرجوة منه.
في تلك المرحلة، لم تكن العلاقة السعودية التركية في أحسن حال، خصوصاً أن الرياض بزعامة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز كانت من أبرز داعمي "الإنقلاب" الذي قام به الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في مصر، لكن بعد تسلم الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز "العرش" تبدل المشهد، حيث تراجعت الحملات التي كانت تشن على "السلطان"، مقابل بروز أخرى تدعو إلى تعزيز التعاون مع أنقرة، نتيجة المصالح المشتركة معها، لا سيما بعد توقيع الإتفاق النووي بين الدول الغربية والجمهورية الإسلامية في إيران، بالإضافة إلى الدخول الروسي المباشر على خط الحرب السورية، فكان الحديث عن التحالف الإسلامي بقيادة تركية سعودية مشتركة، بالتزامن مع تشكيل مجلس تعاون إستراتيجي بين البلدين.
في الأشهر القليلة الماضية، كان الحديث عن "العقبة" المصرية هو الطاغي، نظراً إلى التحالف التركي-السعودي من جهة والتحالف المصري-السعودي من جهة ثانية، لكن على ما يبدو نجحت الرياض في تجاوزها من دون أن يعني ذلك، على الأقل حتى الساعة، الوصول إلى تحقيق المصالحة بين القاهرة وأنقرة، والدليل ما حصل خلال تسليم وزير الخارجية المصري سامح شكري رئاسة دورة منظمة التعاون الإسلامي الحالية إلى "السلطان"، حيث تعمد مغادرة المنصة الرسمية قبل مصافحته، في حين كان الملك سلمان قد إستبق إنتقاله إلى تركيا بزيارة إلى مصر، عكست حقيقة العلاقة بين الجانبين، خصوصاً بعد الإعلان عن تنازل القاهرة عن سيادتها على جزيرتين كانت هويتهما ملتبسة بين البلدين.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، جاء خطاب أردوغان الأخير ليكرسه ناطقاً باسم العالم الإسلامي، متحدثاً عن المعاناة التي يتعرضون لها على مستوى العالم، ومطالباً بتعزيز تمثيلهم في مجلس الأمن الدولي، في مؤشر إلى الرغبة بأن تعود بلاده إلى عصر "السلطنة"، عندما كانت تحتكر تمثيل المسلمين في العالم، عبر الإتفاقات والمعاهدات التي توقع مع الدول الأخرى، بالرغم من المجازر التي كانت ترتكبها بحقهم داخل الأراضي "العثمانية"، لكن هذه المرة بدعم سعودي على عكس الواقع السابق، حين تم إستخدام الورقة المصرية، من أجل قمع حركة "التمرد" على "الباب العالي" في أرض المملكة، ولكن هل ينجح في تحقيق هذا الهدف؟
بعيداً عن الخلافات بين أنقرة والعديد من الدول العربية والإسلامية، قد يكون من الضروري البحث في مدى إمكانية سماح الرياض بالوصول إلى هذه المرحلة، خصوصاً أنها تريد أن تكون هي "القائدة" لا أحد غيرها، وبالتالي لن تسمح بتسليم "السلطان" هذه الورقة المهمة، بالرغم من حاجتها له في الوقت الراهن، لتعزيز موقعها في الصراع مع إيران على مستوى المنطقة، بالإضافة إلى حماية موقفها المتشدد من الأزمة السورية.
في الختام، قد تكون من العلامات الفارقة على هذا الصعيد، والتي من الممكن البناء عليها، هي إقدام الحكومةالأردنيّة، حليفة السعوديّة، على إغلاق مقر حركة "الإخوان المسلمين" في عمّان بالشمع الأحمر، خلال تواجد الملك سلمان في تركيا، فهل كانت رسالة مبطنة إلى أنقرة؟
المصدر :
النشرة/ ماهر الخطيب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة