سوريا التي تخطو نحو السنة السادسة من الصراع، يبدو انها دخلت مرحلة العناية الدولية بعد سلسلة من الأحداث التي لن تنتهي قريباً ولكن مؤشراتها تلوح في الأفق.

تعوّد الكتّاب او على الأصح الغالبية منهم ان يقاربوا الحدث في ابعاده الآنيّة التفصيلية دون الغوص في اسباب الحدث وتطورات حدوثه، ففي سوريا لم يعد ممكنًا الحديث عن حدث بعينه دون ربطه بالمسار العام الذي رافق الصراع وسيرافقه لفترة ليست بالقليلة، حيث نشاهد في الفترة الأخيرة الكثير من التعقيدات التي لا تتماهى مع طبيعة القرارات حول سوريا والكثير ايضاً من الغموض في القدرة على تفسير الظواهر، ما يأخذنا احياناً نحو حتمية التسوية والعدد القليل من العارفين بمحتواها، وما يدفعنا للتساؤل احياناً اخرى هل نضجت التسوية على المستوى الدولي وخصوصاً لدى الجانبين الروسي والأميركي المتفقين على العناوين الأساسية، وما اذا أصبحا يمتلكان ارادة جدية للسير في التسوية رغم وجود خلافات على تفاصيل كثيرة في النظرة والسلوك حول سوريا، وهذا ما يأخذنا احيانًا نحو الشك في طبيعة العلاقة القائمة بين اميركا وروسيا ان كانت علاقة تفاهم او حرباً غير مباشرة تشكل سوريا احدى اهم ساحاتها.

 في الشكل، تبدو العلاقة الأميركية الروسية تسير نحو التفاهم وان بشكل بطيء، وما القرارات الأممية التي صدرت الا نتاجاً لهذا التفاهم الذي حصل بعد الدخول الروسي على خط الحرب في سوريا، حيث استطاع تغيير موازين القوى لمصلحة الجيش السوري ودفع الأمور نحو اعتماد مسار الحل السياسي، والذي كانت اهم محطاته لقاء فيينا الذي انتج قرارات اممية اهمها القرارات 2253 و2254 وفيما بعد القرار 2268 المتعلق بوقف الأعمال العدائية والسير نحو هدنة يبدو انها ستطول مستثنية داعش بالمعنى العملي وجبهة النصرة بالمعنى النظري. حيث ان تحييد النصرة رغم وضعها على لوائح الإرهاب يدعو للتساؤل عن وجود خفايا في الكواليس، رغم ان النصرة خرقت وقف اطلاق النار اكثر من مرة وتم التعامل معها على مبدأ حق الرد وليس العمليات الشاملة كما هو الحال مع داعش، وما الكلام عن المسألة الا للدلالة على توجه الأمور توجهاً مختلفاً يرتبط بنتائج الهدنة وامكانية الوصول الى تفاهمات روسية وسورية ميدانية مع اي فصيل مسلح يبدي استعداده للدخول في الهدنة على القاعدة التي طرحها الرئيس السوري بشار الأسد، وهي العفو عن اي مسلح يرمي سلاحه دون تحديد الجهة التي ينتمي اليها، وهو سقف سياسي يبدو ضرورياً في مرحلة من المراحل للتعجيل في انهاء الحرب والشروع في حوار سياسي سوري - سوري دون شروط مسبقة او محرمات، رغم ان احتمال شن هجمات على جبهة النصرة في ارياف حماه وحلب وادلب هو احتمال قائم ينتظر تفاهمات نهائية بين الروس والأميركيين بشكل اساسي، خصوصاً ان الجانب الروسي دعا نظيره الاميركي الى التفاهم حول الأمر ولا زالت الأمور عالقة حتى اللحظة وتنتظر وصول النقاش السياسي بين الجانبين الى نقاط التقاء محددة خصوصاً ان التحالف الأميركي مع بدء عملياته لم يستثنِ جبهة النصرة من ضرباته لتتوقف هذه الضربات فيما بعد لأسباب مرتبطة بمصالح اميركا مع السعودية وتركيا حينها، مع ضرورة الإشارة الى ان الموقف الأميركي من السعودية وتركيا قد تغير كثيراً هذه الأيام ما يعني تبدلاً في السلوك الأميركي.

 

من هنا، فإن الجولة القادمة من المفاوضات في جنيف ستكون بلا ادنى شك ترجمة لمفاعيل الميدان والهدنة القائمة والصامدة والتي ستصمد لفترة طويلة، وهو امر بحد ذاته يشكّل بعداً ايجابياً ينعكس على المواطن السوري ارتياحاً وهدوءاً، والمتابع لرأي المواطنين السوريين في كل المناطق بما فيها مناطق سيطرة الجماعات المسلحة يدرك هذا الأمر ويدرك رغبة الناس بالسلام وبضرورة الحل السياسي، رغم ان معارضة الرياض لا تزال تحاول رفع السقف السياسي وهو امر طبيعي يحصل في اي مفاوضات للوصول الى الممكن، وهو ما يحاول السيد دي ميستورا التوصل اليه من خلال ورقة الـ12 بندا التي طرحها والتي ستكون محور مناقشات جنيف القادمة، والتي يمكن ان تشكل بعد فترة مدخلاً للحوار المباشر بين الأطراف السورية والذي سيكون مساراً طويلاً بعض الشيء رغم ان اميركا وروسيا عبرتا عن موقف واضح بضرورة الوصول الى دستور جديد لسوريا مع نهاية شهر آب القادم وبات المطلوب تذليل العقبة الأساسية وهي هيئة الحكم الإنتقالي التي تطالب بها المعارضة وحكومة الوحدة الوطنية التي يتمسك بها وفد الدولة السورية، وهي مسألة ستجد طريقها للحل ولن تبقى عقبة لفترة طويلة فالأجواء تشير الى امكانية اميركا وروسيا القيام بضغوطات بهذا الإتجاه هي نفسها التي اوصلت الأمور الى عقد لقاءات جنيف.

 في الجانب الميداني ومنذ شهر تقتصر المعارك في الميدان على القتال بين داعش والجيش السوري بشكل كبير رغم حصول خروقات على الجبهات الأخرى، الا انها لم ترق الى مرتبة المعارك في جبهة ريف حلب الجنوبي بشكل اساسي.

المعارك بين الجيش السوري وداعش ستستمر في الفترة القادمة وهي لم تعد موضوعاً خلافياً بين القوى الدولية رغم تمنّع مجلس الأمن عن اعلان موقف من المسألة، الا ان ترحيب الأمم المتحدة ودول كثيرة بنتيجة معركة تدمر والتي يدور جدل كبير حولها لن ادخل فيه، حيث ان ابداء الرأي يجب ان يتم حول النتائج وليس على الأقاويل التي هي جزء من مسار تضليلي لن ينتهي قريباً.

 ان تحرير تدمر والعمل على تحرير القريتين والسخنة سيعيد الأمور الى ما كانت عليه قبل احتلال داعش لهذه المناطق، واي تقدم الى مناطق سيطرة داعش سيكون مرتبطاً الى حد كبير ببقاء الهدنة في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة بما فيها جبهة النصرة نظراً لحاجة الجيش السوري الى قوات كبيرة لزجّها في معارك لاحقة نحو الرقة ودير الزور، ومن هنا تأتي اهمية التركيز على ابقاء الهدنة قائمة وكذلك على مسار الحل السياسي والعمل على الدخول في تسويات ميدانية ومصالحات كبيرة تغير في المشهد الحالي وتعجّل في الوصول الى تسوية نهائية يحدد السوريون وحدهم آفاقها وتفاصيلها، لجهة مستقبل سوريا وشكل الحكم فيها وآلياته عبر دستور جديد يتفق عليه الجميع ويتم استفتاء الشعب السوري عليه كمقدمة لإنتخابات برلمانية ورئاسية جديدة يكون الحكم فيها الشعب السوري بكل مكوناته.

*ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
  • فريق ماسة
  • 2016-04-01
  • 12195
  • من الأرشيف

سوريا بين المفاوضات والميدان..

سوريا التي تخطو نحو السنة السادسة من الصراع، يبدو انها دخلت مرحلة العناية الدولية بعد سلسلة من الأحداث التي لن تنتهي قريباً ولكن مؤشراتها تلوح في الأفق. تعوّد الكتّاب او على الأصح الغالبية منهم ان يقاربوا الحدث في ابعاده الآنيّة التفصيلية دون الغوص في اسباب الحدث وتطورات حدوثه، ففي سوريا لم يعد ممكنًا الحديث عن حدث بعينه دون ربطه بالمسار العام الذي رافق الصراع وسيرافقه لفترة ليست بالقليلة، حيث نشاهد في الفترة الأخيرة الكثير من التعقيدات التي لا تتماهى مع طبيعة القرارات حول سوريا والكثير ايضاً من الغموض في القدرة على تفسير الظواهر، ما يأخذنا احياناً نحو حتمية التسوية والعدد القليل من العارفين بمحتواها، وما يدفعنا للتساؤل احياناً اخرى هل نضجت التسوية على المستوى الدولي وخصوصاً لدى الجانبين الروسي والأميركي المتفقين على العناوين الأساسية، وما اذا أصبحا يمتلكان ارادة جدية للسير في التسوية رغم وجود خلافات على تفاصيل كثيرة في النظرة والسلوك حول سوريا، وهذا ما يأخذنا احيانًا نحو الشك في طبيعة العلاقة القائمة بين اميركا وروسيا ان كانت علاقة تفاهم او حرباً غير مباشرة تشكل سوريا احدى اهم ساحاتها.  في الشكل، تبدو العلاقة الأميركية الروسية تسير نحو التفاهم وان بشكل بطيء، وما القرارات الأممية التي صدرت الا نتاجاً لهذا التفاهم الذي حصل بعد الدخول الروسي على خط الحرب في سوريا، حيث استطاع تغيير موازين القوى لمصلحة الجيش السوري ودفع الأمور نحو اعتماد مسار الحل السياسي، والذي كانت اهم محطاته لقاء فيينا الذي انتج قرارات اممية اهمها القرارات 2253 و2254 وفيما بعد القرار 2268 المتعلق بوقف الأعمال العدائية والسير نحو هدنة يبدو انها ستطول مستثنية داعش بالمعنى العملي وجبهة النصرة بالمعنى النظري. حيث ان تحييد النصرة رغم وضعها على لوائح الإرهاب يدعو للتساؤل عن وجود خفايا في الكواليس، رغم ان النصرة خرقت وقف اطلاق النار اكثر من مرة وتم التعامل معها على مبدأ حق الرد وليس العمليات الشاملة كما هو الحال مع داعش، وما الكلام عن المسألة الا للدلالة على توجه الأمور توجهاً مختلفاً يرتبط بنتائج الهدنة وامكانية الوصول الى تفاهمات روسية وسورية ميدانية مع اي فصيل مسلح يبدي استعداده للدخول في الهدنة على القاعدة التي طرحها الرئيس السوري بشار الأسد، وهي العفو عن اي مسلح يرمي سلاحه دون تحديد الجهة التي ينتمي اليها، وهو سقف سياسي يبدو ضرورياً في مرحلة من المراحل للتعجيل في انهاء الحرب والشروع في حوار سياسي سوري - سوري دون شروط مسبقة او محرمات، رغم ان احتمال شن هجمات على جبهة النصرة في ارياف حماه وحلب وادلب هو احتمال قائم ينتظر تفاهمات نهائية بين الروس والأميركيين بشكل اساسي، خصوصاً ان الجانب الروسي دعا نظيره الاميركي الى التفاهم حول الأمر ولا زالت الأمور عالقة حتى اللحظة وتنتظر وصول النقاش السياسي بين الجانبين الى نقاط التقاء محددة خصوصاً ان التحالف الأميركي مع بدء عملياته لم يستثنِ جبهة النصرة من ضرباته لتتوقف هذه الضربات فيما بعد لأسباب مرتبطة بمصالح اميركا مع السعودية وتركيا حينها، مع ضرورة الإشارة الى ان الموقف الأميركي من السعودية وتركيا قد تغير كثيراً هذه الأيام ما يعني تبدلاً في السلوك الأميركي.   من هنا، فإن الجولة القادمة من المفاوضات في جنيف ستكون بلا ادنى شك ترجمة لمفاعيل الميدان والهدنة القائمة والصامدة والتي ستصمد لفترة طويلة، وهو امر بحد ذاته يشكّل بعداً ايجابياً ينعكس على المواطن السوري ارتياحاً وهدوءاً، والمتابع لرأي المواطنين السوريين في كل المناطق بما فيها مناطق سيطرة الجماعات المسلحة يدرك هذا الأمر ويدرك رغبة الناس بالسلام وبضرورة الحل السياسي، رغم ان معارضة الرياض لا تزال تحاول رفع السقف السياسي وهو امر طبيعي يحصل في اي مفاوضات للوصول الى الممكن، وهو ما يحاول السيد دي ميستورا التوصل اليه من خلال ورقة الـ12 بندا التي طرحها والتي ستكون محور مناقشات جنيف القادمة، والتي يمكن ان تشكل بعد فترة مدخلاً للحوار المباشر بين الأطراف السورية والذي سيكون مساراً طويلاً بعض الشيء رغم ان اميركا وروسيا عبرتا عن موقف واضح بضرورة الوصول الى دستور جديد لسوريا مع نهاية شهر آب القادم وبات المطلوب تذليل العقبة الأساسية وهي هيئة الحكم الإنتقالي التي تطالب بها المعارضة وحكومة الوحدة الوطنية التي يتمسك بها وفد الدولة السورية، وهي مسألة ستجد طريقها للحل ولن تبقى عقبة لفترة طويلة فالأجواء تشير الى امكانية اميركا وروسيا القيام بضغوطات بهذا الإتجاه هي نفسها التي اوصلت الأمور الى عقد لقاءات جنيف.  في الجانب الميداني ومنذ شهر تقتصر المعارك في الميدان على القتال بين داعش والجيش السوري بشكل كبير رغم حصول خروقات على الجبهات الأخرى، الا انها لم ترق الى مرتبة المعارك في جبهة ريف حلب الجنوبي بشكل اساسي. المعارك بين الجيش السوري وداعش ستستمر في الفترة القادمة وهي لم تعد موضوعاً خلافياً بين القوى الدولية رغم تمنّع مجلس الأمن عن اعلان موقف من المسألة، الا ان ترحيب الأمم المتحدة ودول كثيرة بنتيجة معركة تدمر والتي يدور جدل كبير حولها لن ادخل فيه، حيث ان ابداء الرأي يجب ان يتم حول النتائج وليس على الأقاويل التي هي جزء من مسار تضليلي لن ينتهي قريباً.  ان تحرير تدمر والعمل على تحرير القريتين والسخنة سيعيد الأمور الى ما كانت عليه قبل احتلال داعش لهذه المناطق، واي تقدم الى مناطق سيطرة داعش سيكون مرتبطاً الى حد كبير ببقاء الهدنة في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة بما فيها جبهة النصرة نظراً لحاجة الجيش السوري الى قوات كبيرة لزجّها في معارك لاحقة نحو الرقة ودير الزور، ومن هنا تأتي اهمية التركيز على ابقاء الهدنة قائمة وكذلك على مسار الحل السياسي والعمل على الدخول في تسويات ميدانية ومصالحات كبيرة تغير في المشهد الحالي وتعجّل في الوصول الى تسوية نهائية يحدد السوريون وحدهم آفاقها وتفاصيلها، لجهة مستقبل سوريا وشكل الحكم فيها وآلياته عبر دستور جديد يتفق عليه الجميع ويتم استفتاء الشعب السوري عليه كمقدمة لإنتخابات برلمانية ورئاسية جديدة يكون الحكم فيها الشعب السوري بكل مكوناته. *ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.

المصدر : بيروت برس/ عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة