دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا حدود واضحة لـ«المنطقة الخضراء» في سوريا، وما زال الغموض يلف الكثير من التفاصيل المرتبطة بالهدنة، التي بدأت بالسريان اعتباراً من ليل الجمعة - السبت.
من هي الفصائل التي انضمت إلى الهدنة؟ وما هي المناطق التي تسري عليها؟ وما هي المعايير المتبعة للتمييز بين الخروقات والعمليات العسكرية المسموح بها، وغيرها من الأمور الأخرى؟
لكن يبدو أن الغطاء الروسي - الأميركي فرض نفسه على جميع الأطراف، مثبتاً أنه أقوى من جميع هذه التفاصيل الغامضة، فلم يتأثر سريان الهدنة بها، بل على العكس لاقت الهدنة خلال الساعات الأولى من تطبيقها ارتياحاً دولياً قلّما تحظى به مسألة من مسائل الأزمة السورية.
ومع ذلك لا يمكن تجاهل أن الغموض القائم ترك المجال مفتوحاً أمام أطراف الحرب السورية لتبادل الاتهامات ضد بعضهم بعضاً، حول ارتكاب خروقات لمبدأ «وقف العمليات العدائية»، وهو ما يثير مخاوف من احتمال اتخاذ أحد الأطراف هذه الاتهامات ذريعة لوأد الهدنة في أي وقت يشاء.
وقال رئيس المركز الروسي لتنسيق الهدنة في سوريا الجنرال سيرغي كورالينكو إن المركز سجل 9 خروقات خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، لكنه أكد أن وقف إطلاق النار صامد صمودا كبيرا. وأشار إلى أن مقاتلي «جبهة النصرة» قصفوا من منطقة يسيطر عليها مقاتلو المعارضة «المعتدلة» في محافظة اللاذقية وحدة «صقور الصحراء»، ما أدى إلى «سقوط الكثير من القتلى والجرحى من مسلحين وسكان محليين».
وفي الرياض، أعلن المتحدث باسم «الهيئة العليا للمفاوضات» سالم المسلط أن «قوات النظام ارتكبت 15 انتهاكا لوقف إطلاق النار السبت، بينها اثنان من قبل حزب الله اللبناني في منطقة الزبداني».
وأعلنت موسكو أن المركز تسلم قائمة أميركية تتضمن أسماء 69 جماعة مسلحة أكدت استعدادها للالتزام بوقف إطلاق النار، فيما دعا مسؤول أميركي رفيع المستوى إلى «إعطاء فرصة» لاتفاق وقف الأعمال العدائية رغم العقبات التي لا تزال «كثيرة»، مضيفاً «حتى في أفضل الحالات لم نكن نتوقع أن يتوقف العنف على الفور».
والاتفاق بين الروس والأميركيين على مبدأ الهدنة، وعدم شمول «جبهة النصرة» و «داعش» بها، لم يتوّج باتفاق على خرائط تفصيلية للمناطق المشمولة بها. وهو ما يعني أن مدة الأسبوعين، التي تشكل عمر الهدنة المبدئي، لن تكون اختباراً لإمكان صمود الهدنة وحسب، بل ستكون فترة تجريبية تهدف إلى توسيع إطار الهدنة واستقطاب المزيد من الفصائل إليها، على أن يتم، خلال ذلك، رسم حدود «المنطقة الخضراء» عمليا على أرض الواقع، وذلك من خلال الغارات الجوية التي تجددت في بعض المناطق في اليوم الثاني من الهدنة، ولكن ليس على سبيل خرق الهدنة، كما استعجل العديد من النشطاء واتهموا الطائرات به، بل على سبيل التأكيد أن المناطق المستهدفة تعد خارج الهدنة، وفي ذلك رسالة واضحة إلى بعض الفصائل بأنه لا مصلحة لها في مجاورة معاقل التنظيمين اللذين تم استثناؤهما من الهدنة، وخاصة «جبهة النصرة» التي يتداخل انتشارها مع انتشار الفصائل الأخرى تداخلا كبيرا.
ولا يعني ذلك أن الأمر نهائي، بل سيبقى خاضعاً للتجاذب الروسي - الأميركي، ريثما يجري الاتفاق على خريطة واحدة تحدد بوضوح المناطق المشمولة أو غير المشمولة بالهدنة. وفي حال عدم الاتفاق سيكون ذلك مؤشراً على إمكان فشل الهدنة.
ومن الملاحظ أن خريطة توزع القصف، أو عمليات الاشتباك المحدودة، خلال اليومين الماضيين، والتي حاول النشطاء المعارضون توثيقها باعتبارها خرقاً للهدنة، لم تشمل إلا مناطق فيها «جبهة النصرة» إلى جانب فصائل أخرى. ففي بالا في الغوطة الشرقية تشترك «جبهة النصرة» مع «جيش الإسلام» وغيره من الفصائل في تشكيل «غرفة عمليات المرج المشتركة». وفي ريف حماه الجنوبي ذكر النشطاء أن قرية حر بنفسه تعرضت لغارات جوية. ومن المعلوم أن «جبهة النصرة» تتواجد في جميع أرجاء المنطقة، وكان لها دور في تفجير معمل البشاكير لعرقلة تقدم الجيش السوري، الأسبوع الماضي.
أما في جبل الأكراد بريف اللاذقية، فلا يقتصر التواجد على «جبهة النصرة»، بل توجد أيضاً فصائل «القوقازيين» و «التركستانيين». وكذلك الأمر بالنسبة إلى ريف حلب الغربي، الذي قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن طائرات لم تتضح هويتها قصفت ست بلدات فيه، فتواجد «جبهة النصرة» في ريف حلب الغربي ليس بحاجة إلى دليل، لأنه الريف نفسه الذي شهد إبادة «حركة حزم» من قبل «النصرة» في العام الماضي.
وعليه، لن يكون من السهل على الجهة التي تعتبر القصف فوق هذه المناطق خرقاً للهدنة، إثبات ذلك. لأن اتفاق الهدنة يستثني «جبهة النصرة» من مفاعيله، وبالتالي لا يعد قصف معاقلها بمثابة خرق له.
وقد غابت محافظة إدلب في الشمال السوري، والتي تقع بشكل شبه كامل تحت سيطرة «جيش الفتح»، عن قائمة الاستهداف الجوي، بالرغم من أن موسكو لا تعتبرها مشمولة بالهدنة بحسب «خريطة عملياتية» بعثت بها إلى وزارة الدفاع الأميركية، وفق تقارير إعلامية. كما غابت كل من درعا والقنيطرة في المنطقة الجنوبية، وكذلك مدينة حلب وريفها الشمالي المحاذي للحدود التركية. وعدم استهداف معاقل «جبهة النصرة» في هذه المناطق لا يعني تراجعاً في الموقف الروسي، بقدر ما يشير إلى أن استمرار القصف مرتبط بالعمليات العسكرية التي كانت قائمة قبل الهدنة، ولا يقتضي سريان الهدنة إيقافها.
في المقابل، لم تظهر أية مؤشرات على نية الولايات المتحدة تصعيد غاراتها الجوية ضد «داعش» ومناطق انتشاره خلال فترة الهدنة. فلم تشهد المدن التي يسيطر عليها التنظيم أية طلعات جوية، باستثناء بعض الغارات لطائرات التحالف التي ساهمت في منع «انغماسيي» التنظيم من السيطرة على مدينة تل أبيض، إثر هجوم تمكنوا خلاله من اقتحام البلدة والسيطرة على بعض أجزائها، فيما أعلن الجنرال كورالينكو أن المركز حصل على معلومات تفيد بهجوم مقاتلين من «داعش» من الأراضي التركية، بدعم من المدفعية التركية، على مدينة تل أبيض السورية، مشيراً إلى أنه طلب إيضاحاً من المركز الأميركي في عمان، بشأن القصف التركي.
وعمت حالة من الهدوء كل معاقل التنظيم الرئيسية، وخاصة مدينة الرقة ومدن ريف حلب الشرقي الخاضعة لـ «فيتو» تركي.
واتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أمس، روسيا والسلطات السورية بخرق اتفاق وقف الأعمال العدائية. وقال، في مؤتمر صحافي مع نظيره الدنماركي كريستيان جنسن في الرياض، إن «الالتزام بالهدنة مؤشر مهم بالنسبة لجدية النظام السوري بالوصول إلى حل سلمي للأزمة السورية». وأضاف «كما ذكر وزير خارجية الولايات المتحدة (جون كيري) هناك خطة ب، إذا اتضح انه لا جدية لدى النظام السوري أو لدى الحلفاء فالخيار الآخر وارد وسيتم التركيز عليه». وأضاف «الحل يشمل سوريا من دون بشار الأسد. لا خلاف على هذا، ولا مساومة على هذا. السؤال: هل يخرج بموجب حل سلمي، وهو يعتبر الأفضل والأسرع، أم يخرج بموجب حل عسكري؟ الأمر يعود له، ولكن المنطق واضح وهذه الخيارات هي أمامه».
ورد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على إشارة الجبير إلى «الخطة ب»، موضحاً أن «هذا التصريح يتنافى تماماً مع قرارات مجلس الأمن الدولي». وقال «قلنا جميعا إن لا وجود للخطة ب. علينا أن ننفذ معا ما قررناه جميعا». وأشار إلى أن وزارة الدفاع الروسية والبنتاغون يتعاونان في رصد تنفيذ قرار وقف الأعمال العدائية.
واعتبر نائب رئيس الوزراء التركي يالتشين أق دوغان، في كلمته أمام البرلمان التركي، أن وقف الأعمال العدائية «لا يشمل منظمات إرهابية، كمنظمتي الحزب الديموقراطي ووحدات حماية الشعب (الكردية السورية) فهما منظمتان إرهابيتان بالنسبة لنا، ونمتلك الحق في الدفاع عن أمننا القومي في إطار قواعد الاشتباك».
المصدر :
عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة