في أعالي بلدية المدنية بالجزائر العاصمة، وبين عمارات شامخة في حي الياسمين، تظهر عربة بالية بلا عجلات، وقد تم تغطية واجهتها بالبلاستيك بعدما انكسر زجاجها، تبدو مهملة وقد أخذ منها الصدأ مأخذه، وخارت صلابتها أمام حر الصيف وقر الشتاء، ولا أحد يصدق أن إنسانا يقطن داخلها لأكثر من 24 سنة.

يتخذ الهاشمي الذي يبلغ من العمر 44 سنة من هذه المقطورة ملجأ له بعدما ضاقت به السبل لإيجاد مسكن كريم، وتحمل البوابة صورة شخصية للهاشمي ربما لإثبات ملكيته للعربة، وفرش هذا الشاب داخل هذا الملجأ الكثير من الكرتون لعله يمنع عنه البرد في هذا الشتاء القارس، وعلق بعضا من ثيابه في الزاوية، ووضع بعضا من الأواني في زاوية أخرى، ومنظر الشموع عند حواف العربة يوحي بأن الليل المدلهم يصعب على الشمعات أن تنيره.

يؤكد الهاشمي أنه يجتهد “في إعداد طعام العشاء قبل مغيب الشمس، ويبذل جهدا في قضاء كل حوائجه حين تكون الشمس ساطعة، والغرض من ذلك توفير ثمن الشمعات”، لكن ما قصة هذا الشاب الذي اتخذ من المقطورة مسكنا غير بعيد من قصر الرئاسة في قلب العاصمة الجزائرية، يُجيب الهاشمي : “هجرت مسقط رأسي بمدينة سطيف شرق الجزائر وعمري آنذاك لم يتجاوز 14 سنة، بسبب ظروف اجتماعية قاهرة اضطرتني للرحيل في ريعان طفولتي التي لا أتذكر منها سوى مبيتي في المقاهي والحمامات الشعبية والمخابز مقابل العمل نهارا”.

ويواصل الهاشمي سرد قصته وهي الحكاية التي يعرفها أغلب القاطنين في بلدية المدنية بالجزائر العاصمة، فالشاب الذي يُلقّبه الأصدقاء بكنية أشهر لاعب كرة قدم في الجزائر المدعو (رفيق صايفي)، ورُغم الوجع الذي يعانيه إلا أن رأفة الناس تذيب أحزانه.

حين بلغ الهاشمي عمره العشرين اقتنى هذه المقطورة واتخذها مسكنا:” أطهو الأكل داخل الشاحنة، وأقضي حاجتي البيولوجية في المقاهي والجوامع، وأغسل ثيابي في المرشّات العمومية، إنها حياة صعبة لكن أملي في الله كبير”.

وبعد 24 سنة قضاها الهاشمي في هذه المقطورة التي بدأت تتلاشى شيئا فشيئا لا يزال الأمل يحدو حدوه عند هذا الشاب الجزائري الذي يرجو أن تلتفت إلى معاناته السلطات الجزائرية وتمنحه مسكنا من حقه ليسجّل بذلك أغرب قصة جزائري يعاني من أزمة في السكن بينما تؤكد الحكومة أن أكثر من 450 ألف مواطن في الجزائر بلا سكن.

  • فريق ماسة
  • 2016-02-27
  • 11251
  • من الأرشيف

جزائري يقطن عربة منذ 24 سنة

في أعالي بلدية المدنية بالجزائر العاصمة، وبين عمارات شامخة في حي الياسمين، تظهر عربة بالية بلا عجلات، وقد تم تغطية واجهتها بالبلاستيك بعدما انكسر زجاجها، تبدو مهملة وقد أخذ منها الصدأ مأخذه، وخارت صلابتها أمام حر الصيف وقر الشتاء، ولا أحد يصدق أن إنسانا يقطن داخلها لأكثر من 24 سنة. يتخذ الهاشمي الذي يبلغ من العمر 44 سنة من هذه المقطورة ملجأ له بعدما ضاقت به السبل لإيجاد مسكن كريم، وتحمل البوابة صورة شخصية للهاشمي ربما لإثبات ملكيته للعربة، وفرش هذا الشاب داخل هذا الملجأ الكثير من الكرتون لعله يمنع عنه البرد في هذا الشتاء القارس، وعلق بعضا من ثيابه في الزاوية، ووضع بعضا من الأواني في زاوية أخرى، ومنظر الشموع عند حواف العربة يوحي بأن الليل المدلهم يصعب على الشمعات أن تنيره. يؤكد الهاشمي أنه يجتهد “في إعداد طعام العشاء قبل مغيب الشمس، ويبذل جهدا في قضاء كل حوائجه حين تكون الشمس ساطعة، والغرض من ذلك توفير ثمن الشمعات”، لكن ما قصة هذا الشاب الذي اتخذ من المقطورة مسكنا غير بعيد من قصر الرئاسة في قلب العاصمة الجزائرية، يُجيب الهاشمي : “هجرت مسقط رأسي بمدينة سطيف شرق الجزائر وعمري آنذاك لم يتجاوز 14 سنة، بسبب ظروف اجتماعية قاهرة اضطرتني للرحيل في ريعان طفولتي التي لا أتذكر منها سوى مبيتي في المقاهي والحمامات الشعبية والمخابز مقابل العمل نهارا”. ويواصل الهاشمي سرد قصته وهي الحكاية التي يعرفها أغلب القاطنين في بلدية المدنية بالجزائر العاصمة، فالشاب الذي يُلقّبه الأصدقاء بكنية أشهر لاعب كرة قدم في الجزائر المدعو (رفيق صايفي)، ورُغم الوجع الذي يعانيه إلا أن رأفة الناس تذيب أحزانه. حين بلغ الهاشمي عمره العشرين اقتنى هذه المقطورة واتخذها مسكنا:” أطهو الأكل داخل الشاحنة، وأقضي حاجتي البيولوجية في المقاهي والجوامع، وأغسل ثيابي في المرشّات العمومية، إنها حياة صعبة لكن أملي في الله كبير”. وبعد 24 سنة قضاها الهاشمي في هذه المقطورة التي بدأت تتلاشى شيئا فشيئا لا يزال الأمل يحدو حدوه عند هذا الشاب الجزائري الذي يرجو أن تلتفت إلى معاناته السلطات الجزائرية وتمنحه مسكنا من حقه ليسجّل بذلك أغرب قصة جزائري يعاني من أزمة في السكن بينما تؤكد الحكومة أن أكثر من 450 ألف مواطن في الجزائر بلا سكن.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة