بسرعة وصمت تراجعت أطياف المعارضة السورية الممثلة في مؤتمر الرياض عن اشتراط وضع هيئات حكم انتقالي لأي وقف لإطلاق النار في سورية. وحتى المدراء الإقليميون لم يستطيعوا تحقيق شروطهم. لقد أتى الأمر من فوق، كما يقال. وهذا الفوق هو الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وفي التفاصيل أن الهيئة التفاوضية لمؤتمر الرياض تبلغت بعض نقاط التفاهم الأميركي- الروسي ثم قام المنسق العام للهيئة رياض حجاب بزيارة إسطنبول قبل يومين للحصول على دعم الفصائل المقاتلة. ووفق ما نقلت صحيفة «الحياة» السعودية عن أحد الحاضرين، فإن المطروح «هدنة إنسانية» تعلن بوقف العمليات العدائية، حيث سعت المعارضة إلى عدم ضم «جبهة النصرة» المنضوية في «جيش الفتح» الذي يسيطر على محافظة إدلب ويخوض عناصرها معارك في ريف حلب والمدينة. نقطة عدم ضم جبهة «النصرة» استرسل في شرحها الصحفي عبد الباري عطوان، في مقال له في صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية، حيث قال إن «اتفاق وقف اطلاق النار تعثر الاسبوع الماضي، حسب بعض المعلومات، لان جون كيري وزير الخارجية الامريكي اراد بضغط من السعودية وتركيا استثناء “جبهة النصرة” من الغارات الجوية الروسية، وضمها الى الحركات الجهادية “المعتدلة”، ولكن نظيره الروسي سيرغي لافروف رفض هذا الطلب، مما ادى الى انهيار مفاوضات جنيف الجمعة الماضي بين الطرفين حول هذه المسألة»

 

وبالعودة إلى صحيفة «الحياة» فيبدو أن الفصائل المصنفة معتدلة حاولت الحصول على شرط مخفف، مفاده أن «المعارضة لا تريد أن تستخدم ذريعة جبهة النصرة للاستمرار في قصف مناطقها»، الأمر الذي لم يحظ بقبول أميركي كاف لإقناع موسكو به، في إشارة إلى أن أمريكا عادت ففرضت رؤيتها دون أن تأخذ بالحسبان رغبات من يفترض أنهم حلفاؤها. وهنا عثرت معارضة مؤتمر الرياض على مخرج لغوي لأزمتها، وهو إطلاق اسم «هدنة إنسانية» بدلاً عن «وقف إطلاق نار شامل»، فأكد رياض حجاب رئيس الهيئة التفاوضية على القبول بـ«هدنة إنسانية» تدمج «وقف العمليات القتالية» بالبعد الإنساني المتعلق بالإغاثة وإطلاق معتقلين وقف القصف العشوائي، حسب تفسيره للاتفاق الروسي الأمريكي. وبهذه اللعبة اللغوية تريد المعارضة أن تغطي على شروط سابقة أثناء فترة الإعداد لمؤتمر «جنيف3»، وأثناءه. وهي شروط كانت تلحظ إقامة هيئة حكم انتقالية، وإطلاق سراح السجناء لدى الحكومة السورية، واعتراف الدول بمعارضة مؤتمر الرياض كممثل للشعب السوري، وصولاً إلى شرط تنحي الرئيس بشار الأسد.

 

وفي النهاية، وأمام تراجعها المشين، عادت المعارضة فوضعت ثلاثة شروط جديدة، مفادها: «الاتفاق مع الروس وليس مع النظام، وجود وسيط دولي وليس في شكل مباشر، توفير ضمانات لوقف العمليات العدائية»، على أن يتم الاتفاق على آلية للرقابة في مرحلة لاحقة.

 

أنقرة أيضاً كانت من الخاسرين، لقد اشترطت أن لا تتم مهاجمة مناطق «الفصائل المعتدلة» حتى تتوقف بدورها عن استهداف مواقع الوحدات الكردية. غير أن الاتفاق ينص بوضوح على استثناء «داعش» المهيمن في أغلب المناطق التي يتم التنازع عليها في حلب. وحتى لو أرادت روسيا، ولدرجة ما إيران، أن تستوعب الحدة التركية في حلب عبر تأجيل أو إبطاء العمليات العسكرية إلا أن ادلب الخاضعة لسيطرة «جيش الفتح» وأكبر مكوناته هو جبهة «النصرة» ستكون هدفاً لعمليات الجيش السوري، رغم أن تركيا تعتبرها مركز هيمنة تقليدي لها في الشمال السوري. وهكذا فإن معالجتها لـ«الفتق الحلبي» مهما كان صعباً لن يحول دون فتق قد يكون أكبر في ادلب كونه سيغلق أخطر ممرات توريد السلاح والذخيرة إلى الداخل السوري.

 

ويقول عطوان في خاتمة مقاله: « المهم ان كل الحديث عن اسلحة متقدمة للمعارضة السورية، وتحالفات “اسلامية” ضد تنظيم “داعش” ومناورات “رعد الشمال”، والتدخل البري، جرى وضعها كلها في الثلاجة، ان لم تكن قد تبخرت مع بدء اشتداد درجات الحرارة في الجزيرة العربية في الوقت الراهن» مضيفاً أن «السيدين عادل الجبير، والعميد ركن احمد العسيري، بحاجة الى اجازة، او الاول على الاقل، ريثما يهدأ غبار هذا الاتفاق».

 

ربما يجب أن نضيف أسماء دزينتين من وزراء الخارجية والرؤساء والقادة في الدول العربية والمنظمات الأممية وتركيا إلى هذين الاسمين، اما أسماء قياديي «المعارضة» فالأفضل إضافتها إلى مقررات كليات العلوم السياسية كمثال على «الخفة السياسية بأجلى أشكالها»

  • فريق ماسة
  • 2016-02-22
  • 14284
  • من الأرشيف

كيف تراجعت المعارضة السورية عن تنحي الأسد كشرط للهدنة؟

بسرعة وصمت تراجعت أطياف المعارضة السورية الممثلة في مؤتمر الرياض عن اشتراط وضع هيئات حكم انتقالي لأي وقف لإطلاق النار في سورية. وحتى المدراء الإقليميون لم يستطيعوا تحقيق شروطهم. لقد أتى الأمر من فوق، كما يقال. وهذا الفوق هو الولايات المتحدة الأمريكية.   وفي التفاصيل أن الهيئة التفاوضية لمؤتمر الرياض تبلغت بعض نقاط التفاهم الأميركي- الروسي ثم قام المنسق العام للهيئة رياض حجاب بزيارة إسطنبول قبل يومين للحصول على دعم الفصائل المقاتلة. ووفق ما نقلت صحيفة «الحياة» السعودية عن أحد الحاضرين، فإن المطروح «هدنة إنسانية» تعلن بوقف العمليات العدائية، حيث سعت المعارضة إلى عدم ضم «جبهة النصرة» المنضوية في «جيش الفتح» الذي يسيطر على محافظة إدلب ويخوض عناصرها معارك في ريف حلب والمدينة. نقطة عدم ضم جبهة «النصرة» استرسل في شرحها الصحفي عبد الباري عطوان، في مقال له في صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية، حيث قال إن «اتفاق وقف اطلاق النار تعثر الاسبوع الماضي، حسب بعض المعلومات، لان جون كيري وزير الخارجية الامريكي اراد بضغط من السعودية وتركيا استثناء “جبهة النصرة” من الغارات الجوية الروسية، وضمها الى الحركات الجهادية “المعتدلة”، ولكن نظيره الروسي سيرغي لافروف رفض هذا الطلب، مما ادى الى انهيار مفاوضات جنيف الجمعة الماضي بين الطرفين حول هذه المسألة»   وبالعودة إلى صحيفة «الحياة» فيبدو أن الفصائل المصنفة معتدلة حاولت الحصول على شرط مخفف، مفاده أن «المعارضة لا تريد أن تستخدم ذريعة جبهة النصرة للاستمرار في قصف مناطقها»، الأمر الذي لم يحظ بقبول أميركي كاف لإقناع موسكو به، في إشارة إلى أن أمريكا عادت ففرضت رؤيتها دون أن تأخذ بالحسبان رغبات من يفترض أنهم حلفاؤها. وهنا عثرت معارضة مؤتمر الرياض على مخرج لغوي لأزمتها، وهو إطلاق اسم «هدنة إنسانية» بدلاً عن «وقف إطلاق نار شامل»، فأكد رياض حجاب رئيس الهيئة التفاوضية على القبول بـ«هدنة إنسانية» تدمج «وقف العمليات القتالية» بالبعد الإنساني المتعلق بالإغاثة وإطلاق معتقلين وقف القصف العشوائي، حسب تفسيره للاتفاق الروسي الأمريكي. وبهذه اللعبة اللغوية تريد المعارضة أن تغطي على شروط سابقة أثناء فترة الإعداد لمؤتمر «جنيف3»، وأثناءه. وهي شروط كانت تلحظ إقامة هيئة حكم انتقالية، وإطلاق سراح السجناء لدى الحكومة السورية، واعتراف الدول بمعارضة مؤتمر الرياض كممثل للشعب السوري، وصولاً إلى شرط تنحي الرئيس بشار الأسد.   وفي النهاية، وأمام تراجعها المشين، عادت المعارضة فوضعت ثلاثة شروط جديدة، مفادها: «الاتفاق مع الروس وليس مع النظام، وجود وسيط دولي وليس في شكل مباشر، توفير ضمانات لوقف العمليات العدائية»، على أن يتم الاتفاق على آلية للرقابة في مرحلة لاحقة.   أنقرة أيضاً كانت من الخاسرين، لقد اشترطت أن لا تتم مهاجمة مناطق «الفصائل المعتدلة» حتى تتوقف بدورها عن استهداف مواقع الوحدات الكردية. غير أن الاتفاق ينص بوضوح على استثناء «داعش» المهيمن في أغلب المناطق التي يتم التنازع عليها في حلب. وحتى لو أرادت روسيا، ولدرجة ما إيران، أن تستوعب الحدة التركية في حلب عبر تأجيل أو إبطاء العمليات العسكرية إلا أن ادلب الخاضعة لسيطرة «جيش الفتح» وأكبر مكوناته هو جبهة «النصرة» ستكون هدفاً لعمليات الجيش السوري، رغم أن تركيا تعتبرها مركز هيمنة تقليدي لها في الشمال السوري. وهكذا فإن معالجتها لـ«الفتق الحلبي» مهما كان صعباً لن يحول دون فتق قد يكون أكبر في ادلب كونه سيغلق أخطر ممرات توريد السلاح والذخيرة إلى الداخل السوري.   ويقول عطوان في خاتمة مقاله: « المهم ان كل الحديث عن اسلحة متقدمة للمعارضة السورية، وتحالفات “اسلامية” ضد تنظيم “داعش” ومناورات “رعد الشمال”، والتدخل البري، جرى وضعها كلها في الثلاجة، ان لم تكن قد تبخرت مع بدء اشتداد درجات الحرارة في الجزيرة العربية في الوقت الراهن» مضيفاً أن «السيدين عادل الجبير، والعميد ركن احمد العسيري، بحاجة الى اجازة، او الاول على الاقل، ريثما يهدأ غبار هذا الاتفاق».   ربما يجب أن نضيف أسماء دزينتين من وزراء الخارجية والرؤساء والقادة في الدول العربية والمنظمات الأممية وتركيا إلى هذين الاسمين، اما أسماء قياديي «المعارضة» فالأفضل إضافتها إلى مقررات كليات العلوم السياسية كمثال على «الخفة السياسية بأجلى أشكالها»

المصدر : سومر سلطان/ وكالة أنباء آسيا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة