دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ترتبط المرأة المصرية بعلاقة وثيقة مع الموروثات الشعبية، وخاصة تلك الموروثات ذات العلاقة ببعض القضايا والظواهر الاجتماعية، مثل تأخر سن الزواج أو العنوسة، والعقم المتمثل في تأخر الإنجاب.. وقد توارثت النساء المصريات وبخاصة في قرى الصعيد، كثير من الموروثات الباقية حتى اليوم .
ويمكن القول إن الموروثات الشعبية لدى النساء المصريات، والمتعلقة بمعالجة العقم وفك العنوسة تأتى في المرتبة الأولى، من بين الموروثات التي تتمسك بها الفتيات العزباوات والنساء المتزوجات، ولا عجب في ذلك، إذا ما علمنا أن دراسات محلية جرت في صعيد مصر، أثبتت إن رؤى وأحلام النساء تقتصر في أغلبها على ما يفسره علماء الروحانيات ومفسري الأحلام بقاموس الخطبة والحب حيث يسيطر الانشغال بالحبيب والتفكير في المستقبل مع شريك العمر وحرص الزوجات منهن على الإنجاب المبكر على أغلب أحلام النساء من فتيات وسيدات متزوجات وتتلخص معظم الرؤى والأحلام النسائية في قدوم عريس أو مولود .
ومن بين أشهر وأطرف تلك الموروثات والعادات والتقاليد الشعبية في قرى محافظة الأقصر التاريخية، وغيرها من قرى صعيد مصر، ما يسمى بـ”الكحريتة” و”بئر الخضة” وهى أشياء تلجأ لها النساء لتحقيق حلم الأمومة والإنجاب، و البئر الفرعوني لفك العنوسة وتأخر سن الزواج.
وقالت الباحثة المصرية، أسماء أبوبكر، إن هذه الموروثات عبارة عن جذور فرعونية حيث كان الكهنة في مصر القديمة، يقومون بالاغتسال في الاّبار الفرعونية للتًطَهُر، ومن هنا ساد الانطباع بقدسية الاّبار الفرعونية، واتبعت النساء في القرى المتاخمة لمعابد ومقابر الفراعنة مثل الأقصر، عدة تقاليد قديمة لفك العنوسة والتطهر والتمكن من الإنجاب ثانية، تقوم النساء في تلك القرى، بزيارة أثر من الاّثار الفرعونية ، وخاصة الاّبار المقدسة، داخل المعابد المصرية القديمة والقيام بالطواف حول تلك الآبار سبع مرات، كما تلجأ بعض النساء لعبور النيل الذى يرون أن فيه بركة وقدسية كبيرة .
ويقول الباحث عبد المنعم عبد العظيم، مدير مركز تراث الصعيد الأعلى، إن زيارة الاّبار المقدسة معتقد مصري قديم، وبناء على هذا المعتقد، تذهب النساء إليه طلباً للحمل أو الزواج، مشيرا إلى أنه عندما يعجز الإنسان عن الوصول إلى شيء ما يلجأ للبحث عنه خلف المجهول.
ويضيف عبدالعظيم أن جميع المعابد الفرعونية في المدن المصرية يوجد بها اّبار للتطهر، وأن السبب في قيام النساء بالمرور فوق تلك الآبار سبع مرات، هو أيضا قدسية الرقم، لأن السماوات سبع والأرض سبع طبقات وأيام الأسبوع سبعة أيام والطواف حول الكعبة سبع مرات وقد رسخ هذا الرقم في وجدان الإنسان .
من جانبه، يرى الباحث المصري، عز العرب عبدالحميد ثابت، أن هناك نساء يحرصن على زيارة مومياء طفل ترقد في صندوق عرض زجاجي داخل مقبرة فرعونية بمنطقة وادى الملكات، وبئر فرعوني في معابد هابو الأثرية غرب الاقصر، وبحسب الروايات فانه في معابد هابو يوجد بئر مخيف تعارف الناس على تسميته “بئر الخضة” وإذا أراد الإنسان مشاهدة هذا البئر فإنه يدخل من باب البئر ثم ينزل سلما نبت على جانبيه نبات الحلف، ثم يواجه عند آخر عتبات السلم بالماء الراكد وهذا البئر مغطى كلة بالأحجار وتوجد فتحة في سقف البئر يتسلل منها شعاع نور يبدد بعض ظلامة المرعب، وفى شقوق ذلك البئر تعيش الخفافيش الكبيرة، وربما يلتصق خفاش هائج بوجه الإنسان أثناء نزول الدرج.
وهناك بعض الشهادات ، من مواطنين، حيث يقول ر. عبده وهو خفير في أحد المعابد الفرعونية بمدينة الأقصر، إن كثيرا من النساء والفتيات يأتين لزيارة المعبد الذى يتولى حراسته، بحثا عن البئر المقدس، وعندما يذهب بهم إلى المكان، يقوموا بالمرور فوقة 7 مرات، وذلك أملا في الإنجاب أحيانا وطلبا للزواج من عريس ميسور الحال في أحيان أخرى .
وتقول داليا أبوبكر- مرشدة سياحية مصرية- إن النساء اللائي يسعين للإنجاب والزواج يذهبن إلى الآبار الفرعونية ويقمن بالمرور فوقها سبعة أشواط، وذلك لعدة اعتقادات منها أن ذلك يبطل أعمال السحر ويساعد على الإنجاب، ويفك العنوسة، ويبطل النحس أيضا.
وقالت “م .ع. /” 38 عاما/ إنها ذهبت إلى أحد المعابد الفرعونية وقامت بالمرور فوق البئر الفرعوني المقدس سبع مرات، بعد أن نصحها العديد بالقيام بذلك لفك العنوسة، وبالفعل بعد فترة تمت خطبتها، وهى الاّن تستعد للزواج.
وقالت “أم محمود” إن ابنتها كانت مصابة بالمشاهرة وتأخرت في الإنجاب، وذهبت بها إلى بئر فرعوني، وطافت فوقه سبع مرات، وبعد خمسة أشهر من ذلك باتت ابنتها حاملا .
ومن الموروثات الشعبية عند النساء لفك العنوسة وعلاج العقم بصعيد مصر، ما يسمى بظاهرة “الكحريتة” وهى قيام النساء والفتيات بالذهاب إلى منحدرات جبلية، في محيط أضرحة الأولياء، مثل الشيخ عابد القرنة في الأقصر، والشيخ النجار أبو على، في اسوان، وغيرها، حيث تقوم النساء والفتيات بترك أجسادهن تتدحرج – تتكحرت – من أعلى المنحدر الذى يكون أمام ضريح الشيخ، حتى تصل لنهاية المنحدر وهى تتدحرج في صورة دائرية .
ويروى الباحث المصري، أمير الصراف، عن تجربته في معايشة بعض العادات الخارجة عن المألوف في صعيد مصر، ومن بينها ما رآه في قرية بخانس بمركز ابو تشت في محافظة قنا بلد الأضرحة والأولياء – أربعة وأربعون وليا وضريحا- واعتقاد البعض في جود قوى غامضة خفية تسكن في حجر من الجرانيت الوردي حيث يعتقدون أنها قوى محسوسة لا ملموسة مجربة لمن اعتقدوا فيها وآمنوا بجدواها وهي “الست رميلة” ذات الصولجان في بخانس.
ويعتقد هؤلاء أن عجوزا طاعنة في السن أكدت أنها منذ أن ولدت في بخانس وهى تشاهد ذلك الحجر الجرانيتي الذى توجد فتحة شبه مثلثة في وسطه وهى تخص “الست رميلة ” التي باتت لدى العامة معروفة بقدرتها على علاج حالات العقم وفك المشاهرة والخضة عند السيدات، ولكن من تكون ” الست رميلة ” بحسب تساؤل “أمير الصراف” لا أحد يعرف أو يجيب، سوى أن لدى أهل المنطقة موروث قديم يقول إن هذا الحجر يسمى “الست رميلة” وهذا الموروث له طقوسه التي تتمثل في قيام المرأة العقيمة بالدوران ثلاث مرات حول هذا الحجر ثم تحاول عبور الفتحة المثلثة الضيقة التي إذا اتسعت وسمحت بمرور المرأة فهذا معناه أنها سوف تنجب، وهو الأمر الذى يصفه “أمير الصراف” بأنه غير معقول لأن الفتحة ضيقة لا تسمح بمرور رضيع ما زال يحبو فكيف تمر فيها سيدات بدينات بكل يسر، وعند أداء تلك الطقوس تقوم النسوة المصاحبات بنصب خيمة من الملاءات لستر المرأة التي ستقوم بالطواف حول الحجر، لذلك لا أحد يرى تأدية هذه الطقوس مباشرة ولا أحد يستطيع أن يرى إن كانت النساء تقوم بالعبور من الفتحة الضيقة التي تتوسط الحجر أم أن ذلك مجرد خيال، وأغلب الظن بحسب قول “الصراف” إن النسوة يقمن فقط بالمرور فوق الحجر ثلاث مرات متتالية .
ويرجع الباحث أمير الصراف بقاء بعض تلك الموروثات، إلى اعتقاد من وصفهم بالعوام بتواجد القوى الغيبية الخفية القاطنة في المعابد والكهوف ومقابر الموتى، ويشير إلى أنه من عيوب العوام أنهم يهرولون خلف المعتقد ويؤدون طقوسه في خشوع لمجرد أنه موروث من القدماء دون أدنى معرفة بماهيه المعتقد وجذوره وجدواه في إحداث تغير في أمور معدة سلفا، الأمر الذي يعني تقديس المعتقد لمجرد أنه موروث.
في المقابل، وصف رجال دين هذه الموروثات بأنها مجرد “خزعبلات” تخالف المعتقدات الدينية السماوية، وتقود مرتكبيها إلى طريق الذنوب، وتبعدهم عن طريق الإيمان .
وقال الشيخ محمد على حسنين، من علماء الأزهر الشريف، إن مثل تلك العادات ليس لها أساس من الصحة، مؤكدا على أن الشرع لم يَقُلٌ بذلك مطلقاً، وأن الحل الأمثل هو الرجوع إلى الأطباء في حالة تأخر الإنجاب، قائلا “وخلقنا لكل داءٍ دواء”، وليس لكل داءٍ جبال وأبيار، موضحا أن هناك تقدم كبير اليوم في علوم الطب، وتتوفر الآن جميع أنواع العلاج، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “تداووا فإن لكل داءِ دواء”، ويرجع ذلك إلى قدره الله عز وجل، مضيفا إلى أن الفتيات اللاتي لم يتزوجن والنساء اللائي لم ينجبن يحدث لهم ذلك بتقدير من المولى عز وجل ولكل واحدة منهن أجل ونصيب. (د ب أ)
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة