يواصل عصام بويضاني، قائد «جيش الإسلام» الجديد، خوض معارك سلفه زهران علوش الذي قتلته غارات مشتركة روسية سورية أواخر العام الماضي، وكأنّ شيئاً لم يتغير.

إلا أن شروع فصائل عديدة متباينة في توجهاتها العقائدية بإطلاق حملات عسكرية متزامنة ضد تنظيم «داعش» أو ضد فصائل محسوبة عليه، في مناطق مختلفة، تقع جميعها في محيط العاصمة دمشق، لا يمكن أن يكون وليد الصدفة، خاصةً أن هذه الحملات جاءت بالتزامن مع تسريب أنباء حول بدء الشروع في تنفيذ اتفاق إخراج مقاتلي التنظيم من جنوب دمشق.

ويبدو أن قدر قائد «جيش تحرير الشام» النقيب المنشق فراس بيطار أن يبقى مطارداً من قبل «جيش الإسلام»، بغض النظر عمن يقوده. فالراحل زهران علوش طرده قبل نحو عامين من الغوطة الشرقية، وها هو خلفه البويضاني ينجح في قطع دابره من مدينة الضمير في القلمون الشرقي. وقد اضطر بيطار، بسبب ضراوة الهجوم العسكري وضخامة الحملة الإعلامية ضده، أن يرضخ للأمر الواقع، ويمنح «جيش الإسلام» ما يمكن اعتباره «صك استسلام» من قبله، حيث أصدر قبل يومين بياناً يعلن فيه «عزل لواء الصديق من صفوفه بسبب رفضه تنفيذ الأوامر العسكرية»، وذلك بعد أن خرق الأخير هدنة الـ 48 ساعة التي توصل إليها وجهاء مدينة الضمير بين الطرفين المتناحرين، «جيش الإسلام» و «جيش تحرير الشام»، وهاجم مقار تابعة إلى «قوات أحمد العبدو» ليسقط العديد من القتلى والجرحى، من بينهم مدنيون.

وكانت حالة من التشنج قد سادت مدينتي الضمير والرحيبة المجاورة منذ آذار الماضي، عندما أعلن فراس بيطار عن ترقية فصيله تنظيمياً من مستوى «لواء» إلى مستوى «جيش»، الأمر الذي اعتبره زهران علوش تحدياً له ولسلطته في المنطقة، ليباشر على الفور إجراءات عدائية ضد الفصيل الذي خاض معه طوال العام 2012 غالبية المعارك التي مكنته من فرض سيطرته على الغوطة الشرقية. ولم يكتف بعد ذلك بطرده منها، بل لاحقه إلى القلمون الشرقي، حيث ضَمنَ اتفاق هدنة بين الطرفين استمرت لأشهر عدة فقط.

وقد بدأت موجة المعارك الأخيرة قبل حوالي ثلاثة أشهر، على خلفية اتهام وجهه «جيش الإسلام» إلى «جيش تحرير الشام» بمبايعة تنظيم «داعش» سراً. وتصاعدت حدة الاشتباكات أواخر العام الماضي وبداية العام الحالي، لترتفع وتيرتها بشكل غير مسبوق خلال الأسبوعين الماضيين. وقد عقدت بضعة اتفاقات هدنة بين الطرفين خلال هذه الفترة، إلا أن أياً منها لم يستطع الصمود. وكان آخر هذه الاتفاقات، الذي جرى توقيعه الأسبوع الماضي، بوساطة بعض وجهاء المدينة وأعضاء «الهيئة الشرعية»، وتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة. غير أن «لواء الصديق»، بقيادة إبراهيم نقرش، المعروف بلقب أبو خليل الدمشقي، وبالتعاون مع «رجال الملاحم» بقيادة مالك جمعة أبو عبدو، خرقا هذا الاتفاق وقاما بالهجوم، الذي اضطر فراس بيطار بسببه لإصدار قرار عزل «لواء الصديق». وهذا يعني (أي العزل) أن بيطار لم يعد له أي تواجد في مدينة الضمير، لأن من كان يمثله هناك هو «لواء الصديق»، وكان قائده أبو خليل هو في الوقت نفسه قائد «تحرير جيش الشام» في مدينة الضمير.

وسوف يعتبر «جيش الإسلام» تخلي بيطار عن رفيق دربه الدمشقي دليلاً على صحة الاتهامات التي كان يوجهها بشكل خاص إلى «لواء الصديق» بمبايعة «داعش»، الأمر الذي سيترك تداعياته على مدينة الضمير، التي يفترض أنها تعيش في ظل اتفاق تسوية مع الجيش السوري منذ نهاية العام 2014، لأن «جيش الإسلام» لن يقبل بأقل من خروج «لواء الصديق» من المدينة التي ينتمي إليها غالبية مقاتليه، أو أن يصدر بياناً صريحاً يتبرأ فيه من «داعش». وفي الحالة الثانية سيكون «لواء الصديق» قد أخرج من يده آخر الأوراق التي يمكنه اللعب بها، عبر التقرب من «داعش» لمساعدته في حربه ضد «جيش الإسلام». ومن المستبعد أن يفعل ذلك، إلا إذا كان قد قرر الاستسلام بشكل نهائي وتسليم الضمير برمتها إلى «جيش الإسلام».

ويتخوف «جيش الإسلام»، بشكل أساسي، من أن يؤدي انغلاق مسار صدد ومهين في وجه «داعش»، بفعل صمود الجيش السوري هناك وتمكنه من استرجاع العديد من القرى التي سيطر عليها التنظيم، ومن ثم تضييق الخناق عليه في القريتين، إلى دفع التنظيم نحو تغيير مساره والاتجاه في معاركه نحو القلمون الشرقي، لذلك سارع «جيش الإسلام»، وحاول توجيه الضربة القاضية لبعض الفصائل التي يشتبه بتعاونها معه.

وكانت مناطق عدة في محيط دمشق قد شهدت، الشهر الماضي، معارك متلاحقة ضد «داعش». ففي الحجر الأسود تعرض بعض قادة التنظيم للاغتيال، نتيجة تفجير عبوة في أحد مقارهم، أعقبها اشتباكات ضارية ضد مجموعات من «جبهة النصرة» بقيادة أبو إبراهيم الأنصاري. وفي القلمون الغربي، وتحديداً عند أطراف بلدة عرسال اللبنانية، أطلق أبو مالك التلي، قائد «جبهة النصرة» هناك، حملة عسكرية ضد التنظيم. كذلك شهدت مدينة التل معارك طاحنة ضد خلايا التنظيم، وامتدت المعارك إلى قرى عديدة في وادي بردى.

وقد جاءت هذه المعارك بالتزامن مع حدثين مهمين: الأول تسريب أنباء حول الشروع في بدء تنفيذ اتفاق إخراج مقاتلي «داعش» من جنوب دمشق، برعاية وإشراف الأمم المتحدة، والثاني، مباشرة تنظيم «داعش» تنفيذ سلسلة من عمليات تفجير سيارات مفخخة في بعض مناطق محافظة دمشق، مثل تفجيرات السيدة زينب وتفجير برزة. فهل كانت الحملات ضد التنظيم محاولة لاستباق توزيع إرثه، عبر السيطرة على مناطق نفوذه قبل أن يطبق عليها الجيش السوري، أم كانت مساعيَ لإفشال تنفيذ اتفاق الخروج من جنوب دمشق؟ أم أكثر من ذلك، لم تشأ بعض الدول رؤية ريف دمشق وهو يتطهر من «داعش» بموجب اتفاقات ترعاها الأمم المتحدة ويحصد الجيش السوري المكافأة عليها، فأوعزت إلى بعض الفصائل لإطلاق هجوم شامل ضد معاقل التنظيم في محيط العاصمة لحرمان الجيش السوري من هذه المكافأة وتجييرها لمصلحة هذه الفصائل؟ وهل يعني تفجير المفخخات أن «داعش» ألغى الاتفاق وقرر البقاء في معاقله بريف دمشق؟

  • فريق ماسة
  • 2016-02-10
  • 13653
  • من الأرشيف

معارك متلاحقة ضد «داعش» في محيط دمشق «جيش الإسلام» يسعى للهيمنة على القلمون الشرقي

يواصل عصام بويضاني، قائد «جيش الإسلام» الجديد، خوض معارك سلفه زهران علوش الذي قتلته غارات مشتركة روسية سورية أواخر العام الماضي، وكأنّ شيئاً لم يتغير. إلا أن شروع فصائل عديدة متباينة في توجهاتها العقائدية بإطلاق حملات عسكرية متزامنة ضد تنظيم «داعش» أو ضد فصائل محسوبة عليه، في مناطق مختلفة، تقع جميعها في محيط العاصمة دمشق، لا يمكن أن يكون وليد الصدفة، خاصةً أن هذه الحملات جاءت بالتزامن مع تسريب أنباء حول بدء الشروع في تنفيذ اتفاق إخراج مقاتلي التنظيم من جنوب دمشق. ويبدو أن قدر قائد «جيش تحرير الشام» النقيب المنشق فراس بيطار أن يبقى مطارداً من قبل «جيش الإسلام»، بغض النظر عمن يقوده. فالراحل زهران علوش طرده قبل نحو عامين من الغوطة الشرقية، وها هو خلفه البويضاني ينجح في قطع دابره من مدينة الضمير في القلمون الشرقي. وقد اضطر بيطار، بسبب ضراوة الهجوم العسكري وضخامة الحملة الإعلامية ضده، أن يرضخ للأمر الواقع، ويمنح «جيش الإسلام» ما يمكن اعتباره «صك استسلام» من قبله، حيث أصدر قبل يومين بياناً يعلن فيه «عزل لواء الصديق من صفوفه بسبب رفضه تنفيذ الأوامر العسكرية»، وذلك بعد أن خرق الأخير هدنة الـ 48 ساعة التي توصل إليها وجهاء مدينة الضمير بين الطرفين المتناحرين، «جيش الإسلام» و «جيش تحرير الشام»، وهاجم مقار تابعة إلى «قوات أحمد العبدو» ليسقط العديد من القتلى والجرحى، من بينهم مدنيون. وكانت حالة من التشنج قد سادت مدينتي الضمير والرحيبة المجاورة منذ آذار الماضي، عندما أعلن فراس بيطار عن ترقية فصيله تنظيمياً من مستوى «لواء» إلى مستوى «جيش»، الأمر الذي اعتبره زهران علوش تحدياً له ولسلطته في المنطقة، ليباشر على الفور إجراءات عدائية ضد الفصيل الذي خاض معه طوال العام 2012 غالبية المعارك التي مكنته من فرض سيطرته على الغوطة الشرقية. ولم يكتف بعد ذلك بطرده منها، بل لاحقه إلى القلمون الشرقي، حيث ضَمنَ اتفاق هدنة بين الطرفين استمرت لأشهر عدة فقط. وقد بدأت موجة المعارك الأخيرة قبل حوالي ثلاثة أشهر، على خلفية اتهام وجهه «جيش الإسلام» إلى «جيش تحرير الشام» بمبايعة تنظيم «داعش» سراً. وتصاعدت حدة الاشتباكات أواخر العام الماضي وبداية العام الحالي، لترتفع وتيرتها بشكل غير مسبوق خلال الأسبوعين الماضيين. وقد عقدت بضعة اتفاقات هدنة بين الطرفين خلال هذه الفترة، إلا أن أياً منها لم يستطع الصمود. وكان آخر هذه الاتفاقات، الذي جرى توقيعه الأسبوع الماضي، بوساطة بعض وجهاء المدينة وأعضاء «الهيئة الشرعية»، وتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة. غير أن «لواء الصديق»، بقيادة إبراهيم نقرش، المعروف بلقب أبو خليل الدمشقي، وبالتعاون مع «رجال الملاحم» بقيادة مالك جمعة أبو عبدو، خرقا هذا الاتفاق وقاما بالهجوم، الذي اضطر فراس بيطار بسببه لإصدار قرار عزل «لواء الصديق». وهذا يعني (أي العزل) أن بيطار لم يعد له أي تواجد في مدينة الضمير، لأن من كان يمثله هناك هو «لواء الصديق»، وكان قائده أبو خليل هو في الوقت نفسه قائد «تحرير جيش الشام» في مدينة الضمير. وسوف يعتبر «جيش الإسلام» تخلي بيطار عن رفيق دربه الدمشقي دليلاً على صحة الاتهامات التي كان يوجهها بشكل خاص إلى «لواء الصديق» بمبايعة «داعش»، الأمر الذي سيترك تداعياته على مدينة الضمير، التي يفترض أنها تعيش في ظل اتفاق تسوية مع الجيش السوري منذ نهاية العام 2014، لأن «جيش الإسلام» لن يقبل بأقل من خروج «لواء الصديق» من المدينة التي ينتمي إليها غالبية مقاتليه، أو أن يصدر بياناً صريحاً يتبرأ فيه من «داعش». وفي الحالة الثانية سيكون «لواء الصديق» قد أخرج من يده آخر الأوراق التي يمكنه اللعب بها، عبر التقرب من «داعش» لمساعدته في حربه ضد «جيش الإسلام». ومن المستبعد أن يفعل ذلك، إلا إذا كان قد قرر الاستسلام بشكل نهائي وتسليم الضمير برمتها إلى «جيش الإسلام». ويتخوف «جيش الإسلام»، بشكل أساسي، من أن يؤدي انغلاق مسار صدد ومهين في وجه «داعش»، بفعل صمود الجيش السوري هناك وتمكنه من استرجاع العديد من القرى التي سيطر عليها التنظيم، ومن ثم تضييق الخناق عليه في القريتين، إلى دفع التنظيم نحو تغيير مساره والاتجاه في معاركه نحو القلمون الشرقي، لذلك سارع «جيش الإسلام»، وحاول توجيه الضربة القاضية لبعض الفصائل التي يشتبه بتعاونها معه. وكانت مناطق عدة في محيط دمشق قد شهدت، الشهر الماضي، معارك متلاحقة ضد «داعش». ففي الحجر الأسود تعرض بعض قادة التنظيم للاغتيال، نتيجة تفجير عبوة في أحد مقارهم، أعقبها اشتباكات ضارية ضد مجموعات من «جبهة النصرة» بقيادة أبو إبراهيم الأنصاري. وفي القلمون الغربي، وتحديداً عند أطراف بلدة عرسال اللبنانية، أطلق أبو مالك التلي، قائد «جبهة النصرة» هناك، حملة عسكرية ضد التنظيم. كذلك شهدت مدينة التل معارك طاحنة ضد خلايا التنظيم، وامتدت المعارك إلى قرى عديدة في وادي بردى. وقد جاءت هذه المعارك بالتزامن مع حدثين مهمين: الأول تسريب أنباء حول الشروع في بدء تنفيذ اتفاق إخراج مقاتلي «داعش» من جنوب دمشق، برعاية وإشراف الأمم المتحدة، والثاني، مباشرة تنظيم «داعش» تنفيذ سلسلة من عمليات تفجير سيارات مفخخة في بعض مناطق محافظة دمشق، مثل تفجيرات السيدة زينب وتفجير برزة. فهل كانت الحملات ضد التنظيم محاولة لاستباق توزيع إرثه، عبر السيطرة على مناطق نفوذه قبل أن يطبق عليها الجيش السوري، أم كانت مساعيَ لإفشال تنفيذ اتفاق الخروج من جنوب دمشق؟ أم أكثر من ذلك، لم تشأ بعض الدول رؤية ريف دمشق وهو يتطهر من «داعش» بموجب اتفاقات ترعاها الأمم المتحدة ويحصد الجيش السوري المكافأة عليها، فأوعزت إلى بعض الفصائل لإطلاق هجوم شامل ضد معاقل التنظيم في محيط العاصمة لحرمان الجيش السوري من هذه المكافأة وتجييرها لمصلحة هذه الفصائل؟ وهل يعني تفجير المفخخات أن «داعش» ألغى الاتفاق وقرر البقاء في معاقله بريف دمشق؟

المصدر : عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة