وجه الاتحاد الأوروبي صفعة دبلوماسية لإسرائيل تزيد من عزلتها الدولية المتصاعدة مؤكدا أن جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل لن تسري على جميع المناطق العربية المحتلة منذ عام 1967.

وأخفقت جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ثني بروكسل عن قرارها القاضي بضرورة وضع ملصقات على كل منتجات المستوطنات في  الضفة والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية في حال تصديرها إلى أسواق أوروبا.

ورغم الطابع الاقتصادي للقرار فإن تفسيراته السياسية هي الأهم وتكمن في رفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس، ومرتفعات الجولان السورية في عام 1967. فقد جدد وزراء خارجية  الاتحاد الأوروبي التأكيد بأن الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967 وبينها الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ليست جزءا من حدود إسرائيل المعترف بها دوليا. وبالتالي فإن المنتجات المصنعة فيها لا يمكن أن يوضع عليها ملصق "صنع في إسرائيل" ويجب أن تحمل ملصقات تبين أنها واردة من المستوطنات التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي غير شرعية بمقتضى القانون الدولي، والوسم المطلوب يذكر كل المشترين الأوروبيين بأن إسرائيل دولة احتلال.

 

ويعد القرار الأوروبي تطورا جديا في تأكيد أوروبا على عدد من المواقف بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، ومسيرة التسوية السياسية أولها رفض الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية. وتعيد بروكسل بقرارها  التأكيد على عدم شرعية البناء الاستيطاني في جميع المناطق المحتلة في 1967. كما يبين القرار أن الاتحاد الأوروبي يواصل جهوده لتسوية على أساس حل الدولتين للقضية الفلسطينية، ويشير ضمنيا إلى أن إسرائيل هي من يعطل مسيرة التسوية المتوقفة منذ سنوات.

 

التأثيرات الاقتصادية محدودة، حسب عدد كبير من الخبراء، فالصادرات من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والجولان لا تتجاوز  نصفا في المئة من صادرات إسرائيل للاتحاد الأوروبي والمقدرة بنحو 45 مليار دولار. لكن الخشية تأتي من تشديد العقوبات لتشمل منتجات أخرى أو حتى مقاطعة جميع المنتجات الإسرائيلية كما تطالب حركة "بي دي أس" التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات شديدة عليها بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية. وتأسست الحركة في عام 2005 استجابة لنداء مقاطعة إسرائيل الذي أصدرته منظمات المجتمع المدني الفلسطيني.

 

ويأتي القرار الأوروبي الجديد ضمن سلسلة تبناها الاتحاد على خلفية استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان في السنوات الأخيرة، وتعنت حكومة نتنياهو وتماديها في الاعتداءات على الفلسطينيين، وعدم ردع المستوطنين، وتعطيل أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين. وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية 2008 بداية 2009  جمد الاتحاد الأوروبي تطوير العلاقات مع إسرائيل. كما تجاهلت إسرائيل في 2013 اقتراحا أوروبيا سخيا بتقديم حزمة مساعدات "غير مسبوقة" مقابل توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين على أساس الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وفي عام 2014 وافقت بروكسل على مشاركة إسرائيل في مشروع "هوريزون 2020" العلمي العملاق شريطة عدم انضمام أي مؤسسات علمية من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان. وفي خريف العام الماضي قرر الاتحاد الأوروبي تنفيذ قرار وسم منتجات المستوطنات في أسواق الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما يأتي القرار الأوروبي بعد اعتراف عدد من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، وتصاعد الخلافات مع عدد من البلاد على رأسها السويد على خلفية انتقاد عمليات قتل الفلسطينيين من دون محاكمة ووصفها بالقتل المتعمد.

 

اللافت أن الحملة الأوروبية لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية تأتي في ظل تعثر حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية والقدس، وانفتاح إسرائيل الاقتصادي والدبلوماسي على عدد من البلدان العربية، ومشاركتها في مؤتمرات دولية عدة. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن مقاطعة منتجات الدواجن والألبان والمنتجات الزراعية في المستوطنات تعني فقدان نحو 22 ألف فلسطيني أماكن عملهم في أكثر من ألف مصنع ومشغل في مستوطنات الضفة، فيما تعجز السلطة الفلسطينية والبلدان العربية عن تأمين فرص عمل لهؤلاء ونحو 20 ألف فلسطيني يعملون بشكل غير قانوني داخل الخط الأخضر.

 

وواضح أن القرار الأوروبي الجديد يأتي بعدما ضاقت أوروبا ذرعا بعنجهية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ورفضها تقديم أي تنازلات للتوصل إلى تسوية على أساس قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة. ومؤكد أن القرار جاء نتيجة تضافر جهود الناشطين والمؤسسات الفلسطينية في أوروبا، وتنسيقها مع نظيراتها في الضفة وغزة والقدس، لكنه لن يكون كافيا لردع إسرائيل من دون برنامج وطني فلسطيني يتبنى خيارات جديدة لمواجهة إسرائيل ويؤسس لحالة عربية متطورة تبني مشروعا لإنهاء الاحتلال وحصول فلسطين على استقلالها.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-01-20
  • 11779
  • من الأرشيف

أوروبا تنتصر لفلسطين والجولان

وجه الاتحاد الأوروبي صفعة دبلوماسية لإسرائيل تزيد من عزلتها الدولية المتصاعدة مؤكدا أن جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل لن تسري على جميع المناطق العربية المحتلة منذ عام 1967. وأخفقت جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ثني بروكسل عن قرارها القاضي بضرورة وضع ملصقات على كل منتجات المستوطنات في  الضفة والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية في حال تصديرها إلى أسواق أوروبا. ورغم الطابع الاقتصادي للقرار فإن تفسيراته السياسية هي الأهم وتكمن في رفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس، ومرتفعات الجولان السورية في عام 1967. فقد جدد وزراء خارجية  الاتحاد الأوروبي التأكيد بأن الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967 وبينها الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ليست جزءا من حدود إسرائيل المعترف بها دوليا. وبالتالي فإن المنتجات المصنعة فيها لا يمكن أن يوضع عليها ملصق "صنع في إسرائيل" ويجب أن تحمل ملصقات تبين أنها واردة من المستوطنات التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي غير شرعية بمقتضى القانون الدولي، والوسم المطلوب يذكر كل المشترين الأوروبيين بأن إسرائيل دولة احتلال.   ويعد القرار الأوروبي تطورا جديا في تأكيد أوروبا على عدد من المواقف بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، ومسيرة التسوية السياسية أولها رفض الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية. وتعيد بروكسل بقرارها  التأكيد على عدم شرعية البناء الاستيطاني في جميع المناطق المحتلة في 1967. كما يبين القرار أن الاتحاد الأوروبي يواصل جهوده لتسوية على أساس حل الدولتين للقضية الفلسطينية، ويشير ضمنيا إلى أن إسرائيل هي من يعطل مسيرة التسوية المتوقفة منذ سنوات.   التأثيرات الاقتصادية محدودة، حسب عدد كبير من الخبراء، فالصادرات من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والجولان لا تتجاوز  نصفا في المئة من صادرات إسرائيل للاتحاد الأوروبي والمقدرة بنحو 45 مليار دولار. لكن الخشية تأتي من تشديد العقوبات لتشمل منتجات أخرى أو حتى مقاطعة جميع المنتجات الإسرائيلية كما تطالب حركة "بي دي أس" التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات شديدة عليها بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية. وتأسست الحركة في عام 2005 استجابة لنداء مقاطعة إسرائيل الذي أصدرته منظمات المجتمع المدني الفلسطيني.   ويأتي القرار الأوروبي الجديد ضمن سلسلة تبناها الاتحاد على خلفية استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان في السنوات الأخيرة، وتعنت حكومة نتنياهو وتماديها في الاعتداءات على الفلسطينيين، وعدم ردع المستوطنين، وتعطيل أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين. وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية 2008 بداية 2009  جمد الاتحاد الأوروبي تطوير العلاقات مع إسرائيل. كما تجاهلت إسرائيل في 2013 اقتراحا أوروبيا سخيا بتقديم حزمة مساعدات "غير مسبوقة" مقابل توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين على أساس الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وفي عام 2014 وافقت بروكسل على مشاركة إسرائيل في مشروع "هوريزون 2020" العلمي العملاق شريطة عدم انضمام أي مؤسسات علمية من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان. وفي خريف العام الماضي قرر الاتحاد الأوروبي تنفيذ قرار وسم منتجات المستوطنات في أسواق الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما يأتي القرار الأوروبي بعد اعتراف عدد من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، وتصاعد الخلافات مع عدد من البلاد على رأسها السويد على خلفية انتقاد عمليات قتل الفلسطينيين من دون محاكمة ووصفها بالقتل المتعمد.   اللافت أن الحملة الأوروبية لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية تأتي في ظل تعثر حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية والقدس، وانفتاح إسرائيل الاقتصادي والدبلوماسي على عدد من البلدان العربية، ومشاركتها في مؤتمرات دولية عدة. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن مقاطعة منتجات الدواجن والألبان والمنتجات الزراعية في المستوطنات تعني فقدان نحو 22 ألف فلسطيني أماكن عملهم في أكثر من ألف مصنع ومشغل في مستوطنات الضفة، فيما تعجز السلطة الفلسطينية والبلدان العربية عن تأمين فرص عمل لهؤلاء ونحو 20 ألف فلسطيني يعملون بشكل غير قانوني داخل الخط الأخضر.   وواضح أن القرار الأوروبي الجديد يأتي بعدما ضاقت أوروبا ذرعا بعنجهية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ورفضها تقديم أي تنازلات للتوصل إلى تسوية على أساس قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة. ومؤكد أن القرار جاء نتيجة تضافر جهود الناشطين والمؤسسات الفلسطينية في أوروبا، وتنسيقها مع نظيراتها في الضفة وغزة والقدس، لكنه لن يكون كافيا لردع إسرائيل من دون برنامج وطني فلسطيني يتبنى خيارات جديدة لمواجهة إسرائيل ويؤسس لحالة عربية متطورة تبني مشروعا لإنهاء الاحتلال وحصول فلسطين على استقلالها.  

المصدر : سامر الياس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة