شكّلت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على جرمانا السورية فاتحة فصل جديد في التصعيد الذي باتت تركيا وبعض أعضاء حلف الناتو بجانب إسرائيل وقطر والسعودية في مواجهة فعلية غير مباشرة على الجانب الميداني والعسكري مع روسيا على الأرض السورية.

 منذ إسقاط المقاتلات التركية للقاذفة الروسية "SU24" يزداد التصعيد بين روسيا وتركيا في كافة النواحى الاقتصادية والسياسية وأيضاً العسكرية يوماً بعد أخر. شكّلت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على جرمانا السورية فاتحة فصل جديد في هذا التصعيد الذي باتت تركيا وبعض أعضاء حلف الناتو بجانب إسرائيل وقطر والسعودية في مواجهة فعلية غير مباشرة على الجانب الميداني والعسكري مع روسيا على الأرض السورية. لتحليل هذا التطور في التكتيك التركى لابد أولاً من مراجعة الإجراءات التي اتخذها الجانبان اقليمياً في مرحلة ما بعد إسقاط القاذفة الروسية.بالنسبة الى الجانب التركي فإن تحركاته على المستوى العسكري محلياً واقليمياً عقب إسقاط الـ "SU24"  شابتها نبرة تصعيدية حذرة تدرك أن الرد الروسي على إسقاط القاذفة محتمل في أي وقت. هذا ما عبّر عنه الرئيس الروسي في تصريحاته الأخيرة في مؤتمره الصحفي السنوي حيث حذّر بوضوح تركيا من محاولة دخول الأجواء السورية. سلاح الجو التركي أوقف فعلياً طلعاته الجوية في سوريا ضمن التحالف الدولي وقلّص بشكل كبير طلعاته الدورية الاستطلاعية في المحافظات التركية الجنوبية، وفي الوقت نفسه عزّز من أعداد المقاتلات المتمركزة في المطارات الجنوبية.

 برياً نقل الجيش التركي مزيداً من الدبابات التابعة للواء المدّرع الخامس من نوع "M-60T Sabra" المطورة إسرائيلياً الى الحدود مع سوريا لتنضم الى القطاعات المدّرعة التابعة لنفس اللواء على الحدود مع سوريا. أيضاً من ضمن التعزيزات التركية التي وصلت الى الحدود منظومة التشويش والإعاقة "KORAL" التي تصنعها شركة "Aselsan" التركية، نشر هذه المنظومة موجه بالأساس ضد عمل منظومة الدفاع الجوي بعيد المدى "S400" الروسية في قاعدة حميميم الجوية وإن كانت الدلائل على إمكانية نجاح المنظومة التركية في تهديد فعاّلية المنظومة الروسية غير متوفرة. كما شرعت القوات التركية في محافظتي غازي عنتاب وكيليس في بناء سور على الحدود بين تركيا وسوريا بطول 81 كم. ولوحظ تزايد أنواع الأسلحة والذخائر تركية الصنع في تسليح بعض المجموعات المسلّحة في ريف اللاذقية وجنوب حلب ومنها قذائف الهاون من عيار 81 ملم من إنتاج شركة "MKE" التركية.

 بعد هذه الإجراءات اتجهت تركيا الى حلف الناتو بطلب لتعزيز دفاعها الجوي وقدراتها الرادارية والاعتراضية. الطلبات التركية قوبلت بتصريحات حذرة ووعد الحلف تركيا بإرسال فرقاطة دانماركية إلى جانب عدد من المقاتلات البريطانية إليها وهو دعم يبقى تحت عنوان دعم عمليات التحالف الدولي في سوريا والعراق. يُذكر أنه في شهر تشرين الأول / اكتوبر الماضي سحبت كل من الولايات المتحدة وألمانيا بطاريات صواريخ "باتريوت" للدفاع الجوي في تركيا والتي تُقدّر بأربع بطاريات، ولم يتبق في تركيا إلا بطارية واحدة في مدينة أضنة. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت في عملية سحب 12 مقاتلة من نوع "F15C" كانت متمركزة في قاعدة أنجرليك الجوية جنوب تركيا ليتبقى في القاعدة الطائرات الأمريكية من نوع "A10" ومقاتلات التورنيدو الألمانية.

 الجيش التركي في بعشيقة

 رد فعل حلف الناتو والولايات المتحدة "غير المتحمس" لأي تصعيد ضد روسيا كان المحفّز الأساسي لتركيا لبدء تحركات جديدة تشكّل من خلالها ما يشبه "التحالف" ضد روسيا. بدأت بتفعيل اتصالاتها مع قطر لتنفيذ اتفاقية التعاون العسكري بينهما الموقّعة عام 2014 وستشرع قريباً في إنشاء قاعدة عسكرية تركية في الدوحة قوام قوتها 3000 جندي مزودين بآليات ثقيلة وطائرات مقاتلة، ثم توجهت تركيا في الاتجاه السعودي وحصلت على تأييد واضح من جانب قيادتها السياسية تجسّد في وجودها هي وقطر ضمن "التحالف الإسلامي" الذي أعلنت عنه المملكة السعودية فجأة لما يبدو أنه تمهيد لمحاولة تدخل عسكري بري في سوريا.

 كان لافتاً في هذه المرحلة خطوة مفاجئة قام بها الجيش التركي حين دفع بتعزيزات قوامها 150 جندياً تدعمهم 25 دبابة، إلى معسكر "بعشيقة" على بعد 30 كلم شمال شرق الموصل، وهي خطوة تلتها تعزيزات أخرى أرسلت دعم قوات تركية متواجدة بالفعل في شمال العراق لتدريب قوات البيشمركة الكردية. رفضت الحكومة التركية رفضاً تاماً الانسحاب من هذه المنطقة ومناطق أخرى إلا أنها بعد أيام أعلنت الاستجابة لطلب أميركى وبدأت في الانسحاب بشكل محدود وبطيء الوتيرة. كما تحدثت مصادر كردية عن عمليات لإنشاء مطار عسكري في باميرني في دهوك، شمال العراق، تنفّذها معدات عسكرية تابعة للجيش التركي.

 الانعطافة الأكثر إثارة للجدل كانت في اتجاه إسرائيل. كانت العلاقات بين تركيا وإسرائيل مجمّدة منذ أحداث سفينة "مرمرة" التركية لكن فجأة بدأت تركيا وإسرائيل في تطبيع العلاقاتبينهما بعد اجتماع سري تم الاتفاق فيه على خطوات تدريجية لإعادة العلاقات. هذه الخطوات بدأتها تركيا سريعاً بتحذير حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من أي استخدام مستقبلي للأراضي التركية في مهاجمة إسرائيل .

روسيا ترسل منظومة "إس 400" إلى قاعدة حميميم

بالنسبة الى الجانب الروسي، كانت الخطوة الأبرز على المستوى العسكري هي مراجعة إجراءات الدفاع الجوي الروسي، فتم الإعلان رسمياً عن وصول بطارية كاملة من منظومة الدفاع الجوي بعيد المدى"S400" الى قاعدة حميميم والتي اكتمل انفتاحها في المطار بعد وصول كامل قواذفها "أربع قواذف ذاتية الحركة" تعمل بالتنسيق مع وسائط الدفاع الجوي الأخرى فى المطار وخارجه. وتدعيماً لهذه الشبكة الدفاعية قامت البحرية الروسية بإدامة تمركز الطرّاد الصاروخي"موسكو" أمام السواحل السورية وإدخال منظومة الدفاع الجوي الموجودة على متنه من نوع "S-300FM" ضمن شبكة الدفاع الجوي التي فرضتها منظومة "S400" لتكون شبكة أخرى أصغر داخل الشبكة الرئيسة بمدى يبلغ 150 كم لتتشكل "مظلة دفاعية" متفوقة ستقوم بسد الفجوات الرادارية التي نتجت من عمليات التدمير الممنهجة من قبل المجموعات المسلّحة التي استهدفت الدفاع الجوي السوري عموماً خاصة في المنطقة الشمالية. هذه المظلة الدفاعية تبلغ مدى 400 كم وتستطيع استهداف الطائرات المقاتلة في ارتفاعات تصل الى 27 كم، وتشمل ما يقرب من 16 محافظة فى الجنوب التركي من شانلي أورفا شرقا إلى قونيا غرباً ومن هاتاي جنوباً الى يوزكات شمالاً.  تقع ضمن هذه المظلة أربع قواعد جوية تابعة لسلاح الجو التركي هي "أنجرليك - قونيا – أريكليت – ملاطيا"، وأيضا القاعدة الجوية البريطانية في قبرص "اكروتيري" وكامل الأراضي السورية في ما عدا أجزاء من محافظة الحسكة، وتشمل أيضا شمال الأردن وكامل أراضي لبنان وشمال فلسطين المحتلة وصولاً إلى تل أبيب .

 بريّاً بدأ الجيش الروسي في تكثيف تواجده العسكري في ريفي اللاذقية وحمص وريفي حماه ودمشق. ويعتبر اللواء 336 من مشاة أسطول بحر البلطيق واللواء 28 من مشاة بحرية أسطول البحر الأسود عصب القوة البرية الروسية في سوريا حتى الأن، ويُضاف إليهما وجود كتيبتين على الأقل من مدافع الهاوتزر من نوع "Msta-B" من عيار 152 ملم تتبعان للواء 120 واللواء 291 المدفعيين الروسيين. وتتمركزان في مناطق عدة في حمص وحماه.

 جوياً عزّز سلاح الجو الروسي قاذفاته في حميميم، فأضاف الى قاذفات "SU34" ثماني قاذفات أخرى ليصبح المجموع الكلي 12 قاذفة وسيعزّز المقاتلات الأربع من نوع "SU30" التي تشارك في العمليات الجوية بأربع مقاتلات من نوع "SU27 SM"بالإضافة الى بدء تفعيل حمل الذخائر المضادة للطائرات على متن قاذفات "SU34" العاملة في سوريا لتصبح قوة الاعتراض الجوي الروسية هناك مكونة من 20 طائرة. وبدأت قيادة العمليات الجوية الروسية في سوريا في توسيع تواجدها في المطارات السورية حيث قاربت التجهيزات فىيمطار "الشعيرات" في حمص على الاكتمال لبدء العمليات الجوية الروسية المروحية والقاذفة كما بدأت طائرات النقل والتزود بالوقود الروسية في زيارة مطار "التيفور" العسكري قرب تدمر ومطار "خلخة" في السويداء.

 بحرياً شهدت الفترة الماضية عدة احتكاكات بين البحرية الروسية والبحرية التركية، فالبوارج الحربية الروسية توقفت منذ إسقاط السوخوي عن رفع العلم التركي أثناء العبور في مضيق البوسفور كما جرت العادة في ما قبل، وعبرت سفينة الإنزال التابعة لأسطول البحر الأسود "Tsezar kunikov" مضيق البوسفور وأحد أفراد طاقمها حاملاً لقاذف كتفي مضاد للصواريخ في وضع قتالي.

 القاذفات الروسية تحلق من قاعدة مطار أولينيغورسك

 في الإطار نفسه بدأت قيادة العمليات الجوية الروسية في سوريا في تعديل بعض تكتيكاتها. عدّلت مسار تحليق قاذفاتها الثقيلة ليكون انطلاقا من مطار "أولينيغورسك" في أقصى شمال روسيا ليعبر حول أوروبا الى سوريا من دون التحليق فوق أي من الدول الأوروبية، كما نفذّت طائرات الاستطلاع من نوعى "TU-214" و"TU-154" الروسية طلعات خلال الشهر الماضي قرب قبرص وقرب المناطق الشمالية في تركيا والجنوبية في أوكرانيا. بعد ذلك بدأت روسيا في تنفيذ خطة لتوسيع دائرة التغطية الخاصة بدفاعها الجوي، ففعّلت قيادة الدفاع الجوي المشتركة بينها وبين روسيا البيضاء وكازاخستان وأرمينيا، وتوقّع قريباً اتفاقيات في نفس الصدد مع قيرغيزستان وطاجيكستان. هذا وأصدر الجيش الروسي أوامر الى قيادة الجيش 58 المتمركز في شمال القوقاز بإرسال ألوية وأفواج عسكرية خاصة الى الحدود الأرمينية – التركية بواقع 7000 جندى يتمركزون حالياً في مواقع على الحدود، ومن ضمن معداتهم بطاريات دفاع جوي من نوع "S400" تشكل بالتكامل مع البطاريات من نفس النوع الموجودة قاعدة حميميم السورية تغطية رادارية وقتالية لحوالى 70 بالمائة من الأجواء التركية.

 التقييم العام للوضع الميداني العسكري فى سوريا وما حولها يشير الى أن روسيا تواجه عقبات لا يمكن الاستهانة بها خصوصاً وأن الدعم الخليجى والتركى للمجموعات المسلّحة في سوريا لم يتوقف حتى الآن والتحركات البحرية للدول الغربية الوافدة الى المنطقة بحجة "مكافحة الإرهاب" مثل المدمّرة البريطانية "ديفندر" وحاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" وحاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" تتقاطع مع نوايا "التحالف السعودي الإسلامي" الجديد.

 القرار الروسي الواضح هو باستمرار دعم الجيش السوري الذي حقّق انتصارات مهمّة في عدة مناطق خصوصاً في اتجاه ريف اللاذقية الشمالي وبات أقرب الى الحدود مع تركيا الى أقرب وقت مضى. ربما تشكّل الغارة الاسرائيلية الأخيرة إحراجاً لروسيا حتى ولو كانت تتعلق بعناصر ليست على تماس مباشر مع المصالح الروسية، لكن الأكيد أن تركيا ومن يتضامن معها في حلفها الافتراضى "قطر – السعودية إسرائيل" تريد تحويل سوريا الى "أفغانستان" جديدة لروسيا التي تريد تكرار سيناريو إسقاط الفانتوم التركية عام 2012 ومقاتلة "F.100" التي أسقطتها المقاتلات العراقية في زاخو في ثمانينات القرن الماضي، فهل سيتمكن الهارب الى الأمام من تفادى فضيحة تاريخية أم سيكتب الدب الروسي الفصل الأخير في نهاية "الحقبة الأردوغانية"؟

  • فريق ماسة
  • 2015-12-22
  • 13054
  • من الأرشيف

الحلف التركي الجديد ضد روسيا ... الهروب الى الأمام

شكّلت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على جرمانا السورية فاتحة فصل جديد في التصعيد الذي باتت تركيا وبعض أعضاء حلف الناتو بجانب إسرائيل وقطر والسعودية في مواجهة فعلية غير مباشرة على الجانب الميداني والعسكري مع روسيا على الأرض السورية.  منذ إسقاط المقاتلات التركية للقاذفة الروسية "SU24" يزداد التصعيد بين روسيا وتركيا في كافة النواحى الاقتصادية والسياسية وأيضاً العسكرية يوماً بعد أخر. شكّلت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على جرمانا السورية فاتحة فصل جديد في هذا التصعيد الذي باتت تركيا وبعض أعضاء حلف الناتو بجانب إسرائيل وقطر والسعودية في مواجهة فعلية غير مباشرة على الجانب الميداني والعسكري مع روسيا على الأرض السورية. لتحليل هذا التطور في التكتيك التركى لابد أولاً من مراجعة الإجراءات التي اتخذها الجانبان اقليمياً في مرحلة ما بعد إسقاط القاذفة الروسية.بالنسبة الى الجانب التركي فإن تحركاته على المستوى العسكري محلياً واقليمياً عقب إسقاط الـ "SU24"  شابتها نبرة تصعيدية حذرة تدرك أن الرد الروسي على إسقاط القاذفة محتمل في أي وقت. هذا ما عبّر عنه الرئيس الروسي في تصريحاته الأخيرة في مؤتمره الصحفي السنوي حيث حذّر بوضوح تركيا من محاولة دخول الأجواء السورية. سلاح الجو التركي أوقف فعلياً طلعاته الجوية في سوريا ضمن التحالف الدولي وقلّص بشكل كبير طلعاته الدورية الاستطلاعية في المحافظات التركية الجنوبية، وفي الوقت نفسه عزّز من أعداد المقاتلات المتمركزة في المطارات الجنوبية.  برياً نقل الجيش التركي مزيداً من الدبابات التابعة للواء المدّرع الخامس من نوع "M-60T Sabra" المطورة إسرائيلياً الى الحدود مع سوريا لتنضم الى القطاعات المدّرعة التابعة لنفس اللواء على الحدود مع سوريا. أيضاً من ضمن التعزيزات التركية التي وصلت الى الحدود منظومة التشويش والإعاقة "KORAL" التي تصنعها شركة "Aselsan" التركية، نشر هذه المنظومة موجه بالأساس ضد عمل منظومة الدفاع الجوي بعيد المدى "S400" الروسية في قاعدة حميميم الجوية وإن كانت الدلائل على إمكانية نجاح المنظومة التركية في تهديد فعاّلية المنظومة الروسية غير متوفرة. كما شرعت القوات التركية في محافظتي غازي عنتاب وكيليس في بناء سور على الحدود بين تركيا وسوريا بطول 81 كم. ولوحظ تزايد أنواع الأسلحة والذخائر تركية الصنع في تسليح بعض المجموعات المسلّحة في ريف اللاذقية وجنوب حلب ومنها قذائف الهاون من عيار 81 ملم من إنتاج شركة "MKE" التركية.  بعد هذه الإجراءات اتجهت تركيا الى حلف الناتو بطلب لتعزيز دفاعها الجوي وقدراتها الرادارية والاعتراضية. الطلبات التركية قوبلت بتصريحات حذرة ووعد الحلف تركيا بإرسال فرقاطة دانماركية إلى جانب عدد من المقاتلات البريطانية إليها وهو دعم يبقى تحت عنوان دعم عمليات التحالف الدولي في سوريا والعراق. يُذكر أنه في شهر تشرين الأول / اكتوبر الماضي سحبت كل من الولايات المتحدة وألمانيا بطاريات صواريخ "باتريوت" للدفاع الجوي في تركيا والتي تُقدّر بأربع بطاريات، ولم يتبق في تركيا إلا بطارية واحدة في مدينة أضنة. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت في عملية سحب 12 مقاتلة من نوع "F15C" كانت متمركزة في قاعدة أنجرليك الجوية جنوب تركيا ليتبقى في القاعدة الطائرات الأمريكية من نوع "A10" ومقاتلات التورنيدو الألمانية.  الجيش التركي في بعشيقة  رد فعل حلف الناتو والولايات المتحدة "غير المتحمس" لأي تصعيد ضد روسيا كان المحفّز الأساسي لتركيا لبدء تحركات جديدة تشكّل من خلالها ما يشبه "التحالف" ضد روسيا. بدأت بتفعيل اتصالاتها مع قطر لتنفيذ اتفاقية التعاون العسكري بينهما الموقّعة عام 2014 وستشرع قريباً في إنشاء قاعدة عسكرية تركية في الدوحة قوام قوتها 3000 جندي مزودين بآليات ثقيلة وطائرات مقاتلة، ثم توجهت تركيا في الاتجاه السعودي وحصلت على تأييد واضح من جانب قيادتها السياسية تجسّد في وجودها هي وقطر ضمن "التحالف الإسلامي" الذي أعلنت عنه المملكة السعودية فجأة لما يبدو أنه تمهيد لمحاولة تدخل عسكري بري في سوريا.  كان لافتاً في هذه المرحلة خطوة مفاجئة قام بها الجيش التركي حين دفع بتعزيزات قوامها 150 جندياً تدعمهم 25 دبابة، إلى معسكر "بعشيقة" على بعد 30 كلم شمال شرق الموصل، وهي خطوة تلتها تعزيزات أخرى أرسلت دعم قوات تركية متواجدة بالفعل في شمال العراق لتدريب قوات البيشمركة الكردية. رفضت الحكومة التركية رفضاً تاماً الانسحاب من هذه المنطقة ومناطق أخرى إلا أنها بعد أيام أعلنت الاستجابة لطلب أميركى وبدأت في الانسحاب بشكل محدود وبطيء الوتيرة. كما تحدثت مصادر كردية عن عمليات لإنشاء مطار عسكري في باميرني في دهوك، شمال العراق، تنفّذها معدات عسكرية تابعة للجيش التركي.  الانعطافة الأكثر إثارة للجدل كانت في اتجاه إسرائيل. كانت العلاقات بين تركيا وإسرائيل مجمّدة منذ أحداث سفينة "مرمرة" التركية لكن فجأة بدأت تركيا وإسرائيل في تطبيع العلاقاتبينهما بعد اجتماع سري تم الاتفاق فيه على خطوات تدريجية لإعادة العلاقات. هذه الخطوات بدأتها تركيا سريعاً بتحذير حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من أي استخدام مستقبلي للأراضي التركية في مهاجمة إسرائيل . روسيا ترسل منظومة "إس 400" إلى قاعدة حميميم بالنسبة الى الجانب الروسي، كانت الخطوة الأبرز على المستوى العسكري هي مراجعة إجراءات الدفاع الجوي الروسي، فتم الإعلان رسمياً عن وصول بطارية كاملة من منظومة الدفاع الجوي بعيد المدى"S400" الى قاعدة حميميم والتي اكتمل انفتاحها في المطار بعد وصول كامل قواذفها "أربع قواذف ذاتية الحركة" تعمل بالتنسيق مع وسائط الدفاع الجوي الأخرى فى المطار وخارجه. وتدعيماً لهذه الشبكة الدفاعية قامت البحرية الروسية بإدامة تمركز الطرّاد الصاروخي"موسكو" أمام السواحل السورية وإدخال منظومة الدفاع الجوي الموجودة على متنه من نوع "S-300FM" ضمن شبكة الدفاع الجوي التي فرضتها منظومة "S400" لتكون شبكة أخرى أصغر داخل الشبكة الرئيسة بمدى يبلغ 150 كم لتتشكل "مظلة دفاعية" متفوقة ستقوم بسد الفجوات الرادارية التي نتجت من عمليات التدمير الممنهجة من قبل المجموعات المسلّحة التي استهدفت الدفاع الجوي السوري عموماً خاصة في المنطقة الشمالية. هذه المظلة الدفاعية تبلغ مدى 400 كم وتستطيع استهداف الطائرات المقاتلة في ارتفاعات تصل الى 27 كم، وتشمل ما يقرب من 16 محافظة فى الجنوب التركي من شانلي أورفا شرقا إلى قونيا غرباً ومن هاتاي جنوباً الى يوزكات شمالاً.  تقع ضمن هذه المظلة أربع قواعد جوية تابعة لسلاح الجو التركي هي "أنجرليك - قونيا – أريكليت – ملاطيا"، وأيضا القاعدة الجوية البريطانية في قبرص "اكروتيري" وكامل الأراضي السورية في ما عدا أجزاء من محافظة الحسكة، وتشمل أيضا شمال الأردن وكامل أراضي لبنان وشمال فلسطين المحتلة وصولاً إلى تل أبيب .  بريّاً بدأ الجيش الروسي في تكثيف تواجده العسكري في ريفي اللاذقية وحمص وريفي حماه ودمشق. ويعتبر اللواء 336 من مشاة أسطول بحر البلطيق واللواء 28 من مشاة بحرية أسطول البحر الأسود عصب القوة البرية الروسية في سوريا حتى الأن، ويُضاف إليهما وجود كتيبتين على الأقل من مدافع الهاوتزر من نوع "Msta-B" من عيار 152 ملم تتبعان للواء 120 واللواء 291 المدفعيين الروسيين. وتتمركزان في مناطق عدة في حمص وحماه.  جوياً عزّز سلاح الجو الروسي قاذفاته في حميميم، فأضاف الى قاذفات "SU34" ثماني قاذفات أخرى ليصبح المجموع الكلي 12 قاذفة وسيعزّز المقاتلات الأربع من نوع "SU30" التي تشارك في العمليات الجوية بأربع مقاتلات من نوع "SU27 SM"بالإضافة الى بدء تفعيل حمل الذخائر المضادة للطائرات على متن قاذفات "SU34" العاملة في سوريا لتصبح قوة الاعتراض الجوي الروسية هناك مكونة من 20 طائرة. وبدأت قيادة العمليات الجوية الروسية في سوريا في توسيع تواجدها في المطارات السورية حيث قاربت التجهيزات فىيمطار "الشعيرات" في حمص على الاكتمال لبدء العمليات الجوية الروسية المروحية والقاذفة كما بدأت طائرات النقل والتزود بالوقود الروسية في زيارة مطار "التيفور" العسكري قرب تدمر ومطار "خلخة" في السويداء.  بحرياً شهدت الفترة الماضية عدة احتكاكات بين البحرية الروسية والبحرية التركية، فالبوارج الحربية الروسية توقفت منذ إسقاط السوخوي عن رفع العلم التركي أثناء العبور في مضيق البوسفور كما جرت العادة في ما قبل، وعبرت سفينة الإنزال التابعة لأسطول البحر الأسود "Tsezar kunikov" مضيق البوسفور وأحد أفراد طاقمها حاملاً لقاذف كتفي مضاد للصواريخ في وضع قتالي.  القاذفات الروسية تحلق من قاعدة مطار أولينيغورسك  في الإطار نفسه بدأت قيادة العمليات الجوية الروسية في سوريا في تعديل بعض تكتيكاتها. عدّلت مسار تحليق قاذفاتها الثقيلة ليكون انطلاقا من مطار "أولينيغورسك" في أقصى شمال روسيا ليعبر حول أوروبا الى سوريا من دون التحليق فوق أي من الدول الأوروبية، كما نفذّت طائرات الاستطلاع من نوعى "TU-214" و"TU-154" الروسية طلعات خلال الشهر الماضي قرب قبرص وقرب المناطق الشمالية في تركيا والجنوبية في أوكرانيا. بعد ذلك بدأت روسيا في تنفيذ خطة لتوسيع دائرة التغطية الخاصة بدفاعها الجوي، ففعّلت قيادة الدفاع الجوي المشتركة بينها وبين روسيا البيضاء وكازاخستان وأرمينيا، وتوقّع قريباً اتفاقيات في نفس الصدد مع قيرغيزستان وطاجيكستان. هذا وأصدر الجيش الروسي أوامر الى قيادة الجيش 58 المتمركز في شمال القوقاز بإرسال ألوية وأفواج عسكرية خاصة الى الحدود الأرمينية – التركية بواقع 7000 جندى يتمركزون حالياً في مواقع على الحدود، ومن ضمن معداتهم بطاريات دفاع جوي من نوع "S400" تشكل بالتكامل مع البطاريات من نفس النوع الموجودة قاعدة حميميم السورية تغطية رادارية وقتالية لحوالى 70 بالمائة من الأجواء التركية.  التقييم العام للوضع الميداني العسكري فى سوريا وما حولها يشير الى أن روسيا تواجه عقبات لا يمكن الاستهانة بها خصوصاً وأن الدعم الخليجى والتركى للمجموعات المسلّحة في سوريا لم يتوقف حتى الآن والتحركات البحرية للدول الغربية الوافدة الى المنطقة بحجة "مكافحة الإرهاب" مثل المدمّرة البريطانية "ديفندر" وحاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" وحاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" تتقاطع مع نوايا "التحالف السعودي الإسلامي" الجديد.  القرار الروسي الواضح هو باستمرار دعم الجيش السوري الذي حقّق انتصارات مهمّة في عدة مناطق خصوصاً في اتجاه ريف اللاذقية الشمالي وبات أقرب الى الحدود مع تركيا الى أقرب وقت مضى. ربما تشكّل الغارة الاسرائيلية الأخيرة إحراجاً لروسيا حتى ولو كانت تتعلق بعناصر ليست على تماس مباشر مع المصالح الروسية، لكن الأكيد أن تركيا ومن يتضامن معها في حلفها الافتراضى "قطر – السعودية إسرائيل" تريد تحويل سوريا الى "أفغانستان" جديدة لروسيا التي تريد تكرار سيناريو إسقاط الفانتوم التركية عام 2012 ومقاتلة "F.100" التي أسقطتها المقاتلات العراقية في زاخو في ثمانينات القرن الماضي، فهل سيتمكن الهارب الى الأمام من تفادى فضيحة تاريخية أم سيكتب الدب الروسي الفصل الأخير في نهاية "الحقبة الأردوغانية"؟

المصدر : الميادين / محمد منصور


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة