فرضت السعودية “طوقا امنيا”، اذا جاز التعبير، على اجتماع الرياض للمعارضة السورية ومنعت التغطية الاعلامية لعلمها المسبق وبناءا على تجارب سابقة ان الخلاف والتباين سوف يسود الاجتماع، ولا تتحمل الرياض فشل وفد المعارضة الكبير في هذه الظروف.

ولكن رغم ذلك فان تفاصيل الاجتماع وصلت الى دمشق بحذافيره، وهذا لا يشكل مفاجاة، فقد حصل هذا في كل اجتماعات المعارضة السابقة.

اختيار الرياض لم يكن اعتباطيا من قبل رعاة المعارضة في الغرب، فالرياض هي الوحيدة التي تستطيع ضبط تسريب الخلاف بين اجنحة المعارضة المتباينة ، فلو عقد الاجتماع في اي مكان غير الرياض، لتحول الحدث من اجتماع لتشكيل وفد موحد للمعارضة للتفاوض مع الحكومة السورية الى الخلاف والاختلاف والاتهامات التي اعتاد المعارضون السوريون كيلها لبعضهم.

ضمنت الرياض ايضا ان يكون سقفها حاضرا في اي اجتماع دولي عبر المعارضة السورية نفسها. ولكن لم يتبه احد الى ان الرعاية للمعارضة السورية وتحديدا للائتلاف السوري المعارض تحولت من العلاقة الدولية المباشرة حيث كان يستقبل اقطاب الائتلاف على باب الاليزيه والبيت الابيض الى رعاية اقليمية للرياض . وهذا مؤشر ربما على ان القوى الدولية تتحول ولو ببطئ من الرعاية للمعارضة الى الوسيط في التسوية بينها وبين الحكومة.

النتيجة التي خرجت للعلن او التي سمحت الرياض بالافصاح عنها، هي تشكيل هيئة مقرها الرياض مهمتها اختيار وفد موحد للمعارضة السورية، وهذا يعني ببساطة ان المجتمعين لم يتمكنوا من انجاز هذه المهمة، وهذا يعني ايضا ان الرياض قالت لهم اتركوا هذه المهمة لبعضكم هنا، ويتبلغ الاخرون النتيجة. ويعني ايضا ان الرياض ستفاوض الحكومة السورية عبر وفد معارض سوري ووفق سقوفها وارادتها.

تزامن الاجتماع مع تكرار وزير الخارجية السعودي لمقولة “على الاسد ان يرحل اما بالقتال او التسوية”، والجبير يعرف ان هذا التصريح هو استفزاز للقيادة السورية التي ردت عبر وزير اعلامها “عمران الزعبي” بعنف واستهزاء بالسيد الجبير. وهذا مؤشر واضح على ان الطرفين يستعدان لخوض حرب ارادات، وليس حلا للازمة السورية.

بتقديرنا ان الرياض تعد لمعركة تصعيد مع دمشق وليس لتسوية، لان سقوفها المعلنة تختلف عن تلك التي وضعها وزير الخارجية الامريكي جون كيري او نظيره الفرنسي لوران فابيوس بالقبول بدور الاسد لعامين، او حتى سقف فيينا 2 الذي لم يشير الى دور الرئيس السوري. وبيان اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي لم يشير ايضا الى مسالة رحيل الاسد و اكتفى بالتاكيد على مبادى جنيف واحد وفيينا 2.

 

اما على المحور المقابل، فان هذه السقوف السعودية لا تصرف مطلقا لدى القيادة السورية ومحور حلفائه . اذ يملكون ايضا فرصة دعم معارضة سورية معارضة بكسر الراء لتجمع الرياض . فضلا عن تلك المستقلة والمستبعدة، كتيار قمح و الكرد واخرين.

تريد الرياض ان يرحل الرئيس الاسد عبر التفاوض او القتال. بالخيار الاول فان من المؤكد ان الرئيس الاسد لن يعطي المعارضة ما فشلت في اخذه بالسلاح. فوضع القيادة في سوريا اليوم افضل بكثير من السنوات السابقة ، الرئيس الاسد لم يسلم السلطة عندما كانت الحملة عليه شخصيا وعلى نظامه في اوج قوتها ، وكان في ذاك الوقت قد سقط مبارك وبن علي وقتل القذافي وازيح علي عبد الله صالح، والجامعة العربية تتحرك بكل طاقتها لرفع الشرعية السياسية عنه . ووسائل اعلام الخليج تبث ليل نهار انباء هروبه على متن بارجة روسية وسقوط العاصمة ، واشتعال المدن بالتظاهرات وانشقاق ضابط الجيش وجنوده. وان المسالة حسمت. ((حسب ما كانت تنقل)) وكان الغرب يقول له عليك ان ترحل فورا ، وكانت مصر في عهد الرئيس محمد مرسي تقف في المحور الخصم . فكيف يرحل الرئيس الاسد الان بعد ان تجاوز تلك المرحلة الصعبة في عملية تفاوض مع وفد ترعاه الرياض بهذه البساطة. اما الخيار الثاني وهو القتال ، القتال في السنوات السابقة كان اشد ضراوة ولم يكن الروس قد نصبوا (( اس 400)) في سوريا او مطارات وقواعد عسكرية وكان احتمال تدخل عسكري امريكي كبير مع ضغط ((قطري سعودي تركي)) لفعل ذلك ، لم تكن ايران وحزب الله منخرطان في الجبهات كافة كما هو الحال اليوم . وكانت حينها الفصائل المسلحة تتقدم . والتفجيرات في دمشق وحلب وحمص لا تهدأ. فكيف يخسر الجيش السوري وحلفاؤه القتال الان، وتحسم السعودية مستقبل الاسد عسكريا وفق المتغيرات التي العسكرية والسياسية التي حدثت.

وفق كل ما ذكرناه فان ما حدث في الرياض ، لن يكون مقدمة لانفراجه انما يمكن ان نضعه في اطار مراحل الصراع ، الذي يبدو لنا انه سيطول. ولا نعلم ان كانت الرياض تضع سقوفها وفق سياستها الصقورية الجديدة بعيدا عن المتغيرات الدولية التي طرأت على مقاربة الازمة . ام انها خطة صراع متكاملة تصعيدية ستخوضها الولايات المتحدة واخرين معها.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-10
  • 11149
  • من الأرشيف

أسرار اجتماع الرياض.. كيف وصلت تفاصيل الاجتماع الى دمشق ؟

فرضت السعودية “طوقا امنيا”، اذا جاز التعبير، على اجتماع الرياض للمعارضة السورية ومنعت التغطية الاعلامية لعلمها المسبق وبناءا على تجارب سابقة ان الخلاف والتباين سوف يسود الاجتماع، ولا تتحمل الرياض فشل وفد المعارضة الكبير في هذه الظروف. ولكن رغم ذلك فان تفاصيل الاجتماع وصلت الى دمشق بحذافيره، وهذا لا يشكل مفاجاة، فقد حصل هذا في كل اجتماعات المعارضة السابقة. اختيار الرياض لم يكن اعتباطيا من قبل رعاة المعارضة في الغرب، فالرياض هي الوحيدة التي تستطيع ضبط تسريب الخلاف بين اجنحة المعارضة المتباينة ، فلو عقد الاجتماع في اي مكان غير الرياض، لتحول الحدث من اجتماع لتشكيل وفد موحد للمعارضة للتفاوض مع الحكومة السورية الى الخلاف والاختلاف والاتهامات التي اعتاد المعارضون السوريون كيلها لبعضهم. ضمنت الرياض ايضا ان يكون سقفها حاضرا في اي اجتماع دولي عبر المعارضة السورية نفسها. ولكن لم يتبه احد الى ان الرعاية للمعارضة السورية وتحديدا للائتلاف السوري المعارض تحولت من العلاقة الدولية المباشرة حيث كان يستقبل اقطاب الائتلاف على باب الاليزيه والبيت الابيض الى رعاية اقليمية للرياض . وهذا مؤشر ربما على ان القوى الدولية تتحول ولو ببطئ من الرعاية للمعارضة الى الوسيط في التسوية بينها وبين الحكومة. النتيجة التي خرجت للعلن او التي سمحت الرياض بالافصاح عنها، هي تشكيل هيئة مقرها الرياض مهمتها اختيار وفد موحد للمعارضة السورية، وهذا يعني ببساطة ان المجتمعين لم يتمكنوا من انجاز هذه المهمة، وهذا يعني ايضا ان الرياض قالت لهم اتركوا هذه المهمة لبعضكم هنا، ويتبلغ الاخرون النتيجة. ويعني ايضا ان الرياض ستفاوض الحكومة السورية عبر وفد معارض سوري ووفق سقوفها وارادتها. تزامن الاجتماع مع تكرار وزير الخارجية السعودي لمقولة “على الاسد ان يرحل اما بالقتال او التسوية”، والجبير يعرف ان هذا التصريح هو استفزاز للقيادة السورية التي ردت عبر وزير اعلامها “عمران الزعبي” بعنف واستهزاء بالسيد الجبير. وهذا مؤشر واضح على ان الطرفين يستعدان لخوض حرب ارادات، وليس حلا للازمة السورية. بتقديرنا ان الرياض تعد لمعركة تصعيد مع دمشق وليس لتسوية، لان سقوفها المعلنة تختلف عن تلك التي وضعها وزير الخارجية الامريكي جون كيري او نظيره الفرنسي لوران فابيوس بالقبول بدور الاسد لعامين، او حتى سقف فيينا 2 الذي لم يشير الى دور الرئيس السوري. وبيان اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي لم يشير ايضا الى مسالة رحيل الاسد و اكتفى بالتاكيد على مبادى جنيف واحد وفيينا 2.   اما على المحور المقابل، فان هذه السقوف السعودية لا تصرف مطلقا لدى القيادة السورية ومحور حلفائه . اذ يملكون ايضا فرصة دعم معارضة سورية معارضة بكسر الراء لتجمع الرياض . فضلا عن تلك المستقلة والمستبعدة، كتيار قمح و الكرد واخرين. تريد الرياض ان يرحل الرئيس الاسد عبر التفاوض او القتال. بالخيار الاول فان من المؤكد ان الرئيس الاسد لن يعطي المعارضة ما فشلت في اخذه بالسلاح. فوضع القيادة في سوريا اليوم افضل بكثير من السنوات السابقة ، الرئيس الاسد لم يسلم السلطة عندما كانت الحملة عليه شخصيا وعلى نظامه في اوج قوتها ، وكان في ذاك الوقت قد سقط مبارك وبن علي وقتل القذافي وازيح علي عبد الله صالح، والجامعة العربية تتحرك بكل طاقتها لرفع الشرعية السياسية عنه . ووسائل اعلام الخليج تبث ليل نهار انباء هروبه على متن بارجة روسية وسقوط العاصمة ، واشتعال المدن بالتظاهرات وانشقاق ضابط الجيش وجنوده. وان المسالة حسمت. ((حسب ما كانت تنقل)) وكان الغرب يقول له عليك ان ترحل فورا ، وكانت مصر في عهد الرئيس محمد مرسي تقف في المحور الخصم . فكيف يرحل الرئيس الاسد الان بعد ان تجاوز تلك المرحلة الصعبة في عملية تفاوض مع وفد ترعاه الرياض بهذه البساطة. اما الخيار الثاني وهو القتال ، القتال في السنوات السابقة كان اشد ضراوة ولم يكن الروس قد نصبوا (( اس 400)) في سوريا او مطارات وقواعد عسكرية وكان احتمال تدخل عسكري امريكي كبير مع ضغط ((قطري سعودي تركي)) لفعل ذلك ، لم تكن ايران وحزب الله منخرطان في الجبهات كافة كما هو الحال اليوم . وكانت حينها الفصائل المسلحة تتقدم . والتفجيرات في دمشق وحلب وحمص لا تهدأ. فكيف يخسر الجيش السوري وحلفاؤه القتال الان، وتحسم السعودية مستقبل الاسد عسكريا وفق المتغيرات التي العسكرية والسياسية التي حدثت. وفق كل ما ذكرناه فان ما حدث في الرياض ، لن يكون مقدمة لانفراجه انما يمكن ان نضعه في اطار مراحل الصراع ، الذي يبدو لنا انه سيطول. ولا نعلم ان كانت الرياض تضع سقوفها وفق سياستها الصقورية الجديدة بعيدا عن المتغيرات الدولية التي طرأت على مقاربة الازمة . ام انها خطة صراع متكاملة تصعيدية ستخوضها الولايات المتحدة واخرين معها.

المصدر : الماسة السورية/ كمال خلف


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة