دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
زحمة مؤتمرات للمعارضة السورية متوازية مع سخونة في جبهات القتال، والسعي الروسي ــ الأميركي، إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
فما بين مؤتمرات الرياض والمالكية ودمشق، تتقاذف الأطراف المعارضة الاتهامات في ما بينها، في ظل سعيها للحصول على مقاعد لها في الوفد الذي من المقرّر أن يحاور الحكومة السورية، وفقاً لمقررات مؤتمر فيينا الأخير.
وفي الرياض، قال أحد المشاركين إنّ «المحادثات سارت جيداً، إيجابياً للغاية. ناقشنا الكثير من الأشياء. سنناقش غداً وثيقة مبادئ عامة». وأضاف، بعد رفضه الإفصاح عن اسمه، أنّ «الفصائل تأمل إنهاء المحادثات غداً (اليوم) الخميس لكنها قد تستمر ليوم الجمعة». وقال العضو في «الائتلاف»، هادي البحرة، إنّ هناك أجواءً إيجابية و«لا توجد خلافات بين الوفود» حتى الآن.
وفي المالكية، أُعلن أمس تشكيل «مجلس سورية الديمقراطية»، المؤلّف من 42 شخصيّة معارضة، كأعضاء هيئة سياسية عن تيارات سياسية واجتماعية عدّة، ستكون ممثّلة لـ«قوات سورية الديمقراطيّة». المجلس ضمَّ أحزاب الإدارة الذاتية (المحسوبة على «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي)، وكتلة المرجعية السياسيّة الكردية، والتحالف الوطني الديمقراطي السوري، وتيار قمح، وتجمع عهد الكرامة والحقوق، وحزب الحداثة الديمقراطي، وحزب البعث الديمقراطي الاشتراكي، والكتلة الوطنية السورية. وحدّد الهوية السياسية له من خلال إقرار الوثيقة السياسية، التي دعا من خلالها إلى «تغيير شكل نظام الحكم إلى نظام برلماني ديمقراطي في دولة لامركزية، ومحاربة الجماعات التكفيريّة الإرهابيّة بمختلف مسمياتها (لم يتم تسمية هذه الجماعات)، والإقرار بالتنوع المجتمعي السوري والاعتراف بالحقوق الدستورية للكرد والسريان والآشوريين والأرمن والشركس، والحفاظ على وحدة الوطن السوري على قاعدة الإقرار التنوع المجتمعي السوري بكل مكوناته. مصادر من داخل «مجلس سورية الديمقراطية» كشفت لـ«الأخبار» أنّ «الهيئة السياسية للمجلس ستعمل على التواصل مع الدول المعنية بالأزمة السورية والأمم المتحدة من أجل تهيئة كل ما يلزم لنجاح العملية السياسية التي ستتمخض عن الإجماع السوري والدولي لشكل الحل». المصدر لفت إلى أنّه «يرى أن الأهم حالياً هو محاربة الإرهاب، وأن لا مواجهة عسكرية مع النظام، لكون الحوار هو أنجع من إراقة مزيد من الدماء». بدوره، أكد القيادي في «حركة المجتمع الديمقراطي»، ألدار خليل، لـ«الأخبار»، أن «تشكيل المجلس هدفه لمّ شمل أطراف المعارضة السورية المؤمنة بالحل السياسي، والتي وحّدت الروئ لحل الأزمة السورية». ورأى خليل أن «مؤتمر الرياض لن يخرج بقرارات مهمّة، لكونه أقصى القوى الفاعلة على الأرض»، مؤكداً «أنهم كمجلس سورية الديمقراطية لا يعترفون بمقررات مؤتمر الرياض مطلقاً». إلى ذلك، قال ممثل «تيار قمح» (رئيسه هيثم مناع)، صالح نبواني، أن «مجلس سورية الديمقراطية يعمل وفق أجندة سورية بحتة، بعيداً عن التدخل الخارجي». في موازاة ذلك، عقد في فندق شيراتون بدمشق، مؤتمر لقوى معارضة الداخل، بمشاركة 17 حزباً وتياراً سياسياً، لتوجيه رسالة إلى المشاركين في مؤتمر الرياض، بـ«أن أي حل سياسي يستثني معارضة الداخل، لن يتم». الأمينة العامة لحزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، بروين إبراهيم، قالت لـ«الأخبار» إنّ «معارضة الداخل لن تسمح بتهميشها، ولن تقبل بأي حل سعودي أو تركي للأزمة السورية». وأصدرت القوى المشاركة في المؤتمر، بياناً، قالت فيه، إن «تحرك السعودية في انعقاد مؤتمر الرياض وسط تجاهل أصوات الداخل، هو انعكاس لتحركات منحازة وغير حيادية هدفها استبعاد الصوت الحقيقي المعبر عن الداخل السوري».
لا طعم ولا رائحة للّقاءات السياسية حول سوريا
قد ينعقد مؤتمر نيويورك حول سوريا، وقد لا ينعقد. وقد ينعقد شكلاً بلا مضمون، أو حتى نصف انعقاد، إلا أنّه لن يكون محطة في مسار الحل السياسي. ليس لأنه قاصر عن فعل ذلك وحسب، بل لأن التسوية والحل غير متاحين، والظروف القائمة لا تسمح في هذه المرحلة، وربما أيضاً في المراحل المقبلة، بحل سياسي.
هذه المرة تمثّل الرياض قبلة التحليلات، حيث «يتفبرك» وفد المعارضة السورية المزمع أن يتحاور مع وفد الدولة السورية، ومن ثم التأسيس للحل السياسي المنشود. إلا أن الواقع يشير إلى أنّ الرياض تعمل على تشكيل الوفد السعودي الى طاولة الحوار ممن يحملون الجنسية السورية. وفد يتشكل من وكلائها وإرهابييها ومنتحلي الصفة وغيرهم، ما يدفع وفد المحور الآخر وحلفاءه الى استصعاب تقبّله وتعذّر جلوسه في مقابلهم، على طاولة الحوار.
مع ذلك، وقبل ذلك، لا ضرورة ولا جدوى للقاءات في فيينا أو في نيويورك أو في غيرهما. الطرفان المعنيان في الحرب السورية لا يسعيان الى تسوية تبرر جلوسهما الى طاولة الحوار، بل الى انتصار مغلف باسم الحل السياسي، وكأن الميدان قال كلمته النهائية، ولم يبقَ إلا ترجمة النتائج الميدانية الى حل سياسي.
من جهة أميركا وحلفائها، وتحديداً السعودية وتركيا، تطرح في اللقاءات السابقة والمرشحة للانعقاد في نيويورك قريباً، حل سياسي مبني على واقع ما قبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، مع تجميل الطرح شكلاً، الامر الذي يعني أن الميدان لم يصل الى الحد الذي يجبر هذا المحور على الجلوس إلى الطاولة، للتوصل الى تسوية.
الرياض تعمل على تشكيل الوفد السعودي ممن يحملون الجنسية السورية
في الوقت نفسه، فإن المحور السوري ــ الايراني وحليفه الروسي، يطرح حلاً سياسياً مبنياً على ما يمكن أن يصل اليه الميدان والنتائج المأمولة، وهي ممكنة، للعمليات القتالية في الاراضي السورية، وهو الامر غير المقبول لدى المحور الآخر، ما دام يراهن على إمكان عرقلة الانتصار الميداني لهذا المحور، وإن نظرياً.
من هنا، أريد للقاءات في فيينا وفي نيويورك، وربما لاحقاً في غيرهما، أن تكون تكملة للفعل الميداني ومساعدة له، لا ترجمة لنتائجه سياسياً، أي خدمة السياسة للميدان وليس النقيض، ما يعني أن لا طعم ولا رائحة لهذه اللقاءات إلا في كونها إطاراً لتظهير المواقف، وإن كانت الاطراف ما زالت مصرّة على طروحاتها السياسية، أو أن هناك زحزحة حولها، وهو ما لا يبدو ممكناً أو قائماً، في الظروف الحالية للقتال الميداني ونتائجه.
وبما أن الحرب لا تخاض في أرض المتحاربين، وعلى الاقل في أرض الجهات التي تتموضع حالياً في خندق الدفاع (أميركا والسعودية وتركيا)، وتحديداً بعد التدخل العسكري الروسي ميدانياً، فإن هذه الجهات ستستنفد كل ما لديها نظرياً، وصولاً الى المراهنة على عامل الوقت، لعرقلة الانتصار الميداني للمحور المقابل، قبل أن تنصاع وتقبل قسراً بالحل السياسي الذي لن يكون في نهاية المطاف، بشروطها.
يعني ذلك أن نهاية الحرب في سوريا، وضمن الظروف والامكانات الموجودة حالياً لدى الاطراف كلها، ستكون على قاعدة منتصر نهائي ومهزوم نهائي، بلا حل سياسي بمعنى تسوية، بل حل سياسي بمعنى ترجمة انتصار ميداني الى انتصار سياسي. والى حين تحقق ذلك، يمكن «التسلية» باللقاءات، في فيينا وفي نيويورك،
المصدر :
الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة