الوقوف على حجم الهجمة الشرسة التي نفذها تنظيم داعش في العاصمة الفرنسية في باريس من خلال ما يسميه التنظيم "الذئاب المنفردة"، لمعرفة الأسباب الحقيقة، والجهة المستفيدة، يتطلب البحث في جميع مفردات الهجوم، ومن ثم تركيبها في صورة واحدة للوصول إلى الحقيقة، فالتنظيم الذي لم يعد خافيا إنه يمتلك علاقات وثيقة مع جملة من المخابرات الإقليمية والدولية، اختار باريس دونا عن غيرها مرتين، الأولى من خلال الهجمات التي تعرف باسم "شارلي إيبدو"، والثاني من خلال الهجمات الأربعة التي نفذت ليل أمس، وخلفت 160 قتيلا، بحسب ما أكدته وكالة الصحافة الفرنسية.

 

أقيمت المبارة الودية التي جمعت منتخبي فرنسا وألمانيا لكرة القدم تحت إجراءات أمنية مشددة بعد تلقي المخابرات الفرنسية إنذارا بوجود قنبلة في مقر إقامة المنتخب الألماني، ما يعني إن الحكومة الفرنسية كانت تمتلك معلومات حول الهجوم، إلا أنها لم تكن كافية لإحباط الهجمات الأربعة، مايؤكد وجود لعبة مخابراتية، استطاعت تمويه الهجمات وضمان تنفيذها، وهذا يؤكد على إن التنظيم كان مجرد أداة في تنفيذ الجريمة، خاصة وإن تنفيذ مثل هذه الهجمات التي اتسمت بالدقة لجهة اختيار الأهداف وتزامن التنفيذ يحتاج لمجهود مخابراتي من الصعب لتنظيم داعش أن يمتلكه، وهذا ينفي في الوقت نفسه الصورة "الهجمية" التي يحاول الإعلام إلصاقها في التنظيم، فالتنظيمات التي تتمكن من تنفيذ عمليات كبرى تحتا ترتبط بشكل مباشر بجهات حكومية، تسهل عملية التنفيذ من خلال تقديم اللوجستيات الأساسية للعمليات كـ "سهولة التنقل – تأمين المواد المتفجرة أو التدريب على تصنيعها- اختيار الهدف بدقة بما يحقق أكبر قدر ممكن من الإفادة للجهة المنفذة"، وإن كان تاريخ 13 من شهر تشرين الثاني وليلة جمعة، قد لا يكون مقصودا من قبل المنفذين، إلا أنه سيحمل بعدا نفسيا لدى الشعوب الأوروبية، التي تعتبر أن توافق ليلة الجمعة مع تاريخ الـ 13 من أي شهر كان، هي ليلة الشيطان، وهذا ما سيكون له أثر نفسي أكبر لدى المواطن الأوروبي، وليس من الغريب أيضا أن يقوم أحد الانتحاريين في مسرح باتاكلان بالصراخ بوجه ضحاياه قبل قتلهم ليؤكد انتقامه لمقتل أخيه الذي كان من بين عناصر داعش في سوريا.

 

وكان من الأكيد بالنسبة لبيان التنظيم أن يحمل إشارة إلى مشاركة فرنسا في العملية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد التنظيم في سوريا والعراق من خلال التحالف الستيني، ولكن لماذا فرنسا مرتين دونا ً عن بقية الدول التي تشارك في التحالف الأمريكي، وما السبب إن كان الظاهر من رد الفعل الأولي للحكومات الأورويبة هو التأكيد على التصعيد العسكري في العمليات الانتقامية من التنظيم، وأي مصلحة لداعش من استجلاب المزيد من العمل العسكري الأوروبي إلى المنطقة بحجة محاربة التنظيم..

 

الإجابة على مثل هذا السؤال تفرض البحث عن المستفيد الحقيقي من الحدث في منطقة الشرق الأوسط، وإذا ماكان الحديث عن محاربة داعش يعني بملفي سوريا والعراق أكثر من غيرهما من الدول التي يتواجد فيها التنظيم بشكل أقل عدداً، فإن الواضح من هذه العملية وجود دور للتحالف الإسرائيلي السعودي الذي لم يعد سراً، فالتحالف الصهيوسعودي العامل على إبقاء الحرب في سورياوالعراق بما قد يفضي لطرح خيارات التقسيم يفيد في الحفاظ على قوة كل من الكيانين السعودي والإسرائليي في الوقت نفسه، ففي الحسابات السعودي من الضروري الإبقاء على الحرب في سوريا وإسقاط الدولة بشكلها الحالي بما يتناسب والرؤى الإسرائيلية لأن الضمانة من هذا التقسيم بالنسبة للسعوديين تأتي من خلال الاستمثار في الإرهاب للتخلص من الكم الهائل من التكفيريين الذين تنتجهم المدارس السعودية عبر مناهجها الدراسية، وتخلي السعودية عن الفكر الوهابي أمر مستحيل حتى لو رأت الأسرة الحاكمة مصلحة في ذلك، لأن الأساس في نشأة الدولة السعودية كان تقاسم السلطة مع أسرة آل الشيخ التي تنحدر من سلالة محمد بن عبد الوهاب وفق اتفاق تاريخي رعته بريطانيا ومن ثم أمريكا، وهذا التخلي قد يفضي إلى إنقلاب اتباع المذهب الوهابي على آل سعود، وهم السمة العامة في المملكة بسبب تحوز آل الشيخ على السلطة الدينية في المملكة، وهذا التوجه يناسب في الوقت نفسه إسرائيل الساعية إلى خلق جغرافيا سياسية تضمن طبيعية وجود إسرائيل كدولة دينية في المنطقة، تجاور عدد من الدول الدينية التي يجب أن تقام في المنطقة وفق مشروع الشرق الأوسط الأكبر، وسوريا والعراق هما البوابة الأكثر ملائمة لبقاء هذا التقسيم، كما إن التقارب السعودي مع إسرائيل هو الضامن الوحيد للأسرة الحاكمة في الرياض بالبقاء على سدة الحكم وضمان إغلاق شبابيك المملكة أمام رياح الربيع العربي، ناهيك عن المصالح الاقتصادية المشتركة بين الرياض وتل أبيب في الملف السوري، والملف العراقي في آن معاً، لذا يمكن الجزم إن الموساد الإسرائيلي الذي ثبت تورطه بتمويل التنظيم بأجهزة اتصال وتجسس في العراق قام بدعم مخطط لتنفيذ هجمات كبرى لداعش بتمويل سعودي في فرنسا التي تسارع للعب دور رأس الحربة الأوروبية في أي مشروع تطرحه أمريكا، وذلك لضمان التخويف من نظرية "ارتداد الجهاديين" إلى أوروبا ليكون الخيار الأفضل هو الحفاظ على "عش الدبابير" كخطة مشتركة بين الموساد والمخابرات الأمريكية والبريطانية لتحويل سوريا والعراق إلى بؤرة لتجميع الجهاديين من كل دول العالم، ومع بدء ظهور انفراجات في الملف السوري، قد تفضي إلى توسيع دائرة العمل ضد الإرهاب كان لابد من إجراء عمل يلفت النظر إلى ضرورة التصعيد العسكري ضد داعش، وهذا يعقد مسألة الحلول السياسية، من خلال التوجه للزج بقوات أجنبية في الشرق الاوسط لن تقبل دمشق أو بغداد بعملها على أراضيها دون تنسيق، مما سيأخذ مسار السياسة الدولية إلى ملف غير الملفات السياسية لوقت طويل، وبذلك تكون السعودية وإسرائيل قد ضمنتا التحول في الحديث عن حرب ضد الإرهاب لمصلحة الدولتين السورية والعراقية، إلى حرب ضد داعش تعرقل المسارات السياسية بسبب خروجها عن نصوص القانون الدولي الضامن والناظم لمثل هذه التحالفات الدولية.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-11-14
  • 8353
  • من الأرشيف

الأصابع الإسرائيلية – السعودية في هجمات باريس

الوقوف على حجم الهجمة الشرسة التي نفذها تنظيم داعش في العاصمة الفرنسية في باريس من خلال ما يسميه التنظيم "الذئاب المنفردة"، لمعرفة الأسباب الحقيقة، والجهة المستفيدة، يتطلب البحث في جميع مفردات الهجوم، ومن ثم تركيبها في صورة واحدة للوصول إلى الحقيقة، فالتنظيم الذي لم يعد خافيا إنه يمتلك علاقات وثيقة مع جملة من المخابرات الإقليمية والدولية، اختار باريس دونا عن غيرها مرتين، الأولى من خلال الهجمات التي تعرف باسم "شارلي إيبدو"، والثاني من خلال الهجمات الأربعة التي نفذت ليل أمس، وخلفت 160 قتيلا، بحسب ما أكدته وكالة الصحافة الفرنسية.   أقيمت المبارة الودية التي جمعت منتخبي فرنسا وألمانيا لكرة القدم تحت إجراءات أمنية مشددة بعد تلقي المخابرات الفرنسية إنذارا بوجود قنبلة في مقر إقامة المنتخب الألماني، ما يعني إن الحكومة الفرنسية كانت تمتلك معلومات حول الهجوم، إلا أنها لم تكن كافية لإحباط الهجمات الأربعة، مايؤكد وجود لعبة مخابراتية، استطاعت تمويه الهجمات وضمان تنفيذها، وهذا يؤكد على إن التنظيم كان مجرد أداة في تنفيذ الجريمة، خاصة وإن تنفيذ مثل هذه الهجمات التي اتسمت بالدقة لجهة اختيار الأهداف وتزامن التنفيذ يحتاج لمجهود مخابراتي من الصعب لتنظيم داعش أن يمتلكه، وهذا ينفي في الوقت نفسه الصورة "الهجمية" التي يحاول الإعلام إلصاقها في التنظيم، فالتنظيمات التي تتمكن من تنفيذ عمليات كبرى تحتا ترتبط بشكل مباشر بجهات حكومية، تسهل عملية التنفيذ من خلال تقديم اللوجستيات الأساسية للعمليات كـ "سهولة التنقل – تأمين المواد المتفجرة أو التدريب على تصنيعها- اختيار الهدف بدقة بما يحقق أكبر قدر ممكن من الإفادة للجهة المنفذة"، وإن كان تاريخ 13 من شهر تشرين الثاني وليلة جمعة، قد لا يكون مقصودا من قبل المنفذين، إلا أنه سيحمل بعدا نفسيا لدى الشعوب الأوروبية، التي تعتبر أن توافق ليلة الجمعة مع تاريخ الـ 13 من أي شهر كان، هي ليلة الشيطان، وهذا ما سيكون له أثر نفسي أكبر لدى المواطن الأوروبي، وليس من الغريب أيضا أن يقوم أحد الانتحاريين في مسرح باتاكلان بالصراخ بوجه ضحاياه قبل قتلهم ليؤكد انتقامه لمقتل أخيه الذي كان من بين عناصر داعش في سوريا.   وكان من الأكيد بالنسبة لبيان التنظيم أن يحمل إشارة إلى مشاركة فرنسا في العملية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد التنظيم في سوريا والعراق من خلال التحالف الستيني، ولكن لماذا فرنسا مرتين دونا ً عن بقية الدول التي تشارك في التحالف الأمريكي، وما السبب إن كان الظاهر من رد الفعل الأولي للحكومات الأورويبة هو التأكيد على التصعيد العسكري في العمليات الانتقامية من التنظيم، وأي مصلحة لداعش من استجلاب المزيد من العمل العسكري الأوروبي إلى المنطقة بحجة محاربة التنظيم..   الإجابة على مثل هذا السؤال تفرض البحث عن المستفيد الحقيقي من الحدث في منطقة الشرق الأوسط، وإذا ماكان الحديث عن محاربة داعش يعني بملفي سوريا والعراق أكثر من غيرهما من الدول التي يتواجد فيها التنظيم بشكل أقل عدداً، فإن الواضح من هذه العملية وجود دور للتحالف الإسرائيلي السعودي الذي لم يعد سراً، فالتحالف الصهيوسعودي العامل على إبقاء الحرب في سورياوالعراق بما قد يفضي لطرح خيارات التقسيم يفيد في الحفاظ على قوة كل من الكيانين السعودي والإسرائليي في الوقت نفسه، ففي الحسابات السعودي من الضروري الإبقاء على الحرب في سوريا وإسقاط الدولة بشكلها الحالي بما يتناسب والرؤى الإسرائيلية لأن الضمانة من هذا التقسيم بالنسبة للسعوديين تأتي من خلال الاستمثار في الإرهاب للتخلص من الكم الهائل من التكفيريين الذين تنتجهم المدارس السعودية عبر مناهجها الدراسية، وتخلي السعودية عن الفكر الوهابي أمر مستحيل حتى لو رأت الأسرة الحاكمة مصلحة في ذلك، لأن الأساس في نشأة الدولة السعودية كان تقاسم السلطة مع أسرة آل الشيخ التي تنحدر من سلالة محمد بن عبد الوهاب وفق اتفاق تاريخي رعته بريطانيا ومن ثم أمريكا، وهذا التخلي قد يفضي إلى إنقلاب اتباع المذهب الوهابي على آل سعود، وهم السمة العامة في المملكة بسبب تحوز آل الشيخ على السلطة الدينية في المملكة، وهذا التوجه يناسب في الوقت نفسه إسرائيل الساعية إلى خلق جغرافيا سياسية تضمن طبيعية وجود إسرائيل كدولة دينية في المنطقة، تجاور عدد من الدول الدينية التي يجب أن تقام في المنطقة وفق مشروع الشرق الأوسط الأكبر، وسوريا والعراق هما البوابة الأكثر ملائمة لبقاء هذا التقسيم، كما إن التقارب السعودي مع إسرائيل هو الضامن الوحيد للأسرة الحاكمة في الرياض بالبقاء على سدة الحكم وضمان إغلاق شبابيك المملكة أمام رياح الربيع العربي، ناهيك عن المصالح الاقتصادية المشتركة بين الرياض وتل أبيب في الملف السوري، والملف العراقي في آن معاً، لذا يمكن الجزم إن الموساد الإسرائيلي الذي ثبت تورطه بتمويل التنظيم بأجهزة اتصال وتجسس في العراق قام بدعم مخطط لتنفيذ هجمات كبرى لداعش بتمويل سعودي في فرنسا التي تسارع للعب دور رأس الحربة الأوروبية في أي مشروع تطرحه أمريكا، وذلك لضمان التخويف من نظرية "ارتداد الجهاديين" إلى أوروبا ليكون الخيار الأفضل هو الحفاظ على "عش الدبابير" كخطة مشتركة بين الموساد والمخابرات الأمريكية والبريطانية لتحويل سوريا والعراق إلى بؤرة لتجميع الجهاديين من كل دول العالم، ومع بدء ظهور انفراجات في الملف السوري، قد تفضي إلى توسيع دائرة العمل ضد الإرهاب كان لابد من إجراء عمل يلفت النظر إلى ضرورة التصعيد العسكري ضد داعش، وهذا يعقد مسألة الحلول السياسية، من خلال التوجه للزج بقوات أجنبية في الشرق الاوسط لن تقبل دمشق أو بغداد بعملها على أراضيها دون تنسيق، مما سيأخذ مسار السياسة الدولية إلى ملف غير الملفات السياسية لوقت طويل، وبذلك تكون السعودية وإسرائيل قد ضمنتا التحول في الحديث عن حرب ضد الإرهاب لمصلحة الدولتين السورية والعراقية، إلى حرب ضد داعش تعرقل المسارات السياسية بسبب خروجها عن نصوص القانون الدولي الضامن والناظم لمثل هذه التحالفات الدولية.  

المصدر : محمود عبداللطيف/ عربي برس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة