يستذكر كثر من السوريين هذه الأيام، كلمات الرئيس الراحل حافظ الأسد حين تحدث عن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة، مشدداً على إستراتيجيته في «مخاصمتها لا مجاراتها»، حين خرجت عنه المقولة الشهيرة بأن «عداوتها منهكة، ولكن صداقتها قاتلة».

العبارة التي سبق أن كررها الرئيس الحالي بشار الأسد في العام 2003 بعد لقاء شهير مع مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، هي تقريباً ذات العبارة التي نقلها رئيس مكتب الأمن الوطني رئيس الاستخبارات السابق العدو اللدود لسوريا وإيران بندر بن سلطان، وذلك نقلا عن «صديقه الثعلب القديم» وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر حين قال «على أعداء أميركا أن يخشوا أميركا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر».

يفسر هذا القول الخيبة الكبرى، وإن متوقعة، لحلفاء واشنطن، من الاتفاق. ويقول مسؤول سوري، لـ «السفير»، في تعقيب لاحق على الاتفاق النووي الإيراني «انظر لمواقف السعودية وتركيا وإسرائيل» تستطيع استنتاج ما الذي يعنيه هذا الاتفاق بالنسبة لسوريا وحلفائها.

بالطبع، يدرك الجميع هنا، أن الولايات المتحدة لم ولن تتحول إلى حليف مع سوريا وإيران، بل إن ذلك غير مطلوب. ولكن ثمة رهانا حاليا يمكن تلمس إشاراته بأن «البراغماتية الأميركية يمكن أن تعمل في قضايا أخرى ملحة» بين أبرزها بالطبع الأزمة السورية، وذلك في شقيها مكافحة الإرهاب التكفيري والتسوية السياسية.

وتفيد تحليلات في دمشق، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تلقى اتصال شكر من نظيره الأميركي باراك أوباما على دوره في تسهيل حصول اتفاق نووي مع إيران، استند لهذا لممارسة هذا الدور في طرحه «المقترح المعجزة» على حد تعبير وزير الخارجية السورية وليد المعلم بضرورة قيام تحالف ضد الإرهاب يضم خصوم سوريا، لخوض المعركة الأهم ضد «داعش» و «جبهة النصرة» وباقي التنظيمات التكفيرية.

ويذكر أوباما، في لقائه الأخير مع الصحافي الأميركي توماس فريدمان، أن بوتين الذي كانت «مساندته مفاجئة» من ناحية المساعدة في تمرير الاتفاق، اتصل به لمناقشة الموضوع السوري، والذي استند وفق تحليل أوباما إلى مخاوف نظيره الروسي من «تراجع سلطة (الرئيس بشار) الأسد» و «تنامي سلطة المتطرفين السنة» في سوريا.

وتلى الاتصال حينها، وفقا لملاحظات دمشق، تصريحات متشاكسة، حيث أكد أوباما أن أية تسوية في سوريا لا تتضمن بقاء الرئيس السوري، والثاني أكد فيه الروس ثبات سياستهم القائمة على مبدأ أن «تحديد مستقبل الرئيس يخضع لاعتبارات داخلية سورية». بل وأبدى الروس تشديداً على أن قيادة معركة حقيقية ضد الإرهاب تحتاج لقيادة الأسد، ولا سيما في مراحلها الحالية.

هل يبني الروس أفكارا خاصة بالحل، يمكن طرحها في «موسكو 3»، وهل يطرح الروس مدداً زمنية تتضمن «مجاراة بين تحقق تسوية سياسية وحرب دولية على الإرهاب تكون الحكومة السورية شريكا أساسيا فيها؟».

يعتقد دبلوماسيون بأن الأمر ممكن. بل إن الاتفاق النووي يشجع الجميع على طرح أفكار خلاقة للاستفادة من نجاحه. ويتوقف البعض أمام الإعلان الفرنسي عن ضرورة أن تساعد إيران في التوصل إلى تسوية في سوريا، حيث من الممكن أن يتم بحث آفاق هذه الدعوة خلال الزيارة المزمعة لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران، والتي يسبقه إليها أيضا نائب المستشارة الألمانية زيغمار غابريل، وإن كانت العناوين اقتصادية، بما يثيره هذا أيضا من احتمالات، ولا سيما أن برلين سبق ومارست ديبلوماسية سرية مع سوريا و «حزب الله» كما إيران من قبل.

بدورها، أضافت إيران إلى رصيدها ونفوذها في سوريا مؤخراً، ولا سيما على الصعيد الميداني، حيث تمكن الجيش السوري، بمساعدة تقنية واستشارية إيرانية ولوجستية من «حزب الله» من الحفاظ علي مواقعه كما جرى في الشمال والجنوب، واتخاذ المبادرة كما في الزبداني، وتحقيق عنصر المفاجأة كما في تدمر.

ويتفق الطرفان في دمشق وطهران على أن العامل الميداني، هو «العنصر المؤثر الرئيسي في أية مفاوضات»، ولكن دون أن يكون واضحا دوماً، إلى أي مدى يمكن أن تذهب البراغماتية الإيرانية بدورها؟

«صحيح أنه ما من أخبار جديدة حيال نشاط التسوية»، يقول مصدر سوري لـ «السفير»، وذلك بانتظار أن يقدم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تقريره هذا الشهر إلى مجلس الأمن، والذي يمكن أن «تبني عليه الأطراف أو ترفضه، أو تقبل جزءا منه، وترفض جزءا آخر كما تجري العادة».

عدا ذلك مر «شهر رمضان (آخر) دون أن تتحقق أي من التهديدات التي أطلقتها المجموعات المسلحة»، و «دون حرب كبرى لا تبقي كما رجح إعلاميون». على العكس «توج الشهر الفضيل بالاتفاق النووي الإيراني، على أمل أن لا تستغرق الأزمة السورية مدة مشابهة من التجاذبات».

  • فريق ماسة
  • 2015-07-16
  • 13412
  • من الأرشيف

يستذكر السوريين كلمات الرئيس الراحل حافظ الأسد بأن أمريكا «عداوتها منهكة، ولكن صداقتها قاتلة»... الخطوة التالية في سورية بعد الاتفاق النووي

يستذكر كثر من السوريين هذه الأيام، كلمات الرئيس الراحل حافظ الأسد حين تحدث عن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة، مشدداً على إستراتيجيته في «مخاصمتها لا مجاراتها»، حين خرجت عنه المقولة الشهيرة بأن «عداوتها منهكة، ولكن صداقتها قاتلة». العبارة التي سبق أن كررها الرئيس الحالي بشار الأسد في العام 2003 بعد لقاء شهير مع مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، هي تقريباً ذات العبارة التي نقلها رئيس مكتب الأمن الوطني رئيس الاستخبارات السابق العدو اللدود لسوريا وإيران بندر بن سلطان، وذلك نقلا عن «صديقه الثعلب القديم» وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر حين قال «على أعداء أميركا أن يخشوا أميركا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر». يفسر هذا القول الخيبة الكبرى، وإن متوقعة، لحلفاء واشنطن، من الاتفاق. ويقول مسؤول سوري، لـ «السفير»، في تعقيب لاحق على الاتفاق النووي الإيراني «انظر لمواقف السعودية وتركيا وإسرائيل» تستطيع استنتاج ما الذي يعنيه هذا الاتفاق بالنسبة لسوريا وحلفائها. بالطبع، يدرك الجميع هنا، أن الولايات المتحدة لم ولن تتحول إلى حليف مع سوريا وإيران، بل إن ذلك غير مطلوب. ولكن ثمة رهانا حاليا يمكن تلمس إشاراته بأن «البراغماتية الأميركية يمكن أن تعمل في قضايا أخرى ملحة» بين أبرزها بالطبع الأزمة السورية، وذلك في شقيها مكافحة الإرهاب التكفيري والتسوية السياسية. وتفيد تحليلات في دمشق، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تلقى اتصال شكر من نظيره الأميركي باراك أوباما على دوره في تسهيل حصول اتفاق نووي مع إيران، استند لهذا لممارسة هذا الدور في طرحه «المقترح المعجزة» على حد تعبير وزير الخارجية السورية وليد المعلم بضرورة قيام تحالف ضد الإرهاب يضم خصوم سوريا، لخوض المعركة الأهم ضد «داعش» و «جبهة النصرة» وباقي التنظيمات التكفيرية. ويذكر أوباما، في لقائه الأخير مع الصحافي الأميركي توماس فريدمان، أن بوتين الذي كانت «مساندته مفاجئة» من ناحية المساعدة في تمرير الاتفاق، اتصل به لمناقشة الموضوع السوري، والذي استند وفق تحليل أوباما إلى مخاوف نظيره الروسي من «تراجع سلطة (الرئيس بشار) الأسد» و «تنامي سلطة المتطرفين السنة» في سوريا. وتلى الاتصال حينها، وفقا لملاحظات دمشق، تصريحات متشاكسة، حيث أكد أوباما أن أية تسوية في سوريا لا تتضمن بقاء الرئيس السوري، والثاني أكد فيه الروس ثبات سياستهم القائمة على مبدأ أن «تحديد مستقبل الرئيس يخضع لاعتبارات داخلية سورية». بل وأبدى الروس تشديداً على أن قيادة معركة حقيقية ضد الإرهاب تحتاج لقيادة الأسد، ولا سيما في مراحلها الحالية. هل يبني الروس أفكارا خاصة بالحل، يمكن طرحها في «موسكو 3»، وهل يطرح الروس مدداً زمنية تتضمن «مجاراة بين تحقق تسوية سياسية وحرب دولية على الإرهاب تكون الحكومة السورية شريكا أساسيا فيها؟». يعتقد دبلوماسيون بأن الأمر ممكن. بل إن الاتفاق النووي يشجع الجميع على طرح أفكار خلاقة للاستفادة من نجاحه. ويتوقف البعض أمام الإعلان الفرنسي عن ضرورة أن تساعد إيران في التوصل إلى تسوية في سوريا، حيث من الممكن أن يتم بحث آفاق هذه الدعوة خلال الزيارة المزمعة لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران، والتي يسبقه إليها أيضا نائب المستشارة الألمانية زيغمار غابريل، وإن كانت العناوين اقتصادية، بما يثيره هذا أيضا من احتمالات، ولا سيما أن برلين سبق ومارست ديبلوماسية سرية مع سوريا و «حزب الله» كما إيران من قبل. بدورها، أضافت إيران إلى رصيدها ونفوذها في سوريا مؤخراً، ولا سيما على الصعيد الميداني، حيث تمكن الجيش السوري، بمساعدة تقنية واستشارية إيرانية ولوجستية من «حزب الله» من الحفاظ علي مواقعه كما جرى في الشمال والجنوب، واتخاذ المبادرة كما في الزبداني، وتحقيق عنصر المفاجأة كما في تدمر. ويتفق الطرفان في دمشق وطهران على أن العامل الميداني، هو «العنصر المؤثر الرئيسي في أية مفاوضات»، ولكن دون أن يكون واضحا دوماً، إلى أي مدى يمكن أن تذهب البراغماتية الإيرانية بدورها؟ «صحيح أنه ما من أخبار جديدة حيال نشاط التسوية»، يقول مصدر سوري لـ «السفير»، وذلك بانتظار أن يقدم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تقريره هذا الشهر إلى مجلس الأمن، والذي يمكن أن «تبني عليه الأطراف أو ترفضه، أو تقبل جزءا منه، وترفض جزءا آخر كما تجري العادة». عدا ذلك مر «شهر رمضان (آخر) دون أن تتحقق أي من التهديدات التي أطلقتها المجموعات المسلحة»، و «دون حرب كبرى لا تبقي كما رجح إعلاميون». على العكس «توج الشهر الفضيل بالاتفاق النووي الإيراني، على أمل أن لا تستغرق الأزمة السورية مدة مشابهة من التجاذبات».

المصدر : السفير/ زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة