دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اقدام السلطات التركية على تنفيذ حملة اعتقالات واسعة تستهدف عناصر تابعة لـتنظيم ”داعش” يعتبر تطورا لافتا، اذا وضعنا في اعتبارنا الاتهامات التي توجه الى تركيا من اكثر من طرف بالتقاعس في هذا المضمار، بل والتواطؤ مع “الدولة”، خاصة من قبل الاكراد والولايات المتحدة الامريكية، الداعم الاكبر لهم.
تركيا ظلت، وطوال السنوات الاربع الماضية من عمر الازمة السورية الممر لآلاف المقاتلين العرب والاجانب الذين كانوا في طريقهم للانضمام الى “داعش”، ومن بين هؤلاء اكثر من سبعة آلاف تونسي وخمسة آلاف سعودي، وآلاف الشيشانيين واليمنيين والباكستانيين، علاوة على جنسيات غربية اخرى.
الاموال والاسلحة كانت تتدفق على “الدولة الاسلامية” وجماعات اسلامية متشددة اخرى عبر مطارات تركيا، وبعلم السلطات التركية، فما الذي دفع هذه السلطات الآن للاقدام على حملة الاعتقالات المكثفة التي ترددت الانباء حولها طوال اليوم، وقيل انها شملت 21 شخصا بينهم ثلاثة اجانب كانوا في طريقهم الى سورية؟
هناك عدة تفسيرات لهذه الحملة، يمكن ايجازها في النقاط التالية:
اولا: توصل السلطات التركية الى تفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية خطوطه العريضة الابرز محاربة تنطيم “الدولة الاسلامية- داعش” جديا، ومنع وصول المقاتلين اليها مقابل التجاوب مع المطالب التركية في اقامة منطقة عازلة في الشمال الغربي السوري، تشمل مناطق في ادلب وحلب وجسر الشغور، يتم حظر الطيران الحربي السوري فيها، وتكون نواة “لامارة” شبه مستقلة للمعارضة السورية المسلحة، تستوعب اللاجئين السوريين الذين بلغ عددهم اكثر من مليوني لاجيء باتوا يشكلون عبئا امنيا وماديا وديمغرافيا على تركيا.
ثانيا: الحصول على الدعم السياسي الغربي لاي تدخل عسكري تركي في الشريط الحدودي الكردي الممتد على طول الحدود التركية الجنوبية، حيث هدد الرئيس رجب طيب اردوغان اكثر من مرة بانه لن يسمح بقيام دولة كردية، تكون منطلقا لشن هجمات ضد بلاده، واقتطاع اراض منها في المستقبل لقيام هذه الدولة، تماما مثلما فعل تنظيم “الدولة الاسلامية” عندما استولت على مدينة الموصل العراقية والرقة السورية وازالت الحدود بين البلدين.
ثالثا: خسارة حزب العدالة والتنمية اغلبيته البرلمانية في الانتخابات الاخيرة، واضطراره للدخول في حكومة ائتلافية مع احد احزاب المعارضة غير المعادلة السياسية في تركيا، وبات يحتم على الرئيس اردوغان وحكومته التماهي مع المساعي الدولية والاقليمية للاقدام على خطوات جدية لمحاربة “داعش”، ونفي تهمة “الحياد” عن نفسها.
وربما ليس من قبيل الصدفة، ان تبدأ قوات الامن التركية بحملة الاعتقالات هذه ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” بعد اسبوع من زيارة وفد امريكي يضم كبار المسؤولين، من بينهم الجنرال جون الن المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، وبعض الرتب الامريكية العليا في الجيش، ووكالة الاستخبارات المركزية “سي اي ايه”.
الاجتماع تم في انقرة يوم الثلاثاء الماضي وحقق تقدما تركيا امريكيا على صعيد الاتفاق على عدة تفاهمات رئيسية، من بينها استخدام الولايات المتحدة لقاعدة انجرليك الجوية التركية في اضنة، شرق تركيا لانطلاق الهجمات الجوية للتحالف في عمق الاراضي السورية لضرب مواقع تنظيم “الدولة الاسلامية”، بالاضافة الى تفعيل الدور التركي في هذا المضمار.
ويعتقد مراقبون “ان هذه المحادثات والتفاهمات التي تمخضت عنها اقوى الاشارات حتى الآن عن استعداد انقرة لأخذ دور اقليمي اعمق في سورية بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، وتعطيل خطوط امداد تنظيم “داعش” عبر الاراضي التركية”.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن مدى استعداد تركيا لتحمل النتائج التي يمكن ان تترتب على سياساتها الجديدة هذه في اعلان الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية”، والتخلي عن كل تحفظاتها السابقة في هذا الخصوص؟
الامر المؤكد ان السلطات التركية ما كان يمكن ان تقدم على خطوة كبيرة كهذه الا بعد اجراء حسابات دقيقة ابرزها توقع هجمات انتقامية لـتنظيم ”الدولة الاسلامية”، وعناصرها داخل الاراضي التركية وبالذات صناعة السياحة فيها التي تدر على الخزينة التركية اكثر من ثلاثين مليار دولار سنويا.
الخطورة ان تواجه تركيا هجمات ارهابية تزعزع استقرارها الداخلي، ودون ان تضمن سقوط النظام في سوريا الذي يتصدر قمة اولوياتها، او بالاحرى اولويات رئيسها السيد اردوغان.
ربما يكون من المبكر اطلاق اي تكهنات في هذا الصدد، ولكن ما يمكن قوله ان هذا التغيير في السياسة التركية محفوف بالمخاطر.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة