ثمة مفارقة كبيرة لا يمكن تفسيرها في كلام مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بلمار ففي حين صرّح جهاراً بأنه يعتمد على الأدلة الظرفية في سوق قراره الظني في قضية اغتيال الرئيس الحريري واصفا إياها بأنها أقوى الأدلة المباشرة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو لماذا لا يجري البحث أيضاً وعلى قاعدة الأدلة الظرفية في العديد من المعطيات والأدلة والقرائن التي تكشفت منذ اغتيال الرئيس الحريري حتى اليوم والتي تقطع دابر الشك باليقين حول تورط "إسرائيل" باغتيال الحريري.

-   الأدلة الجرمية لاتهام إسرائيل بالجريمة:

-   الإقرار بالجريمة:

إقرار رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية

إذا ما هدفنا فعلاً لتحقيق العدالة عبر الأخذ بالمعايير القانونية السليمة للإثبات في التحقيق الجنائي والتي تفرض التقيّد بمبادئ الاستقامة والنزاهة أثناء إقامة الدليل أمام القضاة على واقعة أو عمل قانوني في سبيل جلاء الحقيقة، فانه ثمة قاعدة قانونية أساسية في علم القانون الجزائي تعتبر الإقرار سيد الأدلة لا يعلوه دليل آخر من حيث القوة الثبوتية وهو يشكل حجة قاطعة على المقر.

وفي هذا الإطار، فلا يخفى على أحد بأن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين أقر بإدارة جهازه الأمني "أمان" للعديد من الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، واعترف مؤخراً  بأنه "كان لحادثة اغتيال الرئيس الحريري الفضل الأكبر في إطلاق أكثر من مشروع لإسرائيل في لبنان"، مشيراً إلى أنها " سجلت أعمالاً رائعة في إبعاد الاستخبارات والجيش السوري عن لبنان وفي حصار حزب الله".

تصريحات يادلين هذه تشكل اعترافاً صريحا ًباغتيال الحريري والعديد من الشخصيات اللبنانية، وهو ما يتقاطع مع ما كان كشفه سابقاً بتاريخ 3 حزيران/ يونيو 2008 موقع 'فيلكا' الاستخباراتي الصهيوني والذي أشار إلى أن الكولونيل "أمان رؤفين أرليخ" الضابط بالمخابرات العسكرية الصهيونية اعترف بارتكابه جريمة اغتيال الحريري، مشيراً إلى أن قتل الحريري أدى لسيطرة أمريكا على لبنان وخدم الاستراتيجية الصهيونية.

ويشار أيضاً إلى أن الصحافي عاموس هارئيل كان قد كتب في تقرير أعدته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الخامس والعشرين من أيار/مايو عام 2010 ، بأن  رئيس "أمان" قدّم ملفاً في نهاية العام 2001 أي قبل أكثر من ثلاث سنوات من الاغتيال توقّع فيه أن يقتل الحريري على يد حزب الله.

وليس بعيداً عن هذه الأجواء كانت صحيفة 'الاتحاد' الإماراتية هي الأخرى قد نشرت تقريراً وصفته بالسري للمعهد الصهيوني لدراسات المشرق جاء فيه أن "تل أبيب" متورطة بالتفجيرات المتواصلة في لبنان.

ووفقاً للتقرير فإن رئيس الوزراء السابق إرييل شارون أكد بعد اغتيال رفيق الحريري بأن "الوضع في لبنان تحت السيطرة وأن تل أبيب فتحت قنوات اتصال متميزة مع العديد من الأطراف سواء في لبنان أو خارجها، ممن لها صلة وقدرة على التحرك في لبنان لوضع حد للتواجد السوري فيه ".

وكشف التقرير أيضاً أن كيانه قام منذ اغتيال الحريري بتهريب كميات كبيرة من المتفجرات عبر الحدود الشمالية مع لبنان.

إلى ذلك، كان تقرير للاستخبارات الفرنسية، ترجمه الباحث والصحفي الأمريكي المتخصص بالشؤون الأمنية، "برايان هارينج"، قد توصل إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ''الموساد'' هو الذي اغتال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

 

 القرائن :

 

وهنا نعود لطرح تساؤل آخر، وهو كيف تم تعطيل أجهزة الإنذار الموجودة في موكب الحريري والتي بإمكانها أن تكشف المتفجرات، علما أنها نادرة بالعالم من حيث التقنية العالية والمتطوّرة الموجودة فيها ؟.

تعطيل أجهزة الإنذار والتشويش بموكب الحريري

من الوهلة الأولى يتضح لنا أن عملية اغتيال الحريري كانت عملية معقدة وأن منفذوها محترفون ويمتلكون تقنيات متطوّرة وعالية للتحكّم بمجريات تنفيذ العملية بالشكل الذي تمت فيه، وهو ما أكده خبراء دوليون، حينما أشاروا إلى أن جريمة من هذا النوع ما كانت لتتم دون وجود الأدوات والتقنيات الحديثة وهو ما لا يتوفر إلا عند الموساد الإسرائيلي والاستخبارات الأمريكية. خصوصاً وأنه لا يتخيّل على الإطلاق أنه بإمكان أي جهة محلية مهما علا شأنها امتلاك تقنيات تشويش مضادة لأجهزة الإنذار الموجودة في موكب الحريري، وهو ما أكده الخبير الألماني المتخصص في علم الجرائم السياسية "يورغن كاين كولبل" في كتابه "الأدلة المخفية في ملف اغتيال الحريري " الصادر في أيار/مايو 2006 ، حينما كشف "بأن أجهزة التشويش التي استخدمها موكب الحريري بشكل دائم، تعطّلت قبل ساعة واحدة من حدوث عملية الاغتيال، حيث توقف عمل الجهاز الإلكتروني لموكب الحريري الخاص بتعطيل استقبال وإرسال أية ذبذبات خاصة بأجهزة الهاتف المحمول وأية أجهزة تحكّم عن بعد يعرفها العالم وتستخدم للتفجير عن بعد". وأوضح أن تلك الخاصية، حسبما بيّنت الاختبارات التقنية لا يمكن تعطيلها إلا من الشبكة المركزية للتحكّم في النظام الإلكتروني لتلك الأجهزة، والتي لا تملكها إلا الشركة الموردة لها والتي يؤكد الكاتب أنها شركة إسرائيلية وأن أحد أصحابها عمل حتى سنوات مضت في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

طائرات أواكس إسرائيلية في مسرح الجريمة

كما ويظهر مراجعة جداول بعض الدول المجاورة للبنان والتي تمتلك رادارات تسجل وترصد حركة الجو اليومية، بأن الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري والذي حدث عند الساعة الثانية عشرة والدقيقة السادسة والخمسين ظهر يوم الاثنين 14 شباط/فبراير 2005 ، تزامن مع حركة جوية إسرائيلية حيث سجل نشاط لطائرة "أواكس" مقابل السواحل اللبنانية، وصولاً إلى بيروت، وذلك منذ الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية والدقيقة الثلاثين. كما سجل في الأجواء اللبنانية أيضاً نشاط لطائرة استخبارات إشارة وحرب إلكترونية مقابل السواحل اللبنانية، وصولاً إلى بيروت ما بين الساعة العاشرة والدقيقة الثلاثين حتى الساعة الثانية عشرة والدقيقة الأربعين .

الاستطلاع التحضيري للتنفيذ:

تبين من مطابقة خريطة حركة موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والأماكن التي يذهب إليها أنه كان هناك استطلاع ورصد جوي إسرائيلي متكرر وعلى مدى زمني وفي أوقات متعددة لهذه الأماكن ولمكان حدوث الاغتيال، وخصوصاً في السنوات الأخيرة قبل الاغتيال ومنها :

- القصر الحكومي القديم في منطقة الصنائع والطرقات المحيطة لجهة شارع الحمرا والجهة المقابلة قرب حديقة الصنائع.

- القصر الحكومي الجديد وساحة النجمة ومجلس النواب.

- الكورنيش البحري انطلاقاً من منطقة فندق السان جورج وانتهاءً بمنطقة الروشة.

- الطريق البحري من مسبح الجامعة الأمريكية باتجاه السان جورج.

- منطقة عين المريسة وصولاً إلى منطقة فندق السان جورج مكان استهداف الرئيس الحريري.

- كوع "منعطف" طلعة يسوع الملك على طريق فاريا- فقرا

- منزل السيد شفيق الحريري والشوارع المحيطة به في صيدا جنوبي لبنان .

الأقمار الاصطناعية وصور طائرات التجسس

في الواقع، ورغم أن العديد من الشهود بالقرب من مسرح الجريمة أكدوا أنّهم سمعوا صوت طائرة تحلّق في أجواء بيروت  ورغم أن أميركا وإسرائيل تمتلكان أقماراً اصطناعية وطائرات تجسس في المنطقة إلا أنهما لم تتعاونا بتسليم الأشرطة المصوّرة أثناء حدوث الاغتيال إلى لجنة التحقيق الدولية من أجل كشف حقيقة ما جرى. وبهذا الصدد يقول المحققون الميدانيين في لجنة التحقيق الدوليّة إن اللجنة طلبت مساعدة إسرائيل لتزويدها بصور التقطتها طائرات التجسس الإسرائيلية يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن إسرائيل "زودتنا بصور قبل ثلاثة أيام من عملية الاغتيال وادّعت أن عطلاً تقنياً طرأ على كاميرات طائرات التجسّس قبل يومين من عملية الاغتيال واستمر ذلك العطل يومين إضافيين بعد العملية". ويضيف: "بعدما رفضت إسرائيل تسليم لجنة التحقيق صوراً تجسسية لعملية الاغتيال، توجّهت اللجنة بالطلب نفسه إلى الولايات المتحدة الأميركية، "والغريب أن الأميركيين كرّروا الادعاء الإسرائيلي أن عطلاً تقنياً طرأ على أجهزة تصوير طائرات التجسّس في يوم الاغتيال".

عطل الطائرات التجسسية المزعوم يثير الريبة والشك حول دور كل من أميركا وإسرائيل في عملية اغتيال الحريري ويكشف أنه لديهما ما يخفيانه ويتكتمان عنه من معلومات قد تفيد التحقيق خصوصاً وأنهما لو قاما بإظهار هذه التسجيلات لظهر الكثير من الحقائق المخفية التي بإمكانها أن تساعد في كشف الحقيقة.

بالجرم المشهود : عملاء إسرائيل متلبسون في مسرح الجريمة

تبين وجود معلومات مؤكدة تفيد بأن أحد العملاء التنفيذيين لإسرائيل واسمه غسان جرجس الجد، كان متواجداً في منطقة الاغتيال في السان جورج في 13 شباط/فبراير 2005، أي قبل يوم واحد من اغتيال الحريري، والعميل غسان الجد كان له سوابق بتسهيل دخول وخروج عناصر من المخابرات الإسرائيلية عبر الشواطئ اللبنانية والحدود البرية لتنفيذ مهمات تنفيذية و لوجستية منها نقل عبوات وحقائب سوداء كما أنه شارك بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2004 بعملية اغتيال أحد المقاومين (الشهيد غالب عوالي) من خلال إيصال الفريق التنفيذي الإسرائيلي إلى مكان العملية وإخلائه منها بعد التنفيذ.

    الحريري على لائحة الاغتيال في موقع اللوبي اللبناني في واشنطن

وفي سياق متصل، عرض كتاب الخبير الألماني في علم الجريمة "يورغن كاين كولبل" لمجموعة من المعلومات والشهادات التي تصب في خانة إثبات تورط واشنطن و"تل أبيب" بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، فأشار إلى أن اسم الحريري كان حتى مقتله وارداً على لائحة الأشخاص الذين يجب القضاء عليهم وذلك في موقع "يونايتد ستيتس كوميتي فور أي فري ليبانون" ("لجنة الولايات المتحدة لتحرير لبنان") على شبكة الإنترنت، وهو موقع "للوبي" اللبناني في الولايات المتحدة القريب من أوساط المحافظين الجدد.

 التخطيط لحرب على لبنان مع تصور مسبق لغياب الحريري

هذه المعلومات تتقاطع مع ما توصّل إليه الكاتب والمحلل الفرنسي المعروف "تيري ميسون" في كتابه "الكذبة الكبرى 2"، والذي خلص إلى فيها أن إسرائيل وأميركا هما اللتان استفادتا من جريمة اغتيال الحريري، كاشفاً أن مجموعة مقربة من وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي .أي .ايه" تسمى "لجنة أمريكية من أجل لبنان حر" كانت على علم مسبق بالجريمة.

وأبعد من ذلك، فقد كشف ميسون بالاستناد إلى وثائق "البنتاغون" الأميركي بأن الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز/يوليو 2006 كان قد خطط لها منذ تاريخ طويل مع تصوّر مسبق لرحيل القوات السورية نهائياً عن لبنان حتى يبقى هذا البلد بدون دفاع وأيضاً غياب رفيق الحريري من أجل إبعاد النفوذ الفرنسي.

شبكة الاتصالات اللبنانية

تبين بحسب الخبراء والمختصين بأن "إسرائيل" استطاعت السيطرة بشكل تام على قطاع الاتصالات اللبناني والتحكّم به فضلاً عن قيامها بزرع خطوط سرية كان يشتريها لها عملاؤها داخل خطوط أشخاص آخرين، وزرع عملاء كبار داخل شركات الهاتف الخلوي والولوج إلى شبكة الانترنت( الباروك).

وفي الخلاصة، فان كل هذه الاختراقات المتحققة في الجسم اللبناني تعطي إسرائيل قدرة على النفاذ إلى الساحة اللبنانية وتزودها قدرات لوجستية وتنفيذية تستطيع من خلالها إدارة شبكات تجسس واستطلاع ورصد، كما تمنحها قدرة ميدانية على تنفيذ الاغتيالات، لا سيما وأنه بإمكانها رصد مكان تواجد أي شخص بدقة عبر هاتفه الخلوي، ما يجعل استهدافه أمرا بغاية السهولة.

الشهود :

* شاهد فرنسي يتهم الموساد باغتيال الحريري

وفي السياق ذاته، كان تقرير استخباراتي صادر بتاريخ 24 تشرين الأول/اكتوبر 2006 ، أعده الصحفي الأميركي المشهور واين ماديسون والذي يتمتع بمصداقية كبيرة، قد كشف فيه أيضاً بأن ضابط مخابرات فرنسي، يعمل في المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي أدلى بإفادة هامة حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، قال فيها: "إن رفيق الحريري تم اغتياله في حادث انفجار سيارة مفخخة، جرى ترتيبه بواسطة جهاز الموساد الإسرائيلي". وكشف التقرير بأن أبرز أهداف عملية اغتيال الحريري كان يتمثل في:

- إشعال الغضب الشعبي ضد سوريا في لبنان.

- إخراج القوات السورية من لبنان.

- إلقاء اللوم والمسؤولية في عملية الاغتيال على سوريا، وذلك من أجل إدانتها دولياً وفرض العقوبات الدولية ضدها.

- إضعاف قوة لبنان العسكرية وتركه مكشوفاً أمام الاعتداءات الإسرائيلية، بعد خروج القوات السورية، وتجريد المقاومة من سلاحها.

وبحسب مادسون، فإن اغتيال الحريري كان يراد به أن يكون صاعق التفجير الذي يوفر المناخ الملائم لتأزيم الوضع في لبنان والانقضاض على سورية وتالياً التخلص من منظمات المقاومة وفي مقدمتها حزب الله.

الخلاصة :

وبالاستناد إلى جميع ما تقدم وبعدما تبين بأن المستفيد الأكبر من جريمة اغتيال الرئيس الحريري هو أميركا وإسرائيل، وبنتيجة تحليل طريقة تنفيذ الاغتيال، وفي ضوء جميع الأدلة والقرائن المتقدمة والتي تؤكد تورط إسرائيل بجريمة الاغتيال، فان قرارنا الاتهامي الافتراضي هذا يتهم العدو الصهيوني باغتيال الرئيس رفيق الحريري بصاروخ انطلق من الجو في لحظة دولية حرجة تمثلت بالتقارب الحاصل بين الرئيس الأميركي جورج بوش ونظيره الفرنسي جاك شيراك حول لبنان، وذلك من أجل استثمار هذا الاغتيال لزعزعة الوضع في لبنان والنفاذ امنياً اليه للقضاء على سوريا والمقاومة.

وفي خلاصة الأمر، فان أي قرار اتهامي آخر لا يفنّد ما تقدمنا به، يكون قراراً مجافياً للحقيقة وبعيد عن العدالة والإنصاف بعد السماء عن الأرض.

  • فريق ماسة
  • 2010-12-17
  • 12492
  • من الأرشيف

سيناريو جديد لقرار ظني بجريمة اغتيال الحريري

ثمة مفارقة كبيرة لا يمكن تفسيرها في كلام مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بلمار ففي حين صرّح جهاراً بأنه يعتمد على الأدلة الظرفية في سوق قراره الظني في قضية اغتيال الرئيس الحريري واصفا إياها بأنها أقوى الأدلة المباشرة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو لماذا لا يجري البحث أيضاً وعلى قاعدة الأدلة الظرفية في العديد من المعطيات والأدلة والقرائن التي تكشفت منذ اغتيال الرئيس الحريري حتى اليوم والتي تقطع دابر الشك باليقين حول تورط "إسرائيل" باغتيال الحريري. -   الأدلة الجرمية لاتهام إسرائيل بالجريمة: -   الإقرار بالجريمة: إقرار رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إذا ما هدفنا فعلاً لتحقيق العدالة عبر الأخذ بالمعايير القانونية السليمة للإثبات في التحقيق الجنائي والتي تفرض التقيّد بمبادئ الاستقامة والنزاهة أثناء إقامة الدليل أمام القضاة على واقعة أو عمل قانوني في سبيل جلاء الحقيقة، فانه ثمة قاعدة قانونية أساسية في علم القانون الجزائي تعتبر الإقرار سيد الأدلة لا يعلوه دليل آخر من حيث القوة الثبوتية وهو يشكل حجة قاطعة على المقر. وفي هذا الإطار، فلا يخفى على أحد بأن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين أقر بإدارة جهازه الأمني "أمان" للعديد من الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، واعترف مؤخراً  بأنه "كان لحادثة اغتيال الرئيس الحريري الفضل الأكبر في إطلاق أكثر من مشروع لإسرائيل في لبنان"، مشيراً إلى أنها " سجلت أعمالاً رائعة في إبعاد الاستخبارات والجيش السوري عن لبنان وفي حصار حزب الله". تصريحات يادلين هذه تشكل اعترافاً صريحا ًباغتيال الحريري والعديد من الشخصيات اللبنانية، وهو ما يتقاطع مع ما كان كشفه سابقاً بتاريخ 3 حزيران/ يونيو 2008 موقع 'فيلكا' الاستخباراتي الصهيوني والذي أشار إلى أن الكولونيل "أمان رؤفين أرليخ" الضابط بالمخابرات العسكرية الصهيونية اعترف بارتكابه جريمة اغتيال الحريري، مشيراً إلى أن قتل الحريري أدى لسيطرة أمريكا على لبنان وخدم الاستراتيجية الصهيونية. ويشار أيضاً إلى أن الصحافي عاموس هارئيل كان قد كتب في تقرير أعدته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الخامس والعشرين من أيار/مايو عام 2010 ، بأن  رئيس "أمان" قدّم ملفاً في نهاية العام 2001 أي قبل أكثر من ثلاث سنوات من الاغتيال توقّع فيه أن يقتل الحريري على يد حزب الله. وليس بعيداً عن هذه الأجواء كانت صحيفة 'الاتحاد' الإماراتية هي الأخرى قد نشرت تقريراً وصفته بالسري للمعهد الصهيوني لدراسات المشرق جاء فيه أن "تل أبيب" متورطة بالتفجيرات المتواصلة في لبنان. ووفقاً للتقرير فإن رئيس الوزراء السابق إرييل شارون أكد بعد اغتيال رفيق الحريري بأن "الوضع في لبنان تحت السيطرة وأن تل أبيب فتحت قنوات اتصال متميزة مع العديد من الأطراف سواء في لبنان أو خارجها، ممن لها صلة وقدرة على التحرك في لبنان لوضع حد للتواجد السوري فيه ". وكشف التقرير أيضاً أن كيانه قام منذ اغتيال الحريري بتهريب كميات كبيرة من المتفجرات عبر الحدود الشمالية مع لبنان. إلى ذلك، كان تقرير للاستخبارات الفرنسية، ترجمه الباحث والصحفي الأمريكي المتخصص بالشؤون الأمنية، "برايان هارينج"، قد توصل إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ''الموساد'' هو الذي اغتال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.    القرائن :   وهنا نعود لطرح تساؤل آخر، وهو كيف تم تعطيل أجهزة الإنذار الموجودة في موكب الحريري والتي بإمكانها أن تكشف المتفجرات، علما أنها نادرة بالعالم من حيث التقنية العالية والمتطوّرة الموجودة فيها ؟. تعطيل أجهزة الإنذار والتشويش بموكب الحريري من الوهلة الأولى يتضح لنا أن عملية اغتيال الحريري كانت عملية معقدة وأن منفذوها محترفون ويمتلكون تقنيات متطوّرة وعالية للتحكّم بمجريات تنفيذ العملية بالشكل الذي تمت فيه، وهو ما أكده خبراء دوليون، حينما أشاروا إلى أن جريمة من هذا النوع ما كانت لتتم دون وجود الأدوات والتقنيات الحديثة وهو ما لا يتوفر إلا عند الموساد الإسرائيلي والاستخبارات الأمريكية. خصوصاً وأنه لا يتخيّل على الإطلاق أنه بإمكان أي جهة محلية مهما علا شأنها امتلاك تقنيات تشويش مضادة لأجهزة الإنذار الموجودة في موكب الحريري، وهو ما أكده الخبير الألماني المتخصص في علم الجرائم السياسية "يورغن كاين كولبل" في كتابه "الأدلة المخفية في ملف اغتيال الحريري " الصادر في أيار/مايو 2006 ، حينما كشف "بأن أجهزة التشويش التي استخدمها موكب الحريري بشكل دائم، تعطّلت قبل ساعة واحدة من حدوث عملية الاغتيال، حيث توقف عمل الجهاز الإلكتروني لموكب الحريري الخاص بتعطيل استقبال وإرسال أية ذبذبات خاصة بأجهزة الهاتف المحمول وأية أجهزة تحكّم عن بعد يعرفها العالم وتستخدم للتفجير عن بعد". وأوضح أن تلك الخاصية، حسبما بيّنت الاختبارات التقنية لا يمكن تعطيلها إلا من الشبكة المركزية للتحكّم في النظام الإلكتروني لتلك الأجهزة، والتي لا تملكها إلا الشركة الموردة لها والتي يؤكد الكاتب أنها شركة إسرائيلية وأن أحد أصحابها عمل حتى سنوات مضت في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. طائرات أواكس إسرائيلية في مسرح الجريمة كما ويظهر مراجعة جداول بعض الدول المجاورة للبنان والتي تمتلك رادارات تسجل وترصد حركة الجو اليومية، بأن الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري والذي حدث عند الساعة الثانية عشرة والدقيقة السادسة والخمسين ظهر يوم الاثنين 14 شباط/فبراير 2005 ، تزامن مع حركة جوية إسرائيلية حيث سجل نشاط لطائرة "أواكس" مقابل السواحل اللبنانية، وصولاً إلى بيروت، وذلك منذ الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية والدقيقة الثلاثين. كما سجل في الأجواء اللبنانية أيضاً نشاط لطائرة استخبارات إشارة وحرب إلكترونية مقابل السواحل اللبنانية، وصولاً إلى بيروت ما بين الساعة العاشرة والدقيقة الثلاثين حتى الساعة الثانية عشرة والدقيقة الأربعين . الاستطلاع التحضيري للتنفيذ: تبين من مطابقة خريطة حركة موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والأماكن التي يذهب إليها أنه كان هناك استطلاع ورصد جوي إسرائيلي متكرر وعلى مدى زمني وفي أوقات متعددة لهذه الأماكن ولمكان حدوث الاغتيال، وخصوصاً في السنوات الأخيرة قبل الاغتيال ومنها : - القصر الحكومي القديم في منطقة الصنائع والطرقات المحيطة لجهة شارع الحمرا والجهة المقابلة قرب حديقة الصنائع. - القصر الحكومي الجديد وساحة النجمة ومجلس النواب. - الكورنيش البحري انطلاقاً من منطقة فندق السان جورج وانتهاءً بمنطقة الروشة. - الطريق البحري من مسبح الجامعة الأمريكية باتجاه السان جورج. - منطقة عين المريسة وصولاً إلى منطقة فندق السان جورج مكان استهداف الرئيس الحريري. - كوع "منعطف" طلعة يسوع الملك على طريق فاريا- فقرا - منزل السيد شفيق الحريري والشوارع المحيطة به في صيدا جنوبي لبنان . الأقمار الاصطناعية وصور طائرات التجسس في الواقع، ورغم أن العديد من الشهود بالقرب من مسرح الجريمة أكدوا أنّهم سمعوا صوت طائرة تحلّق في أجواء بيروت  ورغم أن أميركا وإسرائيل تمتلكان أقماراً اصطناعية وطائرات تجسس في المنطقة إلا أنهما لم تتعاونا بتسليم الأشرطة المصوّرة أثناء حدوث الاغتيال إلى لجنة التحقيق الدولية من أجل كشف حقيقة ما جرى. وبهذا الصدد يقول المحققون الميدانيين في لجنة التحقيق الدوليّة إن اللجنة طلبت مساعدة إسرائيل لتزويدها بصور التقطتها طائرات التجسس الإسرائيلية يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن إسرائيل "زودتنا بصور قبل ثلاثة أيام من عملية الاغتيال وادّعت أن عطلاً تقنياً طرأ على كاميرات طائرات التجسّس قبل يومين من عملية الاغتيال واستمر ذلك العطل يومين إضافيين بعد العملية". ويضيف: "بعدما رفضت إسرائيل تسليم لجنة التحقيق صوراً تجسسية لعملية الاغتيال، توجّهت اللجنة بالطلب نفسه إلى الولايات المتحدة الأميركية، "والغريب أن الأميركيين كرّروا الادعاء الإسرائيلي أن عطلاً تقنياً طرأ على أجهزة تصوير طائرات التجسّس في يوم الاغتيال". عطل الطائرات التجسسية المزعوم يثير الريبة والشك حول دور كل من أميركا وإسرائيل في عملية اغتيال الحريري ويكشف أنه لديهما ما يخفيانه ويتكتمان عنه من معلومات قد تفيد التحقيق خصوصاً وأنهما لو قاما بإظهار هذه التسجيلات لظهر الكثير من الحقائق المخفية التي بإمكانها أن تساعد في كشف الحقيقة. بالجرم المشهود : عملاء إسرائيل متلبسون في مسرح الجريمة تبين وجود معلومات مؤكدة تفيد بأن أحد العملاء التنفيذيين لإسرائيل واسمه غسان جرجس الجد، كان متواجداً في منطقة الاغتيال في السان جورج في 13 شباط/فبراير 2005، أي قبل يوم واحد من اغتيال الحريري، والعميل غسان الجد كان له سوابق بتسهيل دخول وخروج عناصر من المخابرات الإسرائيلية عبر الشواطئ اللبنانية والحدود البرية لتنفيذ مهمات تنفيذية و لوجستية منها نقل عبوات وحقائب سوداء كما أنه شارك بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2004 بعملية اغتيال أحد المقاومين (الشهيد غالب عوالي) من خلال إيصال الفريق التنفيذي الإسرائيلي إلى مكان العملية وإخلائه منها بعد التنفيذ.     الحريري على لائحة الاغتيال في موقع اللوبي اللبناني في واشنطن وفي سياق متصل، عرض كتاب الخبير الألماني في علم الجريمة "يورغن كاين كولبل" لمجموعة من المعلومات والشهادات التي تصب في خانة إثبات تورط واشنطن و"تل أبيب" بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، فأشار إلى أن اسم الحريري كان حتى مقتله وارداً على لائحة الأشخاص الذين يجب القضاء عليهم وذلك في موقع "يونايتد ستيتس كوميتي فور أي فري ليبانون" ("لجنة الولايات المتحدة لتحرير لبنان") على شبكة الإنترنت، وهو موقع "للوبي" اللبناني في الولايات المتحدة القريب من أوساط المحافظين الجدد.  التخطيط لحرب على لبنان مع تصور مسبق لغياب الحريري هذه المعلومات تتقاطع مع ما توصّل إليه الكاتب والمحلل الفرنسي المعروف "تيري ميسون" في كتابه "الكذبة الكبرى 2"، والذي خلص إلى فيها أن إسرائيل وأميركا هما اللتان استفادتا من جريمة اغتيال الحريري، كاشفاً أن مجموعة مقربة من وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي .أي .ايه" تسمى "لجنة أمريكية من أجل لبنان حر" كانت على علم مسبق بالجريمة. وأبعد من ذلك، فقد كشف ميسون بالاستناد إلى وثائق "البنتاغون" الأميركي بأن الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز/يوليو 2006 كان قد خطط لها منذ تاريخ طويل مع تصوّر مسبق لرحيل القوات السورية نهائياً عن لبنان حتى يبقى هذا البلد بدون دفاع وأيضاً غياب رفيق الحريري من أجل إبعاد النفوذ الفرنسي. شبكة الاتصالات اللبنانية تبين بحسب الخبراء والمختصين بأن "إسرائيل" استطاعت السيطرة بشكل تام على قطاع الاتصالات اللبناني والتحكّم به فضلاً عن قيامها بزرع خطوط سرية كان يشتريها لها عملاؤها داخل خطوط أشخاص آخرين، وزرع عملاء كبار داخل شركات الهاتف الخلوي والولوج إلى شبكة الانترنت( الباروك). وفي الخلاصة، فان كل هذه الاختراقات المتحققة في الجسم اللبناني تعطي إسرائيل قدرة على النفاذ إلى الساحة اللبنانية وتزودها قدرات لوجستية وتنفيذية تستطيع من خلالها إدارة شبكات تجسس واستطلاع ورصد، كما تمنحها قدرة ميدانية على تنفيذ الاغتيالات، لا سيما وأنه بإمكانها رصد مكان تواجد أي شخص بدقة عبر هاتفه الخلوي، ما يجعل استهدافه أمرا بغاية السهولة. الشهود : * شاهد فرنسي يتهم الموساد باغتيال الحريري وفي السياق ذاته، كان تقرير استخباراتي صادر بتاريخ 24 تشرين الأول/اكتوبر 2006 ، أعده الصحفي الأميركي المشهور واين ماديسون والذي يتمتع بمصداقية كبيرة، قد كشف فيه أيضاً بأن ضابط مخابرات فرنسي، يعمل في المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي أدلى بإفادة هامة حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، قال فيها: "إن رفيق الحريري تم اغتياله في حادث انفجار سيارة مفخخة، جرى ترتيبه بواسطة جهاز الموساد الإسرائيلي". وكشف التقرير بأن أبرز أهداف عملية اغتيال الحريري كان يتمثل في: - إشعال الغضب الشعبي ضد سوريا في لبنان. - إخراج القوات السورية من لبنان. - إلقاء اللوم والمسؤولية في عملية الاغتيال على سوريا، وذلك من أجل إدانتها دولياً وفرض العقوبات الدولية ضدها. - إضعاف قوة لبنان العسكرية وتركه مكشوفاً أمام الاعتداءات الإسرائيلية، بعد خروج القوات السورية، وتجريد المقاومة من سلاحها. وبحسب مادسون، فإن اغتيال الحريري كان يراد به أن يكون صاعق التفجير الذي يوفر المناخ الملائم لتأزيم الوضع في لبنان والانقضاض على سورية وتالياً التخلص من منظمات المقاومة وفي مقدمتها حزب الله. الخلاصة : وبالاستناد إلى جميع ما تقدم وبعدما تبين بأن المستفيد الأكبر من جريمة اغتيال الرئيس الحريري هو أميركا وإسرائيل، وبنتيجة تحليل طريقة تنفيذ الاغتيال، وفي ضوء جميع الأدلة والقرائن المتقدمة والتي تؤكد تورط إسرائيل بجريمة الاغتيال، فان قرارنا الاتهامي الافتراضي هذا يتهم العدو الصهيوني باغتيال الرئيس رفيق الحريري بصاروخ انطلق من الجو في لحظة دولية حرجة تمثلت بالتقارب الحاصل بين الرئيس الأميركي جورج بوش ونظيره الفرنسي جاك شيراك حول لبنان، وذلك من أجل استثمار هذا الاغتيال لزعزعة الوضع في لبنان والنفاذ امنياً اليه للقضاء على سوريا والمقاومة. وفي خلاصة الأمر، فان أي قرار اتهامي آخر لا يفنّد ما تقدمنا به، يكون قراراً مجافياً للحقيقة وبعيد عن العدالة والإنصاف بعد السماء عن الأرض.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة