قبل  أن تبدأ الحرب في سوريا قبل نحو خمسة أعوام، شكل التلفزيون حالة فريدة في سوريا، خصوصاً في ظلّ نهضة الصناعة الدراميّة خلال العقدين الماضيين. نجحت المسلسلات بخلق تقليد رمضانيّ، وجعلت الشاشة الصغيرة جزءاً من طقوس الشهر الفضيل، والتي تبدأ بالمسلسلات الصباحية، ولا تنتهي بمسلسلات ما بعد منتصف الليل. ملأت المسلسلات حياة الناس، وشغلتهم خلال شهر الصيام، لتأتي الحرب وتغيّر المعادلة والاهتمامات، تتقدّم الأخبار إلى صدارة المشهد.

في الموسم الرمضاني الحالي، تغيرت الكثير من اهتمامات السوريين التي رافقت الحرب، فالعيون لم تعد معلقة بنشرات الأخبار، سواء لعدم ثقة المشاهد بما يتابعه عبر الفضائيات الإخبارية، أو بسبب «تبلّد المشاعر»، إن جاز التعبير، بعدما صار العنف والحزن جزءين يوميّاً من حياة الشارع السوري. كذلك ساهم الانتشار الكبير للأجهزة الذكية وتوافر الانترنت وبزوغ نجم مواقع التواصل الاجتماعي، لتحتل الصدارة كمنبع للأخبار. عوامل عديدة أبعدت المشاهد السوري عن التلفزيون بشكل جزئي، أو كلي، وشغلته بأخبار الاقتتال هنا، والإعدامات هناك، قبل أن يأتي رمضان ومسلسلاته.

«لم أكن أهتم كثيراً بالتلفزيون قبل رمضان الحالي، الكهرباء لم تكن مستقرة، ومعظم القنوات مهتمة بالأخبار، كنت أتابع بعض البرامج المسلية، لم يكن يشكل التلفزيون أية أولوية في حياتي»، تقول السيدة مرام، وهي ربة منزل أربعينية، اعتادت منذ زواجها قبل أكثر من 20 عاماً على متابعة المسلسلات، متنفسها الوحيد. تتابع: «مع مرور الوقت بدأت أكره التلفزيون، كنت أرى بحراً من الدماء يتدفق منه في كلّ مرة أقلّب بين القنوات، بعض برامج التسلية كانت تساعدني على تمضية الوقت، إلا أن وضع الكهرباء حرمني حتى من متابعتها، شيئاً فشيئاً ابتعدت عن التلفزيون ولم يعد جزءاً من حياتي». كالكثير من النساء، لا تعمل مرام خارج المنزل، ومثلها عدد كبير من جاراتها وقريباتها. «مع حلول شهر رمضان جذبني أكثر من مسلسل، وكذلك أولاد، ونناقش التفاصيل مع الجيران... هي حالة كنّا نعيشها قبل أن تبدأ الحرب».

حال مرام كحال سوريين كثر تصالحوا مع التلفزيون مع بداية موسم رمضان الحالي. لكنّ تقنين الكهرباء يفرض عليهم برمجة خاصّة، ويمنعهم من متابعة بعض المسلسلات. وفي هذا السياق، تقول أم ماهر وهي مدرّسة، إنّ أكثر الأعمال التلفزيونية متابعة في سوريا، وفق رأيها، هي تلك الأعمال التي تعرض في الأوقات القريبة من موعد الإفطار، بسبب توافر التيار الكهربائي، واجتماع العائلة كلها في المنزل.

لا يمكن تحديد الأعمال الأكثر متابعة في سوريا خلال الموسم الرمضاني الحالي لأسباب عدّة، أبرزها غياب الإحصائيّات العلميّة، وتفاوت واختلاف مواعيد تقنين التيار الكهربائي بين المدن والمناطق، إضافة إلى خضوع بعض المناطق لسيطرة تنظيمات يجرّم بعضها مشاهدة التلفزيون.

بدورها، جدّدت المقاهي في الموسم الرمضاني نشاطها، فأعدّت شاشات عرض كبيرة لعرض المسلسلات المسائية، وعوّلت بدرجة كبيرة على تأثير انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل على عملها. تضج المقاهي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السوريّة، في العاصمة واللاذقية وحلب وحمص بالرواد الذين يتحلقون حول الشاشات العملاقة لمتابعة المسلسلات مساء كلّ يوم.

وإضافة إلى المقاهي، تشكل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المختصة بتحميل مقاطع الفيديو بديلاً لتعويض الحلقات التي فوّتها المشاهدون بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وذلك عامل إيجابيّ يضاف إلى رصيد الدراما السورية هذا العام، إذ أنّها نجحت بالرغم من كلّ الظروف، بإنتاج 25 عملاً تعرض على مختلف المحطات الفضائية. الأهمّ أنّها نجحت بأخذ حيّز خاص في حياة مواطنين أتعبتهم الحرب، وسئموا نشرات الأخبار، ونجومها.

  • فريق ماسة
  • 2015-06-26
  • 12039
  • من الأرشيف

دراما رمضان تصالح السوريين مع التلفزيون: ولّى زمن الأخبار

قبل  أن تبدأ الحرب في سوريا قبل نحو خمسة أعوام، شكل التلفزيون حالة فريدة في سوريا، خصوصاً في ظلّ نهضة الصناعة الدراميّة خلال العقدين الماضيين. نجحت المسلسلات بخلق تقليد رمضانيّ، وجعلت الشاشة الصغيرة جزءاً من طقوس الشهر الفضيل، والتي تبدأ بالمسلسلات الصباحية، ولا تنتهي بمسلسلات ما بعد منتصف الليل. ملأت المسلسلات حياة الناس، وشغلتهم خلال شهر الصيام، لتأتي الحرب وتغيّر المعادلة والاهتمامات، تتقدّم الأخبار إلى صدارة المشهد. في الموسم الرمضاني الحالي، تغيرت الكثير من اهتمامات السوريين التي رافقت الحرب، فالعيون لم تعد معلقة بنشرات الأخبار، سواء لعدم ثقة المشاهد بما يتابعه عبر الفضائيات الإخبارية، أو بسبب «تبلّد المشاعر»، إن جاز التعبير، بعدما صار العنف والحزن جزءين يوميّاً من حياة الشارع السوري. كذلك ساهم الانتشار الكبير للأجهزة الذكية وتوافر الانترنت وبزوغ نجم مواقع التواصل الاجتماعي، لتحتل الصدارة كمنبع للأخبار. عوامل عديدة أبعدت المشاهد السوري عن التلفزيون بشكل جزئي، أو كلي، وشغلته بأخبار الاقتتال هنا، والإعدامات هناك، قبل أن يأتي رمضان ومسلسلاته. «لم أكن أهتم كثيراً بالتلفزيون قبل رمضان الحالي، الكهرباء لم تكن مستقرة، ومعظم القنوات مهتمة بالأخبار، كنت أتابع بعض البرامج المسلية، لم يكن يشكل التلفزيون أية أولوية في حياتي»، تقول السيدة مرام، وهي ربة منزل أربعينية، اعتادت منذ زواجها قبل أكثر من 20 عاماً على متابعة المسلسلات، متنفسها الوحيد. تتابع: «مع مرور الوقت بدأت أكره التلفزيون، كنت أرى بحراً من الدماء يتدفق منه في كلّ مرة أقلّب بين القنوات، بعض برامج التسلية كانت تساعدني على تمضية الوقت، إلا أن وضع الكهرباء حرمني حتى من متابعتها، شيئاً فشيئاً ابتعدت عن التلفزيون ولم يعد جزءاً من حياتي». كالكثير من النساء، لا تعمل مرام خارج المنزل، ومثلها عدد كبير من جاراتها وقريباتها. «مع حلول شهر رمضان جذبني أكثر من مسلسل، وكذلك أولاد، ونناقش التفاصيل مع الجيران... هي حالة كنّا نعيشها قبل أن تبدأ الحرب». حال مرام كحال سوريين كثر تصالحوا مع التلفزيون مع بداية موسم رمضان الحالي. لكنّ تقنين الكهرباء يفرض عليهم برمجة خاصّة، ويمنعهم من متابعة بعض المسلسلات. وفي هذا السياق، تقول أم ماهر وهي مدرّسة، إنّ أكثر الأعمال التلفزيونية متابعة في سوريا، وفق رأيها، هي تلك الأعمال التي تعرض في الأوقات القريبة من موعد الإفطار، بسبب توافر التيار الكهربائي، واجتماع العائلة كلها في المنزل. لا يمكن تحديد الأعمال الأكثر متابعة في سوريا خلال الموسم الرمضاني الحالي لأسباب عدّة، أبرزها غياب الإحصائيّات العلميّة، وتفاوت واختلاف مواعيد تقنين التيار الكهربائي بين المدن والمناطق، إضافة إلى خضوع بعض المناطق لسيطرة تنظيمات يجرّم بعضها مشاهدة التلفزيون. بدورها، جدّدت المقاهي في الموسم الرمضاني نشاطها، فأعدّت شاشات عرض كبيرة لعرض المسلسلات المسائية، وعوّلت بدرجة كبيرة على تأثير انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل على عملها. تضج المقاهي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السوريّة، في العاصمة واللاذقية وحلب وحمص بالرواد الذين يتحلقون حول الشاشات العملاقة لمتابعة المسلسلات مساء كلّ يوم. وإضافة إلى المقاهي، تشكل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المختصة بتحميل مقاطع الفيديو بديلاً لتعويض الحلقات التي فوّتها المشاهدون بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وذلك عامل إيجابيّ يضاف إلى رصيد الدراما السورية هذا العام، إذ أنّها نجحت بالرغم من كلّ الظروف، بإنتاج 25 عملاً تعرض على مختلف المحطات الفضائية. الأهمّ أنّها نجحت بأخذ حيّز خاص في حياة مواطنين أتعبتهم الحرب، وسئموا نشرات الأخبار، ونجومها.

المصدر : السفير/ نينار الخطيب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة