ليست وثائق «ويكيليكس» التي بات يتهيّب منها قادة ومسؤولون وسياسيون ودول حول العالم سوى وثائق استخبارية أولاً وأخيراً، فكلّ المعلومات التي حصل عليها جوليان أسانج وفريقه هي معلومات خاصة تحتاج إلى تواصل واضح مع أجهزة أمنية واستخبارية، 

 أو أقله النجاح في اقتناص الثغرات التي تتوفر في أيّ جهاز منها بطريقة هادفة ودقيقة لخدمة الغرض المنشود، وبالتالي فإنّ قدرة فريق أسانج ليست فردية ومحدودة، نظراً إلى الكمّ الهائل من الوثائق التي يحصل عليها ويحتفظ بها، وإذا كان الأمر يتعلق بخرق كما يُشاع فإنّ اختيار التوقيت لا يبرّره توفيق او تسريب، لأنه سياسي بامتياز، ولا يبرّر ضمن إطار فريق من النشطاء المحايدين أو الصحافيين الذين يعملون على نشر الحقائق مهما كان الثمن.

متابعة تسريبات وثائق «ويكيليكس» وربطها بالحدث السياسي في كلّ دولة كانت تبث بعض الوثائق فيها تحكي بوضوح ساعة تحريك الملفات وخفوتها، فهذه الوثائق توقفت منذ أكثر من سنتين عن بث معلومات حساسة تتعلق بالمنطقة والعالم بعدما كانت قد أسهبت في بث وثائق تفضح عددا من الملفات الدولية الحساسة و التي طالت اشخاصا و أسماء مؤثرة في الحياة السياسية من هذا العالم… هذه الوثائق التي بدأت بقوة عام 2010 سرّبت أكثر من 400 ألف وثيقة تحكي الحرب في العراق، وهي عبارة عن سجلات نسّقت مع مؤسسات إعلامية تجارية كبرى وفي شهر تشرين الثاني عام 2010 بدأت «ويكيليكس» بالإفراج عن البرقيات الديبلوماسية للخارجية الأميركية.

المعلومات السرية اعتبرت ضارّة بالأمن القومي لبعض الدول، وفضحت الديبلوماسية الدولية، وهذه المعلومات لا تزال مستمرّة حتى باتت ذات سلطة ترهيب على الدول والمسؤولين، لأنها تقارير تنشر بشكل دقيق وواضح وخاص موقعة وممهورة من المعنيين وجلهم من الفريق الديبلوماسي الذي يعمل بمهنية وحرفية حول العالم، وهو الفريق الذي يعتبر أكثر الفرق الحذرة والمتيقنة من أيّ تسريب أو ثغرة يمكن لها ان تفسد مفاوضات ومحادثات ومساعي لحلحة ملفات كان العمل فيها مضنيا لوقت طويل وأساسي في حينه.

 

كلّ ما تنشره «ويكيليكس» يجلب مزيداً من الدعم المادي الى لرصيدها من المتبرّعين حول العالم، وقد كانت أقوى التبرّعات تلك التي تلت نشر «ويكيليكس» للبرقيات الديبلوماسية الأميركية.

اما الحديث عن توقيت نشر كلّ دفعة من الوثائق، فهو يقلب كلّ المشهد، حيث يتضح اليوم أثر عودة «ويكيليكس» إلى بث وثائق ديبلوماسية حول العالم بعد سنوات من التوقف، أنّ القرار سياسي بامتياز، وانه في كلّ مرة ينشر فيها وثيقة كان من المفترض ان تؤدّي دورها ضمن مخطط واضح وصريح.

جاءت وثائق «ويكيليكس» التي نشرت في العالم العربي أو التي تتعلق بملفاته الديبلوماسية السرية للغاية، خصوصاً تلك التي كانت تعتبر مسرّبة عن الخارجية الأميركية اقوى جهة ديبلوماسية في العالم، وأكثرها تنظيماً عام 2010، أيّ قبل عام واحد من «ثورات الربيع العربي» التي غيّرت شكله بالكامل، حتى توالت في أيلول عام 2011 وثائق تخصّ العراق ومصر وسورية ولبنان وغيرها من الدول العربية، وقد كشفت الوثائق حينها علاقة الولايات المتحدة بالكثير من أنظمتها وسياسييها تواصلاً وأمرة وتدخلاً، أو ودّاً في بعض المرات، حتى اندلعت شرارات «الربيع العربي» فتدحرجت كرة النار. واليوم يستحضر المشهد مجدداً بعد نشر وثائق سرية للغاية سرّبت عن الخارجية السعودية أكثر مؤسسات الديبلوماسية العربية خصوصية نظراً إلى وضع المملكة اليوم، وهي التي تخوض حرباً على اليمن من دون النجاح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو التفاوض مع الحوثيين حتى الساعة، وهي أيضاً التي تعاني اليوم من قلق تأثير الاتفاق النووي الإيراني المقبل عليها، وإذ بفضائح تهز الديوان الملكي والخارجية السعودية تحديداً فتتأهب وتوزع بيانات تخاطب فيها المواطن السعودي وتدعوه الى عدم الدخول الى مواقع الكترونية لقراءة ايّ وثيقة مسرّبة لا تتمتع بالصحة، متناسية من جهة انّ الوثائق ممهورة بالختم الملكي ومتيقنة من جهة أخرى انّ شيئاً ما مقبل على البلاد.

ليس سراً ان دولاً بارزة في المنطقة كشف عنها الغطاء الديبلوماسي عبر الوثائق، فتعززت روح الاندفاعة عند المواطنين للسخط والتظاهر من إجل اسقاط بعض الأنظمة، نطراً إلى سلطة «ويكيليكس» التي أسّست بهذا المفهوم على المواطن فنجحت، وإذ بها تتوقف لتعود وتستهدف السعودية بشكل قوي ولافت، بحيث أدركت السعودية انّ استهدافها بشتى الطرق هو حقيقة، وبمعنى أدق هو «قرار سلك طريقه».

ومن خلال سير الأحداث يبدو انّ «ربيع السعودية» مقبل، وهو الربيع ذاته الذي غيّر وجه بلدان الجوار، والذي كانت المملكة في صلب أحداثه، وإذا كان هذا مرجّحاً فإنّ فريقاً أساسياً في لبنان على موعد مع ربيع من نوع آخر، وهو فريق الرابع عشر من آذار الذي تبيّن أنه مرتهن بشكل فاضح للمال السعودي بالوثائق الأخيرة بأسماء شخصياته الأبرز والمفترض أنها الأقوى والأقدر… كرئيس «القوات اللبنانية» وأصحاب مؤسسات إعلامية ووزراء ونواب بدا عليهم العجز والإرهاق و التدهور المادي الذي يلحق تدريجياً التدهور المعنوي كحدّ أقصى بمواقعهم السياسية.

 السعودية تنتظر ربيعها و14 آذار كذلك…

 

  • فريق ماسة
  • 2015-06-22
  • 10564
  • من الأرشيف

«ربيع 14 آذار ربيع ويكيليكس سعودي»

ليست وثائق «ويكيليكس» التي بات يتهيّب منها قادة ومسؤولون وسياسيون ودول حول العالم سوى وثائق استخبارية أولاً وأخيراً، فكلّ المعلومات التي حصل عليها جوليان أسانج وفريقه هي معلومات خاصة تحتاج إلى تواصل واضح مع أجهزة أمنية واستخبارية،   أو أقله النجاح في اقتناص الثغرات التي تتوفر في أيّ جهاز منها بطريقة هادفة ودقيقة لخدمة الغرض المنشود، وبالتالي فإنّ قدرة فريق أسانج ليست فردية ومحدودة، نظراً إلى الكمّ الهائل من الوثائق التي يحصل عليها ويحتفظ بها، وإذا كان الأمر يتعلق بخرق كما يُشاع فإنّ اختيار التوقيت لا يبرّره توفيق او تسريب، لأنه سياسي بامتياز، ولا يبرّر ضمن إطار فريق من النشطاء المحايدين أو الصحافيين الذين يعملون على نشر الحقائق مهما كان الثمن. متابعة تسريبات وثائق «ويكيليكس» وربطها بالحدث السياسي في كلّ دولة كانت تبث بعض الوثائق فيها تحكي بوضوح ساعة تحريك الملفات وخفوتها، فهذه الوثائق توقفت منذ أكثر من سنتين عن بث معلومات حساسة تتعلق بالمنطقة والعالم بعدما كانت قد أسهبت في بث وثائق تفضح عددا من الملفات الدولية الحساسة و التي طالت اشخاصا و أسماء مؤثرة في الحياة السياسية من هذا العالم… هذه الوثائق التي بدأت بقوة عام 2010 سرّبت أكثر من 400 ألف وثيقة تحكي الحرب في العراق، وهي عبارة عن سجلات نسّقت مع مؤسسات إعلامية تجارية كبرى وفي شهر تشرين الثاني عام 2010 بدأت «ويكيليكس» بالإفراج عن البرقيات الديبلوماسية للخارجية الأميركية. المعلومات السرية اعتبرت ضارّة بالأمن القومي لبعض الدول، وفضحت الديبلوماسية الدولية، وهذه المعلومات لا تزال مستمرّة حتى باتت ذات سلطة ترهيب على الدول والمسؤولين، لأنها تقارير تنشر بشكل دقيق وواضح وخاص موقعة وممهورة من المعنيين وجلهم من الفريق الديبلوماسي الذي يعمل بمهنية وحرفية حول العالم، وهو الفريق الذي يعتبر أكثر الفرق الحذرة والمتيقنة من أيّ تسريب أو ثغرة يمكن لها ان تفسد مفاوضات ومحادثات ومساعي لحلحة ملفات كان العمل فيها مضنيا لوقت طويل وأساسي في حينه.   كلّ ما تنشره «ويكيليكس» يجلب مزيداً من الدعم المادي الى لرصيدها من المتبرّعين حول العالم، وقد كانت أقوى التبرّعات تلك التي تلت نشر «ويكيليكس» للبرقيات الديبلوماسية الأميركية. اما الحديث عن توقيت نشر كلّ دفعة من الوثائق، فهو يقلب كلّ المشهد، حيث يتضح اليوم أثر عودة «ويكيليكس» إلى بث وثائق ديبلوماسية حول العالم بعد سنوات من التوقف، أنّ القرار سياسي بامتياز، وانه في كلّ مرة ينشر فيها وثيقة كان من المفترض ان تؤدّي دورها ضمن مخطط واضح وصريح. جاءت وثائق «ويكيليكس» التي نشرت في العالم العربي أو التي تتعلق بملفاته الديبلوماسية السرية للغاية، خصوصاً تلك التي كانت تعتبر مسرّبة عن الخارجية الأميركية اقوى جهة ديبلوماسية في العالم، وأكثرها تنظيماً عام 2010، أيّ قبل عام واحد من «ثورات الربيع العربي» التي غيّرت شكله بالكامل، حتى توالت في أيلول عام 2011 وثائق تخصّ العراق ومصر وسورية ولبنان وغيرها من الدول العربية، وقد كشفت الوثائق حينها علاقة الولايات المتحدة بالكثير من أنظمتها وسياسييها تواصلاً وأمرة وتدخلاً، أو ودّاً في بعض المرات، حتى اندلعت شرارات «الربيع العربي» فتدحرجت كرة النار. واليوم يستحضر المشهد مجدداً بعد نشر وثائق سرية للغاية سرّبت عن الخارجية السعودية أكثر مؤسسات الديبلوماسية العربية خصوصية نظراً إلى وضع المملكة اليوم، وهي التي تخوض حرباً على اليمن من دون النجاح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو التفاوض مع الحوثيين حتى الساعة، وهي أيضاً التي تعاني اليوم من قلق تأثير الاتفاق النووي الإيراني المقبل عليها، وإذ بفضائح تهز الديوان الملكي والخارجية السعودية تحديداً فتتأهب وتوزع بيانات تخاطب فيها المواطن السعودي وتدعوه الى عدم الدخول الى مواقع الكترونية لقراءة ايّ وثيقة مسرّبة لا تتمتع بالصحة، متناسية من جهة انّ الوثائق ممهورة بالختم الملكي ومتيقنة من جهة أخرى انّ شيئاً ما مقبل على البلاد. ليس سراً ان دولاً بارزة في المنطقة كشف عنها الغطاء الديبلوماسي عبر الوثائق، فتعززت روح الاندفاعة عند المواطنين للسخط والتظاهر من إجل اسقاط بعض الأنظمة، نطراً إلى سلطة «ويكيليكس» التي أسّست بهذا المفهوم على المواطن فنجحت، وإذ بها تتوقف لتعود وتستهدف السعودية بشكل قوي ولافت، بحيث أدركت السعودية انّ استهدافها بشتى الطرق هو حقيقة، وبمعنى أدق هو «قرار سلك طريقه». ومن خلال سير الأحداث يبدو انّ «ربيع السعودية» مقبل، وهو الربيع ذاته الذي غيّر وجه بلدان الجوار، والذي كانت المملكة في صلب أحداثه، وإذا كان هذا مرجّحاً فإنّ فريقاً أساسياً في لبنان على موعد مع ربيع من نوع آخر، وهو فريق الرابع عشر من آذار الذي تبيّن أنه مرتهن بشكل فاضح للمال السعودي بالوثائق الأخيرة بأسماء شخصياته الأبرز والمفترض أنها الأقوى والأقدر… كرئيس «القوات اللبنانية» وأصحاب مؤسسات إعلامية ووزراء ونواب بدا عليهم العجز والإرهاق و التدهور المادي الذي يلحق تدريجياً التدهور المعنوي كحدّ أقصى بمواقعهم السياسية.  السعودية تنتظر ربيعها و14 آذار كذلك…  

المصدر : روزانا رمّال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة