دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والثمانين بعد الثلاثمئة على التوالي.
واذا كان العنوان الفعلي لتعطيل الحكومة، هو موقع قيادة الجيش، ربطا بالاستحقاق الرئاسي المؤجل، فان رئيس الوزراء تمام سلام اختار التوقيت الحكومي المعلق، ليعلن من وزارة الدفاع في اليرزة تضامنه مع المؤسسة العسكرية في مواجهة الخطرين الإسرائيلي والإرهابي، مشيدا في الوقت نفسه، بقيادتها الحكيمة وقدرتها على حفظ هذه المؤسسة وصولا الى إبعادها عن التجاذبات السياسية القائمة.
وهكذا، فان «الخميس العسكري»، أعطى أوضح إشارة إلى وجود إرادة محلية وخارجية بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي لسنتين إضافيتين على رأس قيادة الجيش في ظل تعذر التعيين من جهة، وعدم استعداد أية جهة إقليمية أو دولية للتفريط بالاستقرار اللبناني من جهة ثانية.
وفيما شهدت جبهة جرود عرسال تبريدا في الساعات الأخيرة، ترافق مع استمرار الاستعدادات الميدانية، فقد كان لافتا للانتباه، حرص غرفة عمليات قيادة الجيش على اطلاع رئيس الحكومة، أمس، على بعض القدرات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قيام طائرة استطلاع عسكرية لبنانية بالتحليق فوق مراكز «داعش» و«النصرة» في جرود عرسال، حيث كانت تنقل صورا دقيقة للمسلحين وآلياتهم، وتحدد إحداثيات كل هدف بدقة استثنائية، وهو الأمر الذي أثار إعجاب سلام، الذي أعلن دعم الحكومة الواضح والصريح للجيش.
وإذا كان مألوفا في لبنان أن تمر معظم التعيينات الرسمية على مستوى مواقع الدولة في مخاض عسير وطويل قبل إقرارها، إلا أن المؤسسة العسكرية تصبح شديدة الحساسية عندما يلامسها هذا «التقليد» اللبناني الذي لا يتناسب مع حيوية دورها ودقة توازناتها.
وعلمت «السفير» أن العماد جان قهوجي الذي زار بكركي قبل أيام، ركز في لقائه مع البطريرك الماروني بشارة الراعي على ضرورة حماية الجيش من تداعيات الاشتباك السياسي الحاصل حول ملف التعيينات الأمنية، وأبلغه بان ما يحصل من استسهال في تناول المؤسسة العسكرية وأسماء القادة والضباط، كيفما اتفق، في الوسطين السياسي والإعلامي إنما ينطوي على خطورة كبرى، لأنه ينعكس على معنويات الجيش، ويجب وضع حد فوري لهذه الظاهرة.
ويبدو أن كيل قهوجي طفح إزاء ارتفاع منسوب «القيل والقال» الذي يتردد صداه في داخل اليرزة، وسط قلق البعض من أن يؤدي هذا المناخ إلى تشتت تركيز الجيش المنشغل بالقتال على جبهة الإرهاب.
ونقل زوار قهوجي عنه قوله إن على السياسيين تحييد الجيش عن التجاذبات اليومية، لان الزج به في الصراعات الداخلية يؤثر سلبا على معنوياته، منبها إلى أن جعل مصير قيادة الجيش مادة للسجال السياسي العلني يسيء إلى المؤسسة العسكرية وصورتها.
وشدد قهوجي على انه لا يجوز إشغال الجيش بهذا النوع من الأخذ والرد، في وقت يتصدى لأصعب التحديات، وينتشر من الحدود الجنوبية حيث يواجه الخطر الإسرائيلي، إلى الحدود الشرقية حيث يخوض معركة مصيرية في مواجهة الجماعات الإرهابية.
وتبعا للزوار، توجه قهوجي إلى السياسيين قائلا: اتركوا الجيش يعمل من دون التشويش عليه أو الإساءة إليه، ونحن لا نريد منكم في هذه المرحلة سوى أن تدعونا نقوم بواجباتنا ونتحمل مسؤولياتنا في حماية اللبنانيين، ولا شأن لنا في أي أمر آخر.
أمن عرسال
وبالنسبة الى ملف عرسال، أكد قهوجي، وفق زواره، ان الجيش يسيطر على كل الممرات الجغرافية التي تربط البلدة بجرودها، جازما بان هناك استحالة امام أي تمدد للارهابيين الموجودين في الجرود الى داخل عرسال.
وكشف قهوجي ان قوة مؤلفة من قرابة 750 عسكريا دخلت الى عرسال قبل أيام، وجالت في جميع ارجائها، أما البقاء الدائم في داخلها فيعود الى تقديرات الجيش والتوقيت الذي يختاره، بناء على المعطيات المتوافرة بحوزته.
وأوضح ان الجيش تمكن من بناء خط دفاعي صلب على امتداد العديد من المرتفعات والجرود في البقاع الشمالي، بالاستناد الى جهوزية مرتفعة، مؤكدا ان تحركات الارهابيين تحت مراقبة الوحدات العسكرية التي تسارع الى قصف كل تجمع لهم، وتحقق إصابات موجعة في صفوفهم.
واعتبر ان العامل الحاسم في المعركة ضد المسلحين يكمن في سد الشرايين الجغرافية التي يتدفقون عبرها الى الجرود اللبنانية، ما يؤدي الى محاصرتهم وتضييق مروحة خياراتهم في البقع التي ينتشرون فيها.
وأكد قهوجي أن الروح المعنوية هي الأساس في الجيش، مشددا على أن هذا السلاح أهم من الدبابات والطائرات والصواريخ والمدفعية، مضيفا: نحن نقاتل بالسلاح المعنوي بالدرجة الأولى، وهذا ما يعوض النقص في العتاد العسكري النوعي، ولذلك يجب المحافظة على نقطة القوة هذه، وليس التفريط بها.
وحذر قهوجي من مخاطر الزج بأسماء الضباط في المعمعة الإعلامية والسياسية، معتبرا أن هذا الأمر لا يتناسب مع طبيعة الجيش الذي يُفترض أن تتم مراعاة خصوصيته وعدم انتهاكها بهذا الشكل الصارخ. وتابع: نحن لا نريد من أحد التبجيل بانجازات الجيش ولكن في الوقت ذاته لا نقبل بان تصبح المؤسسة العسكرية مادة للاستهلاك اليومي، وأضاف: «كل ما يهمني هو تحصين المؤسسة العسكرية والسعي إلى تحييدها عن نزاعات الـسياسيين المطالبين في هذه اللحظة بعزل الجيش عن صراعاتهم».
ورأى قهوجي، حسب زواره، أن المؤسسات العسكرية والأمنية تكاد تكون المؤسسات الوحيدة تقريبا التي لا تزال متماسكة، وهي بإجماع الكل تشكل الضمانة الوحيدة تقريبا للأمن والاستقرار في زمن اجتياح الفوضى والإرهاب للمنطقة، «وأنا أسمع من شخصيات أجنبية ألتقيها في لبنان وخارجه إشادة بدور الجيش الحيوي في هذه المرحلة، فلماذا نستسهل نحن في الداخل المغامرة بهذا الانجاز والعبث به».
وأشار قهوجي إلى انه درجت العادة أن يجري حسم مسألة اختيار قائد الجيش بهدوء وصمت بعد مشاورات بين الأطراف المعنية، من دون صخب وبلبلة كما يحصل في الوقت الحاضر.
وتابع: «ما يحدث منذ فترة من تناول للمؤسسة العسكرية هو خارج المألوف وبات لا يُطاق، وأنا أقول للسياسيين بصوت مرتفع أن اختاروا من تشاؤون لقيادة الجيش، ولكن أوقفوا فورا هذه المهزلة المتمادية.. لم يحصل في تاريخ الجيش أن فتح موضوع تعيين قائد للجيش قبل انتهاء ولايته، وانا قلت وأكرر أنني لست متمسكا بالموقع. الأولوية اليوم وغدا وبعده لثبات المؤسسة العسكرية، وهذا الأمر أهم من هذا الاسم أو ذاك، بدءا مني أنا».
وشدد قهوجي على أن الوضع الأمني في لبنان جيد، والأكيد انه أفضل بكثير من الأوضاع السائدة في العديد من الدول العربية، وبالتالي علينا أن نعرف قيمة هذه النعمة وان نبذل كل الجهد الممكن للمحافظة عليها.
المصدر :
الأخبار / عماد مرمل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة