خمس سنوات من الخطابات والمؤتمرات الداعية إلى رحيل الرئيس الأسد، سُخرت لأجلها كبريات ماكينات الإعلام الدولي من صحف وفضائيات ومراكز بحث… وكان آخرها خطاب أوباما في نهاية اجتماع كامب ديفيد مع حكام الخليج، حتى يخيّل للمرء أنّ الأسد هو المشكلة كلها وأنّ رحيله سيحلّ تلك المشكلة، نعم إنها الحقيقة فالأسد هو المشكلة كلها! ولكن بالتأكيد ليست الأزمة السورية كما يصوّرون ويكذبون، ولكنها مشكلة «الشرق الأوسط» في الرؤية الأميركية الجديدة، فتتبع بسيط لتكتيكات السياسة الأميركية في «الشرق الأوسط» يظهر جلياً أنّ الولايات المتحدة الأميركية تضبط إيقاع السياسات الإقليمية وفق رؤية استراتيجية كبرى لهدف كبير لم يعلن عنه صراحة، فالولايات المتحدة قرّرت تغيير محور استراتيجيتها في السياسة الخارجية، وكان الهدف الصين وشرق آسيا لمنع تمدّد القوتين الروسية والصينية في محاولة تغيير شكل النظام الدولي الحالي، ولكن هذا الانسحاب الأميركي لم يكن بالسرعة المطلوبة أميركياً، فالولايات المتحدة لا تريد انسحاباً من «الشرق الأوسط» تكون نتيجته سيطرة المحور الروسي الصيني عليه بما يعزز قدراتهما الاقتصادية والعسكرية ويضع الولايات المتحدة بين فكي الكماشة الروسية الصينية في كلّ من شرق القارة الآسيوية وغربها، فكان القرار إنهاء الملفات «الشرق أوسطية» بهدوء، وبضمان الهيمنة الأميركية على مجمل تلك المنطقة، فكان الخيار الأميركي توقيع اتفاق الإطار بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي بما يضمن المراقبة الغربية الأممية على برنامجها النووي مستفيدة من خطأها الاستراتيجي في شبه القارة الكورية حينما وضعت كوريا الشمالية تحت الحصار السياسي والاقتصادي والذي قاد كوريا إلى إنتاج قنبلة نووية، قنبلة كهذه كفيلة بنسف كلّ الاستراتيجيات الأميركية المحتملة والمستقبلية في «الشرق الأوسط» فكان لزاماً عليها ضبط الإيقاع النووي في «الشرق الأوسط» عبر دفع العالم إلى خيار المفاوضات مع إيران، والذي تكلل بتوقيع الاتفاق النووي السلمي مع الحكومة الإيرانية.

اتفاق لم يستوعب حكام الخليج مقاصده فدفعهم جنون الصبية إلى حرب اليمن بإيماء أميركي، لأنّ الحسابات العقلانية تقول إنّ إيران لن تقف مكتوفة الأيدي عن التمادي السعودي في اليمن، وهو ما حصل، فكان الأميركي مجدّداً ضابطاً للإيقاع في منطقة الخليج عبر اجتماع كامب ديفيد والذي وضع آلية أميركية لحماية الخليج، وبذلك أنجز الأميركي الهدف فمن ناحية أولى شرعن اتفاقه النووي مع إيران من منظور حلفائه، ومن جهة ثانية «شرعن» بقاء قواته ولو في حدّها الأدنى ونفوذه في المنطقة لعقود مقبلة، وضبط الإيقاع بين الخليج وإيران على قاعدة الندية في التعامل مع الملفات الإقليمية ووضع نفسه حكماً على أيّ خلافات بينهما باعتباره ضامناً لبرنامج إيران السلمي من أيّ نوايا عدوانية خليجية «إسرائيلية» من جهة، وضامناً في الوقت نفسه لأمن دول الخليج العربي من جهة أخرى.

في المحصّلة ستنعكس نتائج القمة الأميركية الخليجية هدوءاً في اليمن… ولكن بعد كلّ ذلك نرى مشهداً في «الشرق الأوسط» المأزوم لم يتغيّر، وأنّ نبرة أوباما عادت مجدّداً إلى عزف سمفونية «رحيل الأسد»، والسبب بسيط وهو أنّ مجمل الاتفاقيات الأميركية مع إيران من جهة ومع الخليج من جهة أخرى، أنجزت نصف المهمة الأميركية المتمثلة بالانسحاب الآمن من «الشرق الأوسط»، فالنصف الأول يمكن تلخيصه أولاً بمنع تمدّد أيّ قوة دولية إلى هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، ثانياً ضبط إيقاع الصراعات في هذه المنطقة بما يمنع الانزلاق نحو حرب إقليمية كبرى في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة، وهو ما يمكن تسميته الاحتواء المزدوج لقوى الصراع، أيّ إيران من جهة والسعودية وما تمثله من جهة أخرى، الأمر الذي يضمن استقرار أسواق الطاقة، أما النصف الآخر من المهمة الأميركية الجديدة فهو ضمان «أمن إسرائيل»، وهو جوهر الحرب على الأسد وعلى سورية منذ بداية الأزمة السورية الراهنة، بل يمكن إعطاء العام 2004 بداية الحرب الأميركية على الرئيس الأسد، فالولايات المتحدة استطاعت بذكاء ضبط إيقاع العلاقة بين الخليج وإيران بما يحقق الحدّ الأدنى لكلا الطرفين من الحضور والنفوذ الإقليميين، ولكن بقيت أميركا ومعها 85 دولة عاجزة عن تحقيق النصف الثاني من المهمة الأميركية وهي ضمان أمن «إسرائيل»، ويعود سبب الفشل إلى متغيّرين أساسيين هما الحالة البنيوية لـ«إسرائيل» بمعنى فشلها في تحقيق هوية سياسية وجغرافية واضحة، والأمر الثاني هو سورية سياسياً وجيو استراتيجياً، فسياسياً شكل ثبات الأسد على موقفه من ثلاث قضايا أساسية لا يفاوض عليهما وهي الجولان كاملاً غير منقوص وفق حدود 4 حزيران 1967، وقضية منع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان، ودعم حركات المقاومة ضدّ «إسرائيل»، عاملاً مضاعفاً في مفاقمة أزمة «إسرائيل» في الوصول إلى هوية واضحة جيوسياسياً وثقافياً وسياسياً، أما جيو استراتيجياً فيربط الأمر بكامل المحور من روسيا إلى إيران، من هنا نفهم القلق الأميركي من صفقة الـ»أس 300» لإيران، فهي خطرة بقدر ما تهدّد «أمن إسرائيل» ويعني ذلك إمكانية نقلها أو بيعها إلى سورية، انطلاقاً من ذلك كان لزاماً على أميركا تغيير الموقف السوري من «إسرائيل» وهو ما عجزت عنه سياسياً، قبل العام 2010، تحت مسمّى «تغيير السلوك السياسي للنظام السوري»، فقرّرت الحرب على الأسد لتغيير قواعد السياسة السورية التي خطها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأصبحت عقيدة سورية بني عليها الجيش السوري واعتنقها الشعب السوري بغالبيته كثقافة عامة لا يتنازل عنها، فكانت الحرب الأميركية على سورية في جزء منها حرباً على شعب وفي جزءٍ منها حرباً على جيش عقائدي.

إذاً مثل الأسد حالة سياسية استعصت على الفهم الأميركي، فهم غير قادرين على فرض حرب عسكرية مباشرة ضدّ سورية لأنها حرب مكلفة عسكرية وستنعكس انهياراً سياسياً وعسكرياً في «إسرائيل»، وبالتالي النتيجة ستكون معاكسة للهدف الأميركي الأساس وهو «أمن إسرائيل»، لذلك بدأ اوباما ومن كامب ديفيد وبحضور حكام الخليج الترويج لخطته الجديدة لحلّ نصف المشكلة الأميركية عبر طرح مفهوم السلام «الإسرائيلي» – العربي، وبدأ بحشد الدعم الدولي له، ولكن الأسد يبقى سداً منيعاً في وجه المخطط الأميركي على مستويين: أولاً المستوى الفلسطيني ذاته فلا معنى للقبول الفلسطيني بحلّ الدولتين ما دام هناك قوة عربية وهي سورية ترفض التوطين جملة وتفصيلاً، والمستوى الثاني هو أنّ السلام «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني وما سبقه من سلام عربي فلسطيني لن يحقق الأمن لـ«إسرائيل» ما دامت تحتلّ أراضي عربية وترفض عودة الفلسطينيين إلى أرضهم.

في المجمل نستطيع القول إنّ سورية، وخصوصاً قائدها الأسد، ما زالت تجهض الأوهام الأميركية بضمان «أمن إسرائيل»، هذا الكيان القائم على الاستيطان والترانسفير والعدوان، وبالتالي م زال الحلم الأميركي بوراثة «إسرائيل» لدور الولايات المتحدة في المنطقة معلقاً على «رحيل الأسد» باعتباره الرئيس الوحيد الذي لا يفاوض «إسرائيل» وأميركا على مشروعهما، «فالأسد فوبيا» عبارة عن تعبير عن حالة الهستيريا الأميركية من رجل أجهض على مدى 15 عاماً حلمهم بضمان «أمن إسرائيل» وفق رؤيتهم التهويدية، وما زال يقف صامداً في وجه كلّ المخططات الصهيو- أميركية الرامية إلى تحويل «إسرائيل» إلى كيان سياسي مقبول في المنطقة…! وبنفس الوقت هم عاجزون عن إسقاطه عسكرياً لأنه أتقن لعبة الأمم وبنى خياراته استناداً إلى ثابتين في السياسة الثابت الأول أنّ الشعب لا يُهزم حين يتبنى خيار المقاومة فتبنى خيار الشعب السوري في المقاومة ورفض الاستعمار بأشكاله وتجلياته، والثابت الثاني عدم التفاوض على مصالح الحلفاء في المنطقة بما يعزز الاتجاه المقابل أيّ عدم قبول الحلفاء مبدأ التفاوض على حليفهم.

في النتيجة كان الأوروبيون أكثر شجاعة وعقلانية من اوباما فبدأوا تغيير استراتيجياتهم الإعلامية تجاه الأسد فتهافتت وسائل إعلامهم على أبواب دمشق تطلب الإذن بلقاء الرئيس الشرعي والمنتخب، وما زال اوباما تائهاً متخبّطاً بين عقلانية سياسية تفرض عليه حواراً مع الأسد، وبين خطايا حلفائه الأتراك والسعوديين الذين لم يتركوا طريقاً للعودة، فهل نشهد سيناريو ثانياً لكامب ديفيد بين اوباما وقادة أتراك تفرزهم انتخابات حزيران المقبل لتمرير حلّ سياسيّ متوازن في سورية يراعي المصالح الإقليمية والدولية، وتكون معه نهاية أردوغان السياسية، فكامب ديفيد أسقط الملك سلمان سياسياً وأبقاه ملكاً، ونسخته للحلّ السوري ستسقط أردوغان سياسياً وتبقيه رئيساً، ليبقى الأسد عنواناً للصمود يرسم صورة سورية المتجدّدة.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-17
  • 12108
  • من الأرشيف

«الأسد فوبيا»... حقائق سيكتبها التاريخ!

خمس سنوات من الخطابات والمؤتمرات الداعية إلى رحيل الرئيس الأسد، سُخرت لأجلها كبريات ماكينات الإعلام الدولي من صحف وفضائيات ومراكز بحث… وكان آخرها خطاب أوباما في نهاية اجتماع كامب ديفيد مع حكام الخليج، حتى يخيّل للمرء أنّ الأسد هو المشكلة كلها وأنّ رحيله سيحلّ تلك المشكلة، نعم إنها الحقيقة فالأسد هو المشكلة كلها! ولكن بالتأكيد ليست الأزمة السورية كما يصوّرون ويكذبون، ولكنها مشكلة «الشرق الأوسط» في الرؤية الأميركية الجديدة، فتتبع بسيط لتكتيكات السياسة الأميركية في «الشرق الأوسط» يظهر جلياً أنّ الولايات المتحدة الأميركية تضبط إيقاع السياسات الإقليمية وفق رؤية استراتيجية كبرى لهدف كبير لم يعلن عنه صراحة، فالولايات المتحدة قرّرت تغيير محور استراتيجيتها في السياسة الخارجية، وكان الهدف الصين وشرق آسيا لمنع تمدّد القوتين الروسية والصينية في محاولة تغيير شكل النظام الدولي الحالي، ولكن هذا الانسحاب الأميركي لم يكن بالسرعة المطلوبة أميركياً، فالولايات المتحدة لا تريد انسحاباً من «الشرق الأوسط» تكون نتيجته سيطرة المحور الروسي الصيني عليه بما يعزز قدراتهما الاقتصادية والعسكرية ويضع الولايات المتحدة بين فكي الكماشة الروسية الصينية في كلّ من شرق القارة الآسيوية وغربها، فكان القرار إنهاء الملفات «الشرق أوسطية» بهدوء، وبضمان الهيمنة الأميركية على مجمل تلك المنطقة، فكان الخيار الأميركي توقيع اتفاق الإطار بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي بما يضمن المراقبة الغربية الأممية على برنامجها النووي مستفيدة من خطأها الاستراتيجي في شبه القارة الكورية حينما وضعت كوريا الشمالية تحت الحصار السياسي والاقتصادي والذي قاد كوريا إلى إنتاج قنبلة نووية، قنبلة كهذه كفيلة بنسف كلّ الاستراتيجيات الأميركية المحتملة والمستقبلية في «الشرق الأوسط» فكان لزاماً عليها ضبط الإيقاع النووي في «الشرق الأوسط» عبر دفع العالم إلى خيار المفاوضات مع إيران، والذي تكلل بتوقيع الاتفاق النووي السلمي مع الحكومة الإيرانية. اتفاق لم يستوعب حكام الخليج مقاصده فدفعهم جنون الصبية إلى حرب اليمن بإيماء أميركي، لأنّ الحسابات العقلانية تقول إنّ إيران لن تقف مكتوفة الأيدي عن التمادي السعودي في اليمن، وهو ما حصل، فكان الأميركي مجدّداً ضابطاً للإيقاع في منطقة الخليج عبر اجتماع كامب ديفيد والذي وضع آلية أميركية لحماية الخليج، وبذلك أنجز الأميركي الهدف فمن ناحية أولى شرعن اتفاقه النووي مع إيران من منظور حلفائه، ومن جهة ثانية «شرعن» بقاء قواته ولو في حدّها الأدنى ونفوذه في المنطقة لعقود مقبلة، وضبط الإيقاع بين الخليج وإيران على قاعدة الندية في التعامل مع الملفات الإقليمية ووضع نفسه حكماً على أيّ خلافات بينهما باعتباره ضامناً لبرنامج إيران السلمي من أيّ نوايا عدوانية خليجية «إسرائيلية» من جهة، وضامناً في الوقت نفسه لأمن دول الخليج العربي من جهة أخرى. في المحصّلة ستنعكس نتائج القمة الأميركية الخليجية هدوءاً في اليمن… ولكن بعد كلّ ذلك نرى مشهداً في «الشرق الأوسط» المأزوم لم يتغيّر، وأنّ نبرة أوباما عادت مجدّداً إلى عزف سمفونية «رحيل الأسد»، والسبب بسيط وهو أنّ مجمل الاتفاقيات الأميركية مع إيران من جهة ومع الخليج من جهة أخرى، أنجزت نصف المهمة الأميركية المتمثلة بالانسحاب الآمن من «الشرق الأوسط»، فالنصف الأول يمكن تلخيصه أولاً بمنع تمدّد أيّ قوة دولية إلى هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، ثانياً ضبط إيقاع الصراعات في هذه المنطقة بما يمنع الانزلاق نحو حرب إقليمية كبرى في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة، وهو ما يمكن تسميته الاحتواء المزدوج لقوى الصراع، أيّ إيران من جهة والسعودية وما تمثله من جهة أخرى، الأمر الذي يضمن استقرار أسواق الطاقة، أما النصف الآخر من المهمة الأميركية الجديدة فهو ضمان «أمن إسرائيل»، وهو جوهر الحرب على الأسد وعلى سورية منذ بداية الأزمة السورية الراهنة، بل يمكن إعطاء العام 2004 بداية الحرب الأميركية على الرئيس الأسد، فالولايات المتحدة استطاعت بذكاء ضبط إيقاع العلاقة بين الخليج وإيران بما يحقق الحدّ الأدنى لكلا الطرفين من الحضور والنفوذ الإقليميين، ولكن بقيت أميركا ومعها 85 دولة عاجزة عن تحقيق النصف الثاني من المهمة الأميركية وهي ضمان أمن «إسرائيل»، ويعود سبب الفشل إلى متغيّرين أساسيين هما الحالة البنيوية لـ«إسرائيل» بمعنى فشلها في تحقيق هوية سياسية وجغرافية واضحة، والأمر الثاني هو سورية سياسياً وجيو استراتيجياً، فسياسياً شكل ثبات الأسد على موقفه من ثلاث قضايا أساسية لا يفاوض عليهما وهي الجولان كاملاً غير منقوص وفق حدود 4 حزيران 1967، وقضية منع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان، ودعم حركات المقاومة ضدّ «إسرائيل»، عاملاً مضاعفاً في مفاقمة أزمة «إسرائيل» في الوصول إلى هوية واضحة جيوسياسياً وثقافياً وسياسياً، أما جيو استراتيجياً فيربط الأمر بكامل المحور من روسيا إلى إيران، من هنا نفهم القلق الأميركي من صفقة الـ»أس 300» لإيران، فهي خطرة بقدر ما تهدّد «أمن إسرائيل» ويعني ذلك إمكانية نقلها أو بيعها إلى سورية، انطلاقاً من ذلك كان لزاماً على أميركا تغيير الموقف السوري من «إسرائيل» وهو ما عجزت عنه سياسياً، قبل العام 2010، تحت مسمّى «تغيير السلوك السياسي للنظام السوري»، فقرّرت الحرب على الأسد لتغيير قواعد السياسة السورية التي خطها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأصبحت عقيدة سورية بني عليها الجيش السوري واعتنقها الشعب السوري بغالبيته كثقافة عامة لا يتنازل عنها، فكانت الحرب الأميركية على سورية في جزء منها حرباً على شعب وفي جزءٍ منها حرباً على جيش عقائدي. إذاً مثل الأسد حالة سياسية استعصت على الفهم الأميركي، فهم غير قادرين على فرض حرب عسكرية مباشرة ضدّ سورية لأنها حرب مكلفة عسكرية وستنعكس انهياراً سياسياً وعسكرياً في «إسرائيل»، وبالتالي النتيجة ستكون معاكسة للهدف الأميركي الأساس وهو «أمن إسرائيل»، لذلك بدأ اوباما ومن كامب ديفيد وبحضور حكام الخليج الترويج لخطته الجديدة لحلّ نصف المشكلة الأميركية عبر طرح مفهوم السلام «الإسرائيلي» – العربي، وبدأ بحشد الدعم الدولي له، ولكن الأسد يبقى سداً منيعاً في وجه المخطط الأميركي على مستويين: أولاً المستوى الفلسطيني ذاته فلا معنى للقبول الفلسطيني بحلّ الدولتين ما دام هناك قوة عربية وهي سورية ترفض التوطين جملة وتفصيلاً، والمستوى الثاني هو أنّ السلام «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني وما سبقه من سلام عربي فلسطيني لن يحقق الأمن لـ«إسرائيل» ما دامت تحتلّ أراضي عربية وترفض عودة الفلسطينيين إلى أرضهم. في المجمل نستطيع القول إنّ سورية، وخصوصاً قائدها الأسد، ما زالت تجهض الأوهام الأميركية بضمان «أمن إسرائيل»، هذا الكيان القائم على الاستيطان والترانسفير والعدوان، وبالتالي م زال الحلم الأميركي بوراثة «إسرائيل» لدور الولايات المتحدة في المنطقة معلقاً على «رحيل الأسد» باعتباره الرئيس الوحيد الذي لا يفاوض «إسرائيل» وأميركا على مشروعهما، «فالأسد فوبيا» عبارة عن تعبير عن حالة الهستيريا الأميركية من رجل أجهض على مدى 15 عاماً حلمهم بضمان «أمن إسرائيل» وفق رؤيتهم التهويدية، وما زال يقف صامداً في وجه كلّ المخططات الصهيو- أميركية الرامية إلى تحويل «إسرائيل» إلى كيان سياسي مقبول في المنطقة…! وبنفس الوقت هم عاجزون عن إسقاطه عسكرياً لأنه أتقن لعبة الأمم وبنى خياراته استناداً إلى ثابتين في السياسة الثابت الأول أنّ الشعب لا يُهزم حين يتبنى خيار المقاومة فتبنى خيار الشعب السوري في المقاومة ورفض الاستعمار بأشكاله وتجلياته، والثابت الثاني عدم التفاوض على مصالح الحلفاء في المنطقة بما يعزز الاتجاه المقابل أيّ عدم قبول الحلفاء مبدأ التفاوض على حليفهم. في النتيجة كان الأوروبيون أكثر شجاعة وعقلانية من اوباما فبدأوا تغيير استراتيجياتهم الإعلامية تجاه الأسد فتهافتت وسائل إعلامهم على أبواب دمشق تطلب الإذن بلقاء الرئيس الشرعي والمنتخب، وما زال اوباما تائهاً متخبّطاً بين عقلانية سياسية تفرض عليه حواراً مع الأسد، وبين خطايا حلفائه الأتراك والسعوديين الذين لم يتركوا طريقاً للعودة، فهل نشهد سيناريو ثانياً لكامب ديفيد بين اوباما وقادة أتراك تفرزهم انتخابات حزيران المقبل لتمرير حلّ سياسيّ متوازن في سورية يراعي المصالح الإقليمية والدولية، وتكون معه نهاية أردوغان السياسية، فكامب ديفيد أسقط الملك سلمان سياسياً وأبقاه ملكاً، ونسخته للحلّ السوري ستسقط أردوغان سياسياً وتبقيه رئيساً، ليبقى الأسد عنواناً للصمود يرسم صورة سورية المتجدّدة.

المصدر : البناء/ سومر صالح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة