كان عرض طليعة الأسلحة الفرنسية المموّلة بهبة سعودية في مطار بيروت مشهداً بديعاً. مشهد مهيب بلا شك، رؤية وزيري دفاع البلدين، لبنان وفرنسا، جنباً إلى جنب مع صواريخ «الميلان» المضادّة للدروع. يستعيد المشهد دوراً سيادياً للبنان ولقواته المسلحة. عتاد من الدرجة الأولى، وإن كان مقسطاً على أربع سنوات.

المشهد ممتاز من حيث الصورة والشكل، فهو يجمع على أرض المطار حداثة الغرب، ممثلاً بصواريخه الدقيقة، وعراقة الشرق وأصالة تراثه ممثلاً بعباءة السفير السعودي. أما في المضمون، فالصورة ليست متماسكة إلى هذا الحدّ. فالسلاح فرنسي، وثمنه سعودي. بمعنى آخر، هو السلاح نفسه، ومن بيت المال ذاته، الذي يُستخدم ضد اليمنيين والسوريين، وضد «القاعدة» و «داعش» في العراق.

لا خلاف حول مكانة السعودية في المنطقة وتناميها، وهي شهدت دينامية خاصة، بعد تولّي الملك سلمان الحكم، عززت دور الرياض المحوري. والمملكة أدرى بمصالحها، ولديها ما يكفي من الموارد والطاقات لإدارة معاركها من دون أن تتأثر وحدتها الداخلية. المشكلة عندنا في لبنان، البلد المنقسم على نفسه، والضد ذاته. نصف اللبنانيين مع الحرب على اليمن، وهنا كلمة النصف مطاطة وحمالة أوجه، تتسع أو تضيق تبعاً لمن يقولها، أو في أي مجلس. والنصف الآخر مع الحرب، حتى فناء النصف الأول، في معاركه المتوسّعة.

لم يكن ضرباً موفقاً حضور الدولة اللبنانية الاستعراضي في حفلة تسلّم الدفعة الأولى من السلاح. هذا الحضور أثار أسئلة تُحرج الجميع، نظراً لنوع المعارك التي يشارك فيها غالبية المعنيين بصفقة التسلح، ونظراً للأدوار المتعددة للسلاح السعودي الثمن.

أسئلة من نوع: هل نقبل سلاحاً إيرانياً، أو بتمويل إيراني بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران، ورفع الحظر عن التعاملات التجارية معها؟ وهل يُستخدم السلاح ضد إسرائيل، تبعاً لقاعدة الجيش والشعب والمقاومة؟ هل تقبل فرنسا بذلك، أم أن لديها تطميناتها السرية والخاصة؟ ما هي وجهة استعمال السلاح؟ مكافحة الإرهاب؟ ألا توجد تمنيات خفية، بأن تتوسّع كلمة إرهاب لتطال «حزب الله»؟ هل السلاح مناسب لاحتواء سجناء «رومية»؟

لماذا تدفع السعودية ثلاثة مليارات دولار، وقبلها ملياراً، لتسليح الجيش؟ الجواب الرسمي معروف. وقد كرّره السفير السعودي أكثر من مرة: «تأكيد على التزام المملكة العربية السعودية بدعم لبنان حكومة وشعباً، عبر مؤسساته الشرعية...وحماية لبنان لا يمكن أن تناط إلا بقواه الشرعية ممثلة بالجيش اللبناني».

كلام جميل. لكن التمويل دخل من باب ملكية الطوائف للأجهزة الأمنية، وتوزّع تبعاً لتبعية الأجهزة، فنال الجميع حصته. هنا يبدو التسليح كأنه من باب رفع العتب، بسبب التقصير في حماية البلد الصغير ودعمه في مواجهة أعباء النازحين. لبنان لم يبلغ من الدهاء السياسي بعد، مرتبة أن يسير بـ «القطار» إلى حيث يوصله. أيّ أن يقبل بالسلاح كيف ما كان، على أن يستخدمه تبعاً لمصلحته الوطنية.

كل ما نخشاه ألا تتحول فوهات السلاح الجديد إلى الداخل. ويصبح لكل مموّل «بنك الأهداف» الخاص به. ربما نرى غداً صاروخ «ميلان» موجّهاً إلى الشقيقة «الأخبار»، في حال لم ترض الرياض بحل «سلمي» للنزاع معها!

  • فريق ماسة
  • 2015-04-22
  • 7641
  • من الأرشيف

السفير: سلاح التوقيت المريب.. ربما نرى غداً صاروخ «ميلان» موجّهاً إلى الشقيقة «الأخبار» في حال لم ترض الرياض بحل «سلمي» للنزاع معها!

كان عرض طليعة الأسلحة الفرنسية المموّلة بهبة سعودية في مطار بيروت مشهداً بديعاً. مشهد مهيب بلا شك، رؤية وزيري دفاع البلدين، لبنان وفرنسا، جنباً إلى جنب مع صواريخ «الميلان» المضادّة للدروع. يستعيد المشهد دوراً سيادياً للبنان ولقواته المسلحة. عتاد من الدرجة الأولى، وإن كان مقسطاً على أربع سنوات. المشهد ممتاز من حيث الصورة والشكل، فهو يجمع على أرض المطار حداثة الغرب، ممثلاً بصواريخه الدقيقة، وعراقة الشرق وأصالة تراثه ممثلاً بعباءة السفير السعودي. أما في المضمون، فالصورة ليست متماسكة إلى هذا الحدّ. فالسلاح فرنسي، وثمنه سعودي. بمعنى آخر، هو السلاح نفسه، ومن بيت المال ذاته، الذي يُستخدم ضد اليمنيين والسوريين، وضد «القاعدة» و «داعش» في العراق. لا خلاف حول مكانة السعودية في المنطقة وتناميها، وهي شهدت دينامية خاصة، بعد تولّي الملك سلمان الحكم، عززت دور الرياض المحوري. والمملكة أدرى بمصالحها، ولديها ما يكفي من الموارد والطاقات لإدارة معاركها من دون أن تتأثر وحدتها الداخلية. المشكلة عندنا في لبنان، البلد المنقسم على نفسه، والضد ذاته. نصف اللبنانيين مع الحرب على اليمن، وهنا كلمة النصف مطاطة وحمالة أوجه، تتسع أو تضيق تبعاً لمن يقولها، أو في أي مجلس. والنصف الآخر مع الحرب، حتى فناء النصف الأول، في معاركه المتوسّعة. لم يكن ضرباً موفقاً حضور الدولة اللبنانية الاستعراضي في حفلة تسلّم الدفعة الأولى من السلاح. هذا الحضور أثار أسئلة تُحرج الجميع، نظراً لنوع المعارك التي يشارك فيها غالبية المعنيين بصفقة التسلح، ونظراً للأدوار المتعددة للسلاح السعودي الثمن. أسئلة من نوع: هل نقبل سلاحاً إيرانياً، أو بتمويل إيراني بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران، ورفع الحظر عن التعاملات التجارية معها؟ وهل يُستخدم السلاح ضد إسرائيل، تبعاً لقاعدة الجيش والشعب والمقاومة؟ هل تقبل فرنسا بذلك، أم أن لديها تطميناتها السرية والخاصة؟ ما هي وجهة استعمال السلاح؟ مكافحة الإرهاب؟ ألا توجد تمنيات خفية، بأن تتوسّع كلمة إرهاب لتطال «حزب الله»؟ هل السلاح مناسب لاحتواء سجناء «رومية»؟ لماذا تدفع السعودية ثلاثة مليارات دولار، وقبلها ملياراً، لتسليح الجيش؟ الجواب الرسمي معروف. وقد كرّره السفير السعودي أكثر من مرة: «تأكيد على التزام المملكة العربية السعودية بدعم لبنان حكومة وشعباً، عبر مؤسساته الشرعية...وحماية لبنان لا يمكن أن تناط إلا بقواه الشرعية ممثلة بالجيش اللبناني». كلام جميل. لكن التمويل دخل من باب ملكية الطوائف للأجهزة الأمنية، وتوزّع تبعاً لتبعية الأجهزة، فنال الجميع حصته. هنا يبدو التسليح كأنه من باب رفع العتب، بسبب التقصير في حماية البلد الصغير ودعمه في مواجهة أعباء النازحين. لبنان لم يبلغ من الدهاء السياسي بعد، مرتبة أن يسير بـ «القطار» إلى حيث يوصله. أيّ أن يقبل بالسلاح كيف ما كان، على أن يستخدمه تبعاً لمصلحته الوطنية. كل ما نخشاه ألا تتحول فوهات السلاح الجديد إلى الداخل. ويصبح لكل مموّل «بنك الأهداف» الخاص به. ربما نرى غداً صاروخ «ميلان» موجّهاً إلى الشقيقة «الأخبار»، في حال لم ترض الرياض بحل «سلمي» للنزاع معها!

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة