اعتادت الدول الاستعمارية أن ترفع شعارات براقة لتبرير عدوانها على الدول والشعوب في ظل نظام الهيمنة والتسلط الذي أرسي بعد الحرب العالمية الثانية والذي اشتد تفعيله والعمل به بعد انحلال الاتحاد السوفياتي.

 

 والأخطر اليوم وفي ظل فراغ في النظام العالمي، فراغ فرضته متغيرات الساحة الدولية وضع العالم بين نظام سقط ونظام لم تكتمل شروط قيامه، وأصبحت في ذلك قواعد القانون الدولي أو ما قيل انه ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد لمنع العدوان وحفظ الأمن والسلام الدوليين أصبحت مجمدة التطبيق وبات العالم اليوم محكوماً بمنطق شريعة الغاب حيث يبادر القوي إلى فعل ما يحلو له من دون خشية من عقاب أو مساءلة.

 

 

 

بهذا المنطق شنت أميركا حروبها خلال العقدين الماضيين، وبهذا المنطق أيضاً تشن السعودية اليوم عدوانها على اليمن بعد أن تظاهرت بأنها شكلت حلفاً عربياً لإنفاذه واستحصلت من جامعة عرجاء تسمى «الجامعة العربية» على مصادقة على السير به الجامعة التي استدعت العدوان على ليبيا ودمرتها .

 

ادعت السعودية إنها ذهبت إلى اليمن لنصرة الشرعية التي يمثلها عبد ربه منصور هادي، وهي تعلم أن هذا الشخص فقد شرعيته بحكم انتهاء مدة ولايته ثم قبول استقالته بعد أن قدمها علانية وصراحة. كما أنها تعلم أن أحداً من العاقلين لا يمكن أن يصدقها في هذا الادعاء لأنها دأبت على مناهضة الشرعيات الدستورية في دول عربية أخرى في طليعتها سورية حيث تجاهر السعودية بالإعلان عن تسليح الإرهابيين الذي يقاتلون الحكومة ورئيس الدولة كما تصر السعودية على منع أي حل سياسي ما لم يقفز فوق تلك الشرعية وبالتالي فان ادعاءها بنصرة الشرعية فارغ وساقط على أصله جوهراً وقياساً.

 

وتدعي السعودية أنها لن توقف عدوانها إلا بعد أن يستعيد اليمن استقراره وأمنه وهنا التلفيق -الفضيحة، إذ كيف يستعيد الشعب اليمني أمنه ووحدته في ظل قصف مدمر ونار حارقة تصبها طائرات السعودية وشركائها في العدوان، ويحدث المجازر أودى حتى الآن بحياة أكثر من 350 مدنياً يمنياً بريئاً بينهم 85 طفلاً، إضافة إلى إصابة 500 بجروح وهدم البنية التحتية للدولة اليمنية. ما يقود إلى القول إن الادعاء في اتجاه والسلوك والواقع في اتجاه أخر معاكس له، فيكون الادعاء منافياً للحقيقة أيضاً.

 

وفي ظل خواء الادعاءات السعودية وانتفاء المصلحة اليمنية الوطنية العليا يكون البحث واجباً لكشف الأسباب الحقيقية للعدوان وللنتائج المرتقبة، أما في الأسباب كما نراها فنجد:

 

محاوله ترميم الفضاء الاستراتيجي السعودي بعد التآكل والضمور الذي لحق به خلال العقد الأخير وبخاصة خلال سنوات الحريق العربي الأربع. فقد خسرت السعودية خلال تلك الفترة مقعد «الرعاية الأبوية والهيمنة» على القرار العربي والإسلامي، وبات فضاؤها الاستراتيجي محصوراً تقريباً بمجلس التعاون الخليجي مع بعض النتوءات، وببعض النفوذ الذي تشتريه بمال النفط في هذه الدولة أو تلك وهو نفوذ من طبيعية تأجيرية غير دائمة ينقطع عندما ينقطع الدفع. وتظن السعودية أن ترميم هذا الفضاء يستوجب شهر السيف بدءاً باليمن لحفظها كحديقة خلفية لها.

 

خشية السعودية من تراجع موقعها لدى أميركا وتسرب الوهن للعلاقة التاريخية معها بعد المتغيرات الجديدة في المنطقة التي تعتبر انقلاباً على حقبة الـ 70 سنة الماضية. وتريد السعودية من عدوانها ومن التحالف الذي أنشأته أن تثبت لأميركا قدرتها على ممارسة دور وظيفي ميداني يخدم في نهاية المطاف المصلحة الأميركية والصهيونية ما يجعل أميركا أكثر حرصاً عليها.

 

الانشقاق في صفوف الوهابية التي منحت الشرعية أصلاً لحكم آل سعود وقيام وهابية جديدة تعتمد القوة الميدانية وتملك السيطرة في بعض مناطق سورية والعراق وتهدد السعودية بعد أن أسقطت عنها شرعية الحكم. حيث نرى ما يسمى «دولة إسلامية في العراق والشام» داعش والتي تعتنق الوهابية الجديدة لا تعترف بشرعية حكم آل سعود وتعلن بأنها بصدد التمدد إلى الحجاز وامتلاك السيطرة على مكة والمدينة وشطب عنوان خادم الحرمين الشريفين من عائلة آل سعود. وأرادت المملكة أن تثبت لـ«داعش» أنها قوية أيضاً وأنها تملك «الجرأة والحزم» لاستعمال القوة دفاعاً عن كيانها وفضائها.

 

التنازع ضمن الأسرة الحاكمة والكيد المتبادل بين أمرائها وحاجة المملكة لإيجاد عدو خارجي يفرض الصمت على معارضي حكم السديرين ويشد عصب العائلة، ففي خلال العدوان الذي يتوقع له أن يطول يكون سلمان وأبناء أشقائه وبعيداً عن إخوته وأبنائهم قد رسخ الوضع العائلي وأعاد الاستقرار إلى قصور الأمراء.

 

تنامي الحجم الاستراتيجي لتركيا في العالم الإسلامي السني وخشية السعودية من الدور التركي المستند أيضاً إلى الإخوان المسلمين، وهنا ترى المملكة أن إعادة ترميم فضائها الاستراتيجي انطلاقاً من اليمن وباستعمال القوة سيحجب إخفاقها في سورية والعراق وسيمكنها من استعادة دور الطليعة الإسلامية حاجبة تركيا وتالياً مصر عن هذا الشأن وبالتالي رأت السعودية أن فكرة تحالف بقيادتها يخدم هذا الأمر ويرسخ زعامتها.

 

هذا ما دفع السعودية في الحقيقة لشن هذا العدوان غير المسبوق في تاريخها كله بنوعه وحجمه وعمقه، والآن هل ستحقق ما تريد؟ أم ستحصد أمراً آخر؟

 

أولاً بالنسبة لتحقيق الإنجاز الميداني الذي يعيد اليمن إلى الفلك السعودي، فإننا نرى أن الأمر نوع من الخيال في ظل الواقع اليمني وطبيعة المعركة وعجز الطيران عن تحقيق المهمة، واستحالة شن حرب برية ناجحة في ظل وجود هذا الحشد من القوى اليمنية المستعدة للمنازلة ولن نخوض في تبرير ذلك أكثر بعد أن أشبع درساً وإضاءة. ومع القصور في السيطرة على اليمن وسقوط الورقة الميدانية من يدها نرى أن تداعيات العدوان ستكون في النهاية باتجاه معاكس للدوافع حيث أن الخسائر الأولية التي ستلحق بالسعودية من عدوانها ستكون على الأقل:

 

خسارة الدور الرعائي الأبوي للعرب والمسلمين الذي جهدت السعودية في ادعائه على رغم كل ما ارتكبت من فظائع التدخل والجرائم في لبنان والعراق وسورية. فهي انتقلت الآن من وظيفة المنتج والمخرج إلى دور اللاعب والممثل المباشر على المسرح، فشقت العرب وشقت المسلمين ولن يكون هناك بعد هذا إجماع على موقعها بل كراهية تتفشى ضدها وفي شكل علني.

 

خسارة الفضاء الاستراتيجي إلى غير رجعة والاضطرار إلى الانكفاء إلى حدودها في الحجاز هذا إذا بقيت وهذا ستكون له مخاطر كبيرة من الخارج والداخل. ففي الخارج ستعلو بعد الهزيمة في اليمن أصوات خليجية وعربية وإسلامية تنكر عليها الزعامة، وفي الداخل سيكون حراك المضطهدين من أهل الحجاز أكثر يسراً وجرأة.

 

أما الخسارة الأخطر فقد تكون موقع أسرة آل سعود ذاتها، حيث سيكون منطقياً السؤال: هل بإمكانها الاستمرار في مواجهة «عاصفة الحق الشعبي» التي ستكشف انطلاقاً من اليمن زيف «عاصفة الحزم»… وهنا ستجد السعودية نفسها أنها اتخذت «قراراً حازماً بالانتحار بالعدوان».

  • فريق ماسة
  • 2015-04-01
  • 10488
  • من الأرشيف

دوافع العدوان بـ «عاصفة الحزم» السعودية ومخاطره

اعتادت الدول الاستعمارية أن ترفع شعارات براقة لتبرير عدوانها على الدول والشعوب في ظل نظام الهيمنة والتسلط الذي أرسي بعد الحرب العالمية الثانية والذي اشتد تفعيله والعمل به بعد انحلال الاتحاد السوفياتي.    والأخطر اليوم وفي ظل فراغ في النظام العالمي، فراغ فرضته متغيرات الساحة الدولية وضع العالم بين نظام سقط ونظام لم تكتمل شروط قيامه، وأصبحت في ذلك قواعد القانون الدولي أو ما قيل انه ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد لمنع العدوان وحفظ الأمن والسلام الدوليين أصبحت مجمدة التطبيق وبات العالم اليوم محكوماً بمنطق شريعة الغاب حيث يبادر القوي إلى فعل ما يحلو له من دون خشية من عقاب أو مساءلة.       بهذا المنطق شنت أميركا حروبها خلال العقدين الماضيين، وبهذا المنطق أيضاً تشن السعودية اليوم عدوانها على اليمن بعد أن تظاهرت بأنها شكلت حلفاً عربياً لإنفاذه واستحصلت من جامعة عرجاء تسمى «الجامعة العربية» على مصادقة على السير به الجامعة التي استدعت العدوان على ليبيا ودمرتها .   ادعت السعودية إنها ذهبت إلى اليمن لنصرة الشرعية التي يمثلها عبد ربه منصور هادي، وهي تعلم أن هذا الشخص فقد شرعيته بحكم انتهاء مدة ولايته ثم قبول استقالته بعد أن قدمها علانية وصراحة. كما أنها تعلم أن أحداً من العاقلين لا يمكن أن يصدقها في هذا الادعاء لأنها دأبت على مناهضة الشرعيات الدستورية في دول عربية أخرى في طليعتها سورية حيث تجاهر السعودية بالإعلان عن تسليح الإرهابيين الذي يقاتلون الحكومة ورئيس الدولة كما تصر السعودية على منع أي حل سياسي ما لم يقفز فوق تلك الشرعية وبالتالي فان ادعاءها بنصرة الشرعية فارغ وساقط على أصله جوهراً وقياساً.   وتدعي السعودية أنها لن توقف عدوانها إلا بعد أن يستعيد اليمن استقراره وأمنه وهنا التلفيق -الفضيحة، إذ كيف يستعيد الشعب اليمني أمنه ووحدته في ظل قصف مدمر ونار حارقة تصبها طائرات السعودية وشركائها في العدوان، ويحدث المجازر أودى حتى الآن بحياة أكثر من 350 مدنياً يمنياً بريئاً بينهم 85 طفلاً، إضافة إلى إصابة 500 بجروح وهدم البنية التحتية للدولة اليمنية. ما يقود إلى القول إن الادعاء في اتجاه والسلوك والواقع في اتجاه أخر معاكس له، فيكون الادعاء منافياً للحقيقة أيضاً.   وفي ظل خواء الادعاءات السعودية وانتفاء المصلحة اليمنية الوطنية العليا يكون البحث واجباً لكشف الأسباب الحقيقية للعدوان وللنتائج المرتقبة، أما في الأسباب كما نراها فنجد:   محاوله ترميم الفضاء الاستراتيجي السعودي بعد التآكل والضمور الذي لحق به خلال العقد الأخير وبخاصة خلال سنوات الحريق العربي الأربع. فقد خسرت السعودية خلال تلك الفترة مقعد «الرعاية الأبوية والهيمنة» على القرار العربي والإسلامي، وبات فضاؤها الاستراتيجي محصوراً تقريباً بمجلس التعاون الخليجي مع بعض النتوءات، وببعض النفوذ الذي تشتريه بمال النفط في هذه الدولة أو تلك وهو نفوذ من طبيعية تأجيرية غير دائمة ينقطع عندما ينقطع الدفع. وتظن السعودية أن ترميم هذا الفضاء يستوجب شهر السيف بدءاً باليمن لحفظها كحديقة خلفية لها.   خشية السعودية من تراجع موقعها لدى أميركا وتسرب الوهن للعلاقة التاريخية معها بعد المتغيرات الجديدة في المنطقة التي تعتبر انقلاباً على حقبة الـ 70 سنة الماضية. وتريد السعودية من عدوانها ومن التحالف الذي أنشأته أن تثبت لأميركا قدرتها على ممارسة دور وظيفي ميداني يخدم في نهاية المطاف المصلحة الأميركية والصهيونية ما يجعل أميركا أكثر حرصاً عليها.   الانشقاق في صفوف الوهابية التي منحت الشرعية أصلاً لحكم آل سعود وقيام وهابية جديدة تعتمد القوة الميدانية وتملك السيطرة في بعض مناطق سورية والعراق وتهدد السعودية بعد أن أسقطت عنها شرعية الحكم. حيث نرى ما يسمى «دولة إسلامية في العراق والشام» داعش والتي تعتنق الوهابية الجديدة لا تعترف بشرعية حكم آل سعود وتعلن بأنها بصدد التمدد إلى الحجاز وامتلاك السيطرة على مكة والمدينة وشطب عنوان خادم الحرمين الشريفين من عائلة آل سعود. وأرادت المملكة أن تثبت لـ«داعش» أنها قوية أيضاً وأنها تملك «الجرأة والحزم» لاستعمال القوة دفاعاً عن كيانها وفضائها.   التنازع ضمن الأسرة الحاكمة والكيد المتبادل بين أمرائها وحاجة المملكة لإيجاد عدو خارجي يفرض الصمت على معارضي حكم السديرين ويشد عصب العائلة، ففي خلال العدوان الذي يتوقع له أن يطول يكون سلمان وأبناء أشقائه وبعيداً عن إخوته وأبنائهم قد رسخ الوضع العائلي وأعاد الاستقرار إلى قصور الأمراء.   تنامي الحجم الاستراتيجي لتركيا في العالم الإسلامي السني وخشية السعودية من الدور التركي المستند أيضاً إلى الإخوان المسلمين، وهنا ترى المملكة أن إعادة ترميم فضائها الاستراتيجي انطلاقاً من اليمن وباستعمال القوة سيحجب إخفاقها في سورية والعراق وسيمكنها من استعادة دور الطليعة الإسلامية حاجبة تركيا وتالياً مصر عن هذا الشأن وبالتالي رأت السعودية أن فكرة تحالف بقيادتها يخدم هذا الأمر ويرسخ زعامتها.   هذا ما دفع السعودية في الحقيقة لشن هذا العدوان غير المسبوق في تاريخها كله بنوعه وحجمه وعمقه، والآن هل ستحقق ما تريد؟ أم ستحصد أمراً آخر؟   أولاً بالنسبة لتحقيق الإنجاز الميداني الذي يعيد اليمن إلى الفلك السعودي، فإننا نرى أن الأمر نوع من الخيال في ظل الواقع اليمني وطبيعة المعركة وعجز الطيران عن تحقيق المهمة، واستحالة شن حرب برية ناجحة في ظل وجود هذا الحشد من القوى اليمنية المستعدة للمنازلة ولن نخوض في تبرير ذلك أكثر بعد أن أشبع درساً وإضاءة. ومع القصور في السيطرة على اليمن وسقوط الورقة الميدانية من يدها نرى أن تداعيات العدوان ستكون في النهاية باتجاه معاكس للدوافع حيث أن الخسائر الأولية التي ستلحق بالسعودية من عدوانها ستكون على الأقل:   خسارة الدور الرعائي الأبوي للعرب والمسلمين الذي جهدت السعودية في ادعائه على رغم كل ما ارتكبت من فظائع التدخل والجرائم في لبنان والعراق وسورية. فهي انتقلت الآن من وظيفة المنتج والمخرج إلى دور اللاعب والممثل المباشر على المسرح، فشقت العرب وشقت المسلمين ولن يكون هناك بعد هذا إجماع على موقعها بل كراهية تتفشى ضدها وفي شكل علني.   خسارة الفضاء الاستراتيجي إلى غير رجعة والاضطرار إلى الانكفاء إلى حدودها في الحجاز هذا إذا بقيت وهذا ستكون له مخاطر كبيرة من الخارج والداخل. ففي الخارج ستعلو بعد الهزيمة في اليمن أصوات خليجية وعربية وإسلامية تنكر عليها الزعامة، وفي الداخل سيكون حراك المضطهدين من أهل الحجاز أكثر يسراً وجرأة.   أما الخسارة الأخطر فقد تكون موقع أسرة آل سعود ذاتها، حيث سيكون منطقياً السؤال: هل بإمكانها الاستمرار في مواجهة «عاصفة الحق الشعبي» التي ستكشف انطلاقاً من اليمن زيف «عاصفة الحزم»… وهنا ستجد السعودية نفسها أنها اتخذت «قراراً حازماً بالانتحار بالعدوان».

المصدر : د. أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة