دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
“وولد هوم”، أو “بيت الرق”، مكان يحمل في تفاصيله 200 عاما من تاريخ تجارة الرق المقيتة في توغو.. مبنى يختزل تاريخا بأكمله، ويستبطن روايات حزينة ويحتفظ بآثارها من قيود وأغلا وغيرها، يحلم اليوم، القائمون عليه بتحويله إلى متحف يستعرض بعض الزوايا الحالكة من التاريخ التوغولي، فيكون منارة للعقول وعبرة للأجيال ووجهة للسياح.
الفكرة بحسب “إيدموند آسياكولاي” مرشد “بيت الرقّ” تتمثّل في تحويل هذا المكان الذي كان يعد بمثابة “مركز لتجميع العبيد”، إلى متحف عبر تجديده بشكل كلي ليبقى شاهدا يروي للأجيال القادمة ما يمكن للإنسان أن يصنع ببشر مثله، وليستعرض إرث الرقيق وتركتهم بعد نحو 200 عام. آسياكولاي أكّد، في تصريح للأناضول، أنّ “أملنا اليوم هو أن نحوّل هذا البيت إلى متحف نعرض فيه جميع المكونات الموجودة بداخله، وجملة العناصر التي تركها تجار الرق قبل مغادرته”.
وأضاف المشرف على المكان في نبرة يغمرها الأسف:”لاحظوا بأنفسكم، فالحالة التي أضحى عليها هذا البيت تجعل من المستحيل أن يستخدم لعرض أيّ شيء. لدينا العديد من الأشياء المخزنة والتي لا يمكن عرضها بسبب الحالة الرثة للبناية التي ينعدم فيها الأمن”، وذلك رغم أنّ السلطات قامت بترميمه في 2006، بفضل مساعدة جمعية دولية .
وفي ما مضى من الأيام، كان يطلق على “بيت الرق” بالتوغو الذي يعود إلى القرن 19 و تحديدا إلى عام 1830، “وولد هوم”، ولم يقع اكتشاف الغرض الذي كان يستغلّ من أجله هذا البيت المشيّد في الأدغال، وتحديدا في قرية كانت تدعى “أغبودرافو” تقع على بعد 35 كيلومتر من العاصمة لومي، إلا في عام 1999.
ويحوي البيت المشيد لأجل تجارة الرق بشكل غير قانوني -والذي حظرته أنجلترا (بإعتبارها مستعمر التوغو) منذ 1807- على مجموعة من الأثاث المتألّف من بعض الكراسي والأرائك والطاولات والخزائن تعود جميعها إلى أكثر من 200 سنة، واستخدمها عبر السنين الآلاف ممن وقعوا ضحايا تجارة الرق إلى حدود العام 1852.
ففي العام 1999، تمكن فريق من الأمريكيين من أصول إفريقية، من نفض الغبار عن هذا المكان،وذلك خلال بحوث أجروها حول المواقع المرتبطة بتجارة الرق في منطقة إفريقيا الغربية. وبعد بضعة سنين من ذلك التاريخ، وتحديدا في الثامن من يناير/كانون الثاني 2002، وقع إدراج “بيت الرق” على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للأماكن التي تعد “تراثيا ثقافيا عالميا”، فيما تم إدراج هذا البيت في البرامج التعليمية التوغولية وأصبح قبلة للسياح لا غنى عن زيارته.
ويعقب “آسياكولاي” عن ذلك بالقول: “الجميع يرغب في التعرف على بين الرق، السياح كما التلاميذ، يأتون جماعات للتعرف عن قرب عن تاريخ أجدادهم. لقد أصبح هذا البيت مكانا للذاكرة الجماعية.
ويحرص المشرف على المكان على تفسير تفاصيل الطريقة السرية التي كان يقوم بها من لم يتوانوا عن الاتجار ببشر مثلهم، لافتا إلى أنّ هذا الأمر مرتبط ارتباطا وثيقا بهندسة البناية التي آوتهم، حيث يمتاز “بيت الرق” في توغو بنمط معماري إفريقي برازيلي. ويبلغ طوله 21.60 مترا، وعرضه 9.95 مترا، ويحتوي على 6 غرف وصالون، ويمتد حول الغرف، رواق بعرض 1.5 متر، بينما يوجد تحت أركان البيت، قبو بارتفاع 1.5 متر”.
ويتابع “آسياكولاي” بالقول: “لقد استخدم تجار الرق الغرف الفوقية للنوم، فيما تم إيواء من تاجروا بهم كعبيد في القبو المظلم، ولم يكونوا قادرين حتى على الوقوف، لقد كانوا مجبرين على الجلوس على الأرض طول الوقت بعد أن يقع إدخالهم من تجويفات صغيرة أو ما يطلق عليها بالمراوح. ويتواصل تجار الرق مع هؤلاء عبر فتحة سرية صغيرة تقع في الصالون العلوي”.
ويتحمس زائرو المكان من السياح لاكتشاف السلاسل الحديدية التي كانت تستخدم في تقييد التوغوليين ممن سيتم الإبحار بهم في رحلة ذهاب بلا رجوع، ومن هنا تنبع الحاجة إلى ترميم المكان وتحويله إلى متحف، كي يفصح التاريخ عن نفسه بنفسه، وفي الأمر واجب للذاكرة، بحسب المرشد، والذي أكّد أنّ “المشروع جاهز. ونحن نطالب الحكومة بزيارة هذا البيت. كما نطلب أيضا من جميع الأشخاص من ذوي النوايا الحسنة، دعمنا كي يبقى هذا البيت للأجيال القادمة”.
ومن جهتها، تقول الحكومة التوغولية إنها تأخذ هذه الدعوة على محمل الجد، فيما يؤكد وزير الثقافة السابق “حامادو ياكوبو” على أنّ “الحكومة تعمل على هذا الموضوع وسترد الفعل في الوقت المناسب”.
“وولد هوم”، أو “بيت الرق”، هو معقل من معاقل هذه التراجيديا الإنسانية التي جرت أطوارها على سواحل توغو ما بين آخر 25 عاما من القرن 17 و أواخر القرن 19، ويقع في حي “لاكومي”، في قلب قرية “أغبودرافو”، في منطقة البحيرات، على بعد 35 كيلومتر على العاصمة لومي.
في الأثناء، يظلّ “بيت الرقّ” أو “وولد هوم” شاهدا على تراجيديا إنسانية بالغة الوحشية جدّت على ساحل توغو بين الربع الأخير من القرن السابع عشر وأواخر القرن التاسع عشر.. كان معقلا لإستعباد الناس ومقبرة تطمر فيها كلّ المعاني الراقية للوجود، لكن المكان نفسه، يخطو اليوم نحو التحوّل إلى منارة تضيء الكثير من العقول والأرواح.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة