دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
فشلت المعركة الأولى التي شنّها الجيش السوري وحلفاؤه في تحقيق هدفها المتمثل في إحكام «طوق حلب» وفك حصار نبل والزهراء.
مع ذلك، حافظ على تقدّم حقّقه في بلدة باشكوي، بعد انسحابه من بلدة حردتنين ليل أمس. المعارك ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، في انتظار جولات أخرى وشيكة .
فرضت معارك حلب نفسها بوصفها الحدث الأبرز أخيراً في الميدان السوري، الأمر الذي يبدو طبيعيّاً بالنظر إلى مفصليّتها في رسم مسارات المرحلة المقبلة في شمال البلاد. وبعيداً من الحشد الإعلامي الذي يتنطّح له موالو كلّ من طرفي المعركة، ثمّة تفصيلٌ أساسٌ ينبغي وضعه على رأس الاعتبارات، التي تختصّ بها معارك «عاصمة الشمال»، ومفادُه أنّ كسبَ أي من الطرفين لجولةٍ لا يعني أنّ حسمه بقية المعارك أمرٌ مسلّم به، وكما بات معروفاً، فإنّ الجيش السوري وحلفاءَه يطمحون إلى تحقيق هدفين استراتيجيين: «إحكام طوق حلب»، وفكّ حصار بلدتي نبّل والزهراء.
وبطبيعة الحال، فإنّ إحباط الهدفين هو أولوّية المجموعات المسلّحة. ومن المعلوم أنّ المعارك الأخيرة تأتي تتويجاً لمخطّط طويل بدأه الجيش السوري ، نجحت كلّ خطواته السابقة، فيما تكتسب الخطوة الأخيرة صعوبةً تعادل صعوبة جميع المراحل التي سبقتها مُجتمعة، تسهم في ذلك عوامل عدّة. منها مصيريّة المعارك بالنسبة إلى المجموعات المسلّحة، وإمكانيّة استجلاب الأخيرة إمداداتٍ بالأفراد والعتاد (من الأرياف، ومن تركيا) بسهولة تفوق استجلابَها إلى محيط سجن حلب المركزي على سبيل المثال. فالمعارك الحاليّة تدور في أقرب نقطة إلى معاقل المجموعات في الريف الشمالي، ومن الحدود السوريّة ــ التركيّة.
واقعُ المُهاجمين عشيّة المعارك
قبل فتح المعركة الأخيرة، شهد معسكر الجيش وحلفائه مشاوراتٍ تُفاضل بين هدفين اثنين: العمل على إحكام الطوق حول مدينة حلب عبر السيطرة على محور الكاستيلّو، أو السعي إلى فك حصار نبّل والزهراء (الأخبار – العدد 2475). اتّخذ القرار بالعمل على تحقيق الهدفين في وقت واحد، حُددت الساعة الصفر، وكانت خطة الهجوم تقوم على تكتيكٍ يُزاوج بين أسلوب حرب العصابات، وأسلوب الحروب التقليديّة. بحيث تتولى مجموعات اقتحاميّة مهمة التّسلل في اتجاه أهداف معيّنة وتنقضّ على المدافعين (تنتهي وفقَ المخطط في نبّل والزهراء)، قبل أن تتقدّم مجموعات أكبر عدداً وتتمركز في تلك النقاط، فيما تتولى مجموعات أخرى شنّ معارك على الجبهات الأخرى (شيحان، ومزارع الملّاح على نحو خاص) تعتمد على الإسناد الناري.
… وواقعُ المدافعين
كانت المجموعات المسلّحة تعتمد في تمركزها على طول الجبهات أسلوب «التمركز المنفصل – المتصل»، بحيث تتولّى كلّ مجموعةٍ مهمّة الدفاع عن نقطةٍ معيّنة. ويرتبط هذا الخيار بأسباب عدّة، مثل صعوبة اجتماع كل المجموعات تحت قيادة عسكريّة واحدة. علاوةً على وجود توجّس وأزمة ثقة (غير معلنين) بين كلّ مجموعة وباقي المجموعات. هذه الطريقة تضمن للمسلّحين أن تتحمّل كل مجموعة المسؤوليّة في حال اختراقها، أو انسحابها، ومن دون أن تؤثر تأثيراً عضوياً مباشراً في باقي المجموعات. عشيّة شن الجيش وحلفائه العمليّة الأخيرة لم تتعامل المجموعات المسلّحة مع التسريبات التي تحدثت عن هجومٍ وشيك بجديّة، ورأت أنّ تلك التسريبات ضرب من ضروب الحرب النّفسيّة.
صدمة الهجوم.. وامتصاصُها
مثّل الهجوم صدمةً مُفاجئة بالفعل، وانهارت صفوف المُدافعين في بعض النقاط. (أفلحت المجموعات المتقدّمة للمهاجمين في السيطرة على النقاط المستهدفة (بلدات حردتنين، رتيان، باشكوي)، وتقدّمت المجموعات التالية وفقاً للمخطط، وتمركزت في تلك النقاط. على المقلب الآخر كانَت المجموعات المسلّحة تتنادى لمنع السقوط، وتحرّكت سريعاً مجموعاتٌ تابعةٌ لـ «جبهة النصرة»، و«جيش المهاجرين والأنصار» وبدرجة أقل «كتائب الصّفوة»، لتدخل على خط المعارك (انطلاقاً من محاور عدّة، مثل حلب القديمة، وريف إدلب، وريف حلب الشمالي)، ما أسهم في توازن المجموعات المسلحة التي كادت تنهار. وأدّى «الحشد النفسي» دوراً مهمّا في منع الانهيار. سرت سريعاً في مناطق الريف الخاضع للمسلحين شائعات عن اعتزام الجيش السوري وحلفائه «حرق الأخضر واليابس، وارتكاب المجازر، واغتصاب النساء.. إلخ». وهبّ كل من يملك سلاحاً لـ«منع وقوع الكارثة»، ولا سيّما مع وصول إمدادات جديدة (نوعيّة) عبر الحدود التركية. كانت النتيجة الأبرز امتصاص صدمة الهجوم الأولى، وتوازن المُدافعين. انعكسَ الأمر في ميدان المعارك، ومالت الموازين لمصلحة المسلّحين.
آخر تطورات المعارك
أدت تطورات المعارك إلى انكفاء الجيش وحلفائه في غير نقطة. أبرزها رتيان، ومزارع الملّاح. فيما تفرض المجموعات المسلّحة حصاراً على حردتنين، قبل أن تتمكن من دخولها ليل أمس مع انسحاب قوات الجيش منها إلى باشكوي. ويبدو أن أولوية الجيش في المرحلة الراهنة تتوجه نحو محاولة التشبث في باشكوي، فيما تسعى المجموعات المسلّحة إلى شن هجمات في الخطوط الخلفيّة للجيش (نحو سيفات، وقرية حندرات، والسجن المركزي، والمدينة الصناعية) انطلاقاً من مزارع الملّاح في حال تمكنها من تثبيت السيطرة عليها (الأمر الذي يبدو صعباً في ظل إصرار الجيش على استعادتها سريعاً). الأخيرة شهدت تداولاً مستمرّاً للسيطرة في الفترة الأخيرة نظراً لأهميتها، حيث كانت قبيل شهر في قبضة الجيش السوري، قبل أن تعاود المجموعات المسلحة السيطرة عليها قبل حوالي أسبوعين. وصباح المعركة الأخيرة استردّها الجيش، لتعود نهار أمس إلى سيطرة المسلحين («جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة صلاح الدين الشيشاني)، قبل أن يعاود الجيش وحلفاؤه في وقت متأخر أمس شنّ هجمات فيها.
المصدر :
الأخبار / صهيب عنجريني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة