لعلها المرة الأولى التي يتحوَل فيها منصب رئاسة الأركان الإسرائيلية في الكيان الذي يوصف عادة بأنه «جيش يمتلك دولة»، إلى عبء ثقيل ومصيدة للضباط الذين أمضوا عقودا في قتل الفلسطينيين والعرب واستباحة أرضهم. إذ إن ما ينتظر الجنرال غادي ايزنكوت الذي تولَى المنصب خلفا للجنرال بيني غانتس، من تحديات أمنية غير مسبوقة، وذات طبيعة إستراتيجية وجودية، ولاسيما في جبهتي الجولان المحتل وجنوب لبنان، يتجاوز قدرات هذا الرجل الذي شغل منصب قائد «لواء جولاني» وقائد ما يسمى «الجبهة الشمالية» على مدار خمسة أعوام بعد عدوان 2006، والذي يعتبر أب ما أطلق عليه «عقيدة الضاحية» خلال هذا العدوان، كما يتجاوز إمكانيات الجيش الإسرائيلي وجبهته الداخلية رغم كل المناورات والتجهيزات والاستعدادات التي لم تتوقف طوال السنوات التسع الماضية.

ما يجري في الميدان العسكري والسياسي من تغيير لميزان القوى، وقلب للمعادلات الإستراتيجية، وتظهير ذلك بعملية «شهداء القنيطرة» وعملية الجيش السوري الواسعة التي أسقطت مشروع «المنطقة العازلة» في المناطق المتاخمة للجولان المحتل، والتي ستتحول إلى قواعد متقدمة للمقاومة ضد المحتلين، يطرح أسئلة على الإسرائيليين الذين بشَرهم نتانياهو، خلال تنصيب ايزنكوت، أن عليهم من الآن وصاعدا مواجهة ثلاث جبهات دفعة واحدة في المنازلة المقبلة، أكثر مما يوفر إجابات. فمن جهة، تحتاج إسرائيل المأزومة إلى حرب يمكن، من خلالها، وقف، أو أقلَه تخفيض منسوب الخسارة والمخاطر الإستراتيجية التي بدأت تأكل من هيبتها وقدرتها على الردع، والمعبَر عنها بوحدة قوى المقاومة وجبهات المواجهة الممتدة من جنوب لبنان والجولان إلى قطاع غزة، وفق نتانياهو، ومن جهة أخرى، إجماع الإسرائيليين: حكومة، وطبقة سياسية، وجيشاً، ورأياً عاماً، على أن كيانهم بات يفتقر إلى مقومات خوض حرب رابحة من شأنها بعث الحياة في أيقونة «الردع الإسرائيلي» الذي يعترف الصحفي يوسي يهوشع، بأنه مات على يد عملية مزارع شبعا التي فتحت الباب واسعا أمام بلورة قواعد قتال جديدة تقررها المقاومة.

في مواجهة ذلك، وتحت وطأة الحقائق المستجدة التي لم يعد يتحرَج منها محلَلو الصحف ووسائل الإعلام العبرية: إسرائيل عرضة للحروب؛ «حزب الله» منظمة قوية وخطيرة يحظر التحرش بها، ولاسيما بعد تحرره من ضغوط اللبنانيين وعدم وجود أية قيود لجهة خياراته الهجومية ضد إسرائيل؛ إسرائيل لا مصلحة لها في الحرب؛ ممنوع التصرف بشكل هوجائي قد يؤدي إلى تدهور لا يمكن السيطرة عليه. ممنوع اتخاذ أية إجراءات تشجع على نشوب الحرب. في مواجهة كل ذلك، يهرب أقطاب الحكومة اليمينية وقادة الجيش إلى مربع المبررات والحجج والذرائع، من نمط الحديث عن افتقار الجيش إلى خطة متعددة السنوات مصدق عليها، وإلى ميزانية سنوية، وتدني مستوى تدريبات الوحدات النظامية ووحدات الاحتياط، ووجود فجوة كبيرة بين القدرات الحالية للقوات البرية والمتطلبات المتنوعة جداً التي يفرضها الواقع الإقليمي، فضلا عن الفجوة المتعلقة بوسائل القتال.

واستتباعا، ترتفع وتيرة الثرثرة العقيمة المتخمة بالتناقض حول الخيارات التي يمكن بلورتها في مواجهة هذا المستجد الإستراتيجي. فمن ضرورة «تجاوز التصعيد وتقوية الردع»! إلى «الضغط على المجتمع الدولي لدفع حزب اللـه إلى الامتناع عن استفزاز إسرائيل»، وهي مفارقة تاريخية من طراز جديد، إلى خيار الهجوم العسكري الذي «يؤلم حزب اللـه ولكنه لا يستدعي منه الرد»!! ما يعني، في المحصلة، أن إسرائيل باتت تعيش مأزقا وجوديا غير مسبوق بعد أن تحولت، فعليا وبالملموس، إلى كيان «مردوع».

  • فريق ماسة
  • 2015-02-17
  • 7785
  • من الأرشيف

إسرائيل ومحور المقاومة.. من «يردع» من؟!

لعلها المرة الأولى التي يتحوَل فيها منصب رئاسة الأركان الإسرائيلية في الكيان الذي يوصف عادة بأنه «جيش يمتلك دولة»، إلى عبء ثقيل ومصيدة للضباط الذين أمضوا عقودا في قتل الفلسطينيين والعرب واستباحة أرضهم. إذ إن ما ينتظر الجنرال غادي ايزنكوت الذي تولَى المنصب خلفا للجنرال بيني غانتس، من تحديات أمنية غير مسبوقة، وذات طبيعة إستراتيجية وجودية، ولاسيما في جبهتي الجولان المحتل وجنوب لبنان، يتجاوز قدرات هذا الرجل الذي شغل منصب قائد «لواء جولاني» وقائد ما يسمى «الجبهة الشمالية» على مدار خمسة أعوام بعد عدوان 2006، والذي يعتبر أب ما أطلق عليه «عقيدة الضاحية» خلال هذا العدوان، كما يتجاوز إمكانيات الجيش الإسرائيلي وجبهته الداخلية رغم كل المناورات والتجهيزات والاستعدادات التي لم تتوقف طوال السنوات التسع الماضية. ما يجري في الميدان العسكري والسياسي من تغيير لميزان القوى، وقلب للمعادلات الإستراتيجية، وتظهير ذلك بعملية «شهداء القنيطرة» وعملية الجيش السوري الواسعة التي أسقطت مشروع «المنطقة العازلة» في المناطق المتاخمة للجولان المحتل، والتي ستتحول إلى قواعد متقدمة للمقاومة ضد المحتلين، يطرح أسئلة على الإسرائيليين الذين بشَرهم نتانياهو، خلال تنصيب ايزنكوت، أن عليهم من الآن وصاعدا مواجهة ثلاث جبهات دفعة واحدة في المنازلة المقبلة، أكثر مما يوفر إجابات. فمن جهة، تحتاج إسرائيل المأزومة إلى حرب يمكن، من خلالها، وقف، أو أقلَه تخفيض منسوب الخسارة والمخاطر الإستراتيجية التي بدأت تأكل من هيبتها وقدرتها على الردع، والمعبَر عنها بوحدة قوى المقاومة وجبهات المواجهة الممتدة من جنوب لبنان والجولان إلى قطاع غزة، وفق نتانياهو، ومن جهة أخرى، إجماع الإسرائيليين: حكومة، وطبقة سياسية، وجيشاً، ورأياً عاماً، على أن كيانهم بات يفتقر إلى مقومات خوض حرب رابحة من شأنها بعث الحياة في أيقونة «الردع الإسرائيلي» الذي يعترف الصحفي يوسي يهوشع، بأنه مات على يد عملية مزارع شبعا التي فتحت الباب واسعا أمام بلورة قواعد قتال جديدة تقررها المقاومة. في مواجهة ذلك، وتحت وطأة الحقائق المستجدة التي لم يعد يتحرَج منها محلَلو الصحف ووسائل الإعلام العبرية: إسرائيل عرضة للحروب؛ «حزب الله» منظمة قوية وخطيرة يحظر التحرش بها، ولاسيما بعد تحرره من ضغوط اللبنانيين وعدم وجود أية قيود لجهة خياراته الهجومية ضد إسرائيل؛ إسرائيل لا مصلحة لها في الحرب؛ ممنوع التصرف بشكل هوجائي قد يؤدي إلى تدهور لا يمكن السيطرة عليه. ممنوع اتخاذ أية إجراءات تشجع على نشوب الحرب. في مواجهة كل ذلك، يهرب أقطاب الحكومة اليمينية وقادة الجيش إلى مربع المبررات والحجج والذرائع، من نمط الحديث عن افتقار الجيش إلى خطة متعددة السنوات مصدق عليها، وإلى ميزانية سنوية، وتدني مستوى تدريبات الوحدات النظامية ووحدات الاحتياط، ووجود فجوة كبيرة بين القدرات الحالية للقوات البرية والمتطلبات المتنوعة جداً التي يفرضها الواقع الإقليمي، فضلا عن الفجوة المتعلقة بوسائل القتال. واستتباعا، ترتفع وتيرة الثرثرة العقيمة المتخمة بالتناقض حول الخيارات التي يمكن بلورتها في مواجهة هذا المستجد الإستراتيجي. فمن ضرورة «تجاوز التصعيد وتقوية الردع»! إلى «الضغط على المجتمع الدولي لدفع حزب اللـه إلى الامتناع عن استفزاز إسرائيل»، وهي مفارقة تاريخية من طراز جديد، إلى خيار الهجوم العسكري الذي «يؤلم حزب اللـه ولكنه لا يستدعي منه الرد»!! ما يعني، في المحصلة، أن إسرائيل باتت تعيش مأزقا وجوديا غير مسبوق بعد أن تحولت، فعليا وبالملموس، إلى كيان «مردوع».

المصدر : مأمون الحسيني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة