«غالباً ما تتحرك أسعار العملات بطريقة غير مفسرة على المدى القصير».. مقولة يعرفها جيداً المضاربون في سوق العملات الأجنبية (الفوركس)، إذ قد تتحرك الأسعار باتجاه مخالف لما تفترضه العوامل الأساسية المؤثرة في اتجاه السعر.

لكن هذا لا ينطبق أبداً على ما حدث منذ أسبوع في سوق الصرف السوداء، عندما تحرك الدولار بشكل مفاجئ مرتفعاً على مدى يومين لحدود 210 ليرات، قبل أن يرتد منخفضاً ليتحرك بين 196 و200 ليرة، وذلك لأن الأسباب واضحة بالنسبة لمحللي أسواق المال، ومفسرة، بل ومتوقعة، وقد تم التنبيه إليها في فترة سابقة.

هذه التحركات المفاجئة تقودها المحافظ الكبيرة في السوق بهدف جني الأرباح جراء المضاربة على الدولار أمام الليرة في دهاليز السوق السوداء، بعد فترة من الاستقرار في سعر الصرف، لا توفر إمكانية لجني الأرباح، خاصة أن حالة الاستقرار في أسعار الصرف تولد تلقائياً حالة من الركود في الطلب، كون المضاربة لا تكون مجدية في ظل عدم تقلب الأسعار بنسب مغرية.

وبناء على ذلك، تعمل المحافظ الكبيرة في السوق على تحريك الأسعار، إما بدفع من بعض الإشاعات، وإما من خلال جس نبض السوق في حال غياب أية حالة اقتصادية أو سياسية يمكن تحويلها إلى شائعة، وهذا ما شهدناه خلال الفترة الماضية علماً بأن الأخبار الاقتصادية المرتبطة بارتفاع معدل التصدير إلى 2 مليار دولار منذ بداية العام وتصريحات وزير الاقتصاد بأن عام 2014 سيشهد نمو اقتصادي موجب للمرة الأولى خلال الأزمة مقارنة مع العام الماضي، وعودة الإنتاج في العديد من المدن الصناعية، كلها عوامل إيجابية تدعم استقرار سعر الصرف.

أما المقصود بجس النبض، فهو رفع السعر بشكل تدريجي وحذر بشكل يومي وبنسب بسيطة، لاستكشاف مدى استجابة السوق لرفع سعر صرف الدولار، وتعامل السلطات النقدية معه، ليصار بعدها إلى رفعه بشكل أكبر يوفر إمكانية جني أرباح بنسب مهمة لكبار المتعاملين في السوق، فمن اشترى قرب 200 ليرة وباع عند 210 ربح 5% على رأسماله، بواقع 10 ليرات في كل دولار، أما شركات الصرافة فتربح من فارق سعر شرائها للدولار وبيعها له. وهذه هي الحقيقة خلف كل عمليات المضاربة، الشراء بسعر منخفض للبيع بسعر أعلى وجني الربح، في الاتجاه الصاعد للأسعار، وهذا ما حدث ويحدث منذ بداية الأسبوع الماضي.

وبناء على ذلك، كان حرياً بالسلطات النقدية التحرك لضبط السوق في فترات الاستقرار وليس عند الفورة وتحفيز الطلب، وضرب كل مكامن القوة في السوق السوداء، لتخفيف الضغط على الليرة السورية، إلى جانب توفير الدولار لمن يريد عبر القنوات الرسمية والمعروفة في الاقتصاد، والاستفادة من التجارب نفسها التي تتكرر كل عدة أشهر منذ ثاني عام من الأزمة، علماً بأن أهم قاعدة في المضاربة «التاريخ يعيد نفسه»، لذا فتكرار المشهد أمر متوقع جداً مع استمرار الظروف المساعدة.

ولا ننسى أن المستفيد الثاني من رفع الدولار بشكل مؤقت؛ بعد كبار المضاربين، هم التجار، الذين يرفعون أسعار بضائعهم تلقائياً، دون أن يخفضوها مع انخفاض الدولار، وهذا ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي، وخاصة في سوق الهواتف النقالة والذكية وملحقاتها وتفرعاتها. أما المتضرر الأكبر فهو «المستهلك» أي المواطن ومعه الاقتصاد الوطني.

ورغم أن الانخفاض جاء مع جلسة المصرف المركزي وإعلانه التدخل هذا الأسبوع، إلا أن المطلوب كان التدخل وقت الاستقرار، ومحاولات جس النبض، كما أن عمليات البيع وبدء جني الأرباح تتحرك مع أي مؤثر إيجابي على السوق، مثل خبر التدخل، لكن السياسات المطلوبة يجب أن تأخذ في حسبانها موضوع التوقيت، لأنه العنصر الأهم في عالم الأسواق.

ونذكر بأن مصرف سورية المركزي قد أعلن عن نيته ضخ 100 مليون دولار أميركي هذا الأسبوع عبر المصارف لأغراض تمويل المستوردات وفق أسعار تمويل العمليات التجارية ومبلغ 50 مليون دولار عبر مؤسسات الصرافة. وكان حاكم المصرف أديب ميالة قد شدد خلال جلسة تدخل نوعية بحضور ممثلين عن مؤسسات الصرافة المرخصة لمناقشة آخر مستجدات تطور سعر صرف الليرة السورية على أن «استقرار سعر الصرف هو الهدف الرئيس الذي يسعى المصرف للحفاظ عليه».

 

  • فريق ماسة
  • 2014-11-22
  • 15221
  • من الأرشيف

«المركزي» ينوي ضخ الدولار لضبط السوق.. وتجار «العملة الصعبة» يملؤون جيوبهم من المضاربات

«غالباً ما تتحرك أسعار العملات بطريقة غير مفسرة على المدى القصير».. مقولة يعرفها جيداً المضاربون في سوق العملات الأجنبية (الفوركس)، إذ قد تتحرك الأسعار باتجاه مخالف لما تفترضه العوامل الأساسية المؤثرة في اتجاه السعر. لكن هذا لا ينطبق أبداً على ما حدث منذ أسبوع في سوق الصرف السوداء، عندما تحرك الدولار بشكل مفاجئ مرتفعاً على مدى يومين لحدود 210 ليرات، قبل أن يرتد منخفضاً ليتحرك بين 196 و200 ليرة، وذلك لأن الأسباب واضحة بالنسبة لمحللي أسواق المال، ومفسرة، بل ومتوقعة، وقد تم التنبيه إليها في فترة سابقة. هذه التحركات المفاجئة تقودها المحافظ الكبيرة في السوق بهدف جني الأرباح جراء المضاربة على الدولار أمام الليرة في دهاليز السوق السوداء، بعد فترة من الاستقرار في سعر الصرف، لا توفر إمكانية لجني الأرباح، خاصة أن حالة الاستقرار في أسعار الصرف تولد تلقائياً حالة من الركود في الطلب، كون المضاربة لا تكون مجدية في ظل عدم تقلب الأسعار بنسب مغرية. وبناء على ذلك، تعمل المحافظ الكبيرة في السوق على تحريك الأسعار، إما بدفع من بعض الإشاعات، وإما من خلال جس نبض السوق في حال غياب أية حالة اقتصادية أو سياسية يمكن تحويلها إلى شائعة، وهذا ما شهدناه خلال الفترة الماضية علماً بأن الأخبار الاقتصادية المرتبطة بارتفاع معدل التصدير إلى 2 مليار دولار منذ بداية العام وتصريحات وزير الاقتصاد بأن عام 2014 سيشهد نمو اقتصادي موجب للمرة الأولى خلال الأزمة مقارنة مع العام الماضي، وعودة الإنتاج في العديد من المدن الصناعية، كلها عوامل إيجابية تدعم استقرار سعر الصرف. أما المقصود بجس النبض، فهو رفع السعر بشكل تدريجي وحذر بشكل يومي وبنسب بسيطة، لاستكشاف مدى استجابة السوق لرفع سعر صرف الدولار، وتعامل السلطات النقدية معه، ليصار بعدها إلى رفعه بشكل أكبر يوفر إمكانية جني أرباح بنسب مهمة لكبار المتعاملين في السوق، فمن اشترى قرب 200 ليرة وباع عند 210 ربح 5% على رأسماله، بواقع 10 ليرات في كل دولار، أما شركات الصرافة فتربح من فارق سعر شرائها للدولار وبيعها له. وهذه هي الحقيقة خلف كل عمليات المضاربة، الشراء بسعر منخفض للبيع بسعر أعلى وجني الربح، في الاتجاه الصاعد للأسعار، وهذا ما حدث ويحدث منذ بداية الأسبوع الماضي. وبناء على ذلك، كان حرياً بالسلطات النقدية التحرك لضبط السوق في فترات الاستقرار وليس عند الفورة وتحفيز الطلب، وضرب كل مكامن القوة في السوق السوداء، لتخفيف الضغط على الليرة السورية، إلى جانب توفير الدولار لمن يريد عبر القنوات الرسمية والمعروفة في الاقتصاد، والاستفادة من التجارب نفسها التي تتكرر كل عدة أشهر منذ ثاني عام من الأزمة، علماً بأن أهم قاعدة في المضاربة «التاريخ يعيد نفسه»، لذا فتكرار المشهد أمر متوقع جداً مع استمرار الظروف المساعدة. ولا ننسى أن المستفيد الثاني من رفع الدولار بشكل مؤقت؛ بعد كبار المضاربين، هم التجار، الذين يرفعون أسعار بضائعهم تلقائياً، دون أن يخفضوها مع انخفاض الدولار، وهذا ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي، وخاصة في سوق الهواتف النقالة والذكية وملحقاتها وتفرعاتها. أما المتضرر الأكبر فهو «المستهلك» أي المواطن ومعه الاقتصاد الوطني. ورغم أن الانخفاض جاء مع جلسة المصرف المركزي وإعلانه التدخل هذا الأسبوع، إلا أن المطلوب كان التدخل وقت الاستقرار، ومحاولات جس النبض، كما أن عمليات البيع وبدء جني الأرباح تتحرك مع أي مؤثر إيجابي على السوق، مثل خبر التدخل، لكن السياسات المطلوبة يجب أن تأخذ في حسبانها موضوع التوقيت، لأنه العنصر الأهم في عالم الأسواق. ونذكر بأن مصرف سورية المركزي قد أعلن عن نيته ضخ 100 مليون دولار أميركي هذا الأسبوع عبر المصارف لأغراض تمويل المستوردات وفق أسعار تمويل العمليات التجارية ومبلغ 50 مليون دولار عبر مؤسسات الصرافة. وكان حاكم المصرف أديب ميالة قد شدد خلال جلسة تدخل نوعية بحضور ممثلين عن مؤسسات الصرافة المرخصة لمناقشة آخر مستجدات تطور سعر صرف الليرة السورية على أن «استقرار سعر الصرف هو الهدف الرئيس الذي يسعى المصرف للحفاظ عليه».  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة