قبل بلوغ الحدود الشمالية بين لبنان وسورية، تقتحم ذهنك عدة تكهنات مقلقة، توجهك نحو الساحل السوري ليس بقليل كتحدٍّ بين قناعاتك والمعنى الحقيقي للتضحيات وتقديمها، فإنّ وجهتك مدنٌ مكتظة بالشهداء، شعبٌ قدّم بسخاءٍ الكثير من الأثمان، كيف ستنظر بعينيك الى أعين أهلٍ قدّموا الغالي والنفيس وودعوا فلذات أكبادهم بدمعتين ووردة، كيف ستواجه هذا التحدي المضرّج بدماء الشهداء؟ تصغر أمام الاستقبال، صور الشهداء على كل حائط مزينة بالعلم السوري الوطني وحضور الرئيس بشار الأسد بكل المشهد كرمز، تخاف أكثر من المواجهة، ليس الكم بقليل، شهداء بحجم المواجهة الكونية، أكثر من تحدٍّ هو إذن، كيف ستبلسم تلك الجراح العميقة، بشرحٍ أو بتحليل! تعتقد أن لا أحد يستطيع، فإنّ الجرح يؤلم موضعه، تخال أنّ الناس ضجت، وأنّ الجراح أثخنت المعنويات ووقفت حائلاً بين المواجهة والتحديات.

تجالس أهلًا أقفل ولدهم محله التجاري وكتب عليه عبارة «مغلق بسبب الدفاع عن الوطن»، عائلاتٍ قدّمت شهيدًا واثنين وثلاثة، ولدًا وأخيه الأكبر والأصغر، عائلات لم يبقَّ منها سوى الأم والأب الجاهز بدوره أيضاً للقتال على الجبهات، تلاحظ أنّ هذا التقديم ليس من فراغ ثقافي أو أنّ العاطفة دفعت بمئات الشباب لارتداء البزة المرقطة، وأنّ جوهر الصراع بدافعٍ انتقامي، لا أبداً... رغم الأثمان الباهظة، يقدم لك أب شهيدٍ شرحًا عن الوضع السياسي وعن أسباب الصمود، فيبادر بالقول، العاطفة لا تواجه هذا المشروع الجهنمي رغم أنّ الثمن كبير، إلّا أنّ العقل السياسي المدير للمواجهة يتمتع بثقتنا وحكمته هي الخلاص للوطن، وزرع للشهداء سيثمر للأبناء، فقد قرّر القائد أن نواجه لننجو مع وطننا كاملاً، وقواعد المواجهة العاقلة هي أن نقاتل كي نقضي على مشروع، لا أن نُقْتل مع عدوّنا.. ثم يقول عم شهيدٍ آخر، إن قارنت المشروع الشيطاني الذي نواجهه وحجم التضحيات، ترى أنّ النتيجة مرضية للشعب والوطن، والتذمر من كم الشهداء ليست ثقافتنا ولا نرضى أن تضيع تضحياتنا بتذمرٍ لا يرد سكينًا مسلطًا على رقابنا أو ذبحاً يهدد بإبادة شعبٍ بكل مكوناته إن لم يكن معهم وفي خطّهم الكافر بالله والوطن والمذاهب جمعاء.

قدرنا أن نحارب الظلام وأن نكون كسوريا تقاتل عن كل العرب، ألم تلاحظ العلم اللبناني في قلب طرطوس، رفع على تابوت شهيد الجيش اللبناني «جعفر علي اسعد» الذي استشهد بمعركة الجيش اللبناني الأخيرة مع الإرهابيين في طرابلس والمنية؟ ألم ترَه مرفوعاً على أكتاف السوريين والزغاريد نفسها والاستقبال نفسه؟ هل أدرك بعض اللبنانيين أنّ المعركة والشهداء يوارون الثرى في سوريا كما في لبنان من أجلهما؟ ولنفس القضية.. في مواجهة نفس العدو؟ هذا ما قاله أحد أبناء الساحل السوري، ساحل الوحدة الوطنية، ساحل استقبل إخوته السوريين من كل الطوائف من كل مدنها حيث حل الإرهاب باسم الحرية وباسم الله.

بعد كل جلسة وكل لقاء تشعر بالتفاؤل العقلاني، وأنّ هذا الساحل المعطاء لم يبخل ولن يبخل، ثقافة العطاء الإيماني تُترجم بابتسامة الواثق وكلمة العاقل الخبير على ثغر رجلٍ طاعنٍ في السن يقول لا خوف على سوريا، فخيرة شبابها قدّموا أنفسهم على مذبحها بسخاء، لغة الوحدة لم تدنسها الطائفية، نبرة الوطنية بأدبياتهم لم تغدرها الخناجر المسمومة بدين فلان ومذهب علّان، أبناء الساحل فهموا فقه المواجهة وسيعلمون العالم ماذا يعني العشق وما هي التضحية وما هي مكانة الوطن سورية في قلوبهم وكيف يجري حبها بدمائهم التي ستنتصر.

*عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديمقراطي

  • فريق ماسة
  • 2014-11-10
  • 8641
  • من الأرشيف

ساحل الشهداء...كريم كسورية

قبل بلوغ الحدود الشمالية بين لبنان وسورية، تقتحم ذهنك عدة تكهنات مقلقة، توجهك نحو الساحل السوري ليس بقليل كتحدٍّ بين قناعاتك والمعنى الحقيقي للتضحيات وتقديمها، فإنّ وجهتك مدنٌ مكتظة بالشهداء، شعبٌ قدّم بسخاءٍ الكثير من الأثمان، كيف ستنظر بعينيك الى أعين أهلٍ قدّموا الغالي والنفيس وودعوا فلذات أكبادهم بدمعتين ووردة، كيف ستواجه هذا التحدي المضرّج بدماء الشهداء؟ تصغر أمام الاستقبال، صور الشهداء على كل حائط مزينة بالعلم السوري الوطني وحضور الرئيس بشار الأسد بكل المشهد كرمز، تخاف أكثر من المواجهة، ليس الكم بقليل، شهداء بحجم المواجهة الكونية، أكثر من تحدٍّ هو إذن، كيف ستبلسم تلك الجراح العميقة، بشرحٍ أو بتحليل! تعتقد أن لا أحد يستطيع، فإنّ الجرح يؤلم موضعه، تخال أنّ الناس ضجت، وأنّ الجراح أثخنت المعنويات ووقفت حائلاً بين المواجهة والتحديات. تجالس أهلًا أقفل ولدهم محله التجاري وكتب عليه عبارة «مغلق بسبب الدفاع عن الوطن»، عائلاتٍ قدّمت شهيدًا واثنين وثلاثة، ولدًا وأخيه الأكبر والأصغر، عائلات لم يبقَّ منها سوى الأم والأب الجاهز بدوره أيضاً للقتال على الجبهات، تلاحظ أنّ هذا التقديم ليس من فراغ ثقافي أو أنّ العاطفة دفعت بمئات الشباب لارتداء البزة المرقطة، وأنّ جوهر الصراع بدافعٍ انتقامي، لا أبداً... رغم الأثمان الباهظة، يقدم لك أب شهيدٍ شرحًا عن الوضع السياسي وعن أسباب الصمود، فيبادر بالقول، العاطفة لا تواجه هذا المشروع الجهنمي رغم أنّ الثمن كبير، إلّا أنّ العقل السياسي المدير للمواجهة يتمتع بثقتنا وحكمته هي الخلاص للوطن، وزرع للشهداء سيثمر للأبناء، فقد قرّر القائد أن نواجه لننجو مع وطننا كاملاً، وقواعد المواجهة العاقلة هي أن نقاتل كي نقضي على مشروع، لا أن نُقْتل مع عدوّنا.. ثم يقول عم شهيدٍ آخر، إن قارنت المشروع الشيطاني الذي نواجهه وحجم التضحيات، ترى أنّ النتيجة مرضية للشعب والوطن، والتذمر من كم الشهداء ليست ثقافتنا ولا نرضى أن تضيع تضحياتنا بتذمرٍ لا يرد سكينًا مسلطًا على رقابنا أو ذبحاً يهدد بإبادة شعبٍ بكل مكوناته إن لم يكن معهم وفي خطّهم الكافر بالله والوطن والمذاهب جمعاء. قدرنا أن نحارب الظلام وأن نكون كسوريا تقاتل عن كل العرب، ألم تلاحظ العلم اللبناني في قلب طرطوس، رفع على تابوت شهيد الجيش اللبناني «جعفر علي اسعد» الذي استشهد بمعركة الجيش اللبناني الأخيرة مع الإرهابيين في طرابلس والمنية؟ ألم ترَه مرفوعاً على أكتاف السوريين والزغاريد نفسها والاستقبال نفسه؟ هل أدرك بعض اللبنانيين أنّ المعركة والشهداء يوارون الثرى في سوريا كما في لبنان من أجلهما؟ ولنفس القضية.. في مواجهة نفس العدو؟ هذا ما قاله أحد أبناء الساحل السوري، ساحل الوحدة الوطنية، ساحل استقبل إخوته السوريين من كل الطوائف من كل مدنها حيث حل الإرهاب باسم الحرية وباسم الله. بعد كل جلسة وكل لقاء تشعر بالتفاؤل العقلاني، وأنّ هذا الساحل المعطاء لم يبخل ولن يبخل، ثقافة العطاء الإيماني تُترجم بابتسامة الواثق وكلمة العاقل الخبير على ثغر رجلٍ طاعنٍ في السن يقول لا خوف على سوريا، فخيرة شبابها قدّموا أنفسهم على مذبحها بسخاء، لغة الوحدة لم تدنسها الطائفية، نبرة الوطنية بأدبياتهم لم تغدرها الخناجر المسمومة بدين فلان ومذهب علّان، أبناء الساحل فهموا فقه المواجهة وسيعلمون العالم ماذا يعني العشق وما هي التضحية وما هي مكانة الوطن سورية في قلوبهم وكيف يجري حبها بدمائهم التي ستنتصر. *عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديمقراطي

المصدر : علي فضة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة