دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ليست صدفة أن ترسو السفينة العسكرية الروسية في طرطوس، في رسالة بليغة المعنى بشأن حيوية التواجد العسكري الروسي على الساحل السوري بمثل هذا التوقيت،وبمثل هذه الجهوزية حيث تمتلك السفينة أنظمة دفاع جوي متطورة، وقدرات هجومية صاروخية بعيدة المدى.
ولم يكن مجرد حادث متزامن إسقاط اسرائيل طائرة «الميغ» السورية فوق الجولان، بعد أيام على التورط التركي الفاضح في هجوم «داعش» على القرى الكردية في الشمال السوري. وكأن اسرائيل تقول، كما قالت تركيا قبلها، إنني لست مسرورة كثيراً باحتمال استفادة دمشق ولو بشكل غير مباشر من الضربات الجوية التي ذهب اليها باراك أوباما. وكأن اسرائيل تقول أيضا، كما قالت تركيا قبلها، إنني قادرة على التعايش مع فكرة وجود جهاديي الإرهاب على «حدودي»، بل تأمين ملاذات آمنة لهم.
ولا الأمر صدفة أن يأتي موقف إيران المنتقد للغارات التي قادتها الولايات المتحدة على ما يفترض أنها مواقع إرهابية في داخل سوريا للمرة الأولى. تترك إيران عادة مسافة «مبدئية» تتيح لها التحرّك لاحقاً في اتجاهات تناسبها، وتتيح لها حصد المكاسب. فعلت ذلك في أفغانستان وفي العراق. حصدت بعد الحربين الأميركيتين عليهما، الكثير من الاوراق. المناورة بشأن سوريا محدودة. المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية سبق له أن حدّد سقف المصلحة الإيرانية الإستراتيجية. دمشق خط الدفاع الأول عن طهران، تماماً كما هي بيروت، ويبدو أن صنعاء صارت عاصمة أساسية في المشهد العام لدائرة الحراك الإيراني. ولهذا لم تكن صدفة هي الأخرى، أن تكتفي السعودية بقدّها وقديدها ببيان يرحّب بالاتفاق الذي وقّعته القوى اليمنية المختلفة بعد ساعات على سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، ثم يتحدث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، متفائلا، وربما من باب التسليم، بعد اللقاء مع نظيره محمد جواد ظريف في نيويورك، بضرورة تجاوز أخطاء الماضي ما بين الرياض وطهران.
لكن بغضّ النظر عن الجدل بشأن التنسيق المباشر أو غير المباشر بين واشنطن ودمشق، بشأن الضربات العسكرية ضد الإرهاب، فإن الواقع الفعلي يشي بأن الطائرات السورية وطائرات «الحلفاء» تناوبت في وقت متزامن تقريباً على ضرب أهداف لفصائل الإرهاب، فيما عادت وأكدت العاصمتان حصول الاتصال المسبق.
لكن الاطمئنان يبدو خياراً مخيفاً الآن، ونوعا من الهذيان. المقاتلات الخليجية التي تكاد تصدأ في قواعدها، لا يمكن أن تقدم قناعات جديدة بأن بعض الدول ذاتها التي موّلت حرب الخراب على سوريا، تتجرّأ الآن لخوض غمار حرب ومواجهة «الوحش» الذي ساهمت في خلقه. وعموماً فإن المشاركة الخليجية والأردنية، تبدو كما تشير المعطيات الأولية، كانت شكلية ومحدودة، ولهذا ربما كان من اللافت أن المقاتلات الأميركية هي التي تولّت أساساً مهمّة شن الغارات، واكتفى الاخرون بعمليات المساندة، وخصوصا في منطقة ريف حلب التي تتطلب اكثر من غيرها دقة أكبر، حيث تتداخل مواقع الاشتباك بين الجيش السوري ومختلف التنظيمات «الجهادية».
لا تحتمل المسألة «خطأ» ما يتسبب بسقوط التفاهمات القائمة بصعوبة ما بين واشنطن وطهران ودمشق وموسكو وبغداد، وعواصم الدول الأخرى الملتحقة التحاقاً بـ«التحالف». ولا تبدو سلسلة الاعتقالات والمحاكمات المحدودة التي قامت بها بعض العواصم الخليجية، بالإضافة الى تركيا، مقنعة لكثيرين بأنها قطعت روابطها المالية والسياسية والأخلاقية مع تنظيمات الإرهاب في سوريا وغيرها.
ولكنها حرب، وهي لا تعني أن ما من مفاوضات تجري من خلف الكواليس. وفيما يحلو للبعض أن يرى حرباً باردة تجري، وآخرون يتحدثون عن لعبة شطرنج إقليمية تشارك فيها القوى الكبرى، فإن العبرة الحقيقية من الغارات بالامس ـ والتي للمناسبة لم تقتصر على «داعش» ـ يجب أن تنجلي في الاسابيع القليلة المقبلة حيث ستنكشف الكذبة الكبرى المتمثلة بـ«المعتدلين» وعجزهم عن استغلال الغارات الجوية لتغيير الوقائع على الارض. وبهذا المعنى فقط، فإن دمشق ستحقق، في المدى المنظور، مكاسب اضافية... من أطراف ريفها وصولا الى جرود القلمون.
المصدر :
السفير / خليل حرب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة