دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حلل الدكتور الرئيس بشار الأسد في حواراته العديدة الصحفية والتلفزيونية المؤامرة على سورية وشرح ظاهرة الإسلام السياسي بدقة.
فعلى ظاهرة تقسيم الهوية العربية ومكوناتها الدينية والوطنية ركَّز الرئيس بشار الأسد على خطورة المصطلحات، وأعتبر تقسيم الهوية بفضل إختراع الخصم لمصطلحات بعينها أخطر من التقسيم الجغرافي للدول.
لعلنا هنا نُذكِّر بأهمية طبع كل حوارات الدكتور الرئيس الأسد في الأربع سنوات الماضية في كتاب وتوزيعه عربيا. وأيضا أن تركز على مساهماته الفكرية مراكز الدراسات الإستراتيجية السورية، والعربية الوطنية، والعمل على تعميمها كمرشد فكري نظري يتمحور حولها مثقفو ومفكرو المشرق العربي. عَرَّت مساهمات الرئيس بشار الأسد الفكرية بلحاظ المؤامرة على سورية الغموض النظري والعملي للأزمة العربية في بعدها التاريخي القديم والمعاصر، وبينت ما أعترى الواقع الثقافي العربي المعاصر من تشويه على يد الإعلام الخليجي ومراكز البحوث الخليجية التي تتعاون مباشرة مع مراكز بحوث بريطانية وأمريكية مثل معهد بروكنجز، يعاونها بعض المتثقفين العرب المزيفين.
أهم مساهمات الرئيس بشار الأسد التي لفتت نظري هي قوله أن تنظيم الإخوان المسلمين والسلفية الوهابية مشروعا فتنة بريطانيين، لتقسيم الهوية والمجتمعات العربية والأمة الإسلامية إلى شطرين متقابلين، وتمزيق ما يتبقى منهما نحو مزيد من التمزيق. ولعلنا نقول، أن هذين المشروعين، إضافة إلى الفتنة المذهبية والدموية وتقسيم وتفتيت الهوية الشاملة، وتجهيل العرب والمسلمين بتاريخهم وتزييف دينهم، ما أنفكا أبدا في توليد المصطلحات التشطيرية الخبيثة، والكذب، وقلب الحقائق الإقليمية.
على سبيل المثال لا الحصر، لقد توقف شخصي الضعيف بشكل مستقل أمام مصطلح العلمانية وكتبت فيه بضعة مقالات نقدية. هذا المصطلح الدخيل من أخطر أسلحة المملكة السعودية التي روجته في العالم العربي والإسلامي. والعجب أن المصطلح أصبح ملاذا للمثقفين العرب في مواجهة الهمجية السلفية الوهابية بدون فهم. ما أثار شهيتي للبحث حول موضوع العلمانية مقالة كتبها القانوني السوري الضليع المرحوم الدكتور محمد معروف الدواليبي في صحيفة الشرق الأوسط بداية التسعينيات. وختم مقالته بالجزم أن الإسلام علماني.
والقصة كما ذكرها الدواليبي في مقالته بإختصار، لفت الأمير شكيب إرسلان نظر المرحوم الدواليبي أنه وجد شارعا في جنيف يسمى شارع ابوزيد، حين سأل السكان لم يعرفوا من هو، وأشاروا له أن يستعين بمراجع المكتبة الوطنية. وذهب الأمير للمكتبة وعاونه موظفوها، وللمفاجأة أكتشفوا أن ابو زيد فيلسوف مسلم يبدو من شمال أفريقيا، وهو معلم وأستاذ جان جاك روسو، وفولتير الخ وهو من علمهم أطروحة "مشروعية الحاكم تستمد من بيعة الشعب"، وهي أطروحة نافية للهيمنة الكنسية باسم الله على الدولة. فكان كتاب "العقد الإجتماعي" لجان جاك روسيو ثمرة هذا التلاقح. يقول المرحوم الدواليبي، زرت جنييف بعد عدة سنوات، وجدتهم قد أزالوا اسم أبو زيد. وبدورنا نؤيد ما وصل إليه المرحوم الدواليبي أن الإسلام علماني، إذن مصطلح العلمانية secularism في سياقه التاريخي الأوروبي، لا يعني سوى البيعة، اي بيعة الشعب. ولكن كيف أصبح مصطلح العلمانية رديفا للإلحاد وفصل الدين عن الدولة؟
في تحليلي.. بفضل الماكينة الإخوانية والوهابية.
المجتمعات الغربية اليوم تطبق ما توصل إليه المسلمون قبل إربعة عشرة قرنا، بفضل الفيلسوف المسلم فيرمين أبو زيد Firmin Abauzit – هكذا هو أسمه راجع الويكيبيديا بالأنترنيت. أي طبقت مبدأ البيعة الشعبية، سيان إختلاف طرقها ومسمياتها كما فَصَّل الماوردي وابن أبي يعلي الفراء. وبتعبير آخر العلمانية تعني الإنتخاب الديمقراطي وهو لا شئ سوى بيعة الجمهور، ليس بيعة الخاصة فقط، أو أهل الحل والعقد طبقا لرؤية دهاقنة الدين الذين ربطوا مصالحهم بمصلحة السلاطين. ما لا شك فيه، لن تسمح العوائل الحاكمة في الخليج، ولن تسمح بريطانيا أن يضع شعب الجزيرة العربية وريقة في صناديق الإنتخاب تحرم السيد والعميل من سرقة البترول العربي. لذا زحزحوا مدلول مصطلح العلمانية -الدخيل على العالم العربي- من أساسه، من بيعة الشعب، إلى شيء آخر مثل خرافة فصل الدين عن الدولة بلحاظ تحجيم دور الكنيسة الغربية، أو الإلحاد نسبة إلى قولهم أن الإنتخاب الديمقراطي بضاعة الدول الغربية "الكافرة".
وبتأمل شخص المرحوم الدكتور الدواليبي، وسيرته الذاتية العظيمة، نجد أن الملك فيصل قد أصطاده في فترة كالحة من الصراع في الهيمنة على الإقليم العربي، أي في عام 1965م، طلبا للتحشيد السياسي لصالح مملكة الصحراء. لم يدرك فيصل، ومن أين له أن يدرك، ان شخص الدواليبي شخص عالم باحث، وليس مروجا publicist كمحمد رشيد رضا، والبنا، وحافظ وهبة، ومحب الدين الخطيب واحمد أمين الخ. كما أن فيصل لم يدرك أن الدواليبي ليس بطالب ثروة. رشى الملك فيصل في نفس عام 1965م النخبة السياسية السودانية بدءا من رئيس الوزراء محمد أحمد محجوب، ومربيه رأس الطائفة الإنصارية الهادي المهدي، ورئيس الطائفة الختمية، وحصان الإخوان المسلمين وقتها الشاب حسن الترابي، وقام المرتشون بإنقلاب مشهور على النظام الديمقراطي في السودان، حين، بدافع الرشوة المالية الفيصلية الضخمة لمحاربة الشيوعية -محاربة عبدد الناصر- فصلوا أحد عشرة عضوا شيوعيا من البرلمان، مما أدى إلى إنفجار أزمة دستورية عطلت السودان أربع سنوات أنتهت بإنقلاب عسكرى قاده النميري.
عندما يخلص المرحوم محمد معروف الدواليبي بالقول: إن الإسلام علماني، يضرب الدواليبي في الصميم أهم مصطلح وهابي-بريطاني-صهيوني تشطيري خبيث. فالمقابلة antithesis لمصطلح "علماني" هو "إسلامي"، هذا الأخير لا يجاوز عمره ثمانين عاما ولم يك مستعملا قط في كتب المفسرين وكتاب السيرة، استعملوا فقط مصطلحي المسلم والمسلمين. وعليه، حين يصبح عضو تنظيم الإخوان المسلمين "إسلامي" طبقا للإصطلاح، وكما يدعون على إنهم هم "أهل الإسلام"، تصبح أنت بالضرورة الإقصائية "علماني"، غير مسلم وربما كافر في نظرهم. هكذا يشطرون الأمة والمجتمعات المسلمة إلى شطرين متقابلين، وهذا هو ميكانيزم المصطلحات المتقابلة.
لذا لا يستغرب القارئ الكريم أن الدواليبي، هذه الشخصية السورية الفذة، تم دفنها بصمت، وضُرِب جدار سميك على كتبها وابحاثها من قبل السلطات السعودية ومؤسساتها الدينية التابعة، وفروعها الخارجية. فالماكينة السعودية الوهابية تنفر بالضرورة من البحوث الحقيقية. وبطبيعتها التكوينية التوظيفية في صنع لآلئ زائفة، تحيل عادة من يسقطون في شباكها إلى ابواق أو مروجين إيديولوجيين publicists للوهابية، إلى كائنات بلا عقل وبلا فكر ناقد أو قدرة تحليلية. هذه الماكينة السعودية فشلت في أن تحيل المرحوم الدواليبي إلى بوق لها، لذا لم يتم تلميعه "عربيا" وضرب عليه وعلى بحوثه ستار كثيف من الكتمان. أضف إلى ذلك كله، لكونه وعائلته ضيوفا في الحجاز، يحمل جواز سفر سعودي دبلوماسي، لم يك الدواليبي مغرما بالطلة الإعلامية، كتب بحوثه في صمت العالم الذي لا يسعى للشهرة.
لقد كشفت الهجمة الوهابية الصحراوية الشاملة هشاشة القوى الحية العربية المفكرة، وتفاجأ المثقفون والمفكرون العرب الحقيقيون شمولية الهجمة، سقطت معها الحواجز القطرية الوهمية، والنعرات الشوفينية حين ظن المفكر اللبناني، أو الأردني أو الفلسطيني أن القضية السورية أو العراقية لا تعنيه، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن مصيرهم الوجودي واحد، مما استولد مفهوما جبهويا جديدا من رحم الأزمة السورية، مقاوما، وحدويا على مستوى الوجود، عريضا، تحت مسمى المشرق العربي.
وتأتي المفاجاة الأخرى المفزعة حين يكتشف المثقفون والمفكرون العرب الحقيقيون أن لـ "لداعش" هوى في نفوس عوام الجمهور وعلمائهم. صدمة حقيقية أخرى للذات العربية المفكرة.
يكتب أحد الكتاب الكويتيين –خالد الأشهب- "كلنا داعش".. هي في بيوتنا، ومدارسنا، وصحفنا أي صنعناها بأنفسنا. ونقول، لم لا، وقد أنفق آل سعود أربعة وسبعين مليار دولارا فقط في الفترة 1974-2000م لترويج المذهب الوهابي التكفيري.
ويكتب الكاتب ناهض حتر مقالة بعنوان "داعش التي في العقول والقلوب"، قال: قد تنتهي وظيفة «داعش» كأداة امبريالية رجعية في وقت قريب، وتتلاشى مع التسويات المنتظرة، لكن ما كشفته «داعش»-التنظيم من تغلغل «داعش»-الأفكار والميول عند جمهور عربي واسع، يتطلّب القيام بثورة ثقافية شاملة، أظن أن لها أولوية مطلقة على جدول الأعمال العربي، وخصوصاً المشرقي. المطلوب الآن، ليس فقط حملة ضد جرائم «داعش»، بل ضد العقلية والسيكولوجية الداعشية التي ثبت أنها متجذرة في العقول والقلوب.
ونحن مع الكاتب حتر، نحن مع هذه الثورة الثقافية الشاملة. ولكن كيف؟
نظرة صغيرة عابرة لذلك الحفل الصغير، لا تفوت دلالاته العميقة التي تعني الكثير. ذلك الحفل الذي أعتلى سنامه سعد الحريري في حفل تسليم المفتى الجديد مهامه، لاحظ كيف سابقت أرواح الضيوف نظراتهم التي تفترس المحظوظ سعد الحريري بغبطة، الذي أتى لهم بمكرمة ألف مليون دولار. وحين مدح ببغاء السعودية الملك عبد الله التهبت الأيادي بالتصفيق حتى كاد يخرج منها الشرر. ومع مسحة النفاق التي تطلي وجوه الضيوف الجالسين، في قرارة أنفسهم يعلمون أنهم و "الببغاء" صنعوا داعش نيابة عن محسنهم السعودي. وكيف يمكن، وهكذا الحال، أن يسمع أمثال هؤلاء الضيوف شيخ العراق المعتق الكبيسي الذي صدح بقوة أن الوهابية وداعش صناعة يهودية. ومتى كان المنافقون يسمعون صوت الحق؟ ولا عجب أن يعطي رجل السعودية الآخر تمام سلام صلاحية كاملة لوفد هيشة علماء الدواعش كي يطعن ظهر الجيش. يخرج الدواعش من عرسال سالمين آمنين، وفي قبضتهم المخطوفين من الجيش اللبناني..
كيف الإنتصار بثورة ثقافية شاملة على الرياض التي منها يخرج قرن الشيطان!! هذه الثورة الثقافية الشاملة لا شك إنها قادمة في الطريق، ولكن يجب ان يكون عنوانها: معا ضد الوهابية، فالرئيس بشار الأسد حين يضع في خطاب القسم أن عبد العزيز عبد الرحمن باع فلسطين لليهود بوثيقة عليها ختمه، معنى ذلك أن الدولة السورية بصقت على الرياض، أي شطبت النظام السعودي. معنى ذلك، أن الدولة السورية أعطت النور الأخضر للمثقفين العرب والمفكرين العرب الأحرار أن يعروا وان يفضحوا هذا النظام السعودي البريطاني. ولكن هل تكفي التعرية كي يسقط؟
الثورة الثقافية الشاملة تعني مما تعني، أن تتم مراجعة للقضية الدينية عبر بحوث حقيقية، وليس عبر تليين الخطاب الديني. لا مكان فيها للمروجين publicists الأيديولوجين وكلاء الدعاية لآل سعود، لا مكان فيها لمن يقبض ريالات آل سعود. وبخلاف الكاتب ناهض حتر، أقول، لن تأتي هذه الثورة الثقافية ثمارها إلا بمراجعة دينية حقيقية. على سبيل المثال لا الحصر، كانت كتب ابن تيمية وتلاميذه ممنوعة على أرفف مشيخة الأزهر ما يزيد عن قرنين كاملين. كيف أبتلع ابن تيمية مشيخة الأزهر؟ لماذا لا تقوم حملة دينية فكرية ثقافية شاملة تفضح هذا الرجل الذي يسميه النظام السعودي زورا شيخ الإسلام؟
ويصدق نبيه البرجي حين يصف داعش بالشيطان. ولكنه حقيقة لا يدرك أن شيطان داعش ليس سوى شيطان ابن تيمية الذي يرتدي القطرة السعودية النجدية تارة والبزة البريطانية تارة أخرى، وأخيرا القبعة الأمريكية.
مفتاح فهم كلمات الرئيس بشار الأسد هو أن تنهض حركة فكرية عربية حقيقية كمقابل موضوعي للوهابية، بشكل مدروس وهادف وإستراتيجي. ولا مناص من الأخلاق والتعفف كما قال الرئيس بشار الأسد، فالمفكر الحقيقي لا يكذب أو يكذب على الأخرين – ولا يُرتشى. كثيرا ما أفسد آل سعود جل المثقفين العرب. وتأمل مؤسستهم التي تسمى "مؤسسة الفكر العربي"، ليست سوى ثمرة تخطيط استخباراتي سعودي إستراتيجي، وتأمل أن أحد اعضائها السعودي عبد الرحمن حسن الشربتلي، وترحم على جمال عبد الناصر.
هذه الثورة الثقافية التي نادى بها ناهض حتر، كذلك، يجب ألا يغيب عن نظرها فهم واقع الثقافة العربي الحالي الذي تديره وتموله في الحقيقة أجهزة مخابرات دول الخليج. إذ من السوء أن يصاب المثقفون العرب بحالة من السذاجة كي لا يفهموا هذه النقطة. فما تنتجه أجهزة الخليج الإستخباراتية من مثقفين وإعلاميين ورجال دين في الدول العربية، هم في الحقيقة ببغاءات مرتشية. لذا ليس مطلوبا أن يقارع المثقف الحقيقي ذلك الببغاء المرتشي الحجة بالحجة، بل على المثقفين العرب الحقيقيين أن يستعينوا بالعلوم الإجتماعية والاجتماعية النفسية لدراسة الظاهرة وتعلم كيفية ضرب الظواهر الثقافية السلبية التي تنتجها المخابرات السعودية والخليجية.
الثورة الثقافية العربية المشرقية يجب أن تكون شاملة، لا تشمل مراجعة للدين وحده بل أيضا تشمل مراجعة في السياسة والاقتصاد.
افتى مفتي الحلف الأطلسي يوسف القرضاوي لصالح كارتيل الغاز: (بأن فتح باب الجهاد بفلسطين المحتلة لا يعتبر ضرورة وأن الواجب حاليا هو الجهاد في سورية”. فوصفت مشيخة الأزهر هذه الفتوى بأنها “مسيسة وتصب في صالح مخطط التقسيم الذي يدبر للمنطقة بأكملها”. ولم يبين الأزهر، وحقا لا يعرف، لماذا يجب تقسيم سورية أو العراق أو المنطقة كلها؟ لو كان يعرف لما أكتفى الأزهر ببيان مقتضب.
هذا الإقتضاب تجده أيضا حين يبتسر الإعلام العربي وعد بلفور البريطاني، الذي بسببه، منحت بريطانيا فلسطين للصهاينة. ولكن لماذا تمنح بريطانيا فلسطين للصهاينة؟ هل لأن الشيطان كان في زيارة إلى لندن؟ لا احد يعرف بالدقة لماذا وعد بلفور! الذي يجهله المثقفون العرب، أن بريطانيا وحلفاؤها كانوا مهزومين في صيف عام 1916م هزيمة عسكرية نكراء، ساحقة ماحقة، ولم يتبقى لبريطانيا سوى اسبوع واحد: إما الإستسلام وإما المجاعة!! هنا قفز حاييم وايزمان Chaim Weizmann على رأس وفد يهودي صهيوني إلى وزارة الحرب البريطانية: "لماذا تستسلمون لألمانيا؟ نحن على استعداد لدحرجة الولايات المتحدة الأمريكية كي تحارب معكم ضد ألمانيا".
وقد كان.
مزاج الشعب الأمريكي الذي أستقل عن بريطانيا في 4 يوليو 1776م بثورة معروف!! الشعب الأمريكي يبغض بريطانيا بشكل هيستيري، وأصطف في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، يرسل لألمانيا المساعدات الطبية والأغذية والملابس الخ. كيف يمكن للصهاينة إذن دحرحة الولايات المتحدة؟ الرئيس ودرو ويلسون متردد!! هنا صنع الصهاينة فخا، أستأجروا السفينة الأمريكية لوسيتانيا Lusitania وملئوها بالأغذية والسلاح هدية لبريطانيا ودفعوا بها لتعبر المحيط الأطلنطي، وكما توقعوا، ضربتها الغواصات الألمانية في 7 مايو 1915م وقُتل 128 بحارا أمريكيا. ومع ذلك لم يعلن ودرو ويلسون الحرب على ألمانيا!! الطبخة كانت سيئة أو مكشوفة. لأن ألمانيا كانت تضع إعلانات في الصحف الأمريكية مدفوعة الثمن ألا تقطع السفن التجارية الأمريكية الأطلنطي، لأنها منطقة عمليات حربية، عليها الأبحار شمالا بطول الساحل الأمريكي حتى ميناء هاليفاكس الكندي، ثم تعرج لأوروبا.
محاولة جديدة. في يناير 1917م زورت بريطانيا والصهاينة برقية تلغرافية يقول فيها وزير خارجية ألمانيا لحكومة المكسيسك أدخلي معنا الحرب ضد أمريكا وسنعطيكم ولاية تكساس، ونيو ميكسيكو واريزونا، وسندعمكم بالمال والسلاح!! وأسرعوا بالبرقية لودرو ويلسون .. لقد ضبطنا الألمان!! وطبل الإعلام الصهيوني. طبقا لهذه البرقية المزورة أعلن الكونجرس الأمريكي والرئيس ودرو ويلسون الحرب على ألمانيا في 6 أبريل 1917م.
هكذا وفى اليهود الخزريون الصهاينة لبريطانيا بعهدهم من أجل صفقة فلسطين .. دحرجوا الولايات المتحدة عسكريا في صف بريطانيا المهزومة التي لم يك لديها سوى خيارين لا ثالث لهما إما الإستسلام أو المجاعة. لقد دمرت ألمانيا لبريطانيا وحلفائها في الحرب العالمية الأولى أكثر من خمس ألف سفينة تجارية وحربية، مقابل خسارة 199 غواصة ألمانية. إنها المجاعة، المجاعة!! اما كيف هُزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى؟ بالخداع، والخداع السياسي، بدءا بورقة ويلسون للسلام، ثم جلسة فرسابيل الأولى، وتحريك القيادات الشيوعية النقابات العمالية والشارع الألماني ضد حكومة القيصر، أمثال روزا لوكسمبورج الخ، أثمر تحريك الشارع إرعاب القيصر فتنازل عن الحكم "القيصري" لصالح "الجمهورية" خوفا من تصفيته كما فعل البلشفيك الصهاينة بأسرة رومانوف، ثم أخيرا خديعة فرسايل الثانية التي دمغت الجمهورية الألمانية الوليدة بالهزيمة والمطالبة بتعويض مالي خرافي. وبعد هذه "الإنتصار" المصنوع بالخسة والخداع، كتبت بريطانيا ويهودها الخزريين تاريخ الحرب العالمية الأولى كمنتصرين، واخفوا الهزيمة المرة.
ويظل السؤال عالقا، ما الذي يجعل المهزوم منتصرا، والمنتصر مهزوما؟ فتش عن الصهاينة الخزريين.
اليهود المعاصرين المحتلين لفلسطين خزريون، ترك-مغول (لذا العلاقة الطيبة مع تركيا!). هؤلاء الخزريون ليسوا سوى كذبة تاريخية كبرى، ليس في دمائهم نقطة دم واحدة سامية، وليسوا من بني إسرائيل، ولم يرى أجدادهم الشرق الأوسط قط.
لماذا لا يقال هذا في الإعلام العربي؟
أعلم أن الملك فيصل 1961م حث جون ف. كينيدي في مراسلات مشهورة أن يساعده على وقف التحريض الإعلامي الخارجي الثوري الناصري، ويستجيب له كينيدي، ثم خلفه ليندون جونسون. وما أن أزاحوا عبد الناصر بالسم، حتى شرع الملك فيصل 1972م في مشروع ضخم غايته الإستيلاء على الفضاء الإعلامي العربي بكامله، وطبقت دول الخليج المشروع الفيصلي بعد وفاته، غايته الهجوم وليس الدفاع، وكانت باكورة المشروع الفيصلي الشركة السعودية للأبحاث والنشر التي فرخت صحيفة الشرق الأوسط وسيدتي والمجلة الخ ست عشرة مطبوعة..
لا يوجد مشروع عربي مضاد لمشروع فيصل الإعلامي. وماذا عن الاقتصاد والمال العربي المنهوب؟
كتب جورج حداد في مقالته "روسيا تتحر ببطء"، (على اميركا ان تدفع ثمن جرائمها التاريخية، القديمة والمعاصرة، بحق روسيا واميركا اللاتينية وافريقيا والصين والبلدان العربية وجميع شعوب العالم. وستنتهج روسيا سياسة الحصار التدريجي لاميركا. والضربة الكبرى التي تحضر لها روسيا الظروف المناسبة هي الاستغناء عن الدولار الاميركي كعملة دولية شاملة، ومن ثم تشجيع الصين على سحب توظيفاتها الفلكية من السوق المالية الاميركية ودفع الاقتصاد الاميركي الى الانهيار التام وتفجير الحرب الاهلية الاميركية واعادة الاراضي الاميركية الى سكانها الاصليين: الهنود الحمر، الذين لا زال احفادهم يعانون من الغطرسة الاميركية الشمالية في اميركا اللاتينية. ان كل البوادر تشير الى قرب شق السوق الاقتصادية والمالية العالمية الى سوقين: سوق اميركية وموالية لاميركا، وسوق عالمية حرة محورها منظمة دول البريكس وقلبها النابض: روسيا).
لقد وصف الكاتب جورج حداد مآلات النظام النقدي العالمي ونتائجه، وما كتبه يدعم تحليننا في مقالنا السابق الذي لن تجده في أية وسيلة إعلامية عربية أو غربية، ومن الضمن، وللتذكير، الملك فيصل هو الذي ساهم في إنقاذ الأمبراطورية الأمريكية 1971-1973م، إن لم يصنعها فعلا بقطعه للبترول بأمر أمريكي حتى تستطيع نشل البنوك المركزية العالمية "دولاراتها الزائدة"، وكذلك اقتراب نهاية عصر عملة الدولار هو حقيقة وليس من خيال بنت نظرية المؤامرة.
يبقى أن نقول لولا صمود الشعب السوري العظيم وصمود جيشه الباسل وتضحياته، وقيادته الحكيمة على رأسها الرئيس بشار الأسد، لما استطاعت روسيا الإتحادية أن تضعف كلا من الإتحاد الأوروبي والأمبراطورية الأمريكية وأن تعريهما تماما، أخلاقيا واقتصاديا، فلكي ينقذا اليورو والدولار، تحالفا مع الإرهاب الدولي وسفكت دماء عظيمة، بل صنعاه.. فلو سقطت سورية في بضعة ساعات أو أيام أو أشهر، لا قدر الله، لن ينتبه أحد للدور الخفي الأمريكي الوهابي التكفيري الصهيوني العثماني الأوروبي. والصراع مستمر، لن يتوقف، لذا يجب على المشاركين في مشروع الثورة الثقافية في المشرق العربي أن يفهموا القانون التالي:
نذكرهم بأحد قوانين القوة، نقلا من كتاب روبرت جرين، يقول:
Crush your enemy totally: All great leaders since Moses have known that a feared enemy must be crushed completely. (Sometimes they have learned this the hard way). If one ember is left alight, no matter how dimly it smolders, a fire will eventually break out. More is lost through stopping the half way than through total annihilation: The enemy will recover, and will seek revenge. Crush him, not only in body but in spirit. Law 15, page 107.
كتاب روبرت جرين Robert Greene يعني بفن استخدام القوة، وحصر لها في كتابه 48 قانونا، ويعتبر هذا الكتاب الذي صدر في عام 1998م خلاصة الفكر البشري في علم التكتيك والإستراتيجيات. ولنترجم النص خدمة للقارئ:
حطم عدوك بشكل كامل. كل العظماء من القواد العسكريين، منذ عهد النبي موسى، يعلمون أن عليهم تحطيم عدوهم الذي يخافونه تحطيما كاملا. (أحيانا تعلموا إنها الطريقة الصعبة). إذا تركت جمرة واحدة، سيان كيف تشتعل بدون لهب على نحو خافت، في آخر الأمر ستشتعل نار. تكون الخسارة أكبر حين تتوقف في منتصف الطريق بدلا من الإفناء: العدو سيستعيد عافيته، وسيبحث عن الإنتقام. اسحقه، ليس فقط بدنيا، بل أيضا روحيا ومعنويا. القانون رقم 15، صفحة 107.
الدول الغربية، ومن ضمنها الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين، يستخدمون هذه المعايير في التعامل مع خصومهم، كائنا من كان من الدول والشعوب. ولكن الغريب أن يلجا آل سعود في الفترة الأخيرة جدا إلى مثل هذه المعايير في الدفاع عن ملكهم العضود. تأتي الأخبار أن آل سعود، فبي الأسابيع الثلاثة الأخيرة، زادوا من دعمهم لداعش في لبنان، وفي سورية والعراق عبر الأردن. لذا على شعوب خط المقاومة أن تدرك الحقائق بكفاءة..: الصراع اٌلإقليمي الحالي، ليس صراع سياسي-اقتصادي، أو ثقافي فقط، بل ايضا صراع وجود. لذا السؤال: متى تنهض ثورة ثقافية في المشرق العربي؟ الحاجة لهذه الثورة لا يقبل التأجيل، فحين تصبح داعش في العقل والقلب لدى العوام والخواص، ويذبح الفلسطينيون في غزة ذبح الشاة وتصمت الشعوب العربية، إذن هنالك خطأ ما في ثقافة هذه الشعوب.
المصدر :
الماسة السورية/ شوقي ابراهيم عثمان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة