لم يواجه "الأردن الرسمي" انتقادات من "الأردن الشعبي" لمواقفه من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وخصوصا على قطاع غزة، بقدر ما واجهه في العدوان الأخير الذي استمر شهراً كاملاً.

ارتبط اتساع حدة هذه الانتقادات في الدرجة الأولى، بفتور الموقف الرسمي من العدوان الاسرائيلي على غزة الذي، وإن ارتفعت وتيرته في الأيام الأخيرة من العدوان لامتصاص الانتقادات المتزايدة مع ارتفاع أعداد الضحايا، ظلّ دون المتوقع والمطلوب شعبيا.

ومنذ أشهر والنظام الأردني يعيش في حال من الاسترخاء، وخصوصاً حيال الشارع الأردني، بعدما خبت حدة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح والتراجع النسبي لدور الحركة الإسلامية. هذا الاسترخاء امتد كذلك الى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، على رغم أن المواقف الأردنية من الاعتداءات السابقة كانت أكثر حدة وصرامة ومتناغمة إلى حد كبير مع مواقف الشارع.

ففيما أطلق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين حملة وطنية للتبرع بالدم في أول أيام العدوان عام 2008 والذي وصفه بانه "عدوان وحشي"، جاء تبرعه بدمه هذه المرة بعد شهر كامل عن سريان الهدنة "الموقتة" في غزة.

وحتى التوصيف الرسمي لحرب إسرائيل على غزة بأنها "عدوان" لم يصدر إلا بُعيد إطلاق المبادرة المصرية، بعد تسعة أيام من بدء العدوان، على لسان وزير الخارجية ناصر جودة، مترافقا مع إعلان الأردن دعمه الكامل للمبادرة التي رفضتها حركة المقاومة الاسلامية "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية.

قبل ذلك، كان الأردن الرسمي يطالب اسرائيل بوقف ما سماه وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني بـ"عملياتها العسكرية". وكانت كل بيانات الساسة الاردنيين وتصريحاتهم على مختلف المستويات تركز على وقف "استهداف المدنيين" وتحذر من "الفراغ الناجم عن توقف المفاوضات" و"الآثار الكارثية" للعدوان على المنطقة، فيما الشارع يطالب بدعم المقاومة وإلغاء معاهدة السلام وسحب السفير الأردني وطرد السفير الإسرائيلي، وهو ما دعا وزير الاعلام الناطق باسم الحكومة السابق طاهر العدوان الى إنه لمس "تقصيراً ديبلوماسياً وسياسياً من الحكومة حيال أزمة بهذا الحجم".

ولاحظ العدوان، في تصريح لـ"النهار"، أن موقف الحكومة كان متناغماً مع الموقف المصري من غزة وانه كان هناك تنسيق مع القاهرة، " وتالياً لم نر موقفاً اردنياً مستقراً ظاهراً للعيان". وعبر عن اعتقاده أنه كان على الأردن الرسمي "أن يلعب دوراً أكبر" من الذي أداه بصفته عضواً غير دائم في مجلس الامن "لكننا لم نشهد تحركات سياسية وإعلامية قوية".

 

انتقادات حادة

وارتفعت نبرة الخطاب الرسمي المنتقدة لما صار يوصف بـ"العدوان الوحشي" مع طول أمده وتزايد أعداد القتلى والجرحى وارتكاب إسرائيل ما وصف بـ"جرائم حرب" وخصوصاً قصف المدارس التابعة لوكالة الامم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "الأونروا"، وتزايد الانتقادات الدولية لهذه الانتهاكات. غير أن ما رافقها من اتهامات شعبية وسياسية للحكومة بالتراخي وحتى "التواطؤ"، مع كثافة حجم وعدد المسيرات والتظاهرات، ساعد في تعمق الشعور الديني الذي يرتفع في شهر الصوم.

ولم يقتصر الامر على الشارع، إذ تجاوزه إلى المعارضة السياسية وخصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين" التي كانت ترى في معركة "حماس" ضد اسرائيل معركتها، ليس فقط في غزة، وإنما على صعيد تجاذبات الإقليم المتحالف ضدها في المنطقة.

ولم تسلم الحكومة كذلك من انتقادات النواب، على رغم العطلة البرلمانية، إلى درجة أن النائب علي السنيد وصف موقفها بأنه "مريب" و"رخو" و"متخاذل" وتصريحاتها بأنها "هشة"، ورأى في ذلك "خروجا للأردن من معادلات الإقليم لحساب لاعبين آخرين". وفيما يعتقد السنيد أن تصفية المقاومة "هدف اقليمي تتبناه دول عربية باتت تعتبر الاسلام السياسي خصماً لدوداً لها، وبديلاً من الانظمة القائمة يجب الخلاص منه"، لاحظ أن الدور الاردني "غاب تماماً عن ساحة الحدث أيضاً... ومنع تداعياته من ان تؤثر في الداخل الاردني الملتهب".

كذلك لم يجد العدوان تفسيراً مقنعاً لتراخي الموقف الاردني، مقارنة بموقفها حيال عدوان 2008 وكذلك 2012 حين كان الاردن يتسابق مع باقي الدول العربية في اظهار التعاطف والتضامن مع غزة". لكنه يتفق والسنيد على ان هناك سياسات عربية تتمحور و"تنسق في محاور غير مفهومة ولا مبررة ضد الاخوان المسلمين وما يسمى الحرب على الارهاب". وتساءل: "ما علاقة المقاومة بهذه الخلافات الصغيرة؟ هناك عدوان على الشعب الفلسطيني وجرائم حرب تقترف ضده... وإذا كان هناك ارهاب يجب الوقوف ضده فهو الارهاب الاسرائيلي. فأي ارهاب اكثر مما فعلته اسرائيل؟".

 

دفاع حكومي

اضطرت الحكومة، نظراً الى شدة الانتقادات، إلى الخروج بجملة من التصريحات للدفاع عن نفسها، والتذكير بجهودها في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والاتصالات المستمرة مع مختلف الاطراف لوقف العدوان واستقبال الجرحى وإرسال المساعدات الطبية والغذائية. وحذرت من المزايدة والتشكيك ونقل المعركة من غزة إلى الداخل الأردني.

وكان آخرها الأسبوع الماضي على لسان رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور الذي دافع عن عدم سحب حكومته سفيرها بالقول إن الأردن "يوظف وجود سفيره في اسرائيل لخدمة الفلسطينيين والتخفيف عليهم ونقل الجرحى".

ورد الوزير العدوان على تصريحات النسور قائلاً إن هذا الحديث عن السفير والمعاهدة "نسمعه دوماً كلما شنت اسرائل عدواناً على الفلسطينيين او غزة او لبنان، لكننا لم نر هذه ولا تلك إلا بشكل متواضع". وذكّر بأن اسرائيل منعت دخول معظم المساعدات ولم تسمح بإخراج إلا أعداد قليلة من الجرحى لتلقي العلاج، "ونحن استقبلنا فقط 16 جريحاً". فهل تراجع الحكومة مواقفها وتتخذ مواقف أشد حزماً تخفف بها النقمة الشعبية وتسترجع هيبتها داخلياً ودورها إقليمياً؟

  • فريق ماسة
  • 2014-08-10
  • 4127
  • من الأرشيف

هل أخرجت حرب غزة الأردن من معادلات الإقليم لحساب لاعبين آخرين؟

لم يواجه "الأردن الرسمي" انتقادات من "الأردن الشعبي" لمواقفه من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وخصوصا على قطاع غزة، بقدر ما واجهه في العدوان الأخير الذي استمر شهراً كاملاً. ارتبط اتساع حدة هذه الانتقادات في الدرجة الأولى، بفتور الموقف الرسمي من العدوان الاسرائيلي على غزة الذي، وإن ارتفعت وتيرته في الأيام الأخيرة من العدوان لامتصاص الانتقادات المتزايدة مع ارتفاع أعداد الضحايا، ظلّ دون المتوقع والمطلوب شعبيا. ومنذ أشهر والنظام الأردني يعيش في حال من الاسترخاء، وخصوصاً حيال الشارع الأردني، بعدما خبت حدة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح والتراجع النسبي لدور الحركة الإسلامية. هذا الاسترخاء امتد كذلك الى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، على رغم أن المواقف الأردنية من الاعتداءات السابقة كانت أكثر حدة وصرامة ومتناغمة إلى حد كبير مع مواقف الشارع. ففيما أطلق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين حملة وطنية للتبرع بالدم في أول أيام العدوان عام 2008 والذي وصفه بانه "عدوان وحشي"، جاء تبرعه بدمه هذه المرة بعد شهر كامل عن سريان الهدنة "الموقتة" في غزة. وحتى التوصيف الرسمي لحرب إسرائيل على غزة بأنها "عدوان" لم يصدر إلا بُعيد إطلاق المبادرة المصرية، بعد تسعة أيام من بدء العدوان، على لسان وزير الخارجية ناصر جودة، مترافقا مع إعلان الأردن دعمه الكامل للمبادرة التي رفضتها حركة المقاومة الاسلامية "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية. قبل ذلك، كان الأردن الرسمي يطالب اسرائيل بوقف ما سماه وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني بـ"عملياتها العسكرية". وكانت كل بيانات الساسة الاردنيين وتصريحاتهم على مختلف المستويات تركز على وقف "استهداف المدنيين" وتحذر من "الفراغ الناجم عن توقف المفاوضات" و"الآثار الكارثية" للعدوان على المنطقة، فيما الشارع يطالب بدعم المقاومة وإلغاء معاهدة السلام وسحب السفير الأردني وطرد السفير الإسرائيلي، وهو ما دعا وزير الاعلام الناطق باسم الحكومة السابق طاهر العدوان الى إنه لمس "تقصيراً ديبلوماسياً وسياسياً من الحكومة حيال أزمة بهذا الحجم". ولاحظ العدوان، في تصريح لـ"النهار"، أن موقف الحكومة كان متناغماً مع الموقف المصري من غزة وانه كان هناك تنسيق مع القاهرة، " وتالياً لم نر موقفاً اردنياً مستقراً ظاهراً للعيان". وعبر عن اعتقاده أنه كان على الأردن الرسمي "أن يلعب دوراً أكبر" من الذي أداه بصفته عضواً غير دائم في مجلس الامن "لكننا لم نشهد تحركات سياسية وإعلامية قوية".   انتقادات حادة وارتفعت نبرة الخطاب الرسمي المنتقدة لما صار يوصف بـ"العدوان الوحشي" مع طول أمده وتزايد أعداد القتلى والجرحى وارتكاب إسرائيل ما وصف بـ"جرائم حرب" وخصوصاً قصف المدارس التابعة لوكالة الامم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "الأونروا"، وتزايد الانتقادات الدولية لهذه الانتهاكات. غير أن ما رافقها من اتهامات شعبية وسياسية للحكومة بالتراخي وحتى "التواطؤ"، مع كثافة حجم وعدد المسيرات والتظاهرات، ساعد في تعمق الشعور الديني الذي يرتفع في شهر الصوم. ولم يقتصر الامر على الشارع، إذ تجاوزه إلى المعارضة السياسية وخصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين" التي كانت ترى في معركة "حماس" ضد اسرائيل معركتها، ليس فقط في غزة، وإنما على صعيد تجاذبات الإقليم المتحالف ضدها في المنطقة. ولم تسلم الحكومة كذلك من انتقادات النواب، على رغم العطلة البرلمانية، إلى درجة أن النائب علي السنيد وصف موقفها بأنه "مريب" و"رخو" و"متخاذل" وتصريحاتها بأنها "هشة"، ورأى في ذلك "خروجا للأردن من معادلات الإقليم لحساب لاعبين آخرين". وفيما يعتقد السنيد أن تصفية المقاومة "هدف اقليمي تتبناه دول عربية باتت تعتبر الاسلام السياسي خصماً لدوداً لها، وبديلاً من الانظمة القائمة يجب الخلاص منه"، لاحظ أن الدور الاردني "غاب تماماً عن ساحة الحدث أيضاً... ومنع تداعياته من ان تؤثر في الداخل الاردني الملتهب". كذلك لم يجد العدوان تفسيراً مقنعاً لتراخي الموقف الاردني، مقارنة بموقفها حيال عدوان 2008 وكذلك 2012 حين كان الاردن يتسابق مع باقي الدول العربية في اظهار التعاطف والتضامن مع غزة". لكنه يتفق والسنيد على ان هناك سياسات عربية تتمحور و"تنسق في محاور غير مفهومة ولا مبررة ضد الاخوان المسلمين وما يسمى الحرب على الارهاب". وتساءل: "ما علاقة المقاومة بهذه الخلافات الصغيرة؟ هناك عدوان على الشعب الفلسطيني وجرائم حرب تقترف ضده... وإذا كان هناك ارهاب يجب الوقوف ضده فهو الارهاب الاسرائيلي. فأي ارهاب اكثر مما فعلته اسرائيل؟".   دفاع حكومي اضطرت الحكومة، نظراً الى شدة الانتقادات، إلى الخروج بجملة من التصريحات للدفاع عن نفسها، والتذكير بجهودها في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والاتصالات المستمرة مع مختلف الاطراف لوقف العدوان واستقبال الجرحى وإرسال المساعدات الطبية والغذائية. وحذرت من المزايدة والتشكيك ونقل المعركة من غزة إلى الداخل الأردني. وكان آخرها الأسبوع الماضي على لسان رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور الذي دافع عن عدم سحب حكومته سفيرها بالقول إن الأردن "يوظف وجود سفيره في اسرائيل لخدمة الفلسطينيين والتخفيف عليهم ونقل الجرحى". ورد الوزير العدوان على تصريحات النسور قائلاً إن هذا الحديث عن السفير والمعاهدة "نسمعه دوماً كلما شنت اسرائل عدواناً على الفلسطينيين او غزة او لبنان، لكننا لم نر هذه ولا تلك إلا بشكل متواضع". وذكّر بأن اسرائيل منعت دخول معظم المساعدات ولم تسمح بإخراج إلا أعداد قليلة من الجرحى لتلقي العلاج، "ونحن استقبلنا فقط 16 جريحاً". فهل تراجع الحكومة مواقفها وتتخذ مواقف أشد حزماً تخفف بها النقمة الشعبية وتسترجع هيبتها داخلياً ودورها إقليمياً؟

المصدر : عمر عساف


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة