لم يكد يمضي يومان على دعوة مرشد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي الى تسليح الفلسطينيين، حتى دخل قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني بقوة على خط غزة. قال صراحة بلغة غير مسبوقة «إن نزع سلاح المقاومة أحلام يقظة وهرطقة لن تمر». حذر من «اننا لن نتردد لحظة في الدفاع عن المقاومة». سبقهما الى اعلان الدعم الامين العام لحزب الله. قال السيد حسن نصرالله إن الحزب يؤيد كل فصائل المقاومة من دون استثناء. وقبلهم، اعلن أيضاً الرئيس السوري بشار الاسد الوقوف الى جانب فلسطين التي تبقى القضية المركزية.

 

ماذا يعني هذا، وكيف سيُصرف هذا الكلام، لكي لا يبقى كلاماً بينما غزة تتعرض لمحرقة نازية بامتياز؟ لا بد من سوق الملاحظات التالية:

قاسم سليماني هو الوحيد بين الآنف ذكرهم الذي وجه تحية بالاسم الى «حماس» و«كتائب القسام». هذه اول اشارة علنية ومباشرة من محور المقاومة صوب «حماس» التي تتهمها سوريا (تماماً كمصر) بالتورط في الحرب الداخلية. هي تؤكد حتى الآن طبعاً ان لا دلائل على هذا التورط العسكري.

السقف العالي في كلام سليماني، وقبله خامنئي و نصرالله، يعبِّر بوضوح عن اصطفاف محور المقاومة ضد الدول الاخرى المتهمة حالياً بتسهيل مهمة اسرائيل للقضاء على «حماس». المعني بالامر خصوصاً، السعودية ومصر وبعدهما الامارات وربما الاردن. لم يتردد سليماني في توجيه الاتهام الى القاهرة قائلاً: «ألا لعنة الله على كل من أغلق في وجهكم طرق الإمداد وشارك الصهاينة في جناياتهم». هذا تحول مهم في الموقف الايراني حيال نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. هو لعن كذلك من يصمت على هذه الجريمة.

توجيه اقسى اللوم واللعنات الى اميركا في هذه الفترة ليس كلاماً عابراً. واضح ان الحرس الثوري يوجه رسالة مباشرة الى ادارة باراك اوباما، التي يشك البعض في انها غطّت محرقة اسرائيل هذه المرة كثمن في مستقبل المفاوضات بين ايران والدول الغربية. يشعر قادة محور المقاومة بان ما يحصل في غزة مرتبط عضوياً بمحاولة اشعال بؤر النار الاخرى ضدهم. كان السيد نصرالله واضحاً في ربط الحرب الاسرائيلية بتلك التي تشنها «داعش» في العراق. قال صراحة إن هذه «أخطر مرحلة منذ اغتصاب فلسطين». العبارة نفسها تقريباً استخدمها سليماني بقوله: «ان فلسطين في هذا الزمن هي الحد الفاصل بين الحق والباطل».

في التوقيت، جاءت رسالة سليماني لتوقف على الارجح شيئاً أكبر قد يحصل او كان سيحصل. فبعد صمود المقاومة بدماء شبابها ودماء الابرياء في غزة المنكوبة، ليس امام اسرائيل وداعميها سوى اعادة احتلال قطاع غزة. لا يمكن لسفاح العصر بنيامين نتنياهو ان يقبل الهزيمة. هذه ستدق المسمار الاخطر في نعش فكرة اسرائيل بكاملها. نحو 60 قتيلاً من ضباط وجنود النخبة. خسائر بالمليارات. انعدام ثقة الاسرائيليين بجيشهم. زعزعة الثقة بين الجيش والمؤسسة السياسية. ضبابية في العلاقة الاميركية ــــ الاسرائيلية بسبب الفشل. كلها امور تدفع الى الاعتقاد بأن اسرائيل اصبحت فعلا «أوهن من بيت العنكبوت». صارت اسرائيل كل بضع سنوات تتعرض لهزيمة اسوأ من التي سبقت.

في التوقيت، ايضاً، تريد ايران وحلفاؤها اعادة جذب القاعدة السنية في الوطن العربي. هذه لحظة مناسبة تماماً فيما «داعش» لاهية عن فلسطين وتقطع الرؤوس وتدمر اضرحة الصوفيين واهل السنة ايضاً.

من غير المعروف الى اين سيصل فعل محور المقاومة بعد الخطاب. لا شك ان ثمة لقاء مصالح الآن بين طهران وتركيا وقطر وتيار الاخوان المسلمين وحركة «حماس». لا شك ايضاً في ان المحور الآخر الذي يضم السعودية ومصر والولايات المتحدة يريد حالياً حصر المبادرات بالقاهرة، وابعاد طهران والدوحة وانقرة. تغليب محور على آخر سيرتبط اذاً بإثبات المقاومة قدرتها على الاستمرار في ضرب اسرائيل ورفض حلول سياسية ضعيفة تمهد لانهاء المقاومة المسلحة والقضاء على «حماس» و«الجهاد».

ماذا بعد؟

لا شك في ان كلام سليماني أوصل الخطاب السياسي الى اقصاه. وضع محور المقاومة نفسه الآن في موقع حرج تماماً. لن يستطيع بعد اليوم الاكتفاء بالكلام، وخصوصاً اذا ما قررت اسرائيل اجتياحاً للقطاع. حتى الآن لم تعلن «حماس» عودة صريحة الى محور المقاومة. على العكس تماماً، تتجنب في التصريحات العلنية الاشارة الى دور لايران وسوريا في أسلحتها. حركة «الجهاد» القريبة من طهران تعبّر، في المقابل، عن مرونة اكثر حيال الوساطة المصرية بين وقت وآخر.

فهل كلام قائد فيلق القدس في الحرس الثوري انذار يؤمل منه تسريع وتيرة الحلول السياسية وانهاء الحرب وفتح المعابر؟ أم ان محور المقاومة بات يأخذ في الحسبان احتمال فتح الجبهة لمساندة غزة وتغيير المعادلة؟

من المنطق التفكير في الخيار الاول في هذا الوقت. ليس من مصلحة احد الانزلاق الى حرب واسعة في المنطقة، لكن الاكيد ان حرب غزة صارت اكبر من غزة. هي ترسم معادلات وتحالفات جديدة وخطيرة في ظل الارباك والتواطؤ الاميركيين، وانسياق الغرب على نحو أعمى خلف واشنطن في دعمها لمحرقة العصر.

طبيعي ان تقضي هذه المحرقة على المستقبل السياسي للسفاح نتنياهو وتستكمل تفكيك صورة الجيش الاسرائيلي، الذي تبين انه قابل للقهر. لكن لا شك ايضاً في ان أهل غزة وحدهم هم من يدفع حتى الآن ثمن صراع المحاور واعادة رسم التحالفات.

قال سليماني صراحة: إننا عشاق الشهادة، وإن الشهادة على خط فلسطين وفي مسار القدس هي امنية كل مسلم شريف. سبقه نصرالله الى تحذير اسرائيل من الانزلاق الى الانتحار بعد الفشل. الكلام مهم. لكن الاهم كيف سيُصرف؟

  • فريق ماسة
  • 2014-08-01
  • 10760
  • من الأرشيف

غزة في حرب المحاور... ماذا ستفعل إيران؟

لم يكد يمضي يومان على دعوة مرشد الثورة الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي الى تسليح الفلسطينيين، حتى دخل قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني بقوة على خط غزة. قال صراحة بلغة غير مسبوقة «إن نزع سلاح المقاومة أحلام يقظة وهرطقة لن تمر». حذر من «اننا لن نتردد لحظة في الدفاع عن المقاومة». سبقهما الى اعلان الدعم الامين العام لحزب الله. قال السيد حسن نصرالله إن الحزب يؤيد كل فصائل المقاومة من دون استثناء. وقبلهم، اعلن أيضاً الرئيس السوري بشار الاسد الوقوف الى جانب فلسطين التي تبقى القضية المركزية.   ماذا يعني هذا، وكيف سيُصرف هذا الكلام، لكي لا يبقى كلاماً بينما غزة تتعرض لمحرقة نازية بامتياز؟ لا بد من سوق الملاحظات التالية: قاسم سليماني هو الوحيد بين الآنف ذكرهم الذي وجه تحية بالاسم الى «حماس» و«كتائب القسام». هذه اول اشارة علنية ومباشرة من محور المقاومة صوب «حماس» التي تتهمها سوريا (تماماً كمصر) بالتورط في الحرب الداخلية. هي تؤكد حتى الآن طبعاً ان لا دلائل على هذا التورط العسكري. السقف العالي في كلام سليماني، وقبله خامنئي و نصرالله، يعبِّر بوضوح عن اصطفاف محور المقاومة ضد الدول الاخرى المتهمة حالياً بتسهيل مهمة اسرائيل للقضاء على «حماس». المعني بالامر خصوصاً، السعودية ومصر وبعدهما الامارات وربما الاردن. لم يتردد سليماني في توجيه الاتهام الى القاهرة قائلاً: «ألا لعنة الله على كل من أغلق في وجهكم طرق الإمداد وشارك الصهاينة في جناياتهم». هذا تحول مهم في الموقف الايراني حيال نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. هو لعن كذلك من يصمت على هذه الجريمة. توجيه اقسى اللوم واللعنات الى اميركا في هذه الفترة ليس كلاماً عابراً. واضح ان الحرس الثوري يوجه رسالة مباشرة الى ادارة باراك اوباما، التي يشك البعض في انها غطّت محرقة اسرائيل هذه المرة كثمن في مستقبل المفاوضات بين ايران والدول الغربية. يشعر قادة محور المقاومة بان ما يحصل في غزة مرتبط عضوياً بمحاولة اشعال بؤر النار الاخرى ضدهم. كان السيد نصرالله واضحاً في ربط الحرب الاسرائيلية بتلك التي تشنها «داعش» في العراق. قال صراحة إن هذه «أخطر مرحلة منذ اغتصاب فلسطين». العبارة نفسها تقريباً استخدمها سليماني بقوله: «ان فلسطين في هذا الزمن هي الحد الفاصل بين الحق والباطل». في التوقيت، جاءت رسالة سليماني لتوقف على الارجح شيئاً أكبر قد يحصل او كان سيحصل. فبعد صمود المقاومة بدماء شبابها ودماء الابرياء في غزة المنكوبة، ليس امام اسرائيل وداعميها سوى اعادة احتلال قطاع غزة. لا يمكن لسفاح العصر بنيامين نتنياهو ان يقبل الهزيمة. هذه ستدق المسمار الاخطر في نعش فكرة اسرائيل بكاملها. نحو 60 قتيلاً من ضباط وجنود النخبة. خسائر بالمليارات. انعدام ثقة الاسرائيليين بجيشهم. زعزعة الثقة بين الجيش والمؤسسة السياسية. ضبابية في العلاقة الاميركية ــــ الاسرائيلية بسبب الفشل. كلها امور تدفع الى الاعتقاد بأن اسرائيل اصبحت فعلا «أوهن من بيت العنكبوت». صارت اسرائيل كل بضع سنوات تتعرض لهزيمة اسوأ من التي سبقت. في التوقيت، ايضاً، تريد ايران وحلفاؤها اعادة جذب القاعدة السنية في الوطن العربي. هذه لحظة مناسبة تماماً فيما «داعش» لاهية عن فلسطين وتقطع الرؤوس وتدمر اضرحة الصوفيين واهل السنة ايضاً. من غير المعروف الى اين سيصل فعل محور المقاومة بعد الخطاب. لا شك ان ثمة لقاء مصالح الآن بين طهران وتركيا وقطر وتيار الاخوان المسلمين وحركة «حماس». لا شك ايضاً في ان المحور الآخر الذي يضم السعودية ومصر والولايات المتحدة يريد حالياً حصر المبادرات بالقاهرة، وابعاد طهران والدوحة وانقرة. تغليب محور على آخر سيرتبط اذاً بإثبات المقاومة قدرتها على الاستمرار في ضرب اسرائيل ورفض حلول سياسية ضعيفة تمهد لانهاء المقاومة المسلحة والقضاء على «حماس» و«الجهاد». ماذا بعد؟ لا شك في ان كلام سليماني أوصل الخطاب السياسي الى اقصاه. وضع محور المقاومة نفسه الآن في موقع حرج تماماً. لن يستطيع بعد اليوم الاكتفاء بالكلام، وخصوصاً اذا ما قررت اسرائيل اجتياحاً للقطاع. حتى الآن لم تعلن «حماس» عودة صريحة الى محور المقاومة. على العكس تماماً، تتجنب في التصريحات العلنية الاشارة الى دور لايران وسوريا في أسلحتها. حركة «الجهاد» القريبة من طهران تعبّر، في المقابل، عن مرونة اكثر حيال الوساطة المصرية بين وقت وآخر. فهل كلام قائد فيلق القدس في الحرس الثوري انذار يؤمل منه تسريع وتيرة الحلول السياسية وانهاء الحرب وفتح المعابر؟ أم ان محور المقاومة بات يأخذ في الحسبان احتمال فتح الجبهة لمساندة غزة وتغيير المعادلة؟ من المنطق التفكير في الخيار الاول في هذا الوقت. ليس من مصلحة احد الانزلاق الى حرب واسعة في المنطقة، لكن الاكيد ان حرب غزة صارت اكبر من غزة. هي ترسم معادلات وتحالفات جديدة وخطيرة في ظل الارباك والتواطؤ الاميركيين، وانسياق الغرب على نحو أعمى خلف واشنطن في دعمها لمحرقة العصر. طبيعي ان تقضي هذه المحرقة على المستقبل السياسي للسفاح نتنياهو وتستكمل تفكيك صورة الجيش الاسرائيلي، الذي تبين انه قابل للقهر. لكن لا شك ايضاً في ان أهل غزة وحدهم هم من يدفع حتى الآن ثمن صراع المحاور واعادة رسم التحالفات. قال سليماني صراحة: إننا عشاق الشهادة، وإن الشهادة على خط فلسطين وفي مسار القدس هي امنية كل مسلم شريف. سبقه نصرالله الى تحذير اسرائيل من الانزلاق الى الانتحار بعد الفشل. الكلام مهم. لكن الاهم كيف سيُصرف؟

المصدر : الأخبار /سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة