تتحمّل سوريا نقل مأساتها الى شعوب الأرض. تُبنَى فوق الجثث هِمَمٌ قادرة على الخَلق، لكنّها أحياناً تستسلم لليأس. ليس رمضان 2014 موسم سوريا المُعذَّبة، على رغم انتاجات كـ"بواب الريح" تُعتَبر رسالة. كأنّ الموت يأخذ كلّ شيء...

 يُحكى أنّ الكون يتآمر على سوريا، وأنّ الفتنة أشعلت الحرب. يفرض المصطلح البعثي نفسه على جانب من أعمال تتطرّق للحرب، مُتخذاً لوجوده غطاء وطنياً. "بواب الريح" ("أل بي سي آي"، "أوربت مسلسلات"، "الدنيا" السورية) بناؤه مصطلحان: المؤامرة والفتنة. قدّم المخرج المثنى صبح في رمضان الفائت "ياسمين عتيق"، وهذا الموسم يخوض "بواب الريح" كتحدٍ. اعتماد الزمن الماضي (عام 1860) بنيةً درامية، فحبْك السياق وفق إحدى مقولات الخطاب البعثي الجاهز (الفتنة)، عرّضا العمل للتصنيف، وبيّناه متجهاً نحو الغاية الوطنية بمفهومها السياسي المُعبَّر عنه في خطابات الخطّ الممانع.

البُعد الخطابي للعمل، وتمرّسه في اللعب على العواطف، و"الضغط" عليها لـ"تتعقلن" (تُجاري الخطاب الوطني المُتغنَّى به بعثياً)، ركيزة المسلسل، لا سيما من خلال شخصية اليهودي يوسف آغا النحاس، شيخ كار النحاسين التي يجسّدها دريد لحام. امتداد فتنة العام 1860 الطائفية من الشوف الى دمشق، كامتداد الحرب من درعا (بداية الحراك/ الشرارة) الى كلّ بقعة سورية وكلّ نفس. يتجسّد الامتداد عبر ثلاث شخصيات (الى يوسف آغا النحاس، سليم صبري في دور شيخ كار ناسجي الحرير، وغسان مسعود في دور قائمقام قلعة دمشق) يقابلها عدو بهيئة صريحة (الاحتلال العثماني)، ومُضمَرة يحرّكها الخارج (الفتنة والمؤامرة، أو "التواطؤ الدولي"). أتاح الكاتب خلدون قتلان تجسّد الشخصيات سياسياً ضمن إطار "القاعدة الوطنية"، حائلاً دون تبنيها خطاب الخط اللاممانع في اعتباره خطاباً على درجة أقل من الوطنية، أو أنّ مفاهيمه القومية مغايرة للخطاب البعثي "الجامع".

غاية العمل إظهار سوريا تقاوم الفتنة الطائفية، أكثريتها المذهبية تؤاخي المِلل الأخرى، أو "الأقليات" في الخطاب الممانع. يوسف آغا سوري يهودي من دعاة الوحدة والتسامح وطي الصفحة. يُتقِن العمل تحميل لحام كماً من الرسائل ("الفتنة أشد من القتل"، "لنفترض أنّ الجميع اختار الهرب خوفاً على نفسه، فهل يبقى من يخاف على الوطن؟"...)، مُقدِّماً إياه رجلاً من حكمة وعيناً ثاقبة ترى الغد مظلماً، ما لم يلتفّ السوريون حول مفاهيم "المحبة" و"الحوار" و"الوحدة".

يرفع المسلسل شعارات (منها أيضاً دور المرأة في الأزمات، والتصدّي للعدو) يُسقِطها على واقعية الحدث السوري الراهن، المتورّط هو الآخر بشعاراته العقائدية والأيديولوجية. التماس مع الحدثية تنقله الشخصيات المختلفة دينياً، إذ الغاية أيضاً تبيان التركيبة الديموغرافية متنوّعة تنعم بالأمان النظامي الى أن تقع الفتنة، فتخرّب "التعايش" وتزعزع "الاستقرار".

هذه سوريا اليوم، يقول المسلسل: تفتّتها الفتن وتنهشها المؤامرات، لكنّها في النهاية ستنتصر كحتمية كلّ حراك مقاوِم. لافتٌ اظهار التنوّع الطائفي وإحاطة الشخصيات بوجودها دينياً، لا سيما الوجود المسيحي المُستبعَد غالباً من أعمال البيئة الشامية، وإن لم يُقارِب العمل التعددية كغاية في ذاتها، بل كوسيلة يراد منها القول أنّ سوريا لم تُعانِ الطائفية، وما تشهده (الآن) مردّه الى "الظرف الخارجي الطارئ". نلمح دعوة الى لمّ الشمل، بصرف النظر عن الخلفية، بالحكمة والكلمة الطيّبة والنصيحة. توأم يجوب الشوارع المُدمَّرة عزفاً على العود يُحرِّك في المُشاهد الكثير. الشعارات أحياناً هي الفتنة، والموسيقى تمسح وجع القلب.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-25
  • 11835
  • من الأرشيف

"بواب الريح": سورية لا تهزّها مؤامرة ولا ترميها فتنة

تتحمّل سوريا نقل مأساتها الى شعوب الأرض. تُبنَى فوق الجثث هِمَمٌ قادرة على الخَلق، لكنّها أحياناً تستسلم لليأس. ليس رمضان 2014 موسم سوريا المُعذَّبة، على رغم انتاجات كـ"بواب الريح" تُعتَبر رسالة. كأنّ الموت يأخذ كلّ شيء...  يُحكى أنّ الكون يتآمر على سوريا، وأنّ الفتنة أشعلت الحرب. يفرض المصطلح البعثي نفسه على جانب من أعمال تتطرّق للحرب، مُتخذاً لوجوده غطاء وطنياً. "بواب الريح" ("أل بي سي آي"، "أوربت مسلسلات"، "الدنيا" السورية) بناؤه مصطلحان: المؤامرة والفتنة. قدّم المخرج المثنى صبح في رمضان الفائت "ياسمين عتيق"، وهذا الموسم يخوض "بواب الريح" كتحدٍ. اعتماد الزمن الماضي (عام 1860) بنيةً درامية، فحبْك السياق وفق إحدى مقولات الخطاب البعثي الجاهز (الفتنة)، عرّضا العمل للتصنيف، وبيّناه متجهاً نحو الغاية الوطنية بمفهومها السياسي المُعبَّر عنه في خطابات الخطّ الممانع. البُعد الخطابي للعمل، وتمرّسه في اللعب على العواطف، و"الضغط" عليها لـ"تتعقلن" (تُجاري الخطاب الوطني المُتغنَّى به بعثياً)، ركيزة المسلسل، لا سيما من خلال شخصية اليهودي يوسف آغا النحاس، شيخ كار النحاسين التي يجسّدها دريد لحام. امتداد فتنة العام 1860 الطائفية من الشوف الى دمشق، كامتداد الحرب من درعا (بداية الحراك/ الشرارة) الى كلّ بقعة سورية وكلّ نفس. يتجسّد الامتداد عبر ثلاث شخصيات (الى يوسف آغا النحاس، سليم صبري في دور شيخ كار ناسجي الحرير، وغسان مسعود في دور قائمقام قلعة دمشق) يقابلها عدو بهيئة صريحة (الاحتلال العثماني)، ومُضمَرة يحرّكها الخارج (الفتنة والمؤامرة، أو "التواطؤ الدولي"). أتاح الكاتب خلدون قتلان تجسّد الشخصيات سياسياً ضمن إطار "القاعدة الوطنية"، حائلاً دون تبنيها خطاب الخط اللاممانع في اعتباره خطاباً على درجة أقل من الوطنية، أو أنّ مفاهيمه القومية مغايرة للخطاب البعثي "الجامع". غاية العمل إظهار سوريا تقاوم الفتنة الطائفية، أكثريتها المذهبية تؤاخي المِلل الأخرى، أو "الأقليات" في الخطاب الممانع. يوسف آغا سوري يهودي من دعاة الوحدة والتسامح وطي الصفحة. يُتقِن العمل تحميل لحام كماً من الرسائل ("الفتنة أشد من القتل"، "لنفترض أنّ الجميع اختار الهرب خوفاً على نفسه، فهل يبقى من يخاف على الوطن؟"...)، مُقدِّماً إياه رجلاً من حكمة وعيناً ثاقبة ترى الغد مظلماً، ما لم يلتفّ السوريون حول مفاهيم "المحبة" و"الحوار" و"الوحدة". يرفع المسلسل شعارات (منها أيضاً دور المرأة في الأزمات، والتصدّي للعدو) يُسقِطها على واقعية الحدث السوري الراهن، المتورّط هو الآخر بشعاراته العقائدية والأيديولوجية. التماس مع الحدثية تنقله الشخصيات المختلفة دينياً، إذ الغاية أيضاً تبيان التركيبة الديموغرافية متنوّعة تنعم بالأمان النظامي الى أن تقع الفتنة، فتخرّب "التعايش" وتزعزع "الاستقرار". هذه سوريا اليوم، يقول المسلسل: تفتّتها الفتن وتنهشها المؤامرات، لكنّها في النهاية ستنتصر كحتمية كلّ حراك مقاوِم. لافتٌ اظهار التنوّع الطائفي وإحاطة الشخصيات بوجودها دينياً، لا سيما الوجود المسيحي المُستبعَد غالباً من أعمال البيئة الشامية، وإن لم يُقارِب العمل التعددية كغاية في ذاتها، بل كوسيلة يراد منها القول أنّ سوريا لم تُعانِ الطائفية، وما تشهده (الآن) مردّه الى "الظرف الخارجي الطارئ". نلمح دعوة الى لمّ الشمل، بصرف النظر عن الخلفية، بالحكمة والكلمة الطيّبة والنصيحة. توأم يجوب الشوارع المُدمَّرة عزفاً على العود يُحرِّك في المُشاهد الكثير. الشعارات أحياناً هي الفتنة، والموسيقى تمسح وجع القلب.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة