يحضّر تنظيم «القاعدة» العالمي بزعامة أيمن الظواهري لاتخاذ خطوة جديدة في مسار صراعه مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش». وتوحي بعض التسريبات الصادرة عن صفحات «جهادية» مقربة منه أنه ربما يخطط لزجّ حركة «طالبان» في خضمّ هذا الصراع الشائك والدموي.

وإذا كان استمرار توافد قوافل «الجهاديين» من أفغانستان إلى سوريا يشكل أحد المؤشرات على التصعيد المقبل في الصراع بين الطرفين، فإنه من جهة أخرى يثير التساؤلات حول المعابر الحدودية التي تسلكها هذه القوافل، وعلاقة أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية في تسهيل فتح المعابر، وبالتالي غضّها النظر عن العابرين من خلالها، مع أنهم من كبار المطلوبين عالمياً، وذلك برغم كل ما يُقال عن استنفار هذه الأجهزة لمواجهة ما تسمّيه ارتدادات عودة «الجهاديين» إلى بلادهم!

وفي خطوة لافتة، جدّدت «القيادة العامة لتنظيم القاعدة» بيعتها لمن وصفته بـ «أمير المؤمنين» الملا محمد عمر مجاهد، وذلك في افتتاحية العدد الأول من نشرة «النفير»، وهي نشرة غير دورية تصدر عن «مؤسسة السحاب» الذراع الإعلامية لـ «القاعدة». وأكدت الافتتاحية أن «جماعة قاعدة الجهاد وأفرعها في كل مكان هم جند من جنوده، يعملون تحت رايته، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى تسود الشريعة وحتى تتحرر كل بقعة من أرض الإسلام».

ويأتي تجديد البيعة بعد أيام فقط من تسريب تسجيل لزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، أثار جدلاً في الأوساط «الجهادية»، بعدما وصف فيه بيعة «القاعدة» للملا عمر أنها «بيعة عظمى»، مشيراً إلى أن أي مسلم يموت وليس في عنقه «بيعة» له فإنما يموت ميتة جاهلية. وتزامن ذلك مع صدور أول بيان من نوعه عن «إمارة أفغانستان الإسلامية» بخصوص الأوضاع في الشام، حيث طالب بتشكيل مجلس شورى من كافة قادة الفصائل والابتعاد عن الغلو والتكفير، في غمز واضح من قناة «داعش».

أما عن التوضيح المنسوب لـ«إمارة أفغانستان» حول عدم إعطاء الملا عمر ضوءاً أخضر لزعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني لتأسيس «إمارة» في الشام، فلم تثبت صحته، وثمة شكوك كثيرة في صدوره عن «الإمارة»، خصوصاً أن الموقع الرسمي لها «شهامات نت» خلا من أي ذكر له، الأمر الذي يرجح أن تكون الخطوة التي أقدم عليها الجولاني بإعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية وتبشيره بقرب موعد إعلان «إمارة الشام» تمت بالتنسيق مع «إمارة أفغانستان» ومباركتها، عبر التنسيق مع الظواهري، وبالتالي وخلافاً لتقديرات سابقة حفلت بها تقارير إعلامية، ليس هناك أي اختلاف في الرؤى بين «النصرة» وبين قيادتها في خراسان حول خطوة تطبيق الشريعة تمهيداً لإقامة «الإمارة»، بل الأرجح أن هذه الخطوة جاءت بتوجيهات عليا من زعيم «إمارة أفغانستان» نفسه، الذي وإن كان يقدم «إمارته» على أنها «إمارة» وطنية في الحدود الإقليمية لبلده، إلا أن الحقيقة هي وجود ميول توسعية لديه، لكن الظروف الحالية لا تسعفه في الإعلان عنها. والبديل عن ذلك هو استخدام أفرع «القاعدة» المنتشرة في العديد من الدول والتي تدين له بالولاء كأداة للقول «أنا هنا». ومما له دلالته أن «إمارة أفغانستان» لم تشعر بضرورة إصدار بيان بخصوص أوضاع الشام، إلا بعد إعلان البغدادي لـ«الخلافة»، وبالتالي بروز منافس للملا عمر على زعامة «الجهاد العالمي».

هذا الانخراط «الطالباني» في «الفتنة الجهادية» في الشام، بتشجيع متوقع من الظواهري، لم يكن من الممكن أن يمر من دون هزات، تتعرض لها البنية «الجهادية» في أفغانستان عموماً، وقيادة خراسان خصوصاً. وتمثلت إحدى هذه الهزات بظاهرة انشقاق بعض «الأمراء» عن قيادة خراسان ومبايعتهم لـ «الدولة الإسلامية» وأميرها أبي بكر البغدادي.

وفي هذا السياق وصل إلى سوريا قبل أيام القيادي في تنظيم «القاعدة» أبو جرير الشمالي قادماً من جبال أفغانستان، حيث كان يُفترض أنه يختبئ من ملاحقة القوات الأميركية وأجهزة الاستخبارات العالمية له. وفور وصوله أعلنت صفحات مقربة من «داعش» عن الخبر بأسلوب احتفالي ينطوي على شماتة واضحة بتنظيم «القاعدة»، لاسيما أن الرجل وصل وبصحبته ثمانية آخرين يعتقد أن من بينهم قيادات لم ترد الكشف عن أسمائها. والشمالي كان أحد أصدقاء أبي مصعب الزرقاوي المقربين، وغادر العراق بعد مقتل صديقه في العام 2006 متجهاً إلى أفغانستان.

وقبل أبي جرير الشمالي، كان قيادي آخر قد اجتاز مسافة 2500 كيلومتر تفصل بين أفغانستان وسوريا، هو الأردني أبو حامد البرقاوي الذي اتخذ من مدينة جرابلس الحدودية مع تركيا في ريف حلب مستقراً له بعد تقديمه «البيعة» للبغدادي.

وكانت «السفير» قد أشارت في تقرير سابق إلى وصول أبي مالك التميمي، وهو سعودي اسمه الحقيقي أنس علي عبد العزيز النشوان إلى سوريا، من دون أن تمنعه وعورة الطريق أو وجود اسمه على قوائم المطلوبين الدوليين أو قائمة الـ 48 السعودية من عبور الحدود، وحطّ رحاله في محافظة الرقة بشكل مبدئي.

هذا الانتقال السهل والعبور الآمن لأخطر قيادات الإرهاب من أفغانستان عبر دول ثالثة ـ غالبيتها أوروبية - إلى سوريا، يطرح تساؤلات جديدة - قديمة تتعلق بجدية بعض الدول الغربية والأوروبية التي تعبر عن قلقها من ظاهرة «الجهاديين»، وارتدادات عودتهم إلى بلدانهم.

فكيف استطاع هؤلاء القياديين الملاحقين دخول بعض العواصم الأوروبية والإقامة فيها لأيام عدة قبل انتقالهم إلى تركيا ومنها إلى سوريا؟ وهل هناك رقابة حقيقية على تحركات هؤلاء القياديين، أم هناك من أعطى هؤلاء كلمة السر لفتح هذه المعابر أمامهم على طريقة «افتح يا سمسم»؟ أم أن الأمر يتعلق بتقصير استخباري، أو أنه استمرار في اتباع سياسة غض الطرف عن قادة الإرهاب، طالما أنهم يسلكون الطريق المعهود إلى سوريا؟ لكن كيف لهذه الاستخبارات أن تميّز بين من جاء بهدف الإقامة والاستقرار فيها أو من جاء بهدف الانتقال إلى دولة مغضوب عليها أوروبياً؟

وما يعزز من أهمية التساؤلات السابقة أن طريق أفغانستان - دمشق أصبح مطروقاً، وبكثافة خلال الفترة الماضية، من قبل قادة الإرهاب المطلوبين عالمياً، فهو لا يقتصر على عبور «الأمراء» الذين انشقوا عن خراسان وبايعوا «داعش»، بل إن قيادة خراسان نفسها تقوم منذ مدة بإرسال كوادر وقياديين إلى «جبهة النصرة» لمساعدتها في تجاوز محنتها التي أصيبت بها بعد هزيمتها في المنطقة الشرقية من سوريا وفرار قادتها. فهل يعقل أن يتحوّل هذا الطريق إلى طريق آمن للإرهاب، في الوقت الذي كانت الذريعة الأساسية لاحتلال أفغانستان هي مكافحة الإرهاب، وليس تأمين طرق آمنة لانتقاله؟

  • فريق ماسة
  • 2014-07-23
  • 13269
  • من الأرشيف

معابر «افتح يا سمسم» بين أفغانستان وسورية

يحضّر تنظيم «القاعدة» العالمي بزعامة أيمن الظواهري لاتخاذ خطوة جديدة في مسار صراعه مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش». وتوحي بعض التسريبات الصادرة عن صفحات «جهادية» مقربة منه أنه ربما يخطط لزجّ حركة «طالبان» في خضمّ هذا الصراع الشائك والدموي. وإذا كان استمرار توافد قوافل «الجهاديين» من أفغانستان إلى سوريا يشكل أحد المؤشرات على التصعيد المقبل في الصراع بين الطرفين، فإنه من جهة أخرى يثير التساؤلات حول المعابر الحدودية التي تسلكها هذه القوافل، وعلاقة أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية في تسهيل فتح المعابر، وبالتالي غضّها النظر عن العابرين من خلالها، مع أنهم من كبار المطلوبين عالمياً، وذلك برغم كل ما يُقال عن استنفار هذه الأجهزة لمواجهة ما تسمّيه ارتدادات عودة «الجهاديين» إلى بلادهم! وفي خطوة لافتة، جدّدت «القيادة العامة لتنظيم القاعدة» بيعتها لمن وصفته بـ «أمير المؤمنين» الملا محمد عمر مجاهد، وذلك في افتتاحية العدد الأول من نشرة «النفير»، وهي نشرة غير دورية تصدر عن «مؤسسة السحاب» الذراع الإعلامية لـ «القاعدة». وأكدت الافتتاحية أن «جماعة قاعدة الجهاد وأفرعها في كل مكان هم جند من جنوده، يعملون تحت رايته، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى تسود الشريعة وحتى تتحرر كل بقعة من أرض الإسلام». ويأتي تجديد البيعة بعد أيام فقط من تسريب تسجيل لزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، أثار جدلاً في الأوساط «الجهادية»، بعدما وصف فيه بيعة «القاعدة» للملا عمر أنها «بيعة عظمى»، مشيراً إلى أن أي مسلم يموت وليس في عنقه «بيعة» له فإنما يموت ميتة جاهلية. وتزامن ذلك مع صدور أول بيان من نوعه عن «إمارة أفغانستان الإسلامية» بخصوص الأوضاع في الشام، حيث طالب بتشكيل مجلس شورى من كافة قادة الفصائل والابتعاد عن الغلو والتكفير، في غمز واضح من قناة «داعش». أما عن التوضيح المنسوب لـ«إمارة أفغانستان» حول عدم إعطاء الملا عمر ضوءاً أخضر لزعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني لتأسيس «إمارة» في الشام، فلم تثبت صحته، وثمة شكوك كثيرة في صدوره عن «الإمارة»، خصوصاً أن الموقع الرسمي لها «شهامات نت» خلا من أي ذكر له، الأمر الذي يرجح أن تكون الخطوة التي أقدم عليها الجولاني بإعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية وتبشيره بقرب موعد إعلان «إمارة الشام» تمت بالتنسيق مع «إمارة أفغانستان» ومباركتها، عبر التنسيق مع الظواهري، وبالتالي وخلافاً لتقديرات سابقة حفلت بها تقارير إعلامية، ليس هناك أي اختلاف في الرؤى بين «النصرة» وبين قيادتها في خراسان حول خطوة تطبيق الشريعة تمهيداً لإقامة «الإمارة»، بل الأرجح أن هذه الخطوة جاءت بتوجيهات عليا من زعيم «إمارة أفغانستان» نفسه، الذي وإن كان يقدم «إمارته» على أنها «إمارة» وطنية في الحدود الإقليمية لبلده، إلا أن الحقيقة هي وجود ميول توسعية لديه، لكن الظروف الحالية لا تسعفه في الإعلان عنها. والبديل عن ذلك هو استخدام أفرع «القاعدة» المنتشرة في العديد من الدول والتي تدين له بالولاء كأداة للقول «أنا هنا». ومما له دلالته أن «إمارة أفغانستان» لم تشعر بضرورة إصدار بيان بخصوص أوضاع الشام، إلا بعد إعلان البغدادي لـ«الخلافة»، وبالتالي بروز منافس للملا عمر على زعامة «الجهاد العالمي». هذا الانخراط «الطالباني» في «الفتنة الجهادية» في الشام، بتشجيع متوقع من الظواهري، لم يكن من الممكن أن يمر من دون هزات، تتعرض لها البنية «الجهادية» في أفغانستان عموماً، وقيادة خراسان خصوصاً. وتمثلت إحدى هذه الهزات بظاهرة انشقاق بعض «الأمراء» عن قيادة خراسان ومبايعتهم لـ «الدولة الإسلامية» وأميرها أبي بكر البغدادي. وفي هذا السياق وصل إلى سوريا قبل أيام القيادي في تنظيم «القاعدة» أبو جرير الشمالي قادماً من جبال أفغانستان، حيث كان يُفترض أنه يختبئ من ملاحقة القوات الأميركية وأجهزة الاستخبارات العالمية له. وفور وصوله أعلنت صفحات مقربة من «داعش» عن الخبر بأسلوب احتفالي ينطوي على شماتة واضحة بتنظيم «القاعدة»، لاسيما أن الرجل وصل وبصحبته ثمانية آخرين يعتقد أن من بينهم قيادات لم ترد الكشف عن أسمائها. والشمالي كان أحد أصدقاء أبي مصعب الزرقاوي المقربين، وغادر العراق بعد مقتل صديقه في العام 2006 متجهاً إلى أفغانستان. وقبل أبي جرير الشمالي، كان قيادي آخر قد اجتاز مسافة 2500 كيلومتر تفصل بين أفغانستان وسوريا، هو الأردني أبو حامد البرقاوي الذي اتخذ من مدينة جرابلس الحدودية مع تركيا في ريف حلب مستقراً له بعد تقديمه «البيعة» للبغدادي. وكانت «السفير» قد أشارت في تقرير سابق إلى وصول أبي مالك التميمي، وهو سعودي اسمه الحقيقي أنس علي عبد العزيز النشوان إلى سوريا، من دون أن تمنعه وعورة الطريق أو وجود اسمه على قوائم المطلوبين الدوليين أو قائمة الـ 48 السعودية من عبور الحدود، وحطّ رحاله في محافظة الرقة بشكل مبدئي. هذا الانتقال السهل والعبور الآمن لأخطر قيادات الإرهاب من أفغانستان عبر دول ثالثة ـ غالبيتها أوروبية - إلى سوريا، يطرح تساؤلات جديدة - قديمة تتعلق بجدية بعض الدول الغربية والأوروبية التي تعبر عن قلقها من ظاهرة «الجهاديين»، وارتدادات عودتهم إلى بلدانهم. فكيف استطاع هؤلاء القياديين الملاحقين دخول بعض العواصم الأوروبية والإقامة فيها لأيام عدة قبل انتقالهم إلى تركيا ومنها إلى سوريا؟ وهل هناك رقابة حقيقية على تحركات هؤلاء القياديين، أم هناك من أعطى هؤلاء كلمة السر لفتح هذه المعابر أمامهم على طريقة «افتح يا سمسم»؟ أم أن الأمر يتعلق بتقصير استخباري، أو أنه استمرار في اتباع سياسة غض الطرف عن قادة الإرهاب، طالما أنهم يسلكون الطريق المعهود إلى سوريا؟ لكن كيف لهذه الاستخبارات أن تميّز بين من جاء بهدف الإقامة والاستقرار فيها أو من جاء بهدف الانتقال إلى دولة مغضوب عليها أوروبياً؟ وما يعزز من أهمية التساؤلات السابقة أن طريق أفغانستان - دمشق أصبح مطروقاً، وبكثافة خلال الفترة الماضية، من قبل قادة الإرهاب المطلوبين عالمياً، فهو لا يقتصر على عبور «الأمراء» الذين انشقوا عن خراسان وبايعوا «داعش»، بل إن قيادة خراسان نفسها تقوم منذ مدة بإرسال كوادر وقياديين إلى «جبهة النصرة» لمساعدتها في تجاوز محنتها التي أصيبت بها بعد هزيمتها في المنطقة الشرقية من سوريا وفرار قادتها. فهل يعقل أن يتحوّل هذا الطريق إلى طريق آمن للإرهاب، في الوقت الذي كانت الذريعة الأساسية لاحتلال أفغانستان هي مكافحة الإرهاب، وليس تأمين طرق آمنة لانتقاله؟

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة