تهتم دراما رمضان بـ"معالجة" عيش فتيات الليل كأنّها بذلك تنأى بالنفس عن قضايا أخرى. الصورة النمطية عينها ترسّخها المسلسلات انطلاقاً من فرضية أنّ ما يحدث في الظلمة يجب إخضاعه للمحاسبة. ليست مصادفة أنّ الدراما العربية لا تطرح شخصية المومس إلا لتزجّ بها في السجن وتحمّلها مسؤولية فساد البشرية.

 

لم يفرض مسلسل "اتهام" ("الجديد"، "أبو ظبي"، "النهار") أنّ ريم (ميريام فارس) واحدة من بنات الليل، فقدّمها بصورة معاكسة أي رافضة "العار". فعلُ الدعارة ليس في ذاته القصد بل ردّ الفعل عليه حين تكون المتهمة بريئة. عزلُ الشخصية عن "التورّط" في "العهر"، وإبقاؤها على مسافة من التجربة، جعلا الدعارة "شمّاعة" تتعلّق عليها موضوعات أخرى كالحب والانتقام، علماً أنّ "اتهام" غايته هذا الطرح، وإن بدأ حوادثه بتطورات تشي بميل آخر.

"كلام على ورق" ("المستقبل"، "النهار"، "أم بي سي") لم يوارب. موضوعه الليل وفتيات الملهى. في كلّ مرة ثمة أحد الإحتمالين: إما أنّ الظرف يدفع "بائعة الهوى" الى ما لم ترده، وإما أنها تقع ضحية "مؤامرة". أن تختار الليل بملء إرادتها، وتُجاهر بحرّية خيارها، فذلك مُستبعد. نجد أنّه لا بدّ من ربط فتاة الليل بالمخدرات والجريمة. لا بدّ من سوقها الى السجن بأي تُهمة. يغرق "كلام على ورق" في تنميطها، كأنه يريد للمُشاهد أن يمقتها. يكفي أنّه فوّض الضابط نمر (عمار شلق) للتحقيق معها بغضب ونظرات فوقية كأنها حشرة.

كلّ ما تفعله الدراما أنّها ترفد السياق بمبررات تدين فتيات الليل وتخضعهن لسطوة الأحكام المسبقة. الحال أنّها تتفادى الغوص في أعماقهن خشية أن تُرمى بـ"الترويج" لهنّ أو الحضّ على "التشبّه" بهنّ والتعاطف معهن. في "سجن النسا" ("الحياة"، "دبي") تترك الشرطة خيبات مصر وتتفرّغ لملاحقة "فتيات الدعارة". ينبغي للسجون أن تُملأ بمن يعرضن أجسادهن للبيع. لا ننفكّ أمام مقاربة عابرة، مُكتفية غالباً باكسسوارات الشخصية كالمكياج والملابس والكأس والارتماء بأسلوب واحد على الرجال.

يتفاوت حجم إدانة "العاهرة" درامياً بين مسلسل وآخر، فالبعض يسلّم مسبقاً بأنّها تستحق "الشنق"، مُسيِّراً السياق في هذا الإتجاه. في "تفاحة آدم" ("الحياة"، "روتانا مصرية"، "القاهرة والناس") تتخذ "البغائية" شكلاً أكثر صراحة، أي أكثر تعرّضاً للإدانة، فإذا بريهام عبدالغفور توقع بـ"زبائن الفي آي بي" ثم تبتزّهم بواسطة الصور الفاضحة. تتقاطع الشخصية هنا مع شخصية انتصار في "اكسلانس" ("الحياة"، "دبي")، القوّادة التي توقع بوزير من خلال إحدى الفتيات.

تناول شخصية فتاة الليل ليست هي المسألة بل الكيفية والغاية. قد لا يطلب المُشاهد من الدراما تجميل الواقع، أو التباهي بحريات تصادرها بعض المجتمعات، لكنه لن يرغب في ممارستها دور الوصي على أخلاقه كأنه في المدرسة.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-20
  • 13033
  • من الأرشيف

رمضان "يشنق" فتيات الليل!

تهتم دراما رمضان بـ"معالجة" عيش فتيات الليل كأنّها بذلك تنأى بالنفس عن قضايا أخرى. الصورة النمطية عينها ترسّخها المسلسلات انطلاقاً من فرضية أنّ ما يحدث في الظلمة يجب إخضاعه للمحاسبة. ليست مصادفة أنّ الدراما العربية لا تطرح شخصية المومس إلا لتزجّ بها في السجن وتحمّلها مسؤولية فساد البشرية.   لم يفرض مسلسل "اتهام" ("الجديد"، "أبو ظبي"، "النهار") أنّ ريم (ميريام فارس) واحدة من بنات الليل، فقدّمها بصورة معاكسة أي رافضة "العار". فعلُ الدعارة ليس في ذاته القصد بل ردّ الفعل عليه حين تكون المتهمة بريئة. عزلُ الشخصية عن "التورّط" في "العهر"، وإبقاؤها على مسافة من التجربة، جعلا الدعارة "شمّاعة" تتعلّق عليها موضوعات أخرى كالحب والانتقام، علماً أنّ "اتهام" غايته هذا الطرح، وإن بدأ حوادثه بتطورات تشي بميل آخر. "كلام على ورق" ("المستقبل"، "النهار"، "أم بي سي") لم يوارب. موضوعه الليل وفتيات الملهى. في كلّ مرة ثمة أحد الإحتمالين: إما أنّ الظرف يدفع "بائعة الهوى" الى ما لم ترده، وإما أنها تقع ضحية "مؤامرة". أن تختار الليل بملء إرادتها، وتُجاهر بحرّية خيارها، فذلك مُستبعد. نجد أنّه لا بدّ من ربط فتاة الليل بالمخدرات والجريمة. لا بدّ من سوقها الى السجن بأي تُهمة. يغرق "كلام على ورق" في تنميطها، كأنه يريد للمُشاهد أن يمقتها. يكفي أنّه فوّض الضابط نمر (عمار شلق) للتحقيق معها بغضب ونظرات فوقية كأنها حشرة. كلّ ما تفعله الدراما أنّها ترفد السياق بمبررات تدين فتيات الليل وتخضعهن لسطوة الأحكام المسبقة. الحال أنّها تتفادى الغوص في أعماقهن خشية أن تُرمى بـ"الترويج" لهنّ أو الحضّ على "التشبّه" بهنّ والتعاطف معهن. في "سجن النسا" ("الحياة"، "دبي") تترك الشرطة خيبات مصر وتتفرّغ لملاحقة "فتيات الدعارة". ينبغي للسجون أن تُملأ بمن يعرضن أجسادهن للبيع. لا ننفكّ أمام مقاربة عابرة، مُكتفية غالباً باكسسوارات الشخصية كالمكياج والملابس والكأس والارتماء بأسلوب واحد على الرجال. يتفاوت حجم إدانة "العاهرة" درامياً بين مسلسل وآخر، فالبعض يسلّم مسبقاً بأنّها تستحق "الشنق"، مُسيِّراً السياق في هذا الإتجاه. في "تفاحة آدم" ("الحياة"، "روتانا مصرية"، "القاهرة والناس") تتخذ "البغائية" شكلاً أكثر صراحة، أي أكثر تعرّضاً للإدانة، فإذا بريهام عبدالغفور توقع بـ"زبائن الفي آي بي" ثم تبتزّهم بواسطة الصور الفاضحة. تتقاطع الشخصية هنا مع شخصية انتصار في "اكسلانس" ("الحياة"، "دبي")، القوّادة التي توقع بوزير من خلال إحدى الفتيات. تناول شخصية فتاة الليل ليست هي المسألة بل الكيفية والغاية. قد لا يطلب المُشاهد من الدراما تجميل الواقع، أو التباهي بحريات تصادرها بعض المجتمعات، لكنه لن يرغب في ممارستها دور الوصي على أخلاقه كأنه في المدرسة.

المصدر : الماسة السورية/


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة