بعد أن عادت أخبار صفقات التسليح الروسي لسورية إلى واجهة الأحداث مؤخراً و بالتحديد صفقة طائرات ( ميغ ) , قررت أن أوجه لكم دعوة يا أصدقائي للصعود معي على متن مقالة عسكرية استطلاعية لنجول سوية في أجواء عالم السلاح و نتطلع على تفاصيل و جزئيات قد تفيدنا في فهم ما يحدث اليوم و استقراء ما قد يحدث مستقبلاً في سورية و المنطقة على الصعيدين السياسي و العسكري بعيداً عن عمليات التشويش – الإخبارية – التي غالباً ما تجعل الصورة ناقصة في أفضل الحالات و مشوّهة في أسوئها , إليكم السترات و المظلّات , و هلّموا معي..

أثارت تصريحات رسمية روسية تفيد عن عزم روسيا توريد مقاتلات من طراز ( ميغ – 29 إم/إم2 ) (*) لصالح سلاح الجو السوري شهية الأقلام الصديقة و العدوة معاً مرة أخرى للحديث عن طبيعة صفقات السلاح الروسي لسورية و عن أهدافها و معانيها و توقيتها , و بعيداً عما تبثه الأقلام و القنوات الفضائية المتخصصة برمي القنابل الدخانية و المسيلة للدموع تبقى الأضواء التي يسلطها الأقلام و الإعلام الوطني ( و الصديق ) على ذلك المشهد القديم الجديد و أبعاده السياسية و العسكرية و الاستراتيجية خافتة باهتة في كثير من الأحيان ( إن لم يكن باستمرار!)..

من هنا سنحاول في جولتنا الاطلاعية هذه الإجابة عن أسئلة عديدة من مثل ( ما هي طبيعة تلك الصفقات و ما هي أهدافها ؟ و لماذا اختارت سورية هذا النوع ؟ و ما حاجتها له ؟ …الخ )

لكن قبل الخوض في تلك التساؤلات و إجاباتها لا بد لنا من إلقاء نظرة بانورامية شاملة و الانطلاق من نقطة البداية التي سنصل من خلالها إلى أداء سلاح الجو السوري و دوره الحالي و المستقبلي في معركة الشرف و الكرامة التي تخوضها قواتنا المسلحة دفاعاً عن سورية و الأمة جمعاء…

الميغ -29 : لمحة تاريخية:

منذ إنشائه كان لمكتب تصميم الطائرات ( ميكويان – غوريفيتش / ميغ ) دوراً تاريخياً هاماً – إلى جانب مكتبي سوخوي و توبوليف – من خلال تصميم و انتاج طائرات مقاتلة حمت الأجواء السوفييتية في الحرب العالمية الثانية و ما بعدها خاصة مع دخول مرحلة انتاج المقاتلات النفاثة , صمم هذا المكتب العديد من نماذج المقاتلات التي أثبتت تفوق السوفييت في مجال الإيروديناميكا (*) على الغرب الذي اعتمد في المقابل على تفوقه التكنولوجي..

كانت العقيدة القتالية الجوية السوفييتية إلى منتصف الستينات تعتمد على التفوق العددي و التخصص في مواجهة طائرات حلف الناتو, أي إنتاج نوع محدد من الطائرات لكل مهمة قتالية فتم انتاج طائرات لمهام الاعتراض الجوي و أخرى للقصف و ثالثة للقصف بعيد المدى..الخ , مع بداية عقد السبعينات و القفزة التكنولوجية الهائلة التي تمخضت عنه اتجه الغرب نحو تصنيع مقاتلات متعددة الأدوار ( أي قادرة على القيام بمختلف المهمات في آن معاً ) لتكون باكورة الجيل الرابع طائرة إف -16 الأمريكية , مما حدا بمكاتب التصميم السوفييتية للقيام بذات الأمر بهدف ردم الهوة الجوية مع الغرب , لتظهر طائرة الميغ -29 التي دخلت الخدمة في سلاح الجو السوفييتي مع بداية عقد الثمانينيات كطائرة تفوّق و سيادة جوية يمكن تطويرها لتنفيذ مهام الدعم الأرضي..

بعد دخول الاتحاد السوفييتي عصر ” البيريسترويكا ” مع قدوم غورباتشيف إلى السلطة و انتهاجه سياسة الانفتاح و الحوار مع المعسكر الآخر شاركت هذه الطائرة عام 1988 في معرض “فارنبره” الجوي في بريطانيا بعد نصف قرن من السريّة المطلقة التي كان السوفييت يحيطون بها أسلحتهم… لم يصدق الخبراء الغربيون ما رأته أعينهم ! فلقد قامت بعرض جوي أصاب جميع من شاهده بالذهول و الصدمة حتى تدلّت فكوكهم السفلية و جحظت أعينهم ( هذه ليست مبالغة تشبيهية, بل ما حدث فعلاً! ) …إذ تحدّت الميغ – 29 في ذلك العرض إسحق نيوتن و جاذبيته الأرضية بمناورات لم يخطر على بالهم قط أن بإمكان طائرة من صنع الإنسان القيام بها رغم تفوقهم التكنولوجي الكبير! عندها أدرك الغرب بما لا يقبل الشك أن فرص نجاة طائراتهم في معارك تلاحم جوي قريب مع الطائرات السوفييتية الحديثة قد باتت شبه معدومة , فاتجهوا نحو تبنّي مفهوم القتال من خارج مدى الرؤية لتعويض هذا الخلل الحاد في ميزان تكافؤ القوة الجوية (*).

الميغ -29 في سلاح الجو السوري:

بعد عملية قصف بطاريات الدفاع الجوي السورية في لبنان من قبل الكيان الصهيوني و الخسائر الناجمة  عن قيام سلاح الجو السوري بمهام التصدي لطائرات العدو و قواته البرية المتقدمة على أكثر من محور ضمن الأراضي اللبنانية ( و هو الموضوع الذي يحتاج مقالة خاصة لتوضيح كمّ التشويه الهائل المتعمد لمجريات تلك المعركة من قبل إسرائيل و أدواتها ) , أرسل الاتحاد السوفييتي وفداً من حلف “وارسو” للقاء الرئيس حافظ الأسد و الوقوف على احتياجات سلاح الجو السوري للمرحلة المقبلة و تعويض ما تم فقدانه مؤخراً ..

بادر رئيس الوفد القائد الخالد بالسؤال : كم طائرة تريدون؟

فأجابه الأسد : 200 طائرة..!!

ليردف رئيس الوفد : أتريدونها مع طيارين؟ ( في دلالة على حجم الدعم الهائل الذي كان الاتحاد السوفييتي مستعداً لتقديمه لأهم حلفائه في المنطقة! ) فأتاه الرد على الفور:

“لا نحتاج منكم طيارين , لدينا ما يكفي من الطيارين السوريين الإكفاء, فقط نريد طائرات”.

لتبدأ مرحلة إعادة بناء القوات الجوية السورية التي كان من نتائجها الشروع بتزويد سورية بطائرات ميغ -29 الحديثة ( سلّم الاتحاد السوفييتيالميغ29 لسورية قبل أن يسلّمها لألمانيا الشرقية!).

  العقيدة القتالية الجوية السورية:

لا شك بأن العقيدة القتالية السورية كانت و لا تزال تشكل امتداداً للمدرسة العسكرية السوفييتية العريقة , و لم يكن سلاح الجو السوري ببعيد عن هذا الواقع و هو الذي تشكل الطائرات السوفييتية ( و الروسية لاحقاً ) عماد قوته , هذا السلاح الذي ألقي على عاتقه مهمة التصدي لأحد أقوى و أحدث أسلحة الجو ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم كله ..كيف لا و العدو الإسرائيلي يغرف ما يشاء من الترسانة العسكرية الأمريكية بلا حساب؟ ( جميعنا نذكر كيف هبّت الولايات المتحدة لإنقاذ ربيبتها التي شارف سلاحها الجوي على الفناء بعد انطلاق حرب تشرين , و كيف عوّضته بطائرات أكثر تطوراً على الفور! ) (5).

أسندت لسلاح الجو السوري ( المكون بشكل رئيسي من طائرات ميغ-29 / 23 / 25 /21 و سوخوي 22/24 ) (6) في مواجهة العدو الصهيوني ثلاث مهمات رئيسية, الأولى تتركز في إسناد و دعم شبكة الدفاع الجوي الأرضية في مواجهة أي هجوم جوي معادي , و الثانية تتمثل في حماية القوات السورية البرية في حال تقدمت إلى خارج المظلة الجوية التي توفرها منظومات الـ م/ط الأرضية , و الثالثة هي القيام بعمليات قصف العمق الإسرائيلي بالإضافة لمواقعه و تشكيلاته المختلفة ( نظراً لصعوبة المهمة الأخيرة في ظل التفوق الجوي التكنولوجي الإسرائيلي تم التوجه لبناء ترسانة صاروخية سورية مهولة قادرة على سحق الكيان الصهيوني دون إعطائه فرصة التصدي للهجمات السورية ).

و مع اندلاع الحرب العالمية الثالثة على سورية , اضطر سلاح الجو إلى خوض المعركة في مواجهة مجاميع الإرهابيين على الأراضي السورية لكنّه و في أغلب الحالات لم يزج بأحدث ما لديه في أتونها بل استعاض عن ذلك باستخدام أسلحة شارف عمرها الافتراضي على الانتهاء تاركاً الترسانة الحديثة لمعركة أخرى قد يفكّر الإسرائيلي ( أو التركي أو الأمريكي أو جميعهم معاً ) بشنها!

ورثت الميغ -29 السورية مهمة جدتها ( ميغ -21 ) المتمثلة في الاعتراض و التحريم الجوي إلى جانب العمّة ( ميغ – 23) (7) التي طالتها تطويرات عديدة قامت بكثير منها أيدٍ و خبرات سورية وطنية أذهلت السوفييت قبل غيرهم و جعلتها تضاهي طائرات إف-16 الإسرائيلية باعتراف الطيارين الإسرائيليين أنفسهم!.

و انسجاماً مع العقيدة القتالية السورية تولّت الميغ-29 بالإضافة لمهمة حماية الأجواء السورية مهمة مرافقة الطائرات القاذفة من طراز ( ميغ -23 بي إن ) و ( سوخوي-22 إم4 ) و ( سوخوي-24 إم 2) عند تنفيذها لعمليات القصف الأرضي و حماية القوات البرية السورية المتقدمة في عمق أراضي العدو من هجمات طائراته, هذا قبل أن يتم رفع معظم ما تملكه سورية من هذه الطائرات إلى المستوى إس إم / إس إم تي الذي يتضمن رادار جديد و قدرات مقاومة تشويش عالية و استبدال التجهيزات القديمة بأخرى متطورة جعلها قادرة على استخدام أحدث أنواع الصواريخ جو – جو و جو – أرض الموجهة تلفزيونياً و ليزرياً و تنفيذ مختلف المهام القتالية في جميع الظروف…

إذاَ لماذا التعاقد على طراز إم/إم2 ؟

بالإضافة للرادار الحديث الأكثر تطوراً الذي زود به هذا الطراز و عدا عن قدرات القتال ما وراء الأفق التي اتاحتها مجموعة من الأجهزة الجديدة , تعتبر الميغ-29 إم/إم2 نسخة مشابهة إلى حد بعيد لآخر ما أنتجته مصانع ميكويان و هي الميغ -35 الأمر الذي جعل كثير من الخبراء يصنفونها كمقاتلة من الجيل الرابع و النصف ( الجيل الخامس هو الطائرات التي تتمتع بصفات الشبحية حصراً و لم تنتجها إلى اليوم سوى أميريكا و روسيا و الصين!) ! فلقد تم تعديل الهيكل بهدف استيعاب كمية إضافية من الوقود منحت الطائرة مدى قتالي أكبر بكثير من مدى الميغ -29 ايه/إس ( باستخدام خزانات وقود إضافية يصبح المدى القتالي للطائرة أكثر من 3 آلاف كيلومتر! ) و إجراء العديد من التطويرات الداخلية و الخارجية ما جعلها طائرة جديدة بالكامل و ليس فقط مجرّد تطوير لنموذج سابق!

لنقف عند هذه النقطة قليلاً! مدى قتالي أكبر!؟ و ما حاجة سلاح الجو السوري لطائرات حديثة متعددة الأدوار ذات مدى أطول طالما أن العدو الإسرائيلي قريب؟ لماذا لم تكتف سورية بالتعاقد على الميغ – 29 إس إم/إس إم تي ورفع ما لديها إلى هذا المستوى؟؟ ( يستطيع هذا الطراز اكتشاف الإف-16 من على بعد 95 كيلومتر, أي قبل أن تكتشفه الأخيرة!) وهل بإمكان سلاح الجو السوري مقارعة الصوفا و الراعم ( التسمية الإسرائيلية لطائراتهم من نوع إف-16 وَ إف-15 المطورتين خصيصاً لصالح الكيان الصهيوني ) حتى لو امتلك الميغ -29 إم ؟

حتى نجيب على هذه التساؤلات المشروعة لا بد من إعادة تركيب المشهد العسكري الشامل:

هل تذكرون كيف قامت قيامة أعداء سورية مع ورود أنباء عن صفقة “الإس -300 ” بعد ” البانتسير” و ” البوك ” ؟ و ظهور “الياخونت” و “السيبال” في مناورات البحرية السورية التي جرت عام 2012؟ كل ما سبق من أنواع أسلحة حديثة تعاقدت عليها سورية وضعناه في إطار التحضير لحرب شاملة ضد الكيان الصهيوني كان محور المقاومة يعد العدة لها قبل أن تطلق إسرائيل و حلفاؤها العرب هجومهم الاستباقي المسمى بـ ( الربيع العربي! )

و قد يضع البعض هذه الصفقة في إطار عملية تحديث و تطوير روتينية تقوم بها جميع جيوش دول العالم بشكل دوري لمواكبة التطور التكنولوجي و الحفاظ على قدرات الردع العسكري , لكن التعاقد على الميغ – 29 إم/إم2 له بعد آخر كما أراه نظراً لخصوصية الحالة السورية , خاصة عندما يتكامل مع الرغبة السورية باقتناء الميغ -31! (تعتبر الميغ -31 إحدى أقوى الطائرات الاعتراضية بعيدة المدى في العالم – إن لم تكن أفضلها على الإطلاق – نظراً للرادار الخارق المزودة به و الذي جعلها بمثابة أواكس مصغرّة و إمكانية تزويدها بصاوريخ جو –جو فائقة التطور يبلغ مداها 400 كم!! / أي أكبر من مدى صواريخ إس-300!/ بالإضافة لوصلة تبادل معطيات منحتها القدرة على قيادة مسرح عمليات جوي كامل!! )..فالصفقات التي تحدثنا عنها سابقاً جرى توقيعها جميعاً قبل بدء الحرب على سورية , أما هذه فقد جاءت بعد!! عدا عن أن شبكة الدفاع الجوي السورية باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح إحدى أقوى و أكثف و أعقد و أحدث شبكات الدفاع الجوي ليس في المنطقة و حسب بل على مستوى العالم.

و إذا ما أضفنا إلى ذلك الترسانة الصاروخية السورية ( أرض – أرض ) المرعبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى و القادرة على تدمير أي هدف ضمن مدى يزيد على ألف كيلومتر تصبح الميغ -29 إم/إم2 إضافة غير مفهومة أرادتها القيادة العسكرية السورية في مرحلة مصيرية بالغة الحساسية بالنسبة لسورية و المنطقة ككل!

هل نجحت أيها السادة في شد انتباهكم ؟

إن كانت الإجابة ( نعم ) سأطلب منكم أصدقائي متابعة الرحلة التي بدأنها سوية إلى نهايتها حتى نصل سوية للمحطة الأخيرة فيها…

التحديات الحالية و الحرب القادمة:

بالتأكيد لم تطلب سورية طائرات الميغ – 29 إم بهدف مواجهة الإرهابيين على أرضها , فهي تمتلك مسبقاً ما سيمكنها من سحقهم جميعاً , هذا أمر مفروغ منه , و لا هي تعاقدت عليها لاعتراض ( الملائكة ) النازلة من السماء لتقاتل إلى جانب ” المجاهدين” كما قال أحد مشعوذي ” الثورة”!

إنما هو توجه ليس فقط باتجاه تمتين القدرات الدفاعية , بل الهجومية أيضاً , لأنها ستضمن للقيادة العسكرية إمكانية إصدار أوامر استهداف مواقع ضمن و خارج مدى صواريخ الـ أرض – أرض بفعالية متزايدة ! لكن مهلاً…! ما هو الهدف الذي قد تود سورية تدميره و يبعد أكثر من 1200 كيلومتر عن قواعدها الصاروخية؟ أدع الإجابة عن هذا السؤال للقارئ العزيز و لا أطلب منه سوى إحضار خريطة لمنطقة الشرق الأوسط و استحضار الدول التي تآمرت على سورية!

قليلون من تنبهوا إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي سيكون الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي تدخل الخدمة فيه طائرة من الجيل الخامس قريباً ! نتحدث هنا عن الـ أف -35 لايتنينغ الشبحية (8) التي تعاقدت عليها إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية! و هي طائرة مقاتلة قاذفة متطورة جداً ذات بصمة رادارية ضئيلة للغاية صُممت لاختراق دفاعات الخصم الجوية و تدمير منشآته و مواقعه و سحق تشكيلاته البرية بعد أن تُتم الإف -22 رابتور إزالة التهديدات الجوية المعادية من سماء المعركة ( لم تسمح أمريكا بتصدير الإف -22 إطلاقاً حتى لأقرب حلفائها ) , تتميز بالإضافة لقدراتها الشبحية بأنها قادرة على الإقلاع و الهبوط عامودياً ( تماماً كما الحوامات! ) أي أنه بإمكان الإسرائيليين استخدامها حتى من خارج مطاراتهم الحربية – تفادياً لهجمات صواريخ أرض –أرض السورية التي ستدك القواعد الجوية الإسرائيلية في أية معركة مقبلة -..

هنا يأتي دور الميغ -29 إم, فهي برغم عدم تمتعها بمزايا الشبحية , إلا أنها تمتلك ( بالإضافة للرادار المتطور القادر على تتبع 10 أهداف و الاشتباك مع أخطر 4 منها في ذات الوقت ) ) ما يستطيع مواجهة جميع الأهداف البرية والبحرية و الجوية بما فيها الإف -35 و هي منظومة تدعى ( أو إل إس ) تعمل فى مجال الأشعة تحت الحمراء والتليفزيونية والليزرية، استخدم الروس في تصنيع هذه المنظومة – ولأول مرة – التكنولوجيا الفضائية الروسية المتقدمة وتم تصميمها وتصنيعها في معهد الأبحاث العلمية للأجهزة الدقيقة (9).

وتمتاز بقدرة كبيرة على اكتشاف وتمييز وتتبع الأهداف الجوية والأرضية والبحرية – بما فيها تلك التي تمتلك بصمة رادارية ضئيلة – ليس فقط الموجودة أمام الطائرة بل خلفها أيضاً ! و في جميع الطروف ليلا ونهارا …وكذلك حساب المدى نحو الأهداف باستخدام منظومة قياس المدى الليزرية و إعطاء أوامر الإضاءة والتوجيه نحو الأهداف الأرضية و الجوية ومن ثم تدميرها باستخدام مجموعة واسعة من الأسلحة جو – جو / جو – أرض / جو – بحر ! عدا عن تزويد طيار الميغ -29 إم بخوذة ثورية لا مثيل لها في العالم ( ثورية أي أحدثت ثورة تكنولوجية في هذا المجال.. حتى لا يسيل لعاب الثورجيين لدينا!) مرتبطة مع رادار الطائرة و تمنحه – أي للطيار – قدرة الإطباق على الأهداف الجوية و تتبعها بمجرد النظر إليها !!

حالها كحال بقية الطائرات الإسرائيلية , لن يتيح مسرح العمليات الجوي المحدود ( تستطيع طائرة ميغ -25 سورية الوصول فوق تل أبيب في أقل من 5 دقائق!) للإف – 35 الإسرائيلية الاستفادة المثلى من رادارها و صواريخها بعيدة المدى التي زودت بها لضمان تفوقها على طائرات الخصم المعادية في الحالات الطبيعية ( هذا ما حدث في مواجهات عام 1982 فوق لبنان عندما حُرمت الإف -15 الاسرائيلية من الاستفادة من رادارها و صواريخها بعيدة المدى و اضطر طياروها لخوض مواجهات تلاحميه مع نسورنا ), و إذا علمنا بأن منظومة الدفاع الجوي السورية حصلت على رادارات مهمتها الأساس اكتشاف الطائرات الشبحية , تصبح الإف -35 الشبحية في مهب الرياح السورية! فما بالكم بالإف-16 و الإف -15؟

قد يقول البعض: بما أنك تقول أن سورية تمتلك منظومات دفاع جوي متطورة ورادارات متخصصة باكتشاف الطائرات الشبحية , فما الحاجة للميغ -29 إم/إم2؟؟

و سيكون جوابي حينها: من قال أن المعركة الجوية القادمة ستكون محصورة فوق الأراضي السورية و ليس فوق فلسطين المحتلّة أو جنوب تركيا أو الأردن أو حتى شرق البحر الأبيض المتوسط؟

إنها بالتأكيد صفقة تسليحية جديدة تعكس إلى جانب الصواريخ بعيدة المدى رغبة سورية حقيقية في امتلاك سلاح فعّال هجومي – دفاعي في آن معاً يتيح خيارات أكبر للقيادة العسكرية السورية .

بالطبع , لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار أن ردم الهوّة التكنولوجية مع العدو الصهيوني في ميدان الطائرات المقاتلة يتطلب جهداً و أنواعاً و أعداداً أكبر بكثير مما تم الإفصاح عنه مؤخراً , رغم أننا نمتلك ما بإمكانه قلب جميع الموازين و تحقيق المفاجآت الحاسمة ألا وهو المقاتل السوري المؤمن بعدالة قضيته و المستعد لبذل الغالي و الرخيص في سبيل وطنه , لكن ما يهمنا هنا هو استقراء كيف تفكر القيادة العسكرية السورية و كيف تخطط للمستقبل , و ما هو الدور الذي سيلعبه النسور السوريون مستقبلاً…

بالإضافة لفهم فحوى الرسالة التي بعثت بها موسكو للطرف الآخر من أنها مستعدة لكسر جميع التفاهمات الضمنية معه حول طبيعة الأسلحة المورّدة لحلف المقاومة طالما أن هذا الطرف ماض في غيّه و دعمه العلني للإرهاب في سورية , فالرسالة ببساطة تقول:

إذا كان ردّنا على تزويد مرتزقتكم في سورية ببضعة صواريخ م/د – نعلم أنها لن تغير شيئاً – هو تزويدنا لسورية بطائرات ميغ-29 إم المتطورة ! برأيكم ما الذي سنعطيه للجيش السوري إذا سلمتم إرهابييكم صواريخ مضادة للطائرات؟؟؟ خمّنوا أنتم!

فليقرأ ثوار الناتو و داعموهم هذه الكلمات , ليعلموا أن سورية و رغم شراسة المعركة التي يخوضها شعبها و جيشها اليوم في مواجهة حثالة البشرية ممن يسمون أنفسهم ثواراً فهي واثقة من انتصارها عليهم جميعاً إلى درجة التفكير و التخطيط لأم المعارك الآتية مع رأس الأفعى , بعد الانتهاء من ذنبها…

شكراً لكم أعزائي لتلبيتكم دعوتي , و إلى رحلات استطلاعية جديدة نقوم بها معاً في القريب العاجل…

  • فريق ماسة
  • 2014-05-30
  • 8950
  • من الأرشيف

صفقة طائرات ميغ 29 إم /إم2...ما حاجة سلاح الجو السوري لطائرات حديثة متعددة الأدوار ذات مدى أطول طالما أن العدو الإسرائيلي قريب؟!

بعد أن عادت أخبار صفقات التسليح الروسي لسورية إلى واجهة الأحداث مؤخراً و بالتحديد صفقة طائرات ( ميغ ) , قررت أن أوجه لكم دعوة يا أصدقائي للصعود معي على متن مقالة عسكرية استطلاعية لنجول سوية في أجواء عالم السلاح و نتطلع على تفاصيل و جزئيات قد تفيدنا في فهم ما يحدث اليوم و استقراء ما قد يحدث مستقبلاً في سورية و المنطقة على الصعيدين السياسي و العسكري بعيداً عن عمليات التشويش – الإخبارية – التي غالباً ما تجعل الصورة ناقصة في أفضل الحالات و مشوّهة في أسوئها , إليكم السترات و المظلّات , و هلّموا معي.. أثارت تصريحات رسمية روسية تفيد عن عزم روسيا توريد مقاتلات من طراز ( ميغ – 29 إم/إم2 ) (*) لصالح سلاح الجو السوري شهية الأقلام الصديقة و العدوة معاً مرة أخرى للحديث عن طبيعة صفقات السلاح الروسي لسورية و عن أهدافها و معانيها و توقيتها , و بعيداً عما تبثه الأقلام و القنوات الفضائية المتخصصة برمي القنابل الدخانية و المسيلة للدموع تبقى الأضواء التي يسلطها الأقلام و الإعلام الوطني ( و الصديق ) على ذلك المشهد القديم الجديد و أبعاده السياسية و العسكرية و الاستراتيجية خافتة باهتة في كثير من الأحيان ( إن لم يكن باستمرار!).. من هنا سنحاول في جولتنا الاطلاعية هذه الإجابة عن أسئلة عديدة من مثل ( ما هي طبيعة تلك الصفقات و ما هي أهدافها ؟ و لماذا اختارت سورية هذا النوع ؟ و ما حاجتها له ؟ …الخ ) لكن قبل الخوض في تلك التساؤلات و إجاباتها لا بد لنا من إلقاء نظرة بانورامية شاملة و الانطلاق من نقطة البداية التي سنصل من خلالها إلى أداء سلاح الجو السوري و دوره الحالي و المستقبلي في معركة الشرف و الكرامة التي تخوضها قواتنا المسلحة دفاعاً عن سورية و الأمة جمعاء… الميغ -29 : لمحة تاريخية: منذ إنشائه كان لمكتب تصميم الطائرات ( ميكويان – غوريفيتش / ميغ ) دوراً تاريخياً هاماً – إلى جانب مكتبي سوخوي و توبوليف – من خلال تصميم و انتاج طائرات مقاتلة حمت الأجواء السوفييتية في الحرب العالمية الثانية و ما بعدها خاصة مع دخول مرحلة انتاج المقاتلات النفاثة , صمم هذا المكتب العديد من نماذج المقاتلات التي أثبتت تفوق السوفييت في مجال الإيروديناميكا (*) على الغرب الذي اعتمد في المقابل على تفوقه التكنولوجي.. كانت العقيدة القتالية الجوية السوفييتية إلى منتصف الستينات تعتمد على التفوق العددي و التخصص في مواجهة طائرات حلف الناتو, أي إنتاج نوع محدد من الطائرات لكل مهمة قتالية فتم انتاج طائرات لمهام الاعتراض الجوي و أخرى للقصف و ثالثة للقصف بعيد المدى..الخ , مع بداية عقد السبعينات و القفزة التكنولوجية الهائلة التي تمخضت عنه اتجه الغرب نحو تصنيع مقاتلات متعددة الأدوار ( أي قادرة على القيام بمختلف المهمات في آن معاً ) لتكون باكورة الجيل الرابع طائرة إف -16 الأمريكية , مما حدا بمكاتب التصميم السوفييتية للقيام بذات الأمر بهدف ردم الهوة الجوية مع الغرب , لتظهر طائرة الميغ -29 التي دخلت الخدمة في سلاح الجو السوفييتي مع بداية عقد الثمانينيات كطائرة تفوّق و سيادة جوية يمكن تطويرها لتنفيذ مهام الدعم الأرضي.. بعد دخول الاتحاد السوفييتي عصر ” البيريسترويكا ” مع قدوم غورباتشيف إلى السلطة و انتهاجه سياسة الانفتاح و الحوار مع المعسكر الآخر شاركت هذه الطائرة عام 1988 في معرض “فارنبره” الجوي في بريطانيا بعد نصف قرن من السريّة المطلقة التي كان السوفييت يحيطون بها أسلحتهم… لم يصدق الخبراء الغربيون ما رأته أعينهم ! فلقد قامت بعرض جوي أصاب جميع من شاهده بالذهول و الصدمة حتى تدلّت فكوكهم السفلية و جحظت أعينهم ( هذه ليست مبالغة تشبيهية, بل ما حدث فعلاً! ) …إذ تحدّت الميغ – 29 في ذلك العرض إسحق نيوتن و جاذبيته الأرضية بمناورات لم يخطر على بالهم قط أن بإمكان طائرة من صنع الإنسان القيام بها رغم تفوقهم التكنولوجي الكبير! عندها أدرك الغرب بما لا يقبل الشك أن فرص نجاة طائراتهم في معارك تلاحم جوي قريب مع الطائرات السوفييتية الحديثة قد باتت شبه معدومة , فاتجهوا نحو تبنّي مفهوم القتال من خارج مدى الرؤية لتعويض هذا الخلل الحاد في ميزان تكافؤ القوة الجوية (*). الميغ -29 في سلاح الجو السوري: بعد عملية قصف بطاريات الدفاع الجوي السورية في لبنان من قبل الكيان الصهيوني و الخسائر الناجمة  عن قيام سلاح الجو السوري بمهام التصدي لطائرات العدو و قواته البرية المتقدمة على أكثر من محور ضمن الأراضي اللبنانية ( و هو الموضوع الذي يحتاج مقالة خاصة لتوضيح كمّ التشويه الهائل المتعمد لمجريات تلك المعركة من قبل إسرائيل و أدواتها ) , أرسل الاتحاد السوفييتي وفداً من حلف “وارسو” للقاء الرئيس حافظ الأسد و الوقوف على احتياجات سلاح الجو السوري للمرحلة المقبلة و تعويض ما تم فقدانه مؤخراً .. بادر رئيس الوفد القائد الخالد بالسؤال : كم طائرة تريدون؟ فأجابه الأسد : 200 طائرة..!! ليردف رئيس الوفد : أتريدونها مع طيارين؟ ( في دلالة على حجم الدعم الهائل الذي كان الاتحاد السوفييتي مستعداً لتقديمه لأهم حلفائه في المنطقة! ) فأتاه الرد على الفور: “لا نحتاج منكم طيارين , لدينا ما يكفي من الطيارين السوريين الإكفاء, فقط نريد طائرات”. لتبدأ مرحلة إعادة بناء القوات الجوية السورية التي كان من نتائجها الشروع بتزويد سورية بطائرات ميغ -29 الحديثة ( سلّم الاتحاد السوفييتيالميغ29 لسورية قبل أن يسلّمها لألمانيا الشرقية!).   العقيدة القتالية الجوية السورية: لا شك بأن العقيدة القتالية السورية كانت و لا تزال تشكل امتداداً للمدرسة العسكرية السوفييتية العريقة , و لم يكن سلاح الجو السوري ببعيد عن هذا الواقع و هو الذي تشكل الطائرات السوفييتية ( و الروسية لاحقاً ) عماد قوته , هذا السلاح الذي ألقي على عاتقه مهمة التصدي لأحد أقوى و أحدث أسلحة الجو ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم كله ..كيف لا و العدو الإسرائيلي يغرف ما يشاء من الترسانة العسكرية الأمريكية بلا حساب؟ ( جميعنا نذكر كيف هبّت الولايات المتحدة لإنقاذ ربيبتها التي شارف سلاحها الجوي على الفناء بعد انطلاق حرب تشرين , و كيف عوّضته بطائرات أكثر تطوراً على الفور! ) (5). أسندت لسلاح الجو السوري ( المكون بشكل رئيسي من طائرات ميغ-29 / 23 / 25 /21 و سوخوي 22/24 ) (6) في مواجهة العدو الصهيوني ثلاث مهمات رئيسية, الأولى تتركز في إسناد و دعم شبكة الدفاع الجوي الأرضية في مواجهة أي هجوم جوي معادي , و الثانية تتمثل في حماية القوات السورية البرية في حال تقدمت إلى خارج المظلة الجوية التي توفرها منظومات الـ م/ط الأرضية , و الثالثة هي القيام بعمليات قصف العمق الإسرائيلي بالإضافة لمواقعه و تشكيلاته المختلفة ( نظراً لصعوبة المهمة الأخيرة في ظل التفوق الجوي التكنولوجي الإسرائيلي تم التوجه لبناء ترسانة صاروخية سورية مهولة قادرة على سحق الكيان الصهيوني دون إعطائه فرصة التصدي للهجمات السورية ). و مع اندلاع الحرب العالمية الثالثة على سورية , اضطر سلاح الجو إلى خوض المعركة في مواجهة مجاميع الإرهابيين على الأراضي السورية لكنّه و في أغلب الحالات لم يزج بأحدث ما لديه في أتونها بل استعاض عن ذلك باستخدام أسلحة شارف عمرها الافتراضي على الانتهاء تاركاً الترسانة الحديثة لمعركة أخرى قد يفكّر الإسرائيلي ( أو التركي أو الأمريكي أو جميعهم معاً ) بشنها! ورثت الميغ -29 السورية مهمة جدتها ( ميغ -21 ) المتمثلة في الاعتراض و التحريم الجوي إلى جانب العمّة ( ميغ – 23) (7) التي طالتها تطويرات عديدة قامت بكثير منها أيدٍ و خبرات سورية وطنية أذهلت السوفييت قبل غيرهم و جعلتها تضاهي طائرات إف-16 الإسرائيلية باعتراف الطيارين الإسرائيليين أنفسهم!. و انسجاماً مع العقيدة القتالية السورية تولّت الميغ-29 بالإضافة لمهمة حماية الأجواء السورية مهمة مرافقة الطائرات القاذفة من طراز ( ميغ -23 بي إن ) و ( سوخوي-22 إم4 ) و ( سوخوي-24 إم 2) عند تنفيذها لعمليات القصف الأرضي و حماية القوات البرية السورية المتقدمة في عمق أراضي العدو من هجمات طائراته, هذا قبل أن يتم رفع معظم ما تملكه سورية من هذه الطائرات إلى المستوى إس إم / إس إم تي الذي يتضمن رادار جديد و قدرات مقاومة تشويش عالية و استبدال التجهيزات القديمة بأخرى متطورة جعلها قادرة على استخدام أحدث أنواع الصواريخ جو – جو و جو – أرض الموجهة تلفزيونياً و ليزرياً و تنفيذ مختلف المهام القتالية في جميع الظروف… إذاَ لماذا التعاقد على طراز إم/إم2 ؟ بالإضافة للرادار الحديث الأكثر تطوراً الذي زود به هذا الطراز و عدا عن قدرات القتال ما وراء الأفق التي اتاحتها مجموعة من الأجهزة الجديدة , تعتبر الميغ-29 إم/إم2 نسخة مشابهة إلى حد بعيد لآخر ما أنتجته مصانع ميكويان و هي الميغ -35 الأمر الذي جعل كثير من الخبراء يصنفونها كمقاتلة من الجيل الرابع و النصف ( الجيل الخامس هو الطائرات التي تتمتع بصفات الشبحية حصراً و لم تنتجها إلى اليوم سوى أميريكا و روسيا و الصين!) ! فلقد تم تعديل الهيكل بهدف استيعاب كمية إضافية من الوقود منحت الطائرة مدى قتالي أكبر بكثير من مدى الميغ -29 ايه/إس ( باستخدام خزانات وقود إضافية يصبح المدى القتالي للطائرة أكثر من 3 آلاف كيلومتر! ) و إجراء العديد من التطويرات الداخلية و الخارجية ما جعلها طائرة جديدة بالكامل و ليس فقط مجرّد تطوير لنموذج سابق! لنقف عند هذه النقطة قليلاً! مدى قتالي أكبر!؟ و ما حاجة سلاح الجو السوري لطائرات حديثة متعددة الأدوار ذات مدى أطول طالما أن العدو الإسرائيلي قريب؟ لماذا لم تكتف سورية بالتعاقد على الميغ – 29 إس إم/إس إم تي ورفع ما لديها إلى هذا المستوى؟؟ ( يستطيع هذا الطراز اكتشاف الإف-16 من على بعد 95 كيلومتر, أي قبل أن تكتشفه الأخيرة!) وهل بإمكان سلاح الجو السوري مقارعة الصوفا و الراعم ( التسمية الإسرائيلية لطائراتهم من نوع إف-16 وَ إف-15 المطورتين خصيصاً لصالح الكيان الصهيوني ) حتى لو امتلك الميغ -29 إم ؟ حتى نجيب على هذه التساؤلات المشروعة لا بد من إعادة تركيب المشهد العسكري الشامل: هل تذكرون كيف قامت قيامة أعداء سورية مع ورود أنباء عن صفقة “الإس -300 ” بعد ” البانتسير” و ” البوك ” ؟ و ظهور “الياخونت” و “السيبال” في مناورات البحرية السورية التي جرت عام 2012؟ كل ما سبق من أنواع أسلحة حديثة تعاقدت عليها سورية وضعناه في إطار التحضير لحرب شاملة ضد الكيان الصهيوني كان محور المقاومة يعد العدة لها قبل أن تطلق إسرائيل و حلفاؤها العرب هجومهم الاستباقي المسمى بـ ( الربيع العربي! ) و قد يضع البعض هذه الصفقة في إطار عملية تحديث و تطوير روتينية تقوم بها جميع جيوش دول العالم بشكل دوري لمواكبة التطور التكنولوجي و الحفاظ على قدرات الردع العسكري , لكن التعاقد على الميغ – 29 إم/إم2 له بعد آخر كما أراه نظراً لخصوصية الحالة السورية , خاصة عندما يتكامل مع الرغبة السورية باقتناء الميغ -31! (تعتبر الميغ -31 إحدى أقوى الطائرات الاعتراضية بعيدة المدى في العالم – إن لم تكن أفضلها على الإطلاق – نظراً للرادار الخارق المزودة به و الذي جعلها بمثابة أواكس مصغرّة و إمكانية تزويدها بصاوريخ جو –جو فائقة التطور يبلغ مداها 400 كم!! / أي أكبر من مدى صواريخ إس-300!/ بالإضافة لوصلة تبادل معطيات منحتها القدرة على قيادة مسرح عمليات جوي كامل!! )..فالصفقات التي تحدثنا عنها سابقاً جرى توقيعها جميعاً قبل بدء الحرب على سورية , أما هذه فقد جاءت بعد!! عدا عن أن شبكة الدفاع الجوي السورية باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح إحدى أقوى و أكثف و أعقد و أحدث شبكات الدفاع الجوي ليس في المنطقة و حسب بل على مستوى العالم. و إذا ما أضفنا إلى ذلك الترسانة الصاروخية السورية ( أرض – أرض ) المرعبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى و القادرة على تدمير أي هدف ضمن مدى يزيد على ألف كيلومتر تصبح الميغ -29 إم/إم2 إضافة غير مفهومة أرادتها القيادة العسكرية السورية في مرحلة مصيرية بالغة الحساسية بالنسبة لسورية و المنطقة ككل! هل نجحت أيها السادة في شد انتباهكم ؟ إن كانت الإجابة ( نعم ) سأطلب منكم أصدقائي متابعة الرحلة التي بدأنها سوية إلى نهايتها حتى نصل سوية للمحطة الأخيرة فيها… التحديات الحالية و الحرب القادمة: بالتأكيد لم تطلب سورية طائرات الميغ – 29 إم بهدف مواجهة الإرهابيين على أرضها , فهي تمتلك مسبقاً ما سيمكنها من سحقهم جميعاً , هذا أمر مفروغ منه , و لا هي تعاقدت عليها لاعتراض ( الملائكة ) النازلة من السماء لتقاتل إلى جانب ” المجاهدين” كما قال أحد مشعوذي ” الثورة”! إنما هو توجه ليس فقط باتجاه تمتين القدرات الدفاعية , بل الهجومية أيضاً , لأنها ستضمن للقيادة العسكرية إمكانية إصدار أوامر استهداف مواقع ضمن و خارج مدى صواريخ الـ أرض – أرض بفعالية متزايدة ! لكن مهلاً…! ما هو الهدف الذي قد تود سورية تدميره و يبعد أكثر من 1200 كيلومتر عن قواعدها الصاروخية؟ أدع الإجابة عن هذا السؤال للقارئ العزيز و لا أطلب منه سوى إحضار خريطة لمنطقة الشرق الأوسط و استحضار الدول التي تآمرت على سورية! قليلون من تنبهوا إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي سيكون الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي تدخل الخدمة فيه طائرة من الجيل الخامس قريباً ! نتحدث هنا عن الـ أف -35 لايتنينغ الشبحية (8) التي تعاقدت عليها إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية! و هي طائرة مقاتلة قاذفة متطورة جداً ذات بصمة رادارية ضئيلة للغاية صُممت لاختراق دفاعات الخصم الجوية و تدمير منشآته و مواقعه و سحق تشكيلاته البرية بعد أن تُتم الإف -22 رابتور إزالة التهديدات الجوية المعادية من سماء المعركة ( لم تسمح أمريكا بتصدير الإف -22 إطلاقاً حتى لأقرب حلفائها ) , تتميز بالإضافة لقدراتها الشبحية بأنها قادرة على الإقلاع و الهبوط عامودياً ( تماماً كما الحوامات! ) أي أنه بإمكان الإسرائيليين استخدامها حتى من خارج مطاراتهم الحربية – تفادياً لهجمات صواريخ أرض –أرض السورية التي ستدك القواعد الجوية الإسرائيلية في أية معركة مقبلة -.. هنا يأتي دور الميغ -29 إم, فهي برغم عدم تمتعها بمزايا الشبحية , إلا أنها تمتلك ( بالإضافة للرادار المتطور القادر على تتبع 10 أهداف و الاشتباك مع أخطر 4 منها في ذات الوقت ) ) ما يستطيع مواجهة جميع الأهداف البرية والبحرية و الجوية بما فيها الإف -35 و هي منظومة تدعى ( أو إل إس ) تعمل فى مجال الأشعة تحت الحمراء والتليفزيونية والليزرية، استخدم الروس في تصنيع هذه المنظومة – ولأول مرة – التكنولوجيا الفضائية الروسية المتقدمة وتم تصميمها وتصنيعها في معهد الأبحاث العلمية للأجهزة الدقيقة (9). وتمتاز بقدرة كبيرة على اكتشاف وتمييز وتتبع الأهداف الجوية والأرضية والبحرية – بما فيها تلك التي تمتلك بصمة رادارية ضئيلة – ليس فقط الموجودة أمام الطائرة بل خلفها أيضاً ! و في جميع الطروف ليلا ونهارا …وكذلك حساب المدى نحو الأهداف باستخدام منظومة قياس المدى الليزرية و إعطاء أوامر الإضاءة والتوجيه نحو الأهداف الأرضية و الجوية ومن ثم تدميرها باستخدام مجموعة واسعة من الأسلحة جو – جو / جو – أرض / جو – بحر ! عدا عن تزويد طيار الميغ -29 إم بخوذة ثورية لا مثيل لها في العالم ( ثورية أي أحدثت ثورة تكنولوجية في هذا المجال.. حتى لا يسيل لعاب الثورجيين لدينا!) مرتبطة مع رادار الطائرة و تمنحه – أي للطيار – قدرة الإطباق على الأهداف الجوية و تتبعها بمجرد النظر إليها !! حالها كحال بقية الطائرات الإسرائيلية , لن يتيح مسرح العمليات الجوي المحدود ( تستطيع طائرة ميغ -25 سورية الوصول فوق تل أبيب في أقل من 5 دقائق!) للإف – 35 الإسرائيلية الاستفادة المثلى من رادارها و صواريخها بعيدة المدى التي زودت بها لضمان تفوقها على طائرات الخصم المعادية في الحالات الطبيعية ( هذا ما حدث في مواجهات عام 1982 فوق لبنان عندما حُرمت الإف -15 الاسرائيلية من الاستفادة من رادارها و صواريخها بعيدة المدى و اضطر طياروها لخوض مواجهات تلاحميه مع نسورنا ), و إذا علمنا بأن منظومة الدفاع الجوي السورية حصلت على رادارات مهمتها الأساس اكتشاف الطائرات الشبحية , تصبح الإف -35 الشبحية في مهب الرياح السورية! فما بالكم بالإف-16 و الإف -15؟ قد يقول البعض: بما أنك تقول أن سورية تمتلك منظومات دفاع جوي متطورة ورادارات متخصصة باكتشاف الطائرات الشبحية , فما الحاجة للميغ -29 إم/إم2؟؟ و سيكون جوابي حينها: من قال أن المعركة الجوية القادمة ستكون محصورة فوق الأراضي السورية و ليس فوق فلسطين المحتلّة أو جنوب تركيا أو الأردن أو حتى شرق البحر الأبيض المتوسط؟ إنها بالتأكيد صفقة تسليحية جديدة تعكس إلى جانب الصواريخ بعيدة المدى رغبة سورية حقيقية في امتلاك سلاح فعّال هجومي – دفاعي في آن معاً يتيح خيارات أكبر للقيادة العسكرية السورية . بالطبع , لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار أن ردم الهوّة التكنولوجية مع العدو الصهيوني في ميدان الطائرات المقاتلة يتطلب جهداً و أنواعاً و أعداداً أكبر بكثير مما تم الإفصاح عنه مؤخراً , رغم أننا نمتلك ما بإمكانه قلب جميع الموازين و تحقيق المفاجآت الحاسمة ألا وهو المقاتل السوري المؤمن بعدالة قضيته و المستعد لبذل الغالي و الرخيص في سبيل وطنه , لكن ما يهمنا هنا هو استقراء كيف تفكر القيادة العسكرية السورية و كيف تخطط للمستقبل , و ما هو الدور الذي سيلعبه النسور السوريون مستقبلاً… بالإضافة لفهم فحوى الرسالة التي بعثت بها موسكو للطرف الآخر من أنها مستعدة لكسر جميع التفاهمات الضمنية معه حول طبيعة الأسلحة المورّدة لحلف المقاومة طالما أن هذا الطرف ماض في غيّه و دعمه العلني للإرهاب في سورية , فالرسالة ببساطة تقول: إذا كان ردّنا على تزويد مرتزقتكم في سورية ببضعة صواريخ م/د – نعلم أنها لن تغير شيئاً – هو تزويدنا لسورية بطائرات ميغ-29 إم المتطورة ! برأيكم ما الذي سنعطيه للجيش السوري إذا سلمتم إرهابييكم صواريخ مضادة للطائرات؟؟؟ خمّنوا أنتم! فليقرأ ثوار الناتو و داعموهم هذه الكلمات , ليعلموا أن سورية و رغم شراسة المعركة التي يخوضها شعبها و جيشها اليوم في مواجهة حثالة البشرية ممن يسمون أنفسهم ثواراً فهي واثقة من انتصارها عليهم جميعاً إلى درجة التفكير و التخطيط لأم المعارك الآتية مع رأس الأفعى , بعد الانتهاء من ذنبها… شكراً لكم أعزائي لتلبيتكم دعوتي , و إلى رحلات استطلاعية جديدة نقوم بها معاً في القريب العاجل…

المصدر : وكالة أوقات الشام/ سن تسو السوري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة