أحدهم قال ما يبدو شيئاً من المبالغة: "كرة القدم هي المظهر الحضاري الوحيد المُتبقي على سطح الأرض". قد لا نفهم ذلك، فنظنّه دعابة. يلمع في عيون مشتركي "ذا فيكتوريوس" (قناة "دبي") بريق يقول إنّ كرة القدم، هي وحدها، الحقيقة.

 عِوض المواهب الغنائية المتكاثرة من دون جدوى، حسنٌ البحث، عشية كأس العالم، عن الموهبة العربية في كرة القدم. لعلّه أنجح مشاريع "مؤسسة دبي للإعلام"، وهدفٌ تسجّله في مرمى الفضائيات المنافسة. اللعبة برمّتها يقودها رجل هو في عالم المستديرة أسطورة: دييغو أرماندو مارادونا، بما يختزله من هيبة، يتولّى الإشراف على المشتركين من ثماني دول عربية، بينهم شابان من لبنان: ايكر وإدمون شحادة. وهو يترأس لجنة التحكيم المؤلفة، إليه، من اللاعبَين الدوليَين الجزائري رابح ماجر والمصري هاني رمزي. والمدرّب؟ الاسباني ميشال سالغادو، الذي حقق كأس الانتركونتيننتال مع ريال مدريد.

البرنامج موهبة وإرادة وشغف. شغفٌ يجعل من الكرة كائناً ناطقاً، ومن لاعبين كبار آلهة، وعشب الملاعب اختراعاً مذهلاً. سيبقى مارادونا عصيّاً على عقول ترى الهالة مُجسّماً لا يُلمس. شبان تخلّوا عن كل شيء من أجل الكرة. إنّها فيهم سبب الحزن والفرح ومعيار الربح والخسارة. نتعلّم من البرنامج أنّ الحياة أيضاً يُمكن أن تختصرها لعبة، أن تُنقذها وتؤجّل فناءها. "في كلّ الأحوال، لا تعتقدوا أنّ هناك من خاسر"، يقول مارادونا مواسياً، وهو يختار مشتركاً ويستبعد آخر. كلما يودّع شاباً يعانقه، كأنّه يخشى أن يستسلم ويتوقّف.

اختبارات بدنية وذهنية صعبة، يخوضها المشتركون ضمن فريقين: الأزرق والأصفر. يُعلّق مارادونا، المُظهِر تجاههم احتضاناً هو في الوقت عينه صرامة: "نعم، المباراة كانت صعبة. لعبوا مباراة عظيمة". هادئ وخفِر، يُجمِّل علاقة الملايين بكرة القدم. كلّ إثنين، التاسعة والنصف مساء، راقب هذا الرجل. كيف يطلق نظراته ويُحدِّق بالمستقبل. نتابعه أسبوعياً، ويظهر في اليوميات مُستوعِباً حماسة الشبان، ضابطاً مناوشاتهم لئلا تتطوّر. ليس المطلوب أن نعشق الفوتبول ليتراءى لنا مارادونا رائعاً: بما حقق ويُحقق ويرفض ألا يتحقق، لأنه يتقدّم في السنّ ويحلّ فيه الكِبر. رائعٌ بلسانه الناطق بالاسبانية والحلقتين في أذنيه. حين يُصفِّق تسترجع عبره الملعب، حيث الجماهير المُشجِّعة تُدهش العالم.

أُغدِق مال هائل على تجربة عربية جديدة، جميل فيها حضور مارادونا، وإعلاء روح الفريق من دون طمس ذاتية أفراده. يُقدّم هشام عبدالرحمن الحلقات، ولعلها تجربته الأفضل مقارنة بالسابق، فهو هذه المرة لا يُقدِّم فحسب، بل يُضفي حماسة. ناتالي مامو في الكواليس، أنيقة ومدركة أن كرة القدم، ككرة السلة التي تتقنها، لغةٌ أكثر منها رياضة. لن يُبرر هذا إكثار العواطف، عادة برامج الهواة لاستمالتك. لاح الانسحاب حلاً في بال مشترك وقع في دائرة الخطر، وإنما "لتحسين وضع العائلة" عدل عن قراره. ذلك أنّ جائزة الرابح 100 ألف دولار وعقد مع نادٍ عالمي، من دون أن يُغيِّر ذلك كون مارادونا هو الجائزة الكبرى.

سيتمنى عشاق الكرة لو أنّ عيونهم هي الأخرى رأت ماركو ماتيراسي وفابيو كانافارو. ذلك أنّ البرنامج يستضيف لاعبين عبرهم يستهوينا الظنّ بأن لا شيء مستحيلاً. يصبح ممكناً فهم إدمون شحادة وهو يصف الكرة بالدم في جسده. الفوتبول، وسط الشغف، فنٌ لا ممارسة. يتنفّسه عشّاقه كما لو أنّ الله لم يخترع الهواء.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-21
  • 10912
  • من الأرشيف

مارادونا الأسطورة يبتسم برقّة للعرب: لا تعتقدوا أنّ هناك من خاسر!

أحدهم قال ما يبدو شيئاً من المبالغة: "كرة القدم هي المظهر الحضاري الوحيد المُتبقي على سطح الأرض". قد لا نفهم ذلك، فنظنّه دعابة. يلمع في عيون مشتركي "ذا فيكتوريوس" (قناة "دبي") بريق يقول إنّ كرة القدم، هي وحدها، الحقيقة.  عِوض المواهب الغنائية المتكاثرة من دون جدوى، حسنٌ البحث، عشية كأس العالم، عن الموهبة العربية في كرة القدم. لعلّه أنجح مشاريع "مؤسسة دبي للإعلام"، وهدفٌ تسجّله في مرمى الفضائيات المنافسة. اللعبة برمّتها يقودها رجل هو في عالم المستديرة أسطورة: دييغو أرماندو مارادونا، بما يختزله من هيبة، يتولّى الإشراف على المشتركين من ثماني دول عربية، بينهم شابان من لبنان: ايكر وإدمون شحادة. وهو يترأس لجنة التحكيم المؤلفة، إليه، من اللاعبَين الدوليَين الجزائري رابح ماجر والمصري هاني رمزي. والمدرّب؟ الاسباني ميشال سالغادو، الذي حقق كأس الانتركونتيننتال مع ريال مدريد. البرنامج موهبة وإرادة وشغف. شغفٌ يجعل من الكرة كائناً ناطقاً، ومن لاعبين كبار آلهة، وعشب الملاعب اختراعاً مذهلاً. سيبقى مارادونا عصيّاً على عقول ترى الهالة مُجسّماً لا يُلمس. شبان تخلّوا عن كل شيء من أجل الكرة. إنّها فيهم سبب الحزن والفرح ومعيار الربح والخسارة. نتعلّم من البرنامج أنّ الحياة أيضاً يُمكن أن تختصرها لعبة، أن تُنقذها وتؤجّل فناءها. "في كلّ الأحوال، لا تعتقدوا أنّ هناك من خاسر"، يقول مارادونا مواسياً، وهو يختار مشتركاً ويستبعد آخر. كلما يودّع شاباً يعانقه، كأنّه يخشى أن يستسلم ويتوقّف. اختبارات بدنية وذهنية صعبة، يخوضها المشتركون ضمن فريقين: الأزرق والأصفر. يُعلّق مارادونا، المُظهِر تجاههم احتضاناً هو في الوقت عينه صرامة: "نعم، المباراة كانت صعبة. لعبوا مباراة عظيمة". هادئ وخفِر، يُجمِّل علاقة الملايين بكرة القدم. كلّ إثنين، التاسعة والنصف مساء، راقب هذا الرجل. كيف يطلق نظراته ويُحدِّق بالمستقبل. نتابعه أسبوعياً، ويظهر في اليوميات مُستوعِباً حماسة الشبان، ضابطاً مناوشاتهم لئلا تتطوّر. ليس المطلوب أن نعشق الفوتبول ليتراءى لنا مارادونا رائعاً: بما حقق ويُحقق ويرفض ألا يتحقق، لأنه يتقدّم في السنّ ويحلّ فيه الكِبر. رائعٌ بلسانه الناطق بالاسبانية والحلقتين في أذنيه. حين يُصفِّق تسترجع عبره الملعب، حيث الجماهير المُشجِّعة تُدهش العالم. أُغدِق مال هائل على تجربة عربية جديدة، جميل فيها حضور مارادونا، وإعلاء روح الفريق من دون طمس ذاتية أفراده. يُقدّم هشام عبدالرحمن الحلقات، ولعلها تجربته الأفضل مقارنة بالسابق، فهو هذه المرة لا يُقدِّم فحسب، بل يُضفي حماسة. ناتالي مامو في الكواليس، أنيقة ومدركة أن كرة القدم، ككرة السلة التي تتقنها، لغةٌ أكثر منها رياضة. لن يُبرر هذا إكثار العواطف، عادة برامج الهواة لاستمالتك. لاح الانسحاب حلاً في بال مشترك وقع في دائرة الخطر، وإنما "لتحسين وضع العائلة" عدل عن قراره. ذلك أنّ جائزة الرابح 100 ألف دولار وعقد مع نادٍ عالمي، من دون أن يُغيِّر ذلك كون مارادونا هو الجائزة الكبرى. سيتمنى عشاق الكرة لو أنّ عيونهم هي الأخرى رأت ماركو ماتيراسي وفابيو كانافارو. ذلك أنّ البرنامج يستضيف لاعبين عبرهم يستهوينا الظنّ بأن لا شيء مستحيلاً. يصبح ممكناً فهم إدمون شحادة وهو يصف الكرة بالدم في جسده. الفوتبول، وسط الشغف، فنٌ لا ممارسة. يتنفّسه عشّاقه كما لو أنّ الله لم يخترع الهواء.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة