دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
على أهمية ما يشهده سعر صرف الليرة حالياً من تقلبات مفاجئة وانعكاس ذلك اقتصادياً واجتماعياً على المواطن، إلا أن الخطورة في نظر الاقتصاديين تكمن في عدم التنبه إلى ما قد يواجهه سعر الصرف في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب
كما كان متوقعاً، عاد سعر صرف الدولار الأميركي الى الارتفاع من جديد في السوق المحلية بعد فترة من «الثبات»، تخللتها تذبذبات بسيطة.
ويتخوّف السوريون من أن يؤدي الارتفاع الجديد إلى حدوث موجة غلاء جديدة ستكون نتائجها مدمرة على شرائح كثيرة من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. فيما تذهب مخاوف الاقتصاديين أبعد من ذلك، لتصل إلى ما حذروا منه سابقاً لجهة حدوث ارتفاعات تدريجية مستمرة على سعر صرف الدولار تحت تأثير اتساع حاجة البلاد إلى الاستيراد.
سعر واقعي ومضمون
بغض النظر عن إجراءات المصرف المركزي التي أقرّها أخيراً لمواجهة الارتفاع الجديد في سعر صرف الدولار وما ستؤول إليه من نتائج، فإن الارتفاع الأخير يثير مسألتين أساسيتين يرى الاقتصاديون أنه سيكون لهما دور مؤثر على سعر الصرف مستقبلاً، ولا سيما في مرحلة وقف العنف والقتال، سواء كان ذلك بداية لصياغة حل سياسي شامل للأزمة، أو نتيجة لحالة من الهدوء غير المعلنة على جبهات القتال.
المسألة الأولى تتعلق بقدرة الحكومة والمصرف المركزي على وضع سعر صرف واقعي، والإجراءات التي يعتمدها حالياً المصرف المركزي للتدخل إيجابياً في سوق الصرف ومدى نجاعتها على المديين المتوسط والبعيد. أما المسألة الثانية فتتمثل في السياسات الاقتصادية المفترض العمل عليها لمواجهة التقلبات الخطيرة، التي تشهدها عادة أسعار الصرف بعد انتهاء الأزمات والحروب وبدء عمليات إعادة الإعمار.
وقد تجنبت الحكومة خلال الفترة الماضية تحديد سعر صرف واقعي يلزمها بالدفاع عنه، مكتفية بالإشارة دائماً إلى سعيها للمحافظة على «استقرار أسعار الصرف» عبر لجوء المصرف المركزي إلى تنفيذ سياسات تدخل تتباين النظرة إليها. ففيما تعتبرها الحكومة «مناسبة»، يصفها الخبير الاقتصادي والمالي الياس نجمة بأنّها كانت «عشوائية واستعراضية»، مضيفاً إن «تدخل المصرف المركزي يجب أن يكون سرياً دائماً، وعبر مؤسسات مصرفية موثوقة»، في إشارة إلى شركات ومؤسسات الصرافة التي اعتمد عليها «المركزي» خلال الفترة الماضية للتدخل في السوق، وتبين لاحقاً قيام كثير منها بمخالفات وتجاوزات شتى، أسهمت على نحو مباشر في المضاربة على سعر صرف العملة الوطنية.
ليس هذا فحسب، فإعلان المصرف المركزي استعداده لتمويل مستوردات القطاع الخاص من جهة، وملاحقته لتجار العملة غير المرخصين من جهة ثانية، لم يحولا دون استمرار لجوء عدد من التجار والصناعيين إلى «السوق السوداء» للحصول على ما يحتاجون إليه من قطع أجنبي، وتالياً الإسهام في تقلبات سعر الصرف تبعاً لحركة العرض والطلب. ويرى معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، حيان سلمان، في دراسة له، أنّ «صعوبة تأمين القطع الأجنبي أدى إلى انتشار السوق السوداء وزيادة صعوبة القدرة على تمويل المستوردات، وساهم في ذلك عدم القدرة على فتح الحسابات الاعتمادية وتأمين الكفالة المصرفية».
وتكشف مقاربة بسيطة للبيانات الإحصائية أن السوق السوداء لا تزال مؤثرة في سوق القطع، فالتقديرات تشير إلى أن احتياجات السوق المحلية من القطع الأجنبي تتراوح بين 10 و15 مليون دولار يومياً، لا يوفر منها المركزي تبعاً لتصريحاته أخيراً سوى 3 ملايين دولار ليتولى تجار السوق السوداء توفير الباقي. وهذا ما يتم استنتاجه أيضاً من حديث المصرف المركزي عن أن قيمة طلبات تمويل المستوردات التي تلقاها لم تتجاوز وسطياً خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 150 مليون دولار، فيما تؤكد بيانات مديرية الجمارك أن قيمة المستوردات السورية بلغت منذ بداية العام الجاري ولغاية منتصف شباط الماضي (أي خلال شهر ونصف) نحو 21.7 مليار ليرة (أو ما يعادل 145 مليون دولار على أساس سعر صرف 150 ليرة للدولار الواحد). ويظهر الفارق أكثر إذا ما قارنا بين قيمة طلبات الاستيراد الممولة من المصرف المركزي والمذكورة سابقاً، وبين قيمة مستوردات الربع الأول من العام الماضي والبالغة رسمياً نحو 818 مليون دولار.
ولهذا، فإن ملاحقة تجار الصرافة في السوق السوداء تبقى نتائجها ذات طبيعة مؤقتة، إذا لم تترافق مع خطوات من شأنها توفير احتياجات السوق المحلية من القطع الأجنبي، ولا سيما للأغراض التجارية وبشروط وإجراءات ميسّرة، ووضع سياسات فعالة للتدخل تحدّ من عمليات الاستغلال والمتاجرة التي حدثت سابقاً بأشكال مختلفة.
زيادة الإنتاج
استناداً إلى تجربة الليرة اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية، يعتقد كثيرون أن سعر صرف الليرة السورية سيكون مرشحاً للتراجع أكثر في مرحلة ما بعد انتهاء القتال وبدء عودة النازحين واللاجئين إلى منازلهم ومناطقهم. فالوضع الجديد سيفرض زيادة في حجم استهلاك البلاد من مختلف السلع والمواد لأسباب عديدة، لكن وفي ضوء الضرر الكبير الذي لحق بالقطاعات الإنتاجية خلال فترة الأزمة، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع قيمة المستوردات، وتالياً الطلب على الدولار، الأمر الذي يحتم على السلطات الاقتصادية البدء منذ اليوم بتطبيق سياسات من شأنها توسيع قاعدة الإنتاج الزراعي والصناعي بغية توفير احتياجات السوق من السلع والمواد الرئيسية. وما يستتبع ذلك من ضبط لفاتورة الاستيراد وترشيد استهلاك الاحتياطي العام من القطع الأجنبي أولاً، والإسهام في رفع قيمة الصادرات السورية لزيادة واردات البلاد من القطع الأجنبي ثانياً.
الدولار ينخفض في السوق السوداء
انخفض سعر صرف الدولار انخفاضاً كبيراً وملحوظاً أمس، حيث بلغت نسبة الهبوط نحو 5% مقابل الليرة السورية في السوق السوداء، ليسجّل 177 ليرة. وذلك بعد أن وصل يوم الأربعاء الماضي إلى 182 ليرة، فيما حافظ على مستواه رسمياً، مقترباً من 149 ليرة.
ووصل سعر صرف الدولار، أول من أمس، إلى 182 ليرة سورية للشراء و180 ليرة للمبيع، عقب سلسلة من الارتفاعات سجلها على مدار الأسبوعين الماضيين.
يجري ذلك، بعد تدخّل «المصرف المركزي» في السوق بضخّ كميات من القطع الأجنبي.
المصدر :
الأخبار /زياد غصن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة