منذ منتصف آذار 2011، لم تشهد محافظة اللاذقية معارك كبيرة، لكنها شهدت منذ صباح السبت 22 آذار الماضي، وتحديداً منذ تمكّن المعارضة من السيطرة على معبر كسب الحدودي مع تركيا وبعض القرى والبلدات المحيطة في هجوم واسع ومفاجئ، معارك كرّ وفرّ ضارية بين الجيش السوري و"جيش الدفاع الوطني" والقوى الحليفة من جهة، وبعض فصائل المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى. فما هو سرّ الشراسة في معارك ريف اللاذقيّة التي حصدت مئات القتلى والجرحى من الطرفين في فترة زمنيّة قصيرة؟ وهل فعلاً هذه المعركة إستراتيجيّة؟

بالفعل، تُواصل المُعارضة السورية المُسلّحة إرسال المزيد من المقاتلين إلى جبهة ريف اللاذقية، على الرغم من تكبّدها خسائر كبيرة في العديد والعتاد في الأيام الماضية. والسبب أنّ المعارضة التي تتحصّن في بعض الأرياف الجبليّة لمحافظة اللاذقية، لا سيّما في أقصى الشمال قرب الحدود التركية، لا تزال تأمل النجاح في الوصول إلى الساحل، وإقامة مرفأ آمن لها، على الرغم من معرفتها بأنّ هذا الأمر "خط أحمر" ليس فقط للنظام السوري، بل لروسيا التي تعتبر كل الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسّط منطقة خلفيّة لقاعدتها العسكرية في طرطوس. لكن المعارضة مستعدّة لدفع فاتورة بشريّة باهظة في اللاذقية، حتى لو فشلت خطّتها القاضية بالوصول إلى الساحل، وذلك بهدف فتح جبهة جديدة صعبة على الجيش السوري، لا تقلّ أهمّيتها عن جبهتي حلب أو درعا أو غيرهما، خاصة وأنّ هذه الجبهة يمكن أن تلقى الدعم اللوجستي من الداخل التركي، ما يؤمّن القدرة على القتال لفترة طويلة. كما تحاول المعارضة اللعب على الوتر العرقي - المذهبي، خاصة من خلال تحريك التركمان في المنطقة، على أمل زيادة التورّط التركي في المعركة القائمة، وزيادة الخلافات السورية-التركية الحدودية، خاصة أنّ أنقره إستغلّت المعركة للإضاءة على "عدو خارجي" هرباً من مشاكل النظام الداخلية، كما كسبت ورقة ضغط إضافية تستخدمها ضدّ النظام السوري. وليس سرّاً أنّ رئيس "الائتلاف الوطني المعارض"، أحمد الجربا، زار "جبل التركمان" و"جبل الأكراد" في ريف اللاذقية أخيراً عل رأس وفد عسكري من "الجيش الحرّ"، بهدف رفع معنويات المقاتلين، وتأكيداً على أهمّية المعركة القائمة والنيّة في إستمرارها.

في المقابل، يُواصل الجيش السوري هجماته الواسعة على المناطق التي تقدّمت إليها المعارضة السورية المسلّحة في محافظة اللاذقية، في ظلّ تضارب كبير في المعلومات بشأن سير المواجهات، مع تسجيل إستعادة قمّة المرصد 45 الإستراتيجيّة في ريف اللاذقية الشمالي. إشارة إلى أنّ قرار النظام السوري حاسم بمنع السماح للمعارضة بتحقيق كسب ميداني في محافظة اللاذقيّة، لأنّ أيّ إنتصار فيها سيُترجم تلقائياً ربحاً معنوياً كبيراً، كون المحافظة تُعتبر أحد أبرز معاقل النظام، وفيها تقع القرداحة، مسقط رأس الرئيس بشار الأسد. والخشية كبيرة من أن يعمد المعارضون إلى إستغلال أي مكسب ميداني مهم في اللاذقية، إعلامياً، لإظهار النظام عاجزاً عن حماية "عقر داره"، وبالتالي التشكيك بقدرته على حماية باقي المناطق السورية. كما أنّ نجاح المعارضة في الوصول إلى البحر والسيطرة على خط ساحلي طويل، يُمكن أن يُغيّر من الطبيعة الإستراتيجية للمعركة، وهذا ما لا يمكن السماح به أيّا تكن النتائج. أكثر من ذلك، تخشى سوريا أن تؤدّي المعارك في ريف اللاذقية إلى إيجاد ذريعة لتركيا للدخول أكثر من السابق، على خط دعم المعارضة ومعاداة النظام، وهذه ورقة ستحاول دمشق منع حصول أنقره عليها. 

ويمكن القول في الخلاصة إنّه في حال عدم تمكّن الجيش السوري الذي أرسل تعزيزات كبيرة تضمّ وحدات مدرّعة عالية التدريب إلى الجبهة، من حسم المعارك المُستجدّة في أكثر من منطقة في محافظة اللاذقية في المستقبل القريب، فهذا سيعني تلقائياً بروز جبهة قتال جديدة مفتوحة على نزف طويل الأمدّ. ولعلّ التقارير التي تحدّثت عن قيام الجيش السوري بحفر خنادق وبإستحداث مواقع دفاعية في بعض أجزاء مدينة اللاذقية، وتحديداً من الجهة الجنوبية الشرقيّة في مقابل جبل الأكراد، يدلّ على أنّ كل الإحتمالات واردة، خاصة وأنّ بعض مواقع المعارك في الريف تبعد نحو 20 كيلومتراً فقط عن المدينة المذكورة.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-03
  • 7925
  • من الأرشيف

لماذا كل هذا الإستشراس لتحقيق انتصار في معارك ريف حلب الشمالي ؟

منذ منتصف آذار 2011، لم تشهد محافظة اللاذقية معارك كبيرة، لكنها شهدت منذ صباح السبت 22 آذار الماضي، وتحديداً منذ تمكّن المعارضة من السيطرة على معبر كسب الحدودي مع تركيا وبعض القرى والبلدات المحيطة في هجوم واسع ومفاجئ، معارك كرّ وفرّ ضارية بين الجيش السوري و"جيش الدفاع الوطني" والقوى الحليفة من جهة، وبعض فصائل المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى. فما هو سرّ الشراسة في معارك ريف اللاذقيّة التي حصدت مئات القتلى والجرحى من الطرفين في فترة زمنيّة قصيرة؟ وهل فعلاً هذه المعركة إستراتيجيّة؟ بالفعل، تُواصل المُعارضة السورية المُسلّحة إرسال المزيد من المقاتلين إلى جبهة ريف اللاذقية، على الرغم من تكبّدها خسائر كبيرة في العديد والعتاد في الأيام الماضية. والسبب أنّ المعارضة التي تتحصّن في بعض الأرياف الجبليّة لمحافظة اللاذقية، لا سيّما في أقصى الشمال قرب الحدود التركية، لا تزال تأمل النجاح في الوصول إلى الساحل، وإقامة مرفأ آمن لها، على الرغم من معرفتها بأنّ هذا الأمر "خط أحمر" ليس فقط للنظام السوري، بل لروسيا التي تعتبر كل الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسّط منطقة خلفيّة لقاعدتها العسكرية في طرطوس. لكن المعارضة مستعدّة لدفع فاتورة بشريّة باهظة في اللاذقية، حتى لو فشلت خطّتها القاضية بالوصول إلى الساحل، وذلك بهدف فتح جبهة جديدة صعبة على الجيش السوري، لا تقلّ أهمّيتها عن جبهتي حلب أو درعا أو غيرهما، خاصة وأنّ هذه الجبهة يمكن أن تلقى الدعم اللوجستي من الداخل التركي، ما يؤمّن القدرة على القتال لفترة طويلة. كما تحاول المعارضة اللعب على الوتر العرقي - المذهبي، خاصة من خلال تحريك التركمان في المنطقة، على أمل زيادة التورّط التركي في المعركة القائمة، وزيادة الخلافات السورية-التركية الحدودية، خاصة أنّ أنقره إستغلّت المعركة للإضاءة على "عدو خارجي" هرباً من مشاكل النظام الداخلية، كما كسبت ورقة ضغط إضافية تستخدمها ضدّ النظام السوري. وليس سرّاً أنّ رئيس "الائتلاف الوطني المعارض"، أحمد الجربا، زار "جبل التركمان" و"جبل الأكراد" في ريف اللاذقية أخيراً عل رأس وفد عسكري من "الجيش الحرّ"، بهدف رفع معنويات المقاتلين، وتأكيداً على أهمّية المعركة القائمة والنيّة في إستمرارها. في المقابل، يُواصل الجيش السوري هجماته الواسعة على المناطق التي تقدّمت إليها المعارضة السورية المسلّحة في محافظة اللاذقية، في ظلّ تضارب كبير في المعلومات بشأن سير المواجهات، مع تسجيل إستعادة قمّة المرصد 45 الإستراتيجيّة في ريف اللاذقية الشمالي. إشارة إلى أنّ قرار النظام السوري حاسم بمنع السماح للمعارضة بتحقيق كسب ميداني في محافظة اللاذقيّة، لأنّ أيّ إنتصار فيها سيُترجم تلقائياً ربحاً معنوياً كبيراً، كون المحافظة تُعتبر أحد أبرز معاقل النظام، وفيها تقع القرداحة، مسقط رأس الرئيس بشار الأسد. والخشية كبيرة من أن يعمد المعارضون إلى إستغلال أي مكسب ميداني مهم في اللاذقية، إعلامياً، لإظهار النظام عاجزاً عن حماية "عقر داره"، وبالتالي التشكيك بقدرته على حماية باقي المناطق السورية. كما أنّ نجاح المعارضة في الوصول إلى البحر والسيطرة على خط ساحلي طويل، يُمكن أن يُغيّر من الطبيعة الإستراتيجية للمعركة، وهذا ما لا يمكن السماح به أيّا تكن النتائج. أكثر من ذلك، تخشى سوريا أن تؤدّي المعارك في ريف اللاذقية إلى إيجاد ذريعة لتركيا للدخول أكثر من السابق، على خط دعم المعارضة ومعاداة النظام، وهذه ورقة ستحاول دمشق منع حصول أنقره عليها.  ويمكن القول في الخلاصة إنّه في حال عدم تمكّن الجيش السوري الذي أرسل تعزيزات كبيرة تضمّ وحدات مدرّعة عالية التدريب إلى الجبهة، من حسم المعارك المُستجدّة في أكثر من منطقة في محافظة اللاذقية في المستقبل القريب، فهذا سيعني تلقائياً بروز جبهة قتال جديدة مفتوحة على نزف طويل الأمدّ. ولعلّ التقارير التي تحدّثت عن قيام الجيش السوري بحفر خنادق وبإستحداث مواقع دفاعية في بعض أجزاء مدينة اللاذقية، وتحديداً من الجهة الجنوبية الشرقيّة في مقابل جبل الأكراد، يدلّ على أنّ كل الإحتمالات واردة، خاصة وأنّ بعض مواقع المعارك في الريف تبعد نحو 20 كيلومتراً فقط عن المدينة المذكورة.

المصدر : النشرة/ ناجي س. البستاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة