مصادر الحكايات متنوعة، بعضها نعيشها، وبعضها نسمع بها، وأحيانا نختلقها، وثمة حكايات نتعثر بها، ونحن في طريقنا إلى غاية أخرى، فتستأثر باهتمامنا، وقد يتحول بسببها مجرى حياتنا، من حيث أن الحكاية هي صورة حياة، وقد تغري بإعادة إنتاجها، أو تقليدها. ليست كل الحكايات بمستوى واحد من التأثير، فثمة حكايات لا تسترعي الإنتباه، وأخرى تأسرنا، وهذا ما حدث وأنا أراجع صيدلية ذات فروع متعددة في بيروت. كنت أسأل الصيدلي عن دواء يعيد إليَّ شهيتي، فقد زهدت نفسي بالطعام، وصرت أكتفي بالنزر اليسير منه. في تلك الأثناء دخل شاب، عرفت في ما بعد أن اسمه ن. ن. من مدينة حمص، وقف بجانبي وخاطب الصيدلي بلهجته الحمصية المحببة، قائلاً: والله يا دكتور ما بعرف شو بدّي قلّك، بدّي شي... بصراحة ما عم يطلع معي شي. استغرب الصيدلي، وبانت على وجهه علائم الدهشة. فقال الشاب: سلامة فهمك يا دكتور، ما عم نحسن نكتب الوظيفة. فقال الصيدلي باسماً: شو الوظيفة؟ فما كان مني إلا أن تدخلت قائلاً: الأخ بيقصد الفياغرا، أو شبيهاتها. فردّ الشاب: يرحم أبووووك. ابتسم الصيدلي ابتسامة عريضة، وانسحبت أنا من الموقف، وانتظرته أمام الصيدلية.

 حين خرج، لم أسأله إن كان قد حصل على الدواء المطلوب، أم لا. قلت له: شممت فيك رائحة سورية، فهل تسمح لي بأن أعزمك إلى فنجان قهوة؟ ابتسم، واستجاب. جلسنا في أول مقهى صادفناه بطريقنا. وإلى فنجان قهوة بدأ حوارنا، بالتعارف أولاً، ثم امتد إلى حياتنا ومنغصاتها في بيروت. لم أستعجل الوصول إلى مسألة الفياغرا، علما أنها كانت الحامل الموضوعي لتلك الدعوة. فقد كنت أريد أن أعرف أحد الأبعاد النفسية للاغتراب والنزوح القسري عن الوطن. الكل يتحدث عن الأبعاد الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية للاجئين، والأطفال الذين حرموا من المدارس، إلى ما هناك. كنت على يقين من أن ثمة مشكلات طالت بنية الفرد، وبنية العائلة، لا تزال بعيدة عن وسائل الإعلام.

ثمة صعوبة بالغة في أن يصل الإعلام إلى تلك المناطق الخبيئة في نفوس الناس، إلا أن بساطة الشاب، وطيبته، ودماثته، وحضوري في الصيدلية، أثناء عرضه للمشكلة، قد ألغى من بيننا الكثير من المعوقات، فقد سبقته في التحدث إليه عن نفسي، وعن زهدي بالطعام، وما أعانيه من وهن، وعدم رغبة بدأت تنسحب على كل شيء من الطعام إلى النساء. هذه المقدمات جعلته ينفتح عليَّ، ويخبرني بمشكلته. قال: أنا أعمل حلوانياً، ويمكنك أن تعتبرني معلما أصليا بهذه المهنة.

وجدت، والحمد لله، عملا مريحا هنا، وبأجر معقول، والحلويات كما تعلم، تمد الجسم بالطاقة، وأنا بطبيعتي يمكنك أن تعتبرني شبقا جدا، ولم يكن الشبق يشكل لي أي مشكلة، فأنا متزوج، وعلاقتي بزوجتي ممتازة.

بقيت في السنة الأولى من عمر الثورة في حمص، في تلك السنة بدأت أشعر بأنني لست على ما يرام جنسيا، فلم أستغرب، إذ إن الموت والاعتقالات وأصوات القصف والهلع الدائم، من الطبيعي أن تلهي غرائزنا عن متطلباتها، وخصوصاً العملية الجنسية، فهي تحتاج إلى أجواء خاصة. ثم اشتدت الأزمة في حمص، ولم نجد بدّا من مغادرتها، وهذا ما حصل، فجئنا الى بيروت، بعدما فقدنا الكثير من مقومات الحياة في حمص. في الشهر الأول من وجودي هنا، لم يخطر ببالي الجنس مطلقا! فانتبهت لذلك، إلا أنني اعتبرته حالة عرضية، والزوجة في تقاليدنا، لا تتحرش بالرجل، بل المبادرة دائما له. لهذا لم أشأ أن أترك المسألة للرغبة، فقررت في إحدى الليالي أن أمارس الجنس، وللمرة الأولى وجدتني عاجزا، فخجلت من زوجتي، وأستطيع أن أقول لك إنني خفت من أن تستمر تلك الحالة.

المفارقة التي حدثت، أنني- باعتبار أن مسألة الجنس بقيت ببالي – وقد كنت بطبيعتي أغض البصر في الشارع، أو في مكان العمل، عن النساء اللواتي على مرمى بصري، حين أصبح الجنس هاجسي، واستولى على فكري، صرت أنظر حولي، فتستيقظ رغبتي، وأحيانا تلح عليَّ، وأكثر من مرة، أغادر العمل، قبل وقت الانصراف، بذريعة ما. السبب الحقيقي، أنني أذهب وراء رغبتي الجنسية. إلى أين أذهب؟ من الطبيعي أن أذهب إلى البيت. ثمة مخلوقة هناك، لها هذا الحق. وحين أصل تبرد رغبتي، فلا أستطيع! أمام هذا الفشل المتكرر، قررت أن أمتحن نفسي، فاستمنيت، لأجد أن خيالي يستحضر الأخريات، فيتم الانتصاب، وتسير العملية إلى نهايتها الطبيعية، أما مع زوجتي، فلا حياة لمن تنادي.

هل يعقل أن أستمني وأنا رجل متزوج، أم ألحق بنات الهوى، وأترك زوجتي؟ وصلت إلى مرحلة إدمان النظر في النساء، وهذه ليست عادتي. كلهن بالنسبة لي مثيرات. والله يا زلمة كأنهن فياغرا. أما زوجتي فصارت في نظري كأنها صديقة. بصراحة، أنا خائف من نتائج هذه الحالة. زوجتي المسكينة ليس لها أي ذنب، "وأنت متل أخي، زوجتي أحلى من نص النسوان اللي عم شوفن، شو القصة؟".

كنت أنصت إليه باهتمام جدي، مما شجعه على أن يقول لي ما قاله، فصرت أواسيه، وأحدثه عن مشكلاتي لكي لا يشعر أنه تكلم بما يجب أن لا يتكلم به. قدمت إليه ما أعرفه من نصائح في هذا المجال، قبل أن نفترق.

هذه ليست حكاية. إنها وجه من وجوه مأساة السوريين، وهذا الوجه قلما يتحدث به الناس.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-14
  • 11578
  • من الأرشيف

قضية - سكس سوري فياغرا لبنانية

مصادر الحكايات متنوعة، بعضها نعيشها، وبعضها نسمع بها، وأحيانا نختلقها، وثمة حكايات نتعثر بها، ونحن في طريقنا إلى غاية أخرى، فتستأثر باهتمامنا، وقد يتحول بسببها مجرى حياتنا، من حيث أن الحكاية هي صورة حياة، وقد تغري بإعادة إنتاجها، أو تقليدها. ليست كل الحكايات بمستوى واحد من التأثير، فثمة حكايات لا تسترعي الإنتباه، وأخرى تأسرنا، وهذا ما حدث وأنا أراجع صيدلية ذات فروع متعددة في بيروت. كنت أسأل الصيدلي عن دواء يعيد إليَّ شهيتي، فقد زهدت نفسي بالطعام، وصرت أكتفي بالنزر اليسير منه. في تلك الأثناء دخل شاب، عرفت في ما بعد أن اسمه ن. ن. من مدينة حمص، وقف بجانبي وخاطب الصيدلي بلهجته الحمصية المحببة، قائلاً: والله يا دكتور ما بعرف شو بدّي قلّك، بدّي شي... بصراحة ما عم يطلع معي شي. استغرب الصيدلي، وبانت على وجهه علائم الدهشة. فقال الشاب: سلامة فهمك يا دكتور، ما عم نحسن نكتب الوظيفة. فقال الصيدلي باسماً: شو الوظيفة؟ فما كان مني إلا أن تدخلت قائلاً: الأخ بيقصد الفياغرا، أو شبيهاتها. فردّ الشاب: يرحم أبووووك. ابتسم الصيدلي ابتسامة عريضة، وانسحبت أنا من الموقف، وانتظرته أمام الصيدلية.  حين خرج، لم أسأله إن كان قد حصل على الدواء المطلوب، أم لا. قلت له: شممت فيك رائحة سورية، فهل تسمح لي بأن أعزمك إلى فنجان قهوة؟ ابتسم، واستجاب. جلسنا في أول مقهى صادفناه بطريقنا. وإلى فنجان قهوة بدأ حوارنا، بالتعارف أولاً، ثم امتد إلى حياتنا ومنغصاتها في بيروت. لم أستعجل الوصول إلى مسألة الفياغرا، علما أنها كانت الحامل الموضوعي لتلك الدعوة. فقد كنت أريد أن أعرف أحد الأبعاد النفسية للاغتراب والنزوح القسري عن الوطن. الكل يتحدث عن الأبعاد الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية للاجئين، والأطفال الذين حرموا من المدارس، إلى ما هناك. كنت على يقين من أن ثمة مشكلات طالت بنية الفرد، وبنية العائلة، لا تزال بعيدة عن وسائل الإعلام. ثمة صعوبة بالغة في أن يصل الإعلام إلى تلك المناطق الخبيئة في نفوس الناس، إلا أن بساطة الشاب، وطيبته، ودماثته، وحضوري في الصيدلية، أثناء عرضه للمشكلة، قد ألغى من بيننا الكثير من المعوقات، فقد سبقته في التحدث إليه عن نفسي، وعن زهدي بالطعام، وما أعانيه من وهن، وعدم رغبة بدأت تنسحب على كل شيء من الطعام إلى النساء. هذه المقدمات جعلته ينفتح عليَّ، ويخبرني بمشكلته. قال: أنا أعمل حلوانياً، ويمكنك أن تعتبرني معلما أصليا بهذه المهنة. وجدت، والحمد لله، عملا مريحا هنا، وبأجر معقول، والحلويات كما تعلم، تمد الجسم بالطاقة، وأنا بطبيعتي يمكنك أن تعتبرني شبقا جدا، ولم يكن الشبق يشكل لي أي مشكلة، فأنا متزوج، وعلاقتي بزوجتي ممتازة. بقيت في السنة الأولى من عمر الثورة في حمص، في تلك السنة بدأت أشعر بأنني لست على ما يرام جنسيا، فلم أستغرب، إذ إن الموت والاعتقالات وأصوات القصف والهلع الدائم، من الطبيعي أن تلهي غرائزنا عن متطلباتها، وخصوصاً العملية الجنسية، فهي تحتاج إلى أجواء خاصة. ثم اشتدت الأزمة في حمص، ولم نجد بدّا من مغادرتها، وهذا ما حصل، فجئنا الى بيروت، بعدما فقدنا الكثير من مقومات الحياة في حمص. في الشهر الأول من وجودي هنا، لم يخطر ببالي الجنس مطلقا! فانتبهت لذلك، إلا أنني اعتبرته حالة عرضية، والزوجة في تقاليدنا، لا تتحرش بالرجل، بل المبادرة دائما له. لهذا لم أشأ أن أترك المسألة للرغبة، فقررت في إحدى الليالي أن أمارس الجنس، وللمرة الأولى وجدتني عاجزا، فخجلت من زوجتي، وأستطيع أن أقول لك إنني خفت من أن تستمر تلك الحالة. المفارقة التي حدثت، أنني- باعتبار أن مسألة الجنس بقيت ببالي – وقد كنت بطبيعتي أغض البصر في الشارع، أو في مكان العمل، عن النساء اللواتي على مرمى بصري، حين أصبح الجنس هاجسي، واستولى على فكري، صرت أنظر حولي، فتستيقظ رغبتي، وأحيانا تلح عليَّ، وأكثر من مرة، أغادر العمل، قبل وقت الانصراف، بذريعة ما. السبب الحقيقي، أنني أذهب وراء رغبتي الجنسية. إلى أين أذهب؟ من الطبيعي أن أذهب إلى البيت. ثمة مخلوقة هناك، لها هذا الحق. وحين أصل تبرد رغبتي، فلا أستطيع! أمام هذا الفشل المتكرر، قررت أن أمتحن نفسي، فاستمنيت، لأجد أن خيالي يستحضر الأخريات، فيتم الانتصاب، وتسير العملية إلى نهايتها الطبيعية، أما مع زوجتي، فلا حياة لمن تنادي. هل يعقل أن أستمني وأنا رجل متزوج، أم ألحق بنات الهوى، وأترك زوجتي؟ وصلت إلى مرحلة إدمان النظر في النساء، وهذه ليست عادتي. كلهن بالنسبة لي مثيرات. والله يا زلمة كأنهن فياغرا. أما زوجتي فصارت في نظري كأنها صديقة. بصراحة، أنا خائف من نتائج هذه الحالة. زوجتي المسكينة ليس لها أي ذنب، "وأنت متل أخي، زوجتي أحلى من نص النسوان اللي عم شوفن، شو القصة؟". كنت أنصت إليه باهتمام جدي، مما شجعه على أن يقول لي ما قاله، فصرت أواسيه، وأحدثه عن مشكلاتي لكي لا يشعر أنه تكلم بما يجب أن لا يتكلم به. قدمت إليه ما أعرفه من نصائح في هذا المجال، قبل أن نفترق. هذه ليست حكاية. إنها وجه من وجوه مأساة السوريين، وهذا الوجه قلما يتحدث به الناس.

المصدر : الماسة السورية/ابرهيم الزيدي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة