دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
"بالع الموسى على الحدين"، لعل النظام الأردني لم يشعر بقسوة هذا المثل إلا عند بدء الأزمة السورية، فحلفاؤه يتطلعون لإسقاط النظام، وبالنسبة له فإن مجاملة الحلفاء أمر لا بد منه على الأقل للاحتفاظ بالمساعدات المخصصة له، لكنه من جهة أخرى وقع في خيارات "ما بعد نظام (الرئيس بشار) الأسد" الصعبة، ففي السنوات الماضية طرحت جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن نفسها كبديل منذ تولي محمد مرسي رئاسة مصر، ومنذ توقعوا ميل كفة "الثورة" السورية لصالح المعارضة.
وتخوف محللون أردنيون، تحدثوا لـ"السفير"، من إمكانية ان يؤدي دعم الاردن للمسلحين "المعتدلين" الى اندلاع حرب إقليمية، سترتد على عمان، حيث يمكن للسلفيين "الجهاديين" في الاردن الاستفادة من قوة نظرائهم في سوريا، كما قد تتعرض البلاد لهجمات من تنظيم "القاعدة" جراء دعم الاردن للجماعات "المعتدلة" في سوريا.
لذا كان الأردن الرسمي خلال سنوات الأزمة السورية يتحرك ضمن مساحة تمكنه من الحفاظ على شعرة معاوية بينه وبين السلطات السورية، فيعلن أنه يحتفظ بدوره الإنساني مع اللاجئين فقط، إلا أن المحلل السياسي ومستشار التحرير في صحيفة "الغد" الأردنية فهد الخيطان يشير، خلال حديثه لـ"السفير"، إلى أن الأردن كان من حيث الأصل حاضراً ضمن التحركات الاستخباراية والعسكرية، كما أن العديد من الجماعات المسلحة في درعا محسوبة عليه، مضيفا "على الرغم من ذلك كان الأردن يستفيد في المرحلة السابقة من حالة التناقض بين الموقفين الأميركي والسعودي".
وتفضل واشنطن دعم الجماعات "المعتدلة" في المعارضة السورية، مثل "الجيش الحر" و"جبهة ثوار سوريا"، بينما كان رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان يدعم الجماعات المتطرفة دينيا. ووفق معلومات نشرها موقع "ديبكا" الاستخباراي الإسرائيلي فإن بندر لم يفشل في سياسته حيال سوريا فقط، بل إنه كان سببا في توتر العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والعائلة المالكة في السعودية في ما يتعلق بالملف السوري، وهو الذي كان القوة المحرّكة وراء تأليف "الجبهة الإسلامية" التي ضربت "الجيش الحر" الذي تؤيده أميركا.
وفي هذه المساحة، كانت تصريحات الأردن الرسمية تفضل الالتزام بعدم التصعيد مع النظام السوري وإن انخرطت ضده استخبارايا وعسكريا على أرض الواقع.
وعلى عتبة التعاون الذي يتم الحديث عنه بين واشنطن والرياض لتسليح المقاتلين "المعتدلين" على الجبهة الجنوبية في سوريا، والذي قد يتم خلال الأيام المقبلة، فإن الأردن ينتظره الكثير، فبروز وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف كبديل لبندر، وهو الذي يقف على رأس معسكر معارض للسياسة السعودية في سوريا، سيعيد العلاقات الأميركية - السعودية إلى نصابها القديم.
ويتساءل الخيطان "إذا تم توافق أميركي - سعودي، فهل يستطيع الأردن أن يقاوم ضغوطهما المشتركة ويحقق المطلوب منه ويقوم بتوسيع نطاق العمليات في المرحلة المقبلة عبر الحدود الأردنية أكثر من السابق؟"، مضيفا "هذا سؤال معلق الآن، وهو ما زال محل شك بالنسبة لي وغير محسوم، كما أن ثمة غموضاً وسرية في الأردن تحيطان بهذا الموضوع، وفي الوقت ذاته، برأيي أن مقاومة ضغط أميركي - سعودي مشترك أمر صعب على الأردن، وبالتالي يمكن في المرحلة المقبلة أن نشهد له دوراً أكبر على الجبهة الجنوبية، كونه سيضطر للتعاون مع حلفائه".
وهنا يعود الخيطان ويشير إلى أن عدم حسم الأردن قراره بهذا الشأن يرجع لقلق عمان من ردة فعل النظام السوري، أو ردة فعل الجهات الإرهابية، مثل "القاعدة"، فدعم الجماعات المقاتلة "المعتدلة" سيثير الجماعات المتطرفة دينياً، وقد يجد الأردن نفسه قِبْلة للعمليات الإرهابية.
ويعتبر الخيطان أن سعي الأميركيين لمحاربة وتحجيم الجماعات المتطرفة لا يعني أن إستراتيجيتهم قد تغيرت حيال النظام السوري، فهي ما زالت تقوم على إسقاطه، إلا أنهم ليسوا مستعدين للتورط عسكرياً على الأرض السورية.
وفي سياق متصل لا يرى الخيطان أن ثمة انعكاساً للتقارب الأردني - الإيراني على تعاون عمان مع السعودية وأميركا، موضحا أن العلاقات هي في مستواها الطبيعي والمعتاد، وإن البرود سيبقى هو السمة الغالبة لهذه العلاقة، مضيفا "الأمر يترتب عما ستسفر عنه الحوارات الأميركية - الإيرانية وهي ما زالت في طور التشكل، صحيح سيتم تبادل السفراء، لكن ليس أكثر من ذلك. والأردن غير مستعد أن يغضب الخليج والسعودية في هذا الموضوع، إلا في حال حدث تقدم كبير في التفاهمات الأميركية - الإيرانية".
وإذا أردنا التطرق لما هو واجب في السياسة الأردنية، يقول المحلل العسكري مأمون أبو نوار، لـ"السفير"، إنه ليس في صالح الأردن أن يقوم بالحرب نيابة عن أي طرف، مضيفا "باعتقادي في حال رضوخ الأردن لذلك فإنه يفتح حدوده لحرب إقليمية".
لكن المتخصص في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية ينظر للموضوع من زاوية أخرى. ويقول، لـ"السفير"، "قد تستثمر السلفية الجهادية في الأردن، إذا شعرت أن وضع الجماعات السلفية في سوريا يزداد قوة، هذه القوة في الداخل الأردني"، مذكرا بتنامي الحركات السلفية، وأن ثمة أكثر من 700 سلفي أردني يشاركون في القتال في سوريا، وبالتالي عند حدوث أي حالة فوضى في الحدود الشمالية ستستثمره السلفية "الجهادية" الأردنية.
وعما إن كان تعاون الأردن مع أميركا والسعودية في حربهما على التيارات المتشددة من جهة والنظام السوري من جهة أخرى قد يحمي عمان مستقبلا من السلفية "الجهادية"، يقول أبو هنية "أعتقد أن في هذا مخاطرة، وأحيانا المخاطرة أمر لا بد منه، لكن إذا لم يتم تأمين الحدود الشمالية فإن هذا سينعكس على الأمن الأردني بشكل عام".
وهنا يتحدث أبو نوار، من واقع خبرته العسكرية، بأنه لا يوجد دولة في العالم تستطيع حماية حدودها من المتسللين، وأن هذه الحقيقة هي التي تدفعه لدعوة السلطات الأردنية إلى عدم فتح حدودها لحرب إقليمية.
مع ذلك يتطلب السيناريو العسكري والسياسي الذي يتم رسمه في هذه الأيام إلى وقت ليصبح من الممكن تحويله إلى خطوات على الأرض، وإلى جانب التصدي للتيارات الإسلامية المتطرفة تحاول أميركا وحلفاؤها تحسين شروط التفاوض في جنيف، بعد فشل "جنيف 2". ويقول الخيطان "الهدف الآن هو ضرب الجماعات المتطرفة، وبالتزامن مع ذلك ستقوم قوات، مثل جبهة ثوار سوريا، بعمليات نوعية ضد النظام السوري بهدف دفعه للتراجع عن التعنت السياسي وتقديم تنازلات في جنيف".
وهنا يغلّب أبو نوار أن "عملية تسليح ثوار الجبهة الجنوبية في سوريا لن تصب إلا في إطار حرب استنزاف بين الطرفين (الجيش السوري والمسلحين)"، مستبعدا أن "يتمكن الثوار من الوصول إلى دمشق في حال تم تزويدهم بالأسلحة".
أبو هنية يعتبر، من جهته، أن "جبهة النصرة ستستثمر تحرك ثوار سوريا ضد النظام لتوسيع نطاق عملها في الجنوب، إذ أن جبهة النصرة تدرك تماما أن الأميركيين لا يرغبون إلا بدعم الجماعات الأكثر اعتدالا، وإن تم استخدام جبهة النصرة تكتيكيا ضد داعش، فإنها تعلم أنها غير مقصودة بالدعم الأميركي وأن هذا التحالف سيمتد إليها كونها في النهاية جزء من تنظيم القاعدة"، مشككا في "قدرة الحلف الجديد (الجماعات المقاتلة المعتدلة) على تشكيل كتلة عسكرية مسلحة قادرة على تغيير المعادلة في سوريا"، واصفا عملية تغير التوجهات في الأيام المقبلة بأنها تحتوي على نوع من المخاطرة.
يشار إلى أن "السفير" سعت مرات عدة للاتصال بالمتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، لتقدم وجهة النظر الرسمية.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة