“قوة النساء”، مبادرة أطلقتها هيئات مغربية تدافع عن حقوق المرأة بدعم من مؤسسات أوروبية ودولية، والهدف منها مكافحة العنف ضد المرأة. المبادرة تلقى اهتماما ملحوظا من قبل النساء في القرى حيث تتفشى ظاهرة العنف ضد المرأة.

بعيون متطلعة تتابع خديجة.د ندوة نظمتها مبادرة “قوة النساء” تحت عنوان “لا تسامح مع العنف ضد النساء”، الخديجة السيدة ذات 36 ربيعا والقادمة من منطقة الخميسات (80 كيلومترا شرق العاصمة الرباط)، كانت هي نفسها إحدى ضحايا العنف، فقد كانت علامات التأثر واضحة على وجهها أثناء الندوة وكانت تغالب دموعها وهي تتذكر تفاصيل تجربتها المريرة مع زوجها، والتي روت لـ DW عربية بعضا منها.

ضرب النساء فيه ألوان

تروي خديجة أنها تزوجت في سن السادسة عشر من رجل لا تعرف عنه شيئا سوى أنه يقطن في نفس “الدوار”(حي في القرية) الذي تسكن فيه. خلال السنوات الأولى كانت الأمور طبيعية، “كان يصرخ في وجهي ويعاملني معاملة سيئة لكن هذا كان أمرا عاديا في مجتمعنا لذلك لم أكن أشتكي”.

غير أن حياة خديجة ستتحول إلى جحيم بعد أصبح زوجها مدمنا على الكحول، حيث أصبح يعود كل يوم إلى البيت متأخرا “كان ينعتني بأقذع الأوصاف وكلما كنت أحتج على هذا الوضع كان يضربني بقسوة”. زوج خديجة الذي كان يشتغل في الأسواق الأسبوعية في البوادي تفنن في تعذيب زوجته، حيث لم يعد يكتفي فقط بالضرب وإنما “أصبح في الكثير من الأحيان يقيدني من يدي ويغلق فمي حتى لا أصرخ وأحيانا أخرى يطفئ أعقاب السجائر على جسدي”، تقول خديجة لـ DW عربية قبل أن تخرج حزمة من الشواهد الطبية من حقيبتها والتي تثبت أنها تعرضت للضرب والتعنيف.

ظلت خديجة على هذه الحالة إلى أن جاءت مبادرة “قوة النساء” والتي استندت إلى دراسة حول العنف ضد النساء، فلما عرضت خديجة حالتها على أصحاب المبادرة وفهمت منهم أنها يمكنها أن تطلب الطلاق وأن ترفع دعوى ضد هذا الرجل الذي ضيع عليها أحسن سنوات عمرها، “كنت خائفة من كلام الناس ومن أن يقولوا بأني بعثت زوجي إلى السجن وأيضا لأني لم أكن أعرف أن القانون يمكن أن ينصفني”.

تحكي خديجة وقد اغرورقت عيناها بالدموع، لكن حال خديجة هو حال الكثير من النساء اللاتي يجهلن أن القانون من الممكن أن ينصفهن وبأنه لا يمكن أن يسكتن عن الظلم، “مبادرة قوة النساء أعطتني الثقة لذلك قررت الطلاق وأنا الآن أشتغل كعاملة نظافة في إحدى المؤسسات في الرباط، وأشعر بأنني قد بدأت حياة جديدة بعيدا عن الإهانة” تقول خديجة، وقد غالبت دموعها وعلامات الرضى واضحة على وجهها.

“آن للنساء أن يقلن: كفى من العنف”

مبادرة “قوة النساء” التي أشرفت عليها عدد من الجمعيات من بينها اتحاد العمل النسائي ومنظمة العفو الدولية فرع المغرب والبعثة الأوروبية في المغرب، كانت مبادرة لإسماع صوت المرأة التي ظلت تعاني من العنف لسنوات على مرأى ومسمع من المجتمع دون أن تتجرأ الحكومة على وضع قوانين زجرية للحد من الظاهرة، لذلك قرر أصحاب المبادرة رفع رسالة إلى رئيس الحكومة تقول “لا تسامح مع العنف ضد النساء ولا صمت بعد اليوم”:

هذه الرسالة التي تتوفر DW عربية على نسخة منها جاءت كخلاصة لدراسة شملت أربع مناطق في المغرب: الخميسات، خريبكة، بني ملال، الدار البيضاء. ومن أبرز مضامينها أنها سجلت “أنه على الرغم من الإنجازات التي تحققت في ظل الحكومات السابقة من خلال مدونة الأسرة ومضامين دستور 2011 إلا أن فعالية هذه الإنجازات تبقى محدودة”.

وقالت المذكرة بأنه “حان الوقت لكي نقول كفى من العنف ضد النساء والمطالبة بملاءمة شاملة لكل تشريعاتنا الوطنية مع الالتزامات الوطنية”.

وكان من بين خلاصات هذه المذكرة التي قامت برصد الفضاءات التي تتعرض فيها النساء للعنف بشكل أكبر “المجال الأسري والحياة الزوجية والشارع العام ومؤسسات التربية والتكوين هي أكثر الأماكن التي تتعرض فيها النساء للعنف”. وفيما يخص أنواع العنف الممارس على المرأة فقد سجلت المنظمة أنها تشمل “جميع أنواع العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والجنسي والعنف الناتج عن انتهاك الحرية الفردية للمرأة”. المذكّرة المرفوعة إلى رئيس الحكومة دعت إلى إنشاء خلايا اليقظة لرصْد انتهاكات حقوق المرأة بمختلف القطاعات والفضاءات.

كان مرصد “عيون نسائية”(غير حكومي) قد اصدر قبل بضعة أسابيع تقريرا يدق من خلاله الناقوس إزاء خطر تفاقم العنف ضد النساء، وجاء في التقرير انه استنادا إلى النساء الوافدات على 11 مركزا للاستماع سنة 2012، سجل أن 5542 امرأة تعرضن للعنف، 6 منهن حالات قتل، 688 أصبحن بدون مأوى، إضافة الى 47 حالة حرق و23 أصبن بعاهات مستديمة و35 حالة إجهاض لها ارتباط بفعل من أفعال العنف، كما قتلت ست نساء مغربيات خلال 2012 بسبب تعرضهن للعنف.

“إرث ثقافي ثقيل يجب التخلص منه”

خلق آليات للتتبع والمراقبة لرصد عمليات العنف ضد النساء وحتى سن القوانين “لن يكون كافيا إذا لم نتخلص من الإرث الثقافي الذي يجعل من العنف ضد المرأة أمرا عاديا ويجعل من احتجاج المرأة على هذا الوضع فضيحة أخلاقيا وخروجا عن العادات والتقاليد” تقول ثورية بوعبيد عضوة منظمة العفو الدولية في تصريح لـDW عربية.

ثورية بوعبيد والتي كانت من بين المشاركات في الصياغة النهائية للمذكرة التي رفعت إلى رئيس الحكومة المغربية، أشارت إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية لكل منطقة “لذلك يجب وضع استراتيجية وطنية يكون هدفها هو القضاء على جميع الصور النمطية حول المرأة في المجتمع المغربي”.

كما أنه يجب التركيز على العالم القروي لأن الدراسة التي قامت بها مبادرة “قوة النساء” أثبتت أن امرأة من بين ثلاث نساء تعرضن للعنف في الوسط القروي “وهذا أمر طبيعي لأنه كلما ازداد الفقر الجهل والتهميش كلما ازدادت حدة العنف اتجاه المرأة”.

كما أشارت ثورية بوعبيد إلى دور هذه المبادرة في أن تعيد للمرأة اعتبارها في الوسط القروي حيث “لقيت المبادرة إقبالا كبيرا من طرف النساء القرويات اللاتي اعترفن بأنهن لأول مرة يعرفن أن القانون يحميهن من العنف”، غير أن تورية بوعبيد تشير في حديثها لـ DW عربية إلى مسألة مهمة وهي “دور المؤسسة الدينية لأنها لها قدرة كبيرة على إقناع الناس لذلك يجب استخدام المساجد لتعميم ثقافة حقوق الإنسان وثقافة المساواة”.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-21
  • 5981
  • من الأرشيف

“قوة النساء” تقود انتفاضة نسائية ضد العنف في المغرب

“قوة النساء”، مبادرة أطلقتها هيئات مغربية تدافع عن حقوق المرأة بدعم من مؤسسات أوروبية ودولية، والهدف منها مكافحة العنف ضد المرأة. المبادرة تلقى اهتماما ملحوظا من قبل النساء في القرى حيث تتفشى ظاهرة العنف ضد المرأة. بعيون متطلعة تتابع خديجة.د ندوة نظمتها مبادرة “قوة النساء” تحت عنوان “لا تسامح مع العنف ضد النساء”، الخديجة السيدة ذات 36 ربيعا والقادمة من منطقة الخميسات (80 كيلومترا شرق العاصمة الرباط)، كانت هي نفسها إحدى ضحايا العنف، فقد كانت علامات التأثر واضحة على وجهها أثناء الندوة وكانت تغالب دموعها وهي تتذكر تفاصيل تجربتها المريرة مع زوجها، والتي روت لـ DW عربية بعضا منها. ضرب النساء فيه ألوان تروي خديجة أنها تزوجت في سن السادسة عشر من رجل لا تعرف عنه شيئا سوى أنه يقطن في نفس “الدوار”(حي في القرية) الذي تسكن فيه. خلال السنوات الأولى كانت الأمور طبيعية، “كان يصرخ في وجهي ويعاملني معاملة سيئة لكن هذا كان أمرا عاديا في مجتمعنا لذلك لم أكن أشتكي”. غير أن حياة خديجة ستتحول إلى جحيم بعد أصبح زوجها مدمنا على الكحول، حيث أصبح يعود كل يوم إلى البيت متأخرا “كان ينعتني بأقذع الأوصاف وكلما كنت أحتج على هذا الوضع كان يضربني بقسوة”. زوج خديجة الذي كان يشتغل في الأسواق الأسبوعية في البوادي تفنن في تعذيب زوجته، حيث لم يعد يكتفي فقط بالضرب وإنما “أصبح في الكثير من الأحيان يقيدني من يدي ويغلق فمي حتى لا أصرخ وأحيانا أخرى يطفئ أعقاب السجائر على جسدي”، تقول خديجة لـ DW عربية قبل أن تخرج حزمة من الشواهد الطبية من حقيبتها والتي تثبت أنها تعرضت للضرب والتعنيف. ظلت خديجة على هذه الحالة إلى أن جاءت مبادرة “قوة النساء” والتي استندت إلى دراسة حول العنف ضد النساء، فلما عرضت خديجة حالتها على أصحاب المبادرة وفهمت منهم أنها يمكنها أن تطلب الطلاق وأن ترفع دعوى ضد هذا الرجل الذي ضيع عليها أحسن سنوات عمرها، “كنت خائفة من كلام الناس ومن أن يقولوا بأني بعثت زوجي إلى السجن وأيضا لأني لم أكن أعرف أن القانون يمكن أن ينصفني”. تحكي خديجة وقد اغرورقت عيناها بالدموع، لكن حال خديجة هو حال الكثير من النساء اللاتي يجهلن أن القانون من الممكن أن ينصفهن وبأنه لا يمكن أن يسكتن عن الظلم، “مبادرة قوة النساء أعطتني الثقة لذلك قررت الطلاق وأنا الآن أشتغل كعاملة نظافة في إحدى المؤسسات في الرباط، وأشعر بأنني قد بدأت حياة جديدة بعيدا عن الإهانة” تقول خديجة، وقد غالبت دموعها وعلامات الرضى واضحة على وجهها. “آن للنساء أن يقلن: كفى من العنف” مبادرة “قوة النساء” التي أشرفت عليها عدد من الجمعيات من بينها اتحاد العمل النسائي ومنظمة العفو الدولية فرع المغرب والبعثة الأوروبية في المغرب، كانت مبادرة لإسماع صوت المرأة التي ظلت تعاني من العنف لسنوات على مرأى ومسمع من المجتمع دون أن تتجرأ الحكومة على وضع قوانين زجرية للحد من الظاهرة، لذلك قرر أصحاب المبادرة رفع رسالة إلى رئيس الحكومة تقول “لا تسامح مع العنف ضد النساء ولا صمت بعد اليوم”: هذه الرسالة التي تتوفر DW عربية على نسخة منها جاءت كخلاصة لدراسة شملت أربع مناطق في المغرب: الخميسات، خريبكة، بني ملال، الدار البيضاء. ومن أبرز مضامينها أنها سجلت “أنه على الرغم من الإنجازات التي تحققت في ظل الحكومات السابقة من خلال مدونة الأسرة ومضامين دستور 2011 إلا أن فعالية هذه الإنجازات تبقى محدودة”. وقالت المذكرة بأنه “حان الوقت لكي نقول كفى من العنف ضد النساء والمطالبة بملاءمة شاملة لكل تشريعاتنا الوطنية مع الالتزامات الوطنية”. وكان من بين خلاصات هذه المذكرة التي قامت برصد الفضاءات التي تتعرض فيها النساء للعنف بشكل أكبر “المجال الأسري والحياة الزوجية والشارع العام ومؤسسات التربية والتكوين هي أكثر الأماكن التي تتعرض فيها النساء للعنف”. وفيما يخص أنواع العنف الممارس على المرأة فقد سجلت المنظمة أنها تشمل “جميع أنواع العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والجنسي والعنف الناتج عن انتهاك الحرية الفردية للمرأة”. المذكّرة المرفوعة إلى رئيس الحكومة دعت إلى إنشاء خلايا اليقظة لرصْد انتهاكات حقوق المرأة بمختلف القطاعات والفضاءات. كان مرصد “عيون نسائية”(غير حكومي) قد اصدر قبل بضعة أسابيع تقريرا يدق من خلاله الناقوس إزاء خطر تفاقم العنف ضد النساء، وجاء في التقرير انه استنادا إلى النساء الوافدات على 11 مركزا للاستماع سنة 2012، سجل أن 5542 امرأة تعرضن للعنف، 6 منهن حالات قتل، 688 أصبحن بدون مأوى، إضافة الى 47 حالة حرق و23 أصبن بعاهات مستديمة و35 حالة إجهاض لها ارتباط بفعل من أفعال العنف، كما قتلت ست نساء مغربيات خلال 2012 بسبب تعرضهن للعنف. “إرث ثقافي ثقيل يجب التخلص منه” خلق آليات للتتبع والمراقبة لرصد عمليات العنف ضد النساء وحتى سن القوانين “لن يكون كافيا إذا لم نتخلص من الإرث الثقافي الذي يجعل من العنف ضد المرأة أمرا عاديا ويجعل من احتجاج المرأة على هذا الوضع فضيحة أخلاقيا وخروجا عن العادات والتقاليد” تقول ثورية بوعبيد عضوة منظمة العفو الدولية في تصريح لـDW عربية. ثورية بوعبيد والتي كانت من بين المشاركات في الصياغة النهائية للمذكرة التي رفعت إلى رئيس الحكومة المغربية، أشارت إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية لكل منطقة “لذلك يجب وضع استراتيجية وطنية يكون هدفها هو القضاء على جميع الصور النمطية حول المرأة في المجتمع المغربي”. كما أنه يجب التركيز على العالم القروي لأن الدراسة التي قامت بها مبادرة “قوة النساء” أثبتت أن امرأة من بين ثلاث نساء تعرضن للعنف في الوسط القروي “وهذا أمر طبيعي لأنه كلما ازداد الفقر الجهل والتهميش كلما ازدادت حدة العنف اتجاه المرأة”. كما أشارت ثورية بوعبيد إلى دور هذه المبادرة في أن تعيد للمرأة اعتبارها في الوسط القروي حيث “لقيت المبادرة إقبالا كبيرا من طرف النساء القرويات اللاتي اعترفن بأنهن لأول مرة يعرفن أن القانون يحميهن من العنف”، غير أن تورية بوعبيد تشير في حديثها لـ DW عربية إلى مسألة مهمة وهي “دور المؤسسة الدينية لأنها لها قدرة كبيرة على إقناع الناس لذلك يجب استخدام المساجد لتعميم ثقافة حقوق الإنسان وثقافة المساواة”.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة