وسط حلب القديمة، تتربع قلعة حلب على عرشها، يرفرف فوقها العلم السوري وتحيط بها مجموعة مبان أثرية، تلتهمها الحرب رويداً رويداً، تفجير تلو آخر، ونفق ولغم تلو آخر، تحول الأبنية إلى ركام.

تراقب القلعة، التي بنيت في الألف الثالث قبل الميلاد، محيطها، تستذكر تاريخها العصي "لم يستطع أي فاتح أن يدخلها بالقوة"، الآن وفي الألفية الثالثة للميلاد يهمس مسلح أنها هدف له، مهدداً بتفجيرها لـ "تحريرها"، على غرار القصر العدلي القريب، ومبنى فندق الكارلتون الأثري، ومستشفى الكندي البعيد، وغيرها من المباني التي دمّرتها الحرب وما بقي منها سوى أشباح ذكريات.

في تسجيل مصور لمسلحي "الجبهة الإسلامية"، تم تسجيله خلال حفر نفق لاستهداف مبنى فندق الكارلتون، يطل "أبو مصعب" مهدداً بتفجير قلعة حلب عن طريق حفر الأنفاق أسفلها وتلغيمها.

يقول "أبو مصعب" في الدقيقة الثامنة من التسجيل المصور، وبشكل عابر "سندمر مبنى الكارلتون والقلعة"، مشيراً إلى مجموعة أدوات استخدمت في عملية حفر النفق، ,موضحاً أن هذه العمليات تأتي تنفيذا لـ "وعد" أبو عيسى (أحمد عيسى قائد "ألوية صقور الشام" والقيادي في "الجبهة الإسلامية")، قبل أن تقوم "الجبهة الإسلامية" بتلغيم النفق وتفجيره ما تسبب بأضرار مادية كبيرة في مبنى الفندق الأثري.

فندق الكارلتون، هو مبنى أثري يواجه مدخل قلعة حلب، بناه السلطان العثماني عبد الحميد بعدما جمع ثمنه من تبرعات أهل حلب في العام 1883، حيث شيد على أنقاض قصر العدل الذي هدمه الزلزال الذي ضرب حلب في العام 1822، ليكون أول مستشفى عام في المدينة، وحمل حينها اسم "مشفى الغرباء الحميدي"، قبل أن يسمى لاحقاً "المشفى الوطني"، ثم تحول إلى مدرسة لتخريج الممرضات، قبل أن يتم ترميمه ويتحول إلى فندق سياحي.

وتسبب التفجير الذي استهدف القسم الخلفي منه بتدمير معظم أجزائه الخلفية (هي أجزاء ملحقة حديثة البناء) في حين بقيت واجهته سليمة ظاهرياً فيما تعرّضت جدرانه لتصدعات خطيرة لم تظهر نتائجها بعد.

وفي هذا السياق، كشف مصدر ميداني لـ"السفير"، أن النفق الذي حفره المسلحون امتد من مبنى قريب في منطقة السفاحية (فندق حديث البناء قريب من فندق الكارلتون)، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن طبيعة التربة في حلب القديمة تساعد بشكل كبير على حفر الأنفاق كونها كلسية من الحوار الهش القابل للتفتت، نافياً ما ادعاه مسلحو "الجبهة الإسلامية" أن حفر النفق امتد لنحو شهرين وأنه بعمق عشرة أمتار تحت الأرض.

وقال المصدر إن "النفق قريب من سطح الأرض وهذا واضح من الفيلم، فلا يوجد فيه انحدار تدريجي، ووفق ما هو ظاهر لا يتجاوز عمقه المترين، ويمتد إلى مبنى قريب مجاور لمبنى فندق الكارلتون، وقد وصل بهم الحفر إلى أسفل الفندق من الخلف".

وأضاف "قاموا بالأمر ذاته خلال محاولة تفجير قصر العدل قبل فترة، وحتى مبنى غرفة الزراعة الذي يقع على الدوار بالقرب من مفرق خان الوزير، تعرض للتفجير بالطريقة ذاتها قبل نحو عام".

بدوره، وصف وزير السياحة السوري المهندس بشر يازجي، في حديث إلى "السفير"، منفذي التفجير الذي استهدف الفندق بأنهم "قوى تخلف وظلام"، قائلاً إن "الأذى الذي لحق بالفندق يضعنا مجدداً أمام مثال جديد يؤكد لنا أننا في حرب على كل ما هو جميل في بلادنا"، معتبراً أن "قوى التخلف والظلام تحاول حجبنا عن نور الحضارة وتحاول احتجازنا رهائن للقُبحِ والعتمة والدمار".

وأضاف يازجي أن "الدماء التي سالت وما زالت تسيل في حلب وفي سوريا ككل لا تقبل بعد اليوم أنصاف المواقف، نحن ندفع ثمن وقوفنا مع الحق وعلينا أن نكون يداً واحدة في وجه الإرهاب وصنّاعه ومموليه".

وبالعودة إلى التهديد بتفجير قلعة حلب، كشف مصدر ميداني لـ"السفير"، نقلاً عن خبير ألماني زار حلب القديمة مؤخراً واطّلع على بعض الدمار الذي لحق بها جراء المعارك، أن القيادي المعارض المسؤول عن منطقة حلب القديمة (قائد قطاع المدينة القديمة) أحمد فلاحة الملقب بـ"أبي فلاح"، أخبره أن المسلحين ينوون تفجير القلعة لاستهداف قناص مزعوم موجود فيها.

إلا ان المهندس والباحث فتح الله راهبة رأى أن "تفجير القلعة هو أمر صعب للغاية، وذلك بسبب وجود الخندق المحيط بالقلعة، والذي يحميها من أية محاولة حفر أنفاق لاستهدافها".

وبالرغم من تقليل راهبة من إمكان وصول المسلحين إلى القلعة عبر الأنفاق لاستهدافها، إلا انه كشف أن القلعة تعرضت جراء التفجيرات التي وقعت في محيطها (الكارلتون، قصر العدل) إلى خلخلة فيها، ولفت إلى أن "القلعة باتت في خطر جراء هذه التفجيرات. حدوث زلزال بقوة خمس درجات على مقياس ريختر قد يؤدي إلى تدميرها".

يشار إلى أن حلب القديمة لا تضم أي مقر أمني، ومنذ اقتحام المسلحين لها في منتصف العام 2012، خسرت مجموعة كبيرة من المباني القديمة، والكنائس والمساجد، والأسواق الأثرية، كما تعرضت تحف وآثار للسرقة والنقل إلى خارج سوريا، وهو ما علق عليه مصدر ميداني بالقول إنه "منذ دخول المسلحين إلى هذه المنطقة الأثرية وهي تفقد معالمها تدريجاً، فهم لا يدركون قيمة هذه المنطقة، ولا يعرفون حجم الدمار الذي تسببوا به"، مضيفاً أنه "منذ دخولهم لم يحرزوا أي تقدم، ولم يسجل لهم أي انتصار، باستثناء هذا الدمار الذي لحق بالمكان، والذي سيلحق به إذا تابعوا تفجيراتهم".

  • فريق ماسة
  • 2014-02-16
  • 6418
  • من الأرشيف

"الجبهة الإسلامية" تهدد بتفجير قلعة حلب

وسط حلب القديمة، تتربع قلعة حلب على عرشها، يرفرف فوقها العلم السوري وتحيط بها مجموعة مبان أثرية، تلتهمها الحرب رويداً رويداً، تفجير تلو آخر، ونفق ولغم تلو آخر، تحول الأبنية إلى ركام. تراقب القلعة، التي بنيت في الألف الثالث قبل الميلاد، محيطها، تستذكر تاريخها العصي "لم يستطع أي فاتح أن يدخلها بالقوة"، الآن وفي الألفية الثالثة للميلاد يهمس مسلح أنها هدف له، مهدداً بتفجيرها لـ "تحريرها"، على غرار القصر العدلي القريب، ومبنى فندق الكارلتون الأثري، ومستشفى الكندي البعيد، وغيرها من المباني التي دمّرتها الحرب وما بقي منها سوى أشباح ذكريات. في تسجيل مصور لمسلحي "الجبهة الإسلامية"، تم تسجيله خلال حفر نفق لاستهداف مبنى فندق الكارلتون، يطل "أبو مصعب" مهدداً بتفجير قلعة حلب عن طريق حفر الأنفاق أسفلها وتلغيمها. يقول "أبو مصعب" في الدقيقة الثامنة من التسجيل المصور، وبشكل عابر "سندمر مبنى الكارلتون والقلعة"، مشيراً إلى مجموعة أدوات استخدمت في عملية حفر النفق، ,موضحاً أن هذه العمليات تأتي تنفيذا لـ "وعد" أبو عيسى (أحمد عيسى قائد "ألوية صقور الشام" والقيادي في "الجبهة الإسلامية")، قبل أن تقوم "الجبهة الإسلامية" بتلغيم النفق وتفجيره ما تسبب بأضرار مادية كبيرة في مبنى الفندق الأثري. فندق الكارلتون، هو مبنى أثري يواجه مدخل قلعة حلب، بناه السلطان العثماني عبد الحميد بعدما جمع ثمنه من تبرعات أهل حلب في العام 1883، حيث شيد على أنقاض قصر العدل الذي هدمه الزلزال الذي ضرب حلب في العام 1822، ليكون أول مستشفى عام في المدينة، وحمل حينها اسم "مشفى الغرباء الحميدي"، قبل أن يسمى لاحقاً "المشفى الوطني"، ثم تحول إلى مدرسة لتخريج الممرضات، قبل أن يتم ترميمه ويتحول إلى فندق سياحي. وتسبب التفجير الذي استهدف القسم الخلفي منه بتدمير معظم أجزائه الخلفية (هي أجزاء ملحقة حديثة البناء) في حين بقيت واجهته سليمة ظاهرياً فيما تعرّضت جدرانه لتصدعات خطيرة لم تظهر نتائجها بعد. وفي هذا السياق، كشف مصدر ميداني لـ"السفير"، أن النفق الذي حفره المسلحون امتد من مبنى قريب في منطقة السفاحية (فندق حديث البناء قريب من فندق الكارلتون)، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن طبيعة التربة في حلب القديمة تساعد بشكل كبير على حفر الأنفاق كونها كلسية من الحوار الهش القابل للتفتت، نافياً ما ادعاه مسلحو "الجبهة الإسلامية" أن حفر النفق امتد لنحو شهرين وأنه بعمق عشرة أمتار تحت الأرض. وقال المصدر إن "النفق قريب من سطح الأرض وهذا واضح من الفيلم، فلا يوجد فيه انحدار تدريجي، ووفق ما هو ظاهر لا يتجاوز عمقه المترين، ويمتد إلى مبنى قريب مجاور لمبنى فندق الكارلتون، وقد وصل بهم الحفر إلى أسفل الفندق من الخلف". وأضاف "قاموا بالأمر ذاته خلال محاولة تفجير قصر العدل قبل فترة، وحتى مبنى غرفة الزراعة الذي يقع على الدوار بالقرب من مفرق خان الوزير، تعرض للتفجير بالطريقة ذاتها قبل نحو عام". بدوره، وصف وزير السياحة السوري المهندس بشر يازجي، في حديث إلى "السفير"، منفذي التفجير الذي استهدف الفندق بأنهم "قوى تخلف وظلام"، قائلاً إن "الأذى الذي لحق بالفندق يضعنا مجدداً أمام مثال جديد يؤكد لنا أننا في حرب على كل ما هو جميل في بلادنا"، معتبراً أن "قوى التخلف والظلام تحاول حجبنا عن نور الحضارة وتحاول احتجازنا رهائن للقُبحِ والعتمة والدمار". وأضاف يازجي أن "الدماء التي سالت وما زالت تسيل في حلب وفي سوريا ككل لا تقبل بعد اليوم أنصاف المواقف، نحن ندفع ثمن وقوفنا مع الحق وعلينا أن نكون يداً واحدة في وجه الإرهاب وصنّاعه ومموليه". وبالعودة إلى التهديد بتفجير قلعة حلب، كشف مصدر ميداني لـ"السفير"، نقلاً عن خبير ألماني زار حلب القديمة مؤخراً واطّلع على بعض الدمار الذي لحق بها جراء المعارك، أن القيادي المعارض المسؤول عن منطقة حلب القديمة (قائد قطاع المدينة القديمة) أحمد فلاحة الملقب بـ"أبي فلاح"، أخبره أن المسلحين ينوون تفجير القلعة لاستهداف قناص مزعوم موجود فيها. إلا ان المهندس والباحث فتح الله راهبة رأى أن "تفجير القلعة هو أمر صعب للغاية، وذلك بسبب وجود الخندق المحيط بالقلعة، والذي يحميها من أية محاولة حفر أنفاق لاستهدافها". وبالرغم من تقليل راهبة من إمكان وصول المسلحين إلى القلعة عبر الأنفاق لاستهدافها، إلا انه كشف أن القلعة تعرضت جراء التفجيرات التي وقعت في محيطها (الكارلتون، قصر العدل) إلى خلخلة فيها، ولفت إلى أن "القلعة باتت في خطر جراء هذه التفجيرات. حدوث زلزال بقوة خمس درجات على مقياس ريختر قد يؤدي إلى تدميرها". يشار إلى أن حلب القديمة لا تضم أي مقر أمني، ومنذ اقتحام المسلحين لها في منتصف العام 2012، خسرت مجموعة كبيرة من المباني القديمة، والكنائس والمساجد، والأسواق الأثرية، كما تعرضت تحف وآثار للسرقة والنقل إلى خارج سوريا، وهو ما علق عليه مصدر ميداني بالقول إنه "منذ دخول المسلحين إلى هذه المنطقة الأثرية وهي تفقد معالمها تدريجاً، فهم لا يدركون قيمة هذه المنطقة، ولا يعرفون حجم الدمار الذي تسببوا به"، مضيفاً أنه "منذ دخولهم لم يحرزوا أي تقدم، ولم يسجل لهم أي انتصار، باستثناء هذا الدمار الذي لحق بالمكان، والذي سيلحق به إذا تابعوا تفجيراتهم".

المصدر : السفير /علاء حلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة