دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
«ليس أمام المقاتلين المحتشدين في يبرود سوى أمرين، إما الرضوخ لمصالحة أو الهروب بعيدا»، كما يلخص، لـ«السفير»، مصدر واسع الاطلاع على تطورات الساعات الأخيرة، في الجبهة الأكثر اشتعالا في جبال القلمون، والأبرز أمام بسط سيطرة واسعة للجيش على المنطقة.
ومنذ أواسط الأسبوع الماضي كثف الطيران الحربي والطوافات والمدفعية القريبة، قصفا منظما وتكتيكيا للمزارع المحيطة بالمدينة ولأهداف داخلها، حددتها جولات طويلة ومستمرة حتى أمس، لطيران الاستطلاع من دون طيار في المنطقة.
ومقابل اشتداد الاستعداد للمعركة البرية التي يسعى الجيش للحد من خسائرها المحتملة، ماديا وبشريا، استنفرت الفصائل المسلحة، وأبرزها «جبهة النصرة» التي تدير «غرفة عمليات القلمون» في الحشد، ووزعت بيانات تدعو إلى «الاستعداد لمعركة قالت إن موعد بدئها قد يكون الساعة الواحدة والنصف فجر يوم الخميس المقبل»، معلنة أنها «معركة ضد الروافض» وحددتها بالحكم في دمشق و«حزب الله» في لبنان.
وأعلنت «النصرة»، في بيان، أنها ستكون «بالمرصاد لأية محاولة تقدم لحزب إيران حزب الله»، متوعدة «بعشرات الانتحاريين الانغماسيين وبمفاجآت» على خطوط الجبهة الممتدة بين رنكوس ومعلولا ومزارع ريما وصولا إلى يبرود.
ووضع الجيش السوري تكتيكا استغرق وقتا طويلا للإعداد، وتخللته فترات انقطاع لأسباب مختلفة، من أبرزها سقوط مدينة عدرا العمالية، بيد كتائب «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» نهاية العام الماضي، إضافة إلى صعوبة التموضع جغرافيا في المنطقة نتيجة الشتاء القارس، وتلبد الأجواء ما صعب عمليات الاستطلاع. ويهدف التكتيك كما يبدو إلى تجميع المقاتلين في نقطة واحدة، ومحاصرتهم باتجاه منفذ جبلي وحيد يقود إلى السلسلة الجبلية المطلة على لبنان، على أمل فتح المجال أمام تسوية بالنسبة للمقاتلين السوريين وتهميش الأجانب ما يدفعهم للهروب نحو الجبال مجددا.
وحتى الآن ما من بوادر تشير إلى إمكانية حصول «مصالحة»، شبيهة بتلك التي حدثت في مناطق أخرى في ريف دمشق. ومن بين العراقيل، تعقيدات التواجد المسلح في المنطقة، والذي ينظر إلى «حزب الله» باعتباره شريكا في المعركة، الأمر الذي يمنع حصول تسويات، ولا سيما في ظل وجود مقاتلين أجانب، لبنانيين وغير لبنانيين، يعتبرون معركتهم ضد الحزب «معركة مقدسة».
كما أن التسوية، التي ترغب بها الحكومة، يجب أن تخضع لاعتبارات المنطقة التي لا زالت سيطرة الجيش فيها مبعثرة، بين الطريق الدولي الذي يشرف عليه، ومناطق خلفه ظلت حتى اللحظة خزانا لوجستيا للفصائل المسلحة، ومناطق مراوغة تكتيكية، بالنظر لتجربة استعادة قارة، وما لحق بها من معارك على الخط الجغرافي ذاته في دير عطية والنبك ولاحقا عدرا. كما ان هناك عاملين، الأول اجتماعي - سياسي، والثاني اقتصادي. وفي ما يتعلق بالأول، فقد نزحت مئات العائلات ممن كانت «بيئة حاضنة للمسلحين والمعارضة» باتجاه يبرود من مناطق عديدة سيطر عليها الجيش السوري، بين ابرزها القصير وقارة والنبك، وبعضها، وفقا لما تشير مصادر في المعارضة، بدأ رحلة مشابهة باتجاه لبنان.
أما العامل الاقتصادي فمرتبط بشكل وثيق أيضا مع لبنان، وكان عاملا أساسيا في تغذية الحرب الدائرة، بالسلاح والمال، عبر طرق التهريب التي من المستحيل السيطرة عليها بشكل تام.
ووفقا للمصدر السابق، فقد ركز الجيش عمليته حتى أمس على قطع كل طرق الإمداد عن المدينة. وأقامت قوات النخبة السواتر استعدادا للتمركز على مداخل المدينة. واستخدم الجيش مدافع ثقيلة مطلة على مزارع ريما، فيما شن الطيران الحربي، بدءا من صباح أمس، غارات على أهداف داخل يبرود، بالقرب من المخفر والنادي الرياضي ووسط منطقة السوق والقاعة. وذكر «المرصد السوري لحقوق الانسان» ان الطيران شن 20 غارة على المنطقة.
وأعلن متابعون لتحركات الجيش أنه دخل قرية الجراجير القريبة من يبرود. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر عسكري إن «وحدات من الجيش أحكمت سيطرتها الكاملة على بلدة الجراجير والمزارع المحيطة بها المتاخمة لبلدة عرسال اللبنانية بعد القضاء على آخر تجمعات الإرهابيين فيها».
واعترفت صفحات التواصل الاجتماعي، المقربة من المعارضة، بسقوط قتلى من المقاتلين، بينهم 40 مقاتلا من «جبهة النصرة»، كما أعلنت انقطاع الاتصالات مع المدينة، ومنعت نشر أخبار المعارك في كل من مزارع ريما ويبرود «حفاظا على سرية تحرك المجاهدين».
وقال معارضون أن طيران الجيش ألقى منشورات أنذر فيها المقاتلين من المعركة المقبلة، مطالبا «بتقدمهم نحو مساعي مصالحة وطنية، ورفع العلم السوري على مباني البلدة الرئيسية».
وقال مصدر امني سوري، لوكالة «فرانس برس»، إن العمليات العسكرية في يبرود تدخل في إطار «العمل الروتيني الذي يستهدف العصابات الإرهابية المسلحة».
وقال المتحدث باسم «لواء الغرباء» أبو انس لوكالة «رويترز»، إن «مقاتلي حزب الله وقوات (الرئيس بشار) الأسد يحاولون اتخاذ مواقع على قمم التلال القريبة لمهاجمة يبرود»، مضيفا أن «مقاتلي المعارضة يصدون الهجوم على يبرود، وأن المستشفى امتلأ بالجرحى».
والبلدة التي تبعد 35 كيلومترا عن دمشق، تعتبر موقعا رئيسيا للمعارضة، وتخضع لإدارة مدنية معارضة منذ عامين، كما تقيّم كنقطة ارتكاز رئيسية لحركة عبور المقاتلين بين سوريا ولبنان. ويقيم في المدينة ما يقارب 60 ألف مدني، جلهم من النازحين من مناطق أخرى.
إلى ذلك، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، «ارتفع عدد القتلى الذين سقطوا الثلاثاء في غارات بالبراميل المتفجرة على حي الصاخور في حلب الواقع تحت سيطرة المسلحين الى 27، بينهم أطفال». وأضاف «قتل تسعة أشخاص، بينهم ستة أطفال، في غارات جوية على مدينة طفس في محافظة درعا». وتابع «قتل 4959 شخصا منذ بدء مؤتمر جنيف 2 في 22 كانون الثاني، وان المعدل اليومي لضحايا أعمال العنف هو الأعلى منذ ذلك التاريخ في سوريا، وقد بلغ 236 قتيلا في اليوم».
من جهة أخرى، استؤنفت عملية إجلاء المدنيين وإدخال المساعدات إلى الأحياء المحاصرة في مدينة حمص. وقال محافظ حمص طلال البرازي «تم إجلاء 217 مدنيا من مدينة حمص القديمة، والعملية جرت بشكل سلس وجيد»، مشيرا الى ان «بين المدنيين الذين سيتم إجلاؤهم 20 مسيحيا خرجوا سيرا على الأقدام من حي بستان الديوان إلى حي جورة الشياح». وبذلك يكون عدد الخارجين من الأحياء المحاصرة في حمص تجاوز 1400 منذ الجمعة الماضي.
وأعلن البرازي أن «شاحنات المساعدات الغذائية تمكنت من الدخول إلى حمص القديمة». وأوضح مدير العمليات في الصليب الأحمر خالد عرقسوسي انه تم إدخال 190 حصة غذائية و4700 كيلوغرام من الطحين إلى الأحياء المحاصرة.
وأشار البرازي إلى أن السلطات السورية «قامت بتسوية أوضاع 111 شخصا» من الخارجين من حمص، و«تحفظت على 34 آخرين في انتظار التدقيق بأوضاعهم». وأعلن انه يمكن تمديد مهلة وقف إطلاق النار التي انتهت مساء أمس إذا كان هناك أشخاص يريدون مغادرة المناطق المحاصرة.
المصدر :
السفير / زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة