دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عشية الذكرى الخامسة والثلاثين لانتصار الثورة الاسلامية الايرانية لايستطيع احد مهما كان موقفه جاحدا من هذه الثورة ان ينكر حصادها الوفير الذي حققته للشعب الايراني ولايستطيع ان يتجاهل قدرتها الفائقة في مواجهة التحديات والدفع بإيران الى تبوأ مكانة القوة الاقليمية المهابة الجانب والمؤثرة في احداث المنطقة بل والصانعة لها في احيان كثيرة وكيف غدت الرقم الصعب في وحه قوى الظلم والعدوان رغم ان خطط هذه القوى الاكبر في العالم سعت الى هزيمتها منذ لحظة ولادتها وهي مستمرة في الرهان على اسقاطها ..
من هنا يمكن القول انه لم تتعرض ثورة في العالم لسهام الخصوم دون توقف كما تعرضت الثورة الايرانية فعلى مدى خمسة وثلاثين عاما من عمر الثورة لم تتراجع صولات وجولات الاعداء ضدها وكانت الرهانات على اسقاطها من الاحلام التي لاتموت لدى من ناصبها العداء قبل ان ترى النور ووسط هذا الزحام من تقاطع حراب قوى الاستكبار العالمي فوق رأس الثورة الايرانية كانت عملية البناء والتغيير تسابق الزمن لولادة ايران الجديدة المتطورة على كل الاصعدة وفي هذا تكمن الغاز الثورة واسرارها في مواجهة حشود المتربصين والحالمين بانهيار تجربة الثورة الخمينية في اية لحظة ..
ما كان العقل الامريكي الاستعماري يصدق ان ايران يمكن ان تخرج عن الطوق بعد هيمنة امريكية امتدت لعقود طويلة من خلال صنيعها شاه ايران الذي كان اقرب حكام الارض لواشنطن وماكانت قوى الغرب كلها تصدق ان ثورة الملالي كما كانوا يسمونها يمكن ان تعيش وتستمر في هذا العصر او يمكن ان تحقق نهضة علمية على النحو الذي وصلت اليه من تخطي عتبة التكنولوجيا النووية الى الانطلاق بالاقمار الصناعية الى الفضاء وهذه القوى تقف مذهولة اليوم امام ثورة لم تصمد فقط خمس وثلاثين عاما في وجه اعتى انواع الضغوط والحصار والتهديد وانما أمام قوة اقليمية صاعدة تمتلك اهم معادلات المنطفة ومفاتيحها ..
جملة من الرهانات الامريكية والغربية اجتمعت كلها بحقد عجيب لاسقاط الثورة الايرانية ولولا ان كانت هذه الثورة تشكل خطرا حقيقيا على اطماعهم في المنطقة لما اجتمع كل هذا العداء الاستعماري ضدها ولو كانت الثورة هشة وتفتقد لارضية شعبية واسعة لما صمدت في وجه كل محاولات اسقاطها من الغزو العسكري الامريكي المباشر بالطائرات اثناء استيلاء الطلبة الايرانيين على السفارة الامريكية في طهران الى فرض كل انواع الحصار البحري والجوي وقطع العلاقات الدبلوماسية ومنع تصدير النفط الايراني الى محاولة تقويض مقومات العملة الايرانية كليا وتجويع الشعب الابراني .. وكان ايمان هذا الشعب بالثورة والتعلق بها يزداد طردا مع ازدياد حماقة الغرب ضد ها بصورة ادهشت العالم ودفعت بفيلسوف فرنسي من وزن ميشيل فوكو لوصف هذا الاجماع الشعبي الايراني حول الثورة بالروحانية السياسية التي يرى انها انتصار على الاستبداد الرأسمالي الديكتاتوري العالمي الذي بدأ يتداعى في كل مكان ..
لقد راهنت القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية على إسقاط الثورة الايرانية في البداية من الخارج وقبل ان تخطو خطواتها الاولى عندما حرضت نظام صدام حسين بما يمتلك من قوة عسكرية هائلة على الاصطدام بها وكسرها في مهدها ولكن بعد ثماني سنوات من هذه الحرب المجنونة خرجت ايران بعزيمة اشد وبخبرات اكثر لبناء قوتها الدفاعية والعسكرية ومواجهة التحديات المفروضة عليها من امريكا ودول الغرب .. وكان الرهان الثاني يقوم على اسقاطها من الداخل بافتعال الفتن و تحريك الثورة المضادة بزعامة منظمة مجاهدي خلق واستغلال مناسبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية لاحداث شروخ وتصدعات تطيح بالثورة الا ان الالتفاف الشعبي الكبير حول الثورة ومبادئها واهدافها قطع الطريق امام هذه المحاولات البائسة واظهرت نسبة المشاركين العالية في اية عملية انتخابية نجاح تجربة الديموقراطية المتفردة التي تبنتها الثورة الايرانية ..
اما الرهان الثالث على اسقاطها فكان يقوم على شن العدوان العسكري المباشر من قبل امريكا والكيان الصهيوني مدعوما من كل دول الغرب تحت ذريعة ضرب البرنامج النووي الايراني قبل ان يصل بايران لامتلاك القبلة الذرية وعندما باء مسلل التهديد باستخدام القوة بالفشل ضربوا حول ايران لسنوات حصارا اقتصاديا دوليا بهدف خنق الثورة ولجم تقدم برامجها العلمية والعسكرية والاقتصادية وبالتالي تركيعها ولكن الثورة الايرانية استطاعت بصبر وأناة وحكمة سياسية متناهية كسر الحصار الاقتصادي وحققت اعجازات صناعية وعلمية تحت الحصار وحولت الضغوط الى فرص للاعتماد على الذات وفتح الابواب امام القدرات الابداعية للعقول الايرانية المبدعة والاستغناء عن الوصفات الغربية الملغومة .. وتوج ذلك مؤخرا في اضطرار الدول الغربية الى توقيع الاتفاق النووي مع ايران الذي كرس اعتراف القوى الغربية بحق ايران في الصناعة النووية للاغراض السلمية واجبار واشنطن على الافراج عن الودائع الايرانية المجمدة ورفع العقوبات الاقتصادية ولو تدريجيا والان تتسابق باريس وعواصم الغرب الاخرى الى طهران للحصول مشاريع استثمارية ..
لقد جعل الامام الخميني مناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم ركنا عقائديا من اركان الثورة الاسلامية في ايران وجعل قضية استرجاع القدس الشريف من ايدي الصهاينة في صلب العقيدة الايمانية للمسلمين في شتى انحاء المعمورة ورسم الجمعة الاخيرة من كل رمضان يوما عالميا للقدس كونها تخص المسلمين والمسيحين على السواء.. ورفع شعار ((اليوم إيران وغدا فلسطين)) واستبدل سفارة الكيان الصهيوني في طهران بسفارة فلسطين في الأيام الأولى لانتصار الثورة و أعلن صراحة ((أن الإسلام وشعب إيران المؤمن والجيش الإيراني الأبي يعلنون استنكارهم وشجبهم لتحالف السلطة الملكية الشاهنشاهية مع إسرائيل عدوة الإسلام وإيران .....)) ..
و ليس موقف الثورة الإيرانية من فلسطين مزاودة أو استغلال لقضية من اجل تمرير مشروع ايراني في المتطفة كما يتبجح القاعدون والعاجزون والمنبطحون تحت أحذية قادة الكيان الصهيوني بل ان هناك اعتقاد رسخه قائد الثورة ان إعادة الحقوق والأرض الفلسطينية واسترجاع القدس جزء لايجزأ من عقيدة الثورة الإيرانية شرعا ودينا وحقا وعدلا ولو كان في هذا رياء لما استمر الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية بزخم منقطع النظير ودون توقف طيلة ثلاثة عقود ونصف من عمر الثورة في وقت باع بعض أصحاب القضية قضيتهم هذه بأبخس الأثمان ..
ان الثورة الايرانية التي عرفت كيف تسقط الرهانات السابقة الواحدة تلو الاخرى قادرة وتعرف كيف تسقط الرهان الجديد الاكثر لؤما وحقدا القائم على مذهبة الصراع في المنطقة وتطويق ايران واغراقها بالفتنة الطائفية والمذهبية واستبدال الصراع الاساسي العربي الاسرائيلي بصراع مصطنع مع ايران بواسطة تيار تكفيري وهابي ظلامي هائج يعتمد على تحريك غرائز الاجرام والبغضاء واستئصال الآخر ..
المصدر :
الماسة السورية/ د تركي صقر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة